"تمرد المجر" يعزز من فرص تغيير قواعد مؤسسات الاتحاد الأوروبي

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في صورة خلال اجتماعهما في بودابست. 9 مايو 2022 - REUTERS
رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في صورة خلال اجتماعهما في بودابست. 9 مايو 2022 - REUTERS
لندن -بهاء جهاد

باتت المجر في ظل قيادة الرئيس فيكتور أوربان، أحد أسباب إرباك، وربما تعطيل خطط الاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، من خلال اتخاذ مواقف مغايرة لموقف غالبية دول الاتحاد، مستغلة في ذلك قاعدة الإجماع في التصويت على القرارات داخل مؤسسات الاتحاد.

هذا الأمر دفع بعض المراقبين إلى وصف مواقف وسياسة المجر الأوروبية بـ"التمرد" على سياسات الاتحاد الأوروبي، وهو ما  طرح تساؤلاً بشأن حاجة التكتل إلى تغيير آلية عمل مؤسساته، واعتماد أصوات الأكثرية بدل الإجماع عند اتخاذ القرارات الكبرى والمصيرية، أو على الأقل، عندما تستدعي الحاجة إلى ذلك.

في القمة الأوروبية الاستثنائية المقررة في مطلع فبراير المقبل، تحتاج بروكسل إلى تجاوز الرفض المجري لإرسال أموال دعم جديدة إلى أوكرانيا، وثمة تفاؤل رسمي بالتوصل لقرار حول هذه القضية، لكن مراقبين يشككون في جدوى استمرار التكتل بسياسة "الصفقات السرية" من أجل تمرير قراراته، عندما تعترض دولة عضو أو أكثر عليها.

التصريحات الرسمية، تقول إن قاعدة عضوية الاتحاد الأوروبي قد تتوسع من 27 دولة إلى 35 خلال عقد واحد من الزمن، لكن ذلك وفق مسؤولين أوروبيين، قد يزيد عدد المعارضين لمنعطفات وقرارات استراتيجية مستقبلاً، وبالتالي لابد من التفكير  في آلية صناعة القرار الأوروبي قبل ضم الأعضاء الجدد.

اتهامات داخلية متبادلة 

دولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 10 ملايين نسمة، تعرقل قرارات الاتحاد الأوروبي الذي يضم نحو 450 مليون شخص، هكذا تقول دوائر الاتحاد في بروكسل، التي ترى أن بودابست تبتز التكتل عبر منع إرسال أموال دعم لأوكرانيا قبل تحرير 20 مليار يورو من أموال المجر، تم تجميدها بسبب مخاوف بشأن حقوق الإنسان والفساد في البلاد.

لكن أوربان يرد على ذلك بأن التكتل هو من يبتز بلاده عبر تجميد أرصدتها لإجبارها على تغيير سياساتها تجاه المثليين والمهاجرين، وفي رأيه يمكن دعم كييف من خارج ميزانية التكتل، أما ضم أوكرانيا للاتحاد فهي "مسألة خاطئة ستتضح مع الوقت، وأمامه أكثر من 70 فرصة لمنع حصولها على العضوية الأوروبية".  

وخلال قمة التكتل الأخيرة في ديسمبر 2023، رفض أوربان ترشح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، ورغم أن الانضمام، عملية تستغرق سنوات طويلة، إلا أن الرئيس المجري وقف في وجه 26 زعيماً رافضاً للخطوة، ما اضطر الحاضرون إلى حيلة، قالت رئيسة وزراء إستوينا حينها "إنها سترويها في مذكراتها". 

وغادر أوربان، قاعة اجتماع القادة كي يتسنى للمتبقين قبول ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، ولكن ليس لتمرير حزمة دعم جديدة لكييف، إذ دفعت فعلته هذه البرلمان الأوروبي لإصدار قرار يمنع المجر من التصويت على قرارات التكتل، بحجة أنها "تعيق بلوغ الإجماع المتوافق مع قيم الاتحاد الأوروبي".

بين التسوية والتعليق  

عضو البرلمان الأوروبي بيتري سارفاما، قال عبر منصة "إكس"، إن تفعيل المادة 7.2 من ميثاق الاتحاد الأوروبي، صدر باعتبار أن المجر "ترتكب انتهاكاً خطيراً ومستمراً في إعاقتها للإجماع حول قرارات التكتل"، ولكنه شدد على أن القول الفصل في قبول التعليق أو رفضه يعود للمجلس الأوروبي.

رئيسة المفوضية الأوروبية أرسولا فون دير لاين، قالت أمام برلمان التكتل، إنها تثق في إمكانية التوصل إلى حل يحظى بإجماع 27 دولة في القمة الاستثنائية، ولكن تصريحاتها أزعجت من صوتوا ضد تصويت المجر على قرارات الاتحاد الأوروبي القادمة، واستشاط غضبهم عندما أفُرج عن بعض أموال بودابست المحتجزة.  

وقال الناطق باسم المفوضية الأوروبية، كريستيان ويجاند، لوكالة الأنباء الألمانية إن "الإفراج عن جزء من الأموال المحتجزة للمجر لا علاقة له بأي مناقشات أخرى"، لافتاً إلى أن بودابست استوفت الشروط القانونية لإصلاح القضاء المحلي، وفق المعايير التي أقرتها مواثيق الاتحاد الأوروبي، ولذلك أفرج عن الأموال. 

ولم يصدر من بودابست حتى الآن أي تصريحات تشير إلى مرونة إزاء القبول بتمرير حزمة الدعم الجديدة لأوكرانيا خلال القمة الأوروبية المقبلة، ولكن وزير خارجية المجر قرر زيارة كييف، والتنسيق مع مسؤوليها لعقد أول قمة بين زعيمي البلدين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022.

اعتراضات سلوفاكيا  

الباحث في الشأن الأوروبي سيمون إدريس، اعتبر أن الحالة الأوكرانية شكلت عبئاً كبيراً على الاتحاد الأوروبي، "أثقلت كاهله مادياً وعسكرياً، كما وضعته أمام منعطفات حقيقية، فإن تخلى عنها، هُزم أمام روسيا، وإن ضمها لعضويته تنازل عن أسس تشكيله وأهم قيمه الديمقراطية ومبادئ العدل والقانون ومكافحة الفساد".

ولفت إدريس في تصريحات مع "الشرق"، إلى أن الامتعاض من أوكرانيا "لا ينحصر بالمجر فقط. فهناك دول أخرى تتململ من فكرة الدعم اللا محدود وغير المشروط للأوكرانيين"، موضحاً أن هذه الدول لا تفضل أيضاً ترشح أوكرانيا للاتحاد الأوروبي، ولكنها تفضل ترك الأمر للوقت كي يتكشف عجز كييف عن مواكبة شروط العضوية.

قبل أيام فقط، قال رئيس سلوفاكيا روبرت فيتسو، إن "أوكرانيا لا تتمتع بالسيادة، وتخضع للسيطرة الأميركية المطلقة"، ورغم أن فيتسو لم يعترض قبل شهر واحد على ترشح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، إلا أنه أعلن عزم بلاده استخدام حق النقض "الفيتو" لمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).  

وبحسب تقرير لمجلة "بوليتيكو"، يرى حلفاء أوكرانيا، أن الفساد يعيق استراتيجيات مواجهتها مع روسيا، إذ ينفر الأصدقاء من تقديم دعم مالي إضافي لها.

كما لفتت المجلة إلى وثيقة أميركية، يتمثل فحواها في أن واشنطن "تتجنب الحديث علانية عن الفساد في أوكرانيا"، تجنباً لمعارضة داخلية أشرس ضد أموال الدعم المخصصة لكييف. 

مخاوف التغيير ومنافعه

ويرى الصحافي ثيودور بيانكس، أن أوربان يتعمد عرقلة القرارات الأوروبية في ملف أوكرانيا، واستغلال الدولة الصغيرة لمبدأ الإجماع في اتخاذ قرارات الاتحاد الأوروبي، أنتج حديثاً عن ضرورة اتخاذ القرارات الكبرى عبر أصوات الأكثرية، ولكن "ذلك ينطوي على بعد سلبي لا يمكن لأحد تجاهله على المدى الطويل".  

ولفت بيانكس في تصريحات لـ"الشرق"، إلى أن أي تغيير في آلية عمل مؤسسات بروكسل، قد يبعث إشارات سلبية بشأن وحدة الاتحاد الأوروبي، وانسجام دولة مع جملة من القيم والمعايير الديمقراطية، موضحاً أنه مع صعود تيارات يمينية مشككة في جدوى التكتل في عدد من دوله، يصبح التغيير أكثر خطورة وأقل فائدة للجميع.  

مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، رحب بمزيد من الاعتماد على قاعدة الأكثرية لاتخاذ القرارات في التكتل، ولكن صحيفة "فاينانشيال تايمز" نقلت عن الدكتورة أنجريت بنديك من المعهد الألماني للسياسة الدولية، قولها إن "مثل هذا التوجه قد يعزز الانقسامات بين الدول الأعضاء، ويزيد من تعقيد الاتفاق على قضايا بالغة الحساسية، ويمكن أن تؤثر في مستقبل الاتحاد الأوروبي".  

وزير الدولة للشؤون الأوروبية في البرتغال تياجو أنتونيس، قال أمام البرلمان الأوروبي قبل بضعة أشهر، إن "التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي في اتخاذ قراراته بإجماع الأعضاء، ستزداد مع اتساع عضوية التكتل لتشمل دولا جديدة. لذا لا بد من إيجاد حلول ناجعة لهذه المشكلة دون الإخلال بأساسيات التكتل".  

وشدد المسؤول البرتغالي على أن صناعة قرارات الاتحاد الأوروبي بعد زيادة عدد أعضائه إلى 35 دولة، كما هو مقترح اليوم، واحدة من الإشكاليات الكبيرة المتوقعة، وتحتاج إلى حلول، مثلها في هذا مثل تأثير التوسعة على سياسات التكتل الرئيسية، وتأثيرها أيضاً على ميزانية الاتحاد وهيكلية المؤسسات في بروكسل. 

توسع عضوية الاتحاد الأوروبي  

ثمة 8 دول مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي اليوم، هي ألبانيا، والبوسنة والهرسك، ومقدونيا الشمالية، والجبل الأسود، وصربيا، أوكرانيا، ومولدوفا، وجورجيا، وكوسوفو، وتركيا. صحيح أن رحلة بعضها أقصر وأسهل من الآخرين. ولكن كل خطوة لهذه الدول نحو العضوية، تزيد من الأسئلة المصيرية التي تواجه التكتل.  

قبل أشهر، اقترح رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل أن يستعد الاتحاد لضم أعضاء جدد عام 2030، فردت عليه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بأن ذلك الموعد ليس موضع اتفاق بين دول التكتل، وبتعبير آخر، الفكرة بحد ذاتها ليست موضع اتفاق طالما أن آليات وسبل تنفيذها محط خلاف.

ومنذ تأسيسه عبر 6 دول فقط في عام 1957، توسع الاتحاد الأوروبي 7 مرات، كان آخرها انضمام كرواتيا عام 2013، الغالبية الساحقة من الدول التي انضمت إلى التكتل مع بداية الألفية الجديدة كانت تنتمي للاتحاد السوفيتي سابقاً، ومن بينها المجر، التي حصلت على العضوية الأوروبية في عام 2004. 

وفي قمة غرناطة للاتحاد الأوروبي منتصف أكتوبر الماضي، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن "توسعة التكتل يجب أن تتم بوتيرة أسرع، ولكن لا بد أن نكون مبتكرين في هذا". منوهاً إلى وجود مقترحات عدة بشأن التوسعة المرتقبة، ولكن النقاشات الداخلية بشأنها لا تزال في مراحل مبكرة، على حد تعبيره.

تصنيفات

قصص قد تهمك