على الرغم من تباين وجهات النظر بشأن الحرب التي تخوضها إسرائيل مع حركة "حماس" في قطاع غزة ومواقف متضاربة تجاه موسكو منذ غزوها لأوكرانيا، إلا أن زعيمي ألمانيا وتركيا حين يجتمعان في برلين، الجمعة، ستكون لديهما حسابات ودوافع اقتصادية وانتخابية قوية لتنحية الخلافات جانباً والانخراط في محادثات.
وتأتي الزيارة الأولى، التي يجريها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لألمانيا منذ عام 2020، قبل الانتخابات البلدية التي يأمل أن يفوز فيها بمدينتي أنقرة وإسطنبول.
وقد تمثل آفاق الوصول بشكل أفضل إلى أسواق الاتحاد الأوروبي وتحرير التأشيرات هدية كبيرة للناخبين الذين يعانون في ظل ارتفاع معدلات التضخم والضغوط الاقتصادية.
كما سيحتاج أردوغان لدعم من المستشار الألماني أولاف شولتز إذا ما أراد المضي في شراء 40 طائرة مقاتلة من طراز "يوروفايتر تايفون" قالت تركيا، الخميس، إنها تريدها. وألمانيا، عبر شركة إيرباص، شريك في "الكونسورتيوم" (الرابطة) الذي يقوم بصناعتها.
أما بالنسبة لشولتز، الذي يرأس ائتلافاً ثلاثياً منقسماً بشأن الاقتصاد الألماني وتأثير ارتفاع الهجرة على الخدمات العامة، فإن دور أنقرة في وقف الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي يجعلها شريكاً لا غنى عنه.
حرب غزة
وفي مؤشر على أهمية الزيارة، تكبد شولتز العناء حتى لا يعلق بشكل مباشر على إدانة أردوغان القاطعة للحرب الإسرائيلية ضد حماس، والتي سقط فيها آلاف الفلسطينيين.
وبعدما وصف أردوغان، الأربعاء، حماس بأنها "منظمة تحرير"، رفض شولتز عدة مطالبات بانتقاد أردوغان، وأشار فقط بعبارات عامة إلى أن "التهم الموجهة ضد إسرائيل سخيفة".
ويعد هذا الرد مخففاً بالتأكيد بالنظر إلى الإدانة الشديدة التي عادة ما تصدر عن ألمانيا في حال توجيه انتقادات أقل حدة بكثير لإسرائيل.
لكن أردوغان ضاعف الهجوم، الأربعاء، ووصف إسرائيل بأنها "دولة إرهابية" تحظى "بدعم غير محدود" من الغرب، وهو ما يعني أنه قد يكون من المستحيل تنحية الخلاف المرتبط بغزة عن الزيارة.
وعبرت ألمانيا عن تضامنها القوي مع إسرائيل، بينما حثت على التركيز على الحد من تأثير الحرب على المدنيين في غزة.
وقال المتخصص في الشؤون التركية بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية أيدن يسار إن التخطيط للزيارة بدأ في الصيف "عندما لم يكن اندلاع الصراع في غزة متوقعاً".
وتأتي الزيارة أيضاً بعد يوم من تأجيل لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي التصويت على طلب عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بما يؤدي إلى تأجيل توسيع الحلف الغربي بعد انتظار دام 18 شهراً طالبت أنقرة خلالها ستوكهولم بتنازلات تتعلق بالإرهاب.
غياب عن المباراة
وساهم اتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي بصورة كبيرة في وقف التدفقات القياسية من اللاجئين، إذ يدفع الاتحاد بموجب الاتفاق الذي يعود إلى عام 2016 أموالاً لأنقرة لاستضافة اللاجئين مقابل برنامج منظم لإعادة التوطين. ومع ذلك تضع اتهامات متبادلة بين اليونان وتركيا التكتل تحت ضغط، كما أن الأعداد المتزايدة من المهاجرين تفاقم النزعة اليمينية المتشددة في أنحاء أوروبا.
وربما يأمل أردوغان، الذي وصف ألمانيا مؤخراً في تصريح للصحافيين بأنها "أقوى دولة في أوروبا"، في الحصول على دعم شولتز لإحياء المحادثات المتوقفة بشأن تحديث الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، رغم أنه لن تحدث تغيرات كبيرة إلا بعد فترة طويلة من انتخابات مارس.
ورغم جهود الجانبين، فقد كان لغزة تأثيرها بالفعل، إذ كان من المقرر في الأصل أن يبقى أردوغان يوماً آخر، وهو ما كان سيسمح له ولشولتز بحضور مباراة كرة قدم ودية بين البلدين، السبت.
وبالنظر إلى وجود حوالي 3 ملايين شخص من ذوي الأصول التركية في ألمانيا، فإن مثل هذه المواجهات ينظر إليها دائماً على أنها محفوفة بالمخاطر، لكن التقييم هذه المرة أشار إلى أن المخاطر كبيرة للغاية.
وقال يسار: "كان هناك خوف من أن تكون هناك هتافات مناهضة لإسرائيل... من غير المرجح أن شولتز يرغب في مشاهدتها معه".