"خطة راوندا".. بريطانيا تعدّل آلية ترحيل اللاجئين وتحصّنها قانونياً

لندن تبرم اتفاقية جديدة مع كيجالي.. وكليفرلي: ستنال قبول القضاء

time reading iconدقائق القراءة - 10
مهاجرون في ميناء دوفر بعدما ألقى حرس الحدود البريطاني القبض عليهم. 14 أبريل 2022 - AFP
مهاجرون في ميناء دوفر بعدما ألقى حرس الحدود البريطاني القبض عليهم. 14 أبريل 2022 - AFP
لندن-بهاء جهاد

يبدو أن بريطانيا ماضية في خطة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا، رغم التحديات القانونية التي واجهتها الخطة منذ إعلانها من قبل رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون عام 2022، إلّا أن الحكومات المتعاقبة لا ترى سواها خياراً لوقف ما يعرف بـ"هجرة القوارب".

"خطة راوندا" عُطِلت مؤخراً من قبل المحكمة العليا البريطانية، بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، ما دفع بحكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك إلى إبرام اتفاقية جديدة مع كيجالي، تبدد هذه المخاوف، وتتيح للقضاء إعطاء الإشارة الخضراء للبدء بترحيل من يدخلون البلاد عبر قنوات غير شرعية، ويجرمون وفق القوانين الجديدة.

وقال وزير الداخلية جيمس كليفرلي، بعد توقيعه الاتفاقية الجديدة مع نظيره الراوندي فينسنت بيروتا، إن "خطة رواندا الجديدة ستنال قبول القضاء البريطاني". وبسبب استمرار الاعتراضات الحقوقية عليها، أعدت حكومة لندن مشروع قانون يعطل 5 ادعاءات قانونية رئيسية، يلجأ إليها المهاجرون عادة من أجل وقف عملية ترحيلهم القسري.

ورغم كل هذا، ثمة نواب يمنيون في حزب المحافظين الحاكم يرون أن ما يفعله سوناك لمواجهة "هجرة القوارب" ليس كافياً، حتى أن وزير الهجرة روبرت جينريك، استقال احتجاجاً على ضعف الحكومة في هذا الشأن، فيما اعتبرت وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان أن رئيس الوزراء لم يتخذ كل التدابير المطلوبة في هذا الملف بعد.

أبرز التعديلات

الاتفاقية الجديدة مع راوندا تضمنت تعديلات على النسخة السابقة لتهدئة مخاوف المحكمة العليا بشأن مستقبل المهاجرين المُرّحلين، حيث اتفقت لندن مع كيجالي على خطوات تضمن "عدم نقل هؤلاء إلى أي بلد ثالث غير آمن"، أو "إعادتهم لمواطنهم الأصلية إن كانت تعيش حروباً، أو ظروفاً تهدد حرية الأشخاص"، وفق ما أوردته البيانات الرسمية.

وتنص الاتفاقية الجديدة أيضاً على "إنشاء هيئة استئناف تضم قضاة ذوي خبرة من بلدان عدّة، للنظر في القضايا الفردية التي ترفع ضد قرارات اللجوء التي تصدر بحق المُرحلين إلى راوندا"، كما سيتم "مراقبة نظام اللجوء في رواندا من قبل لجنة مستقلة واسعة الصلاحيات، وتضم بين صفوفها محامين بريطانيين ومختصين تختارهم لندن".

وشددت المحامية المختصة في شؤون الهجرة سالي ديفيز، على صعوبة الحكم على الاتفاقية الجديدة قبل تطبيقها عملياً، لكنه قالت: إن "التعديلات القانونية المتفق عليها بين البلدين تبدو كافية لنيل موافقة المحكمة العليا على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا، وبدء الحكومة بتنفيذ خطتها دون الخشية من أي اعتراضات قانونية لاحقاً".

وأوضحت ديفيز لـ"الشرق" أن "موافقة المحكمة العليا تذلل التحديات القانونية أمام الحكومة لتطبيق خطة الترحيل"، لافتةً إلى أن "الاعتراضات المتعلقة بحقوق الإنسان لن تنتهي، ولذلك تحرص الحكومة على استصدار تشريع جديد يمنع أي محاولة لإبطال الترحيل عبر ادعاءات إنسانية يتقدم بها اللاجئون للمحاكم المحلية".

الانسحاب من اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية

وأعدّت الحكومة مشروع قانون عاجل يثبط 5 حجج رئيسية يستند إليها اللاجئون من أجل وقف ترحيلهم، حيث اعتبر سوناك التشريع الجديد أنه أقوى خطوة رسمية اتخذت حتى الآن لضمان تنفيذ خطط الحكومة لمواجهة "هجرة القوارب"، ومنع المهاجرين غير الشرعيين من القدوم إلى المملكة المتحدة بشكل كبير.

ويمنع مشروع القانون المرتقب، المهاجرين غير الشرعيين من التقدم للمحاكم البريطانية بدعاوى لطلب اللجوء، أو طلب الحماية من مخاطر العبودية الحديثة، أو الادعاء بأن رواندا بلد غير آمنة، أو إظهار خشية من الترحيل لمكان ثالث بعد رواندا، أو القول إن الترحيل يخالف مبادئ حقوق الإنسان، بحسب البيانات الرسمية.

وتراهن الحكومة على أكثريتها المطلقة في مجلس العموم (348 نائباً من أصل 650)، لتمرير القانون الجديد خلال الأسبوع المقبل، لكن رغم ذلك، يعد القانون من وجهة نظر نواب محافظين، كوزيرة الداخلية السابقة ووزير الهجرة المستقيل، أضعف من المطلوب، إذ لا يعالج مخاوف عرقلة خطط الترحيل من قبل محكمة حقوق الإنسان الأوروبية.

وقال ديفيد ثورنيل، مدير مؤسسة "بنسنت ميسونز" القانونية في مقالة، إن "إقرار تشريع يبطل مفعول اتفاقيات حقوق الإنسان الأوروبية في المملكة المتحدة، وتعجز المحاكم المحلية عن تعطيله، يفتح باب الادّعاء على بريطانيا أمام المحاكم الأوروبية المختصة، ولكن لا توجد ضمانات بنجاح هذه القضايا".

واعترف سوناك بأن قانون "حماية خطة راوندا" لا يمنع محكمة حقوق الإنسان الأوروبية من تعطيل ترحيل المهاجرين، كما حدث في أول رحلة جوية لنقل مجموعة منهم إلى الدولة الإفريقية في منتصف يونيو 2022.

لكن رئيس الوزراء تعهد باتخاذ القرارات اللازمة حينها، وعلى رأسها انسحاب بريطانيا من اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، وهو أمر يطالب به نواب كثر في حزب المحافظين، لكن ذلك لا ينفي وجود بعض المخاوف المتعلقة بهذا الشأن، وهو ما قد يفسر تردد سوناك في اتخاذ هذه الخطوة الكبيرة حتى الآن.

وأثار برلمانيون من الحزب الأزرق هذه المخاوف في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC عشية توقيع اتفاق رواندا الجديد، حيث قال النائب المحافظ داميان جرين إن "نواب كثر في الحزب الحاكم يعتزون باتفاقيات حقوق الإنسان الأوروبية والأممية، ويعتبرونها جزء لا يتجزأ، من الإرث الديمقراطي للدولة".

كما عبّر تجمع نواب "أمة واحدة" في حزب المحافظين، عن خشيته من ارتدادات التخلي عن الاتفاقية الأوروبية على حقوق الإنسان في بريطانيا.

تداعيات إنسانية وأمنية

ويبقى القلق من التداعيات الإنسانية والحقوقية لـ"خطة راوندا"، متواضعاً أمام الهواجس الأمنية التي أثارها رئيس مجلس اللاجئين أنور سولومون قائلاً: "إن الخطة لن تمنع المهاجرين من القدوم إلى بريطانيا، ولكنها ستمنعهم من التقدم رسمياً بطلب اللجوء إلى السلطات المختصة".

ولفت رئيس مجلس اللاجئين، في تصريحات لصحيفة "الجارديان" البريطانية، إلى أن "المهاجرين المهددين بالترحيل سوف يفضلون الاختفاء بمجرد وصولهم إلى الشواطئ البريطانية. وبالتالي سوف يبدأون البحث عن العمل والعيش بعيداً عن السجلات الرسمية"، محذراً من أن ذلك "ما يزيد المخاطر الأمنية الناجمة عن عدم معرفة هؤلاء وعدم القدرة على ملاحقتهم ومتابعتهم عن قرب".

وتعتقد الحكومة البريطانية أن مثل هذه الإشكاليات قد تعالج عبر مضاعفة غرامة التعامل مع المهاجرين غير النظاميين في الدولة.

وسبق أن أعلنت وزارة الداخلية في بيان مطلع أغسطس الماضي، عن مضاعفة العقوبات المدنية على أرباب العمل 3 مرات، لتصل إلى 45 ألف جنيه إسترليني عن كل مهاجر غير قانوني يعمل دون تصريح رسمي، كذلك زادت الغرامات على أصحاب العقارات الذين يوفرون السكن للمهاجرين غير الشرعيين من ألف جنيه إلى 10 آلاف جنيه، مؤكدةً على أن الغرامات سوف تزيد عند تكرار المخالفات، وعلى أرباب العمل والمالكين للعقارات التحقق من أهلية العمال والمستأجرين، اعتباراً من مطلع 2024.

تكاليف إضافية للتنفيذ 

ولم تشترط رواندا على المملكة المتحدة، دفع أي مبالغ إضافية مقابل توقيع الاتفاقية الجديدة، ولكن كلفة الخطة سوف تزداد على خزينة لندن، وبالتالي على دافعي الضرائب في البلاد، بسبب الإجراءات الجديدة التي تضمنتها، مثل إرسال محامين بريطانيين إلى كيجالي، وإنشاء لجان مختصة لمتابعة قضايا اللجوء هناك.

وفي المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع نظيره الراوندي قبل بضعة أيام، قال وزير الداخلية البريطانية إن الحكومة "لا تبحث عن حلول رخيصة وسريعة لحل أزمة المهاجرين غير الشرعيين، وإنما تعمل من أجل إيجاد أفضل صيغة ممكنة، حتى ولو كانت مكلفة"، واصفاً التعامل مع المهاجرين بأنها "مسألة هامة، وتؤخذ على محمل الجد بالنسبة لبلاده".

ولم تتضح بعد كلفة التعديلات الجديدة لخطة الترحيل، ولكن الحكومة البريطانية دفعت لرواندا 140 مليون جنيه إسترليني حتى الآن مقابل الاتفاقية الأصلية. 

ووفقاً لأرقام وزارة الداخلية، يوجد على قوائم الترحيل اليوم نحو 29 ألف مهاجر وصلوا إلى المملكة المتحدة بصورة غير قانونية، بعد خروج لندن من الاتحاد الأوروبي نهاية العام 2020.

وأقرّ مجلس العموم في يوليو الماضي، قانوناً يمنع المهاجرين غير الشرعيين من التقدم بطلب لجوء بعد وصولهم إلى المملكة المتحدة، في حين ندد رئيسا مفوضيتي حقوق الإنسان وشؤون اللاجئين، في بيان مشترك بالقانون، وقالا إنه "يتعارض مع التزامات بريطانيا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".

ويتوقع وزير الداخلية البريطاني البدء بترحيل اللاجئين قبيل الانتخابات العامة المقبلة المتوقعة نهاية عام المقبل، فيما اعتبر سوناك "خطة رواندا" أنها "حجر أساس في مساعي تقليص عدد المهاجرين، والوفاء بوعود حزب المحافظين في ضبط حدود المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي".

ولفت سوناك إلى أن الحكومة تضع ضبط الهجرة إلى المملكة المتحدة على رأس أولوياتها. وخاصة بعدما كشفت إحصائيات رسمية حديثة أن صافي الهجرة في البلاد نهاية العام الماضي قد وصل إلى 672 ألف مهاجر. وهو رقم يتجاوز بكثير مستوى 200 ألفاً سنوياً، تعهد به المحافظون قبيل الانتخابات البرلمانية عام 2019.

وتشير الأرقام إلى أن نحو 28 ألف مهاجر وصلوا عبر القوارب منذ بداية العام الجاري وحتى 13 نوفمبر الماضي، فيما تتوقع الحكومة أن تبقى أعداد القادمين هذا العام أقل من سابقه نتيجة لاتفاق أبرمته لندن وباريس لمكافحة الهجرة غير الشرعية بين البلدين نهاية 2022، والذي وصل فيه نحو 48 ألف مهاجر إلى شواطئ بريطانيا.

تصنيفات

قصص قد تهمك