يرى مراقبون أن "حزب الله" خطط لـ"اشتباكات مدروسة" عبر الحدود بين لبنان وإسرائيل، لإبقاء القوات الإسرائيلية "منشغلة"، بينما استبعد خبراء ومحللون تحدثوا لـ"الشرق" إمكانية "تورط" الجماعة في الحرب الدائرة إلا في حال تجاوز إسرائيل "الخطوط الحمراء"، فيما رجحت وثيقة استخباراتية أميركية ألا يشن "حزب الله" هجوماً على إسرائيل.
اكتفى "حزب الله" اللبناني بتدخل محدود النطاق حتى الآن، في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وسط دعوات بعدم فتح جبهة ثانية ضد تل أبيب، وتجنب المزيد من التوتر.
وذكرت وسائل إعلام رسمية لبنانية، أن قذائف سقطت في محيط بلدتي "الضهيرة" و"علما الشعب"، اللتين شهدتا على مدى الأيام الماضية اشتباكات متكررة هي الأكثر دموية على الحدود منذ الحرب التي دارت بين "حزب الله" وإسرائيل، واستمرت شهراً في عام 2006.
"تسخين الجبهة"
الخبير الاستراتيجي والمحلل في شؤون الشرق الأوسط سامي نادر، اعتبر أن ما يحدث على الحدود اللبنانية الإسرائيلية حتى الآن، بأنه مجرّد "تسخين للجبهة، وليس لفتح الجبهة"، مشيراً إلى أن "حزب الله يتجنب حتى الآن استدراج إسرائيل إلى عمل عسكري مكلف للغاية، خاصة أن "لبنان فقد مقومات الصمود أمام عملية عسكرية واسعة أو حرباً مفتوحة، لأن البلد لا يمتلك القدرات التي كانت موجودة في عام 2006".
وقال نادر إن "قرار فتح الجبهة اللبنانية مع إسرائيل تتخذه إيران، وليس (حزب الله)، وهذا من الممكن أن يحدث في حالتين، الأولى إذا شعرت طهران أن مصير حماس على المحكّ، وهذا يتوقف على نتائج العملية العسكرية الإسرائيلية في غزّة، والثانية في حال توجيه ضربة مباشرة إلى إيران نفسها، وبالتالي طهران لا تتعجل فتح جبهة الآن طالما أن إسرائيل في مأزق، إلّا إذا نجحت الأخيرة في حربها على غزة".
وأضاف في تصريحاته لـ"الشرق": "لا شك في أن إسرائيل تعيش الآن مأزقاً، وثمة أسئلة كيف ستخوض معركة برية في غزة، كيف ستثبت معادلة الرعب وتفوقها العسكري مجدداً. كيف ستستعيد صورتها؟".
وتابع نادر: "إيران و(حزب الله)، غير مستعدتين لمنح إسرائيل ساحة انتقام تعوضها ما خسرته في عملية (طوفان الأقصى)، أو بتسهيل مخرج لها لذلك كل ما نشهده الآن هو تسخين للجبهة ليقول (حزب الله) نحن جاهزون، وشركاء في الانتصار الذي حققته (حماس)، لكن إذ ساءت الأمور كثيراً في غزّة، قد يأتي الأمر الإيراني بفتح جبهة الجنوب اللبناني".
"مناوشات منضبطة"
مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات، العميد خالد حمادة، أعرب عن اعتقاده بأن "المناوشات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لا تتجاوز حدود الرد، والرد المضاد المنضبط".
وقال حمادة لـ"الشرق": "أعتقد أنه حتى الآن لا يزال كل شيء منضبطاً، ونسأل لماذا لم يُطوّر (حزب الله) الهجوم"، معتبراً أن طهران لا تريد فتح الجبهة اللبنانية حتى الآن، وتنتظر نتيجة ما يحدث في غزة.
وأضاف: "إذا فشلت عملية غزة أو فشل الاستثمار السياسي في عملية غزة، بمعنى لم تسفر عملية وقف إطلاق النار عن مكاسب يمكن أن تقابل هذه العملية العسكرية الناجحة في الداخل الإسرائيلي، ربما في ذلك الوقت تتحرك جبهة لبنان لمزيد من الضغط على إسرائيل".
وتابع حمادة: "الهجوم البري على غزة متوقف، ولن تكون هناك مضاعفات على الجبهة اللبنانية، بانتظار ربما مسودة لوقف إطلاق نار ما، وهذا الموضوع لا يبت مع الفلسطينيين فقط. هذا يحسم مع الولايات المتحدة ومصر والسعودية، وربما بمشاركة طهران"، مشيراً إلى أن "الهجوم على غزة متوقف عند الحدود، ينتظر إشارة ما، أو تعثر ما من قبل وساطة تجري، وربما لا يعلن عنها".
ورجح ألا تدخل إسرائيل إلى غزة "لأن هذا الأمر ينتظر موافقة أميركية، وهذه الموافقة تأخذ بعين الاعتبار ردود فعل الدول العربية، وحتى أصدقاء الولايات المتحدة لا يستطيعون أن يقفوا موقف المتفرج إزاء ما يجري في غزة، لأن تبعات هذا الهجوم غير معروفة النتائج لإسرائيل طبعاً".
ورأى حمادة، أن "الفلسطينيين ليس لديهم ما يخسرونه، ولا يعقل أن ينطلق أي هجوم باتجاه قطاع غزة طالما أن إسرائيل لم تسيطر على الوضع في المستوطنات الإسرائيلية"، معرباً عن اعتقاده أن "إسرائيل لن تستطيع استعادة صورتها أمام مواطنيها، أو أمام العالم بأنها قوة قادرة على الردع".
وتابع: "هناك إعادة تعريف للدور الإسرائيلي في المنطقة، ولا يمكن لإسرائيل أن تدخل حتى في مسألة التطبيع، وأن تقول إن لها دوراً في حماية المنطقة. أعتقد أن كل هذه الإخفاقات العسكرية تطرح السؤال بشأن وظيفة إسرائيل الجديدة ودورها، وهل بإمكانها أن تستمر في عدوانيتها، وإدارة الظهر لكل محاولات التسوية في المنطقة، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، وإعطاء الفلسطينيين دولتهم المستقلة".
العميد متقاعد والباحث في الشؤون الاستراتيجية هشام جابر، يرى أن "تكرار الاشتباكات ولو بشكل محدود عند الحدود اللبنانية مع إسرائيل أمر طبيعي، وهو تطور إلى مستوى اشتباكات محدودة متبادلة مع (حزب الله) الذي قال إنه لا يبادر، بل يردّ على إسرائيل والأخيرة تردّ على الرد".
وأضاف في تصريحات لـ"الشرق": "(حزب الله) لم يفتح بعد جبهة جنوب لبنان، ولن يفتحها إلا في حالتين، الأولى إذا بدأت إسرائيل فتح الجبهة على نطاق واسع فحتماً سيرّد ويفتحها بمئات وآلاف الصواريخ ساعتها تشتعل الحرب، والثانية في حال حدث عدوان على إيران من قبل إسرائيل حتماً ستُفتح كافة الجبهات بما فيها جبهة الجنوب".
واعتبر جابر، أن "الحديث الذي يتردد بأن (حزب الله) سيدخل المعركة، وسيفتح جبهة الجنوب بمجرّد الهجوم البري على غزة هو غير صحيح، لأن الحرب ستصبح حرباً إقليمية، وهناك مسؤولية كبيرة على (حزب الله) إذا كان المبادر بفتح الجبهة، وهناك مسؤولية عليه داخل لبنان؛ لأن الشعب اللبناني الذي يدعم المقاومة التي تردع إسرائيل، وتتصدّى لها هو نفسه لن يدعم المقاومة التي تبدأ الحرب، وتأتي بالدمار إلى لبنان".
وأضاف: "لنرى نتائج الهجوم البري على غزة، وكيف ستتطوّر الأمور؛ لأنه إذا اشتعلت جبهة الجنوب في لبنان، فإن الأميركيين سيتدخلون من خلال وجود الأسطول السادس في البحر، وسيقصفون مواقع داخل لبنان، والحرب ستمتد إلى جنوب سوريا، ولن تنحصر في لبنان."
وعن الخطوط الحمراء التي لن يقبل "حزب الله" أن تتجاوزها إسرائيل في ظل الوضع الحالي، قال جابر: "قصف جنوب لبنان والقرى اللبنانية البعيدة عن الحدود وإشعال الحرب، استعمال سلاح الجو ّ بالقصف، استعمال صواريخ بعيدة المدى واستعمال البحر، هذه مؤشرات إشعال الحرب".
حرص متبادل
الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري "إنيجما"، رياض قهوجي، اعتبر أن "الوضع مضبوط على إيقاع اشتباكات وعمليات محدودة، بدليل أن طرفاً يوجه ضربة، فيقول الطرف الآخر لقد ردّيت وفجأة يقف كل شيء، هذا دليل على حرص الطرفين ألّا تنفلت الأمور.. ما يحدث هو محاولة لإظهار وحدة الساحات إنما دون نيّة لفتح الجبهة بشكل جدّي".
وأعرب قهوجي في تصريحات لـ"الشرق"، عن شكوكه في إمكانية دخول "حزب الله" المعركة بشكل واسع، قائلاً: "الحزب يتحاشى تدخلاً يؤدي إلى إحراق نفسه، فالدخول يكون مجدياً لو حدث في اليوم الأول لعملية (طوفان الأقصى)، أما الآن فلا جدوى من ذلك".
وأشار إلى أن "حزب الله"، "يجعل إسرائيل في حالة توتر من إمكانية فتح الجبهة الشمالية في أي وقت، وبالتالي يحشد نصف جيشه للجبهة الشمالية بدلاً من جبهة غزة".
وشدد قهوجي، على أن "فتح جبهة الجنوب سيقود الصراع إلى مكان آخر، ويتغيّر عنوان الحرب، وحينها ستكون إيران في قلب الصراع"، لافتاً إلى أن "(حزب الله) لا يجد مردوداً إيجابياً في إشعال الجبهة مع إسرائيل، والمراقبون كلهم يدركون أن تدخل الحزب يبدأ عندما تواجه إيران خطر الحرب بشكل مباشر".
أسلوب إرباك
الخبير الأمني والاستراتيجي، العميد ناجي ملاعب، يرى أن "(حزب الله) يتعامل مع أحداث الجنوب بالقطعة، ويتبع أسلوب إرباك إسرائيل سواء بمعرفته، أو عبر السماح لفصائل فلسطينية بإطلاق قذائف باتجاه إسرائيل".
وقال إن "أمين عام (حزب الله) حسن نصر الله الذي أطلق شعار وحدة الساحات، أصبح رهن تطورات العملية العسكرية في غزة".
وأضاف ملاعب في تصريحاته لـ"الشرق": "إذا دخلت إسرائيل في عملية برية، واستطاعت تحقيق نصر معيّن، فمن الممكن أن يُطلب من الحزب التدخل، أما إذا تكفّل الفلسطينيون بإفشال الهجوم الإسرائيلي، فلن نرى تدخلاً مباشراً وواسعاً".
وشدد على أنه "إذا نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تحقيق حلمه بالقضاء على (حماس)، فهذا يعدّه الحزب تجاوزاً للخطوط الحمراء، لأنه حينها ينتقل (نتنياهو) إلى الجبهة الشمالية ليستهدف (حزب الله)، خصوصاً أن أي حكومة يمينية متطرفة لن تقبل بقاء تنظيم مثل (حزب الله) يهددها متى يشاء، عندها لا محرمات أمام التدخل".
تخبط تل أبيب
اللواء متقاعد عبد الرحمن شحيتلي، قال لـ"الشرق"، إن "الاشتباكات بين (حزب الله) والقوات الإسرائيلية لا ترقى إلى مستوى معركة أو حرب، وهذه الاشتباكات وقعت قبل ذلك منذ ما بعد حرب 2006، ولم تتطور إلى حالة الحرب. الحرب تحدث في إحدى الحالتين إما بقرار، أو الانزلاق إلى الحرب نتيجة تطور الاشتباكات أو وقوع خسائر فادحة في أحد الجانبين، ما يدفع إلى تطور الاشتباك إلى معركة وحرب، لكن حتى الآن لا نستطيع توصيفها إلا بأنها اشتباكات".
وأضاف: "تدخل (حزب الله) بشكل أوسع يحدث إذا كان لدى الحزب قرار بالدخول في الحرب، أو إذا كان هناك قرار من الجانب الإسرائيلي بنقل المعركة إلى الحدود الشمالية، وإسرائيل بحسب تقديري لا تستطيع نقل المعركة دون موافقة أميركية وأوروبية"
واعتبر شحيتلي، أن "الجيش الإسرائيلي كما هو ظاهر حتى الآن لا يستطيع خوض المعركة على كافة الجبهات بمفرده دون تدخل عسكري أميركي، أو غير أميركي كالطائرات والمدفعية والقوات البحرية لخوض المعركة على أكثر من جبهة".
وتابع: "أما إذا أراد (حزب الله) أخذ القرار بالحرب أتوقع أن تفقد المقاومة الفلسطينية بعدها العربي، وتكون الدول العربية غير ملزمة بدعم غزة وفلسطين، لذلك فهناك صعوبة أن يقدم الحزب على دخول الحرب".
وتوقع شحيتلي، أن يتدخل الحزب إذا استمر القصف بشكل متواصل كما يحدث في غزة، ما يؤدي إلى تهجير المدنيين وتهجير أهل الجنوب، ما يعني أن المعركة بدأت، وأن تدك إسرائيل خطوط الإمداد أو مراكز القيادات التابعة للحزب".
وأوضح أن "الحرب لها مؤشرات، وعمليات القصف المتبادل على الحدود ليست مؤشراً لحرب، فالمعركة يسبقها تحضير لحقل المعركة ومسرح العمليات الذي يعني ضرب مراكز القيادات وخطوط المواصلات ووسائل الاتصال كأنها حرب تمهيدية، وإذا بدأت إسرائيل القصف التمهيدي، فهذا مؤشر لبداية الحرب، وحتى الآن ليس هناك قصف تمهيدي، فقط هناك اشتباك وضربات، وحتى الآن لم نر قصفاً من (حزب الله) على فلسطين المحتلة، ولم نر قصفاً من إسرائيل على مراكز قيادات الحزب".
"قواعد اشتباك متفق عليها"
العميد المتقاعد إلياس فرحات، الباحث العسكري والاستراتيجي، قال إنه "على الرغم من تكرار الاشتباكات على الحدود اللبنانية، إلا أن محتواها لا يزال ضمن قواعد الاشتباك المحدودة، ويبدو أن الطرفين اتفقا عليها، ولو بصورة غير رسمية، إذ يجري الرد عليها عند وقوع كل حادث كما جرى الحال عندما قصفت مدفعية (حزب الله) رويسات العلم، ومواقع أخرى في مزارع شبعا، وكان الرد الإسرائيلي على مواقع (حزب الله)".
وأضاف في تصريحات لـ"الشرق": "كذلك قصفت إسرائيل مركز مراقبة، وقتلت 3 من مقاتلي (حزب الله)، فرد الحزب على مواقع إسرائيلية محددة دون توسيع الجبهة، وهذا يعني أن ثمة قواعد اشتباك متفق عليها، ولا أحد من الجهتين يريد توسيع الاشتباك حالياً".
وتابع فرحات: "لاحظنا وقوع اشتباكات داخلية داخل مستعمرة المطلة بين وحدتين إسرائيليتين عن طريق الخطأ، ودوت إنذارات خاطئة في الجولان ومستوطنات في الشمال، فضلاً عن بيانات غير صحيحة صدرت عن الجيش تتحدث عن محاولات تسلل، ثم جرى نفيها".
واعتبر أن "هناك تخبطاً في إسرائيل في هذا الشأن ناتج عن عدم وجود قيادة وسيطرة حقيقية على المنطقة. هذا الوضع لا يمكن أن يستمر على هذا الشكل جراء وجود غزة وغلافها فضلاً عن تجميع الاحتياط من أجل تشكيل قوة قتالية لاقتحام غزة".
استبعاد نشوب صراع
في سياق متصل، رجحت وثيقة استخباراتية أميركية ألا يشن "حزب الله"، هجوماً واسع النطاق على إسرائيل.
واعتبر محللون استخباراتيون أميركيون في وثيقة "سرية للغاية" يعود تاريخها إلى فبراير الماضي، أن "التوازن بين إسرائيل و(حزب الله) يقلل من خطر نشوب حرب واسعة النطاق خلال العام الجاري".
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، الخميس، أن هذه الافتراضات خضعت للاختبار في أعقاب الهجوم الذي شنته حركة "حماس" الفلسطينية، السبت الماضي، على جنوب إسرائيل، ووصفته الصحيفة بأنه كان "مباغتاً للمسؤولين الإسرائيليين والأميركيين على حد سواء بشكل شبه كامل".
"استقرار الردع المتبادل"
وأفادت الوثيقة بأن التحليل الذي أعدته إدارة الاستخبارات الأميركية لهيئة الأركان المشتركة في فبراير الماضي، اعتبر أن إسرائيل و"حزب الله" "استقرا في وضع الردع المتبادل" منذ إبرام الاتفاق التاريخي بين لبنان وإسرائيل في أكتوبر 2022، والذي اتفقت بموجبه الدولتان على ترسيم حدودهما البحرية المتنازع عليها.
وأدى الاتفاق الذي استغرق إعداده 11 عاماً، إلى حدوث انفراجة في الصراع بين الخصمين التاريخيين، وسمح لكليهما باستكشاف حقول الغاز الثرية قبالة سواحلهما.
ووفقاً للوثيقة التي حصلت عليها "واشنطن بوست" حصرياً بعد مشاركتها على منصة "ديسكورد"، قطعت إسرائيل و"حزب الله" خطوات للمحافظة على "حالة التأهب لاستخدام القوة، ولكن في إطار أنماط الاشتباك التاريخية"، ما يعني "تجنب سقوط ضحايا والرد على الاستفزازات على نحو متكافئ".
ويُعد "حزب الله" أقوى جماعة مسلحة في لبنان، وشكل مع حلفائه أغلبية برلمانية حتى انتخابات عام 2022 عندما خسر بضعة مقاعد، على الرغم من أن هذا الائتلاف لا يزال يمتلك أكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب اللبناني.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، وفي ظل غياب مؤسسات الدولة الرسمية، حاول "حزب الله" تعزيز موقعه كراع بديل لجزء كبير من الطائفة الشيعية المهمشة تاريخياً في البلاد.
واعتبر التحليل الأميركي، أنه "حتى خلال فترات التوتر الشديد"، اعتزمت إسرائيل وحزب الله "استعراض القوة مع تجنب التصعيد".
وذكرت الوثيقة: "على سبيل المثال، قد تنفذ إسرائيل عمليات تخريبية في لبنان، أو تطلق النار على أرض خاوية، فيما يسقط (حزب الله) مسيرة إسرائيلية، أو يطلق صواريخ على الجزء الشمالي من إسرائيل، وعلى الرغم من استفزازية هذه الأعمال، إلا أنها تراعي تجنب وقوع إصابات، بحيث يثبت كل طرف للآخر استعداده وقدرته على توجيه الضربات دون إثارة أعمال عدائية أوسع نطاقاً".
لكن التحليل أشار إلى عوامل أخرى يمكن أن تقلب هذا التوازن، بينها "عدم قدرة (حزب الله) على كبح جماح الحركات المسلحة الفلسطينية"، مثل (حماس) التي تعمل أيضاً من داخل لبنان، موضحاً أنه في أبريل الماضي، تم إطلاق 34 صاروخاً من جنوب لبنان على إسرائيل، وهو الهجوم الذي نسبه الجيش الإسرائيلي إلى عناصر (حماس) الذين التقى قادتهم الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، قبل وقوع الهجوم بيوم واحد في لبنان.
وكشف التحليل الاستخباراتي عن أنه منذ أشهر "أدركت إسرائيل أنها تواجه خطراً كبيراً ناجماً عن سوء التقدير؛ بسبب أنشطة عناصر (حماس) التي تتخذ من لبنان مقراً لها، وعلى الرغم من أن (حزب الله) ربما لا يتطلع إلى خوض حرب ضد إسرائيل، إلا أن هذه النتيجة لا تخضع لسيطرته بشكل كامل".
وقالت "واشنطن بوست"، إن "الموقف المناهض لإسرائيل يكمن في الأساس في قلب هوية حركة (حماس) و(حزب الله)، فالحركة وهي جماعة سُنية فلسطينية، والحزب وهو جماعة شيعية لبنانية، على خلاف بشأن الحرب الأهلية في سوريا، إذ يؤيد (حزب الله) الرئيس السوري بشار الأسد، فيما تدعم (حماس) الإطاحة به".
وكشفت الصحيفة عن لقاء قادة وصفتهم بأنهم رفيعين من الجماعتين في السنوات القليلة الماضية في لبنان، وأخيراً في أبريل الماضي، لمناقشة اتفاقيات التطبيع التي يتم إبرامها في منطقة الشرق الأوسط مع إسرائيل.
وتشير تقديرات وزارة الخارجية الأميركية إلى أن "حزب الله" لديه "عشرات الآلاف من الأعضاء والمناصرين في جميع أنحاء العالم، ويتلقى مئات الملايين من الدولارات كدعم سنوي من إيران".
الأكثر تسليحاً في العالم
ونقلت الصحيفة عن خبراء لم تسمهم قولهم، إن "حزب الله" هو "الجهة غير الحكومية الأكثر تسليحاً في العالم".
وذكرت مصادر حكومية إسرائيلية، لم تسمها الصحيفة، أن "الحركة اللبنانية المسلحة وسعت ترسانتها من الصواريخ والقذائف من حوالي 15 ألف صاروخ عام 2006 إلى 130 ألف صاروخ عام 2021.
وقالت المصادر: "يزعم نصر الله أن حزبه يضم 100 ألف مقاتل".
وأعرب ماثيو ليفيت، الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، لـ"واشنطن بوست" عن اعتقاده بأن "هناك افتراضات كثيرة بشأن مدى الردع الذي تواجهه (حماس) و(حزب الله)".
وبينما يتفق الباحث في سياسة الشرق الأدنى بدرجة كبيرة مع تقييم الاستخبارات الأميركية، قال ليفيت للصحيفة إن "حزب الله" يستفيد الآن على الأرجح من الحرب في الجنوب، التي استهلكت الكثير من انتباه الجيش الإسرائيلي.
وأضاف: "أرى أن (حزب الله) يحاول تدريجياً تغيير قواعد اللعبة، إذ تبادل الجانبان (حزب الله وإسرائيل) إطلاق قذائف المدفعية والصواريخ منذ الهجوم الذي شنته (حماس)، كما نشرت إسرائيل قوات احتياطية في البلدات الواقعة على طول الحدود مع لبنان".
وتوقع ليفيت حدوث "أشياء صغيرة على طول الحدود الشمالية من آن لآخر، حيث يحاول (حزب الله) التذكير بوجوده".
"تحول" في الخطاب
ورصدت "واشنطن بوست" ما سمته "تحولاً فعلياً في خطاب قادة (حزب الله)"، موضحة أنه في أول خطاب ألقاه مسؤول في "حزب الله" بعد الهجوم الذي شنته "حماس"، السبت الماضي، أعلن هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي للحزب في لبنان، أن جماعته "لا تقف على الحياد في هذه المعركة".
وأضاف أن "مقاتلي (حزب الله) قدموا التحية إلى غزة في مزارع شبعا على طريقتهم الخاصة"، في إشارة إلى الضربات التي وجهها "حزب الله" إلى المنطقة المتنازع عليها في شمال إسرائيل، الأحد.
وقالت الصحيفة: "لكن تصريحات (حزب الله) التي تلت ذلك أظهرت بعضاً من ضبط النفس، ففي بيان بشأن التدخل الأميركي، دعا الحزب إلى إظهار التضامن والاحتجاج، فيما أكد أن المقاومة مستعدة للمواجهة".
وأضافت: "لكن بالمقارنة، هددت جماعات مسلحة أخرى مناهضة لإسرائيل في المنطقة، مثل الحوثيين في اليمن، وكتائب حزب الله في العراق بشن هجمات رداً على المساعدات العسكرية الأميركية إلى إسرائيل".
لكن وفقاً لتحذيرات التحليل الاستخباراتي الأميركي، فإن هذه الاستفزازات تحمل في طياتها "أخطار التصعيد"، خاصة إذا نفذ "حزب الله" ما يعتزم أن يكون "ضربات محدودة" تؤدي في نهاية المطاف إلى قتل قوات أو مدنيين إسرائيليين.
في هذا السياق اعتبر ليفيت لـ "واشنطن بوست"، أن "احتمالات سوء التقدير مرتفعة على نحو استثنائي".