من كنفاني إلى العاروري.. "انقسام لبنان" يعزز أدوات إسرائيل في استهداف القيادات الفلسطينية

time reading iconدقائق القراءة - 7
المبنى الذي استهدفته إسرائيل بالصواريخ بالضاحية الجنوبية في بيروت خلال عملية لاغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الفلسطينية صالح العاروري. 3 يناير 2024 - AFP
المبنى الذي استهدفته إسرائيل بالصواريخ بالضاحية الجنوبية في بيروت خلال عملية لاغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الفلسطينية صالح العاروري. 3 يناير 2024 - AFP
بيروت -عماد عاصي

كان لبنان مسرحاً لعمليات اغتيال نفذتها إسرائيل لشخصيات وقيادات فلسطينية، لسنوات طويلة، خاصة بعد إعلان الرئيس الراحل ياسر عرفات، عام 1970، اعتبار "الكفاح المسلح" وسيلة لتحرير فلسطين.

ونفذت إسرائيل، الثلاثاء، أحدث هذه الاغتيالات حين قتلت نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري و6 من رفاقه في منطقة الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت معقل "حزب الله"، في تطور لافت للحرب على قطاع غزة المستمرة منذ 7 أكتوبر. 

واستبقت إسرائيل عملية الاغتيال بإطلاق تهديدات على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حين قال إنه كلف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية باستهداف قيادات "حماس" التي تقف وراء هجوم 7 أكتوبر، ما يعني أن الاغتيالات سلاح أساسي لا تخفيه تل أبيب.

بدأ مسلسل اغتيال قيادات فلسطينية في بيروت، منذ السبعينيات، بالتزامن مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، واتخاذها البعد الشعبي في لبنان، وشعورها بأن البيئة اللبنانية مناسبة لها.

ولم تكن الاغتيالات التي نفذها جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" في تلك الفترة، قاصرة على الشخصيات الأمنية أو العسكرية فقط، بل السياسيين والكتاب والمثقفين، مثل الكاتب والمفكر الفلسطيني غسان كنفاني الذي تم استهدفه عام 1972.

اغتيالات تدفع الحكومة للاستقالة

وشهد عام 1973 استهداف 3 قادة فلسطينيين هم كمال ناصر، وكمال عدوان، وأبو يوسف النجار، في عملية استخباراتية نفذها الموساد في قلب العاصمة اللبنانية بيروت، وكان يقود الجهاز حينها، إيهود باراك، الذي أصبح رئيساً للحكومة الإسرائيلية من 1999 إلى 2001.

واستخدم الموساد عميلة يهودية من أصل كندي انتقلت إلى بيروت، وكانت تتظاهر بأنها تعمل صحافية، لكن الحقيقة أنها كانت تهدف إلى تحديد أماكن القادة الفلسطينيين وتحركاتهم، وأرسلت بالفعل صوراً لمواقعهم، فتوجهت مجموعة "كوماندوز" إسرائيلية إلى لبنان عبر البحر، واستطلعت الأماكن المحددة، وعاينت التدابير الأمنية حول منازل القادة الثلاثة، وكذلك المراكز العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية في المخيمات.

وتوجهت مجموعة المؤلفة من 15 شخصاً، إلى منطقة الفاكهاني في الطريق الجديدة، حيث افتعلت اشتباكاً مع فلسطينيين، وعملت على تفجير مكتب للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فيما تحركت مجموعة أخرى نحو منازل القادة الثلاثة في بيروت، وتمكنت من اغتيالهم، فخرجت تظاهرات حاشدة في الشوارع، وسادت حالة من الانقسام السياسي، ما دفع الحكومة إلى الاستقالة.

وفي عام 1979، اغتالت إسرائيل، المسؤول الكبير في منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة "فتح" أبو حسن سلامة (علي حسن سلامة)، بعبوة ناسفة، خلال انتقاله من منزل إلى آخر بمنطقة ساقية الجنزير.

انقسام بيروت يسهل الاختراق

رئيس المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات، العميد المتقاعد خالد حمادة، علق على عمليات الاغتيال على الأراضي اللبنانية، بقوله إن "الواقع السياسي في أي مجتمع هو الذي يسمح لأجهزة الاستخبارات بتنفيذ عمليات اغتيال، موضحاً أن لبنان شهد في عام 1972، انقساماً سياسياً كبيراً بشأن الوجود الفلسطيني، ودور منظمة التحرير الفلسطينية، فبينما كانت هناك شرائح تؤيد العمل الفلسطيني، كانت أخرى تعارضه وتسعى لإنهاء الوجود الفلسطيني في لبنان، ما خلق بيئة حاضنة لعمليات الاختراق.

وقال في تصريحات لـ"الشرق": "عندما تأتي الصحافية اليهودية إلى لبنان لتسهيل عمل الموساد، فكيف عرفت أين يقيم القادة الفلسطينيون الثلاثة؟.. بلا شك من خلال علاقات مع شخصيات لبنانية، واستشعرت أنه بالإمكان الحديث عن الشخصيات الفلسطينية دون خوف".

وأضاف أن "أجهزة الأمن اللبنانية في ذلك الوقت لم تكن تولي أمن الفلسطينيين أهمية، بسبب الانقسام السياسي الذي كان سائداً، كما لم يكن هناك اتفاق على مفهوم الأمن القومي للبلد.

أوضاع أكثر سوءاً

حمادة اعتبر أن الأوضاع القائمة حالياً في لبنان "أدق وأكثر سوءاً" لأن "القضية الفلسطينية كانت في تلك الفترة تتصدر أولويات كل العالم العربي، أما اليوم فنحن في مرحلة مختلفة تماماً، والمنطقة مخترقة بمصالح كثيرة".

وأوضح: "اليوم خرجت القضية الفلسطينية من سقف اهتمامات الدول العربية، على الأقل أمنياً وعسكرياً، وهناك مجموعات مسلحة أو سياسية بالداخل مهتمة بالقضية، وهناك مجموعات مسلحة، لا سيما الأذرع الإيرانية والتي تستخدم مفهوم القضية الفلسطينية ليس لتعزيز الأمن الوطني في كل دولة، بل لتعزيز أمن المشروع الإيراني في المنطقة".

وتابع حمادة: "الكثير من اللبنانيين يستشعر حالياً أن هذا المشروع الذي يتخذ من القضية الفلسطينية عنواناً له، قضى على الدولة، ولم يأت ليعززها، واللبناني لم يعد يصدق هذا الإعلان، كما شارك المشروع الإيراني في مواجهات إقليمية خارجة عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، فضلاً عن تشتت كل الفصائل الفلسطينية في المنطقة، إذ ينتمي كل منها إلى دولة وله تمويله، فيما تفتقر الساحة اللبنانية إلى وحدة مفهوم الأمن الوطني وعدم وجود مركزية تعود إليها كل هذه الأجهزة الأمنية".

ورأى حمادة أن "البيئة الحالية في لبنان أصبحت مواتية لانقسامات عسكرية وبالتالي يسهل اختراقها أمنياً نتيجة وجود مجموعة من أجهزة الأمن بينها تقاطعات سلبية".

أدوات الاغتيال

وقال قيادي فلسطيني مقيم في لبنان، إن "القاسم المشترك بين جميع عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل طيلة أكثر من 6 عقود سواء في بيروت أو غيرها من العواصم، هو الجواسيس أو العملاء، وفي بعض الأحيان ضباط أو جنود إسرائيليين مدربين ينفذون عمليات الاغتيال في أي مدينة بعد رصد الهدف أو استدراجه من قبل عميل محلي أو أجنبي، وغالباً ما كان يُستعان بالنساء".

وأضاف في تصريحات لـ"الشرق"، طالباً كشف هويته: "العنصر الآخر هو العنصر التقني، والذي يشمل عملية التنصت على الاتصالات الهاتفية، والتي كانت تقليدية قديماً، لكنها تطورت مع تطور وسائل اتصال والتكنولوجيا". 

وكان  مصدر أمني لبناني، قال لـ"الشرق"، إن التحقيقات والمعاينات الميدانية للأجهزة الأمنية في موقع استهداف نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري، ترجح أن مكتب "حماس"، تم استهدافه بطائرة حربية إسرائيلية، وليس بطائرة مسيرة، استناداً إلى دقة الإصابة وحجم الصواريخ التي قُصف بها الموقع المستهدف.

وأشار المصدر إلى أن طائرة  مسيرة لا يمكنها حمل 6 صواريخ يزن الواحد منها 200 كيلوجرام، لافتاً إلى أن المقاتلة الإسرائيلية أطلقت 6 صواريخ، وفيما اخترق صاروخان الطابق الرابع أي السطح وصولاً إلى الطابق الثالث والثاني حيث كان اجتماع العاروري بعدد من قيادات وكوادر "حماس"، فإن صاروخين لم ينفجرا فيما تم استهداف سيارة العاروري التي كانت متوقفة أمام المبنى  بصاروخين.

تصنيفات

قصص قد تهمك