يرى الجنرال المتقاعد فرانك ماكينزي، القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط "سنتكوم"، أن إدارة الرئيس جو بايدن يجب أن ترد بقوة أكبر على الهجمات التي تستهدف السفن التجارية في البحر الأحمر، حتى مع شعور كبار مسؤولي الإدارة بالقلق مما وصفته بـ"استفزاز إيران".
وشغل ماكينزي منصب قائد القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط لمدة ثلاث سنوات في عهد بايدن، والرئيس السابق دونالد ترمب.
وقال ماكينزي في مقابلة نشرتها صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، الجمعة، إن إيران اعتبرت عدم وجود رد عسكري أميركي قوي على التصاعد الذي حدث مؤخراً في هجمات الحوثيين المدعومين من طهران على السفن المدنية، والتي تُشكل تهديداً للسفن الحربية الأميركية، بمثابة "دعوة إلى مواصلة سلوكها العدواني".
وأضاف: "أحياناً، يتعين عليك إلقاء الكرة. لا يُمكنك الإمساك بها إلى الأبد؛ لأنه في نهاية المطاف قانون المتوسطات سينقلب ضدك، وستواجه تصعيداً كبيراً على إحدى السفن، ثم ستضطر إلى الرد بمستوى أكثر قوة".
وتابع: "لم نعطهم أي سبب يمنعهم من مواصلة (الهجوم)"، مشيراً إلى الحوثيين.
وقالت "بوليتيكو" إن الهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن التجارية جذبت سفناً حربية تابعة للبحرية الأميركية إلى "خط النار" في الأيام الأخيرة. وأشارت إلى اشتباك المدمرة الأميركية "يو إس إس كارني" في تبادل لإطلاق النيران دام لساعات وإسقاطها ثلاث طائرات مسيرة، الأحد الماضي، بعد إطلاق الحوثيين صواريخ وطائرات مُسيرة على السفن المدنية.
وأسقطت المدمرة الأميركية "يو إس إس ماسون"، الأربعاء الماضي، طائرة مُسيرة أخرى كانت في طريقها لمهاجمتها، بحسب الصحيفة.
"ليس الوقت المناسب"
وأضافت "بوليتيكو" أن مسؤولين كبار في إدارة بايدن، من بينهم وزير الدفاع لويد أوستن، اتفقوا على أن "الانتقام من الحوثيين في اليمن في الوقت الحالي ليس الإجراء الصحيح، رغم إلحاح بعض كبار الجيش على ذلك".
وتابعت أن إدارة بايدن، عملت من أجل احتواء العنف في إسرائيل وغزة، وأن القادة يشعرون بالقلق من إثارة صراع مع إيران، التي تدعم الحوثيين في اليمن، و"حماس" في غزة، و"حزب الله" في لبنان.
وقال ماكينزي، إن الرد العسكري الأميركي على الحوثيين لن يتبعه "بشكل حتمي" تصعيد إقليمي، موضحاً أن "إيران لا تسيطر سيطرة كاملة على الحوثيين، أو حزب الله اللبناني"، وأنها "لا تريد تصعيد الصراع بسبب خوفها من التعرض لأعمال انتقامية من إٍسرائيل".
وأضاف: "أعتقد أنه يُمكن الرد على الحوثيين دون الشعور بأنك تهاجم إيران بسبب التباين في المواقف الإيرانية والحوثية. أحد أكثر الأشياء إثارة للاهتمام بشأن الصراع الحالي في غزة، هو الكلاب التي لم تنبح.. إيران وحزب الله اللبناني".
واعتبر ماكينزي، أن "استعراض القوة" هو الشيء الوحيد الذي ستحترمه إيران ووكلاؤها. وأضاف: "ثمة خط رفيع بين تجنب التصعيد وتعزيز استمرار إمكانية شن هجمات إيرانية وحوثية، استناداً إلى ضعف ملحوظ من جانبنا".
وتابع: "نحن نكافح من أجل تصحيح هذا الأمر الآن. يُمكنني القول -مرة أخرى- إنهم يحترمون استخدام القوة، ويفهمونه، وسيستجيبون له".
مطالب برد أقوى
ويعتقد مسؤولون كبار سابقون آخرون بالجيش الأميركي، مثل جون ميلر، وهو نائب أميرال متقاعد شغل منصب قائد الأسطول الخامس الأميركي، أن بايدن يجب أن يرد بقوة أكبر على الوكلاء المدعومين من إيران. وقال ميلر لـ "بوليتيكو" الأسبوع الماضي: "نحن لا نتعامل مع هذا الأمر بجدية. ولا نردع أي شخص في الوقت الحالي".
وقالت "بوليتيكو" إن تصريحات ماكينزي وميلر تعكس آراء مجموعة من المسؤولين العسكريين الأميركيين الذين لا يزالون في القيادة المركزية. ويعتقد بعض الضباط أن الطريقة الوحيدة لوقف الهجمات هي الرد على الحوثيين، بحسب مسؤول أميركي مطلع على المناقشات تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.
وأشار ماكينزي، إلى الأحداث التي شهدها عاما 2019 و2020، عندما بلغت التوترات المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة بشأن انسحاب ترمب من الاتفاق النووي الإيراني ذروتها بعد اغتيال قاسم سليماني.
وقال: "لقد أُتيحت لنا فرص لنثبت لإيران أن سلوكها لن يتم التسامح معه، ولم نستغلها، ما أدى في النهاية إلى ما حدث في يناير 2020، الأمر الذي أعتقد أنه كان من الممكن تجنبه". وحث ماكينزي، بايدن، على اتخاذ "إجراءات حكيمة على المدى القصير" لـ"منع مشكلة أكبر على المدى الطويل".
وأضاف ماكينزي أن "هذا النهج نجح إلى حد ما في الأيام الأخيرة في العراق وسوريا، حيث تتعرض القوات البرية الأميركية لهجوم مستمر منذ أكتوبر. وقصفت القوات الأميركية، الأحد الماضي، مجموعة من المسلحين كانوا يستعدون لإطلاق طائرة مُسيرة على مواقعها، ما أسفر عن مقتل خمسة مسلحين".
ونهاية الأسبوع الماضي، وجدت سفن تجارية أميركية نفسها وسط تبادل لإطلاق النار دام لساعات في البحر الأحمر بعد تعرضها لهجوم من الحوثيين، ما تسبب في حالة إحباط لدى بعض المسؤولين الأميركيين الذين يرون أن إدارة بايدن تقلل بشكل متعمد التهديد الكبير للقوات الأميركية، حسبما قالت صحيفة "بوليتيكو".
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية ومسؤولون في إدارة بايدن حينها، إنهم لا يعتقدون أن الهجوم، الذي استخدم فيه الحوثيون طائرات بدون طيار وصواريخ، كان يستهدف القوات الأميركية، وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه المسؤولون بعد الحوادث المشابهة التي وقعت خلال الأسابيع الماضية.
وأشارت الصحيفة، إلى أن أربعة مسؤولين مطلعين على الملف، قالوا إنه من الواضح أن "القوات الأميركية كانت تحت التهديد في البحر الأحمر". ونقلت عن مصدر في وزارة الدفاع لم تكشف عن هويته: "إذا رأت سفننا شيئا يتجه بالقرب منها، أو في اتجاهها، فإنها ستعتبره تهديداً، وستطلق النار عليه"، وأضاف"ستجد صعوبة لتجد فرصة أخرى".
ونقلت "بوليتيكو" عن مصدر آخر قوله، إن الإدارة الأميركية تقلل من شأن جدية الوضع في البحر الأحمر لتفادي تصعيد التوترات في المنطقة، التي هي بالفعل في مستوى عال؛ بسبب الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة.
القوات الأميركية في مرمى وكلاء إيران
وتباطأت أعمال العنف لبضعة أيام بعد ذلك، قبل أن ترتفع مرة أخرى يومي الخميس والجمعة، عندما شنت مجموعات مدعومة من إيران أربع هجمات جديدة على القوات الأميركية في العراق وسوريا، وفقاً لمسؤولين في وزارة الدفاع تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم.
وبلغ إجمالي عدد الهجمات التي شنها وكلاء مدعومون من إيران ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا 82 هجوماً منذ 17 أكتوبر الماضي. وأسفرت هذه الهجمات عن إصابة 66 من أفراد الجيش الأميركي، وفقاً للصحيفة.
ويرى ماكينزي أن القادة الإيرانيين ينتبهون عندما تقتل الولايات المتحدة، مسلحين، أو تختار عمداً أهدافاً غير هامة ولا تتسبب في وقوع إصابات. وقال: "إيران تحترم استخدام القوة، فهي تعرف ذلك وتفهمه".
وأضاف أن المسؤولين في القيادة المركزية قدموا "بلا شك" عدداً من الأهداف إلى القادة، لكن هناك بعض القيود. وقال ماكينزي أيضاً إن الولايات المتحدة تتعامل بحساسية مع ضرب أهداف في العراق، تجنباً لـ" تأجيج المناخ السياسي الداخلي.
وأكد ماكنزي أن "قرار الرد -في نهاية المطاف- يتخذه القادة السياسيون، وليس القائد المقاتل". كما حذر من قيام الحوثيين بزرع ألغام بحرية إذا لم تردع الولايات المتحدة الهجمات.