قال ناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي لـ "الشرق"، الثلاثاء، إن الولايات المتحدة لا علاقة لها بالهجوم الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق وأوقع ضحايا ومصابين، موضحاً إن واشنطن "لم تعلم به قبل وقوعه"، في وقت اتهمت طهران إسرائيل بالضلوع في القصف، الذي أودى بحياة 7 مستشارين عسكريين، بينهم 3 من كبار القادة وتوعدت بالرد المناسب.
وتوعد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الثلاثاء، بأن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، الاثنين، "لن يمر دون رد"، حسبما نقلت وكالة تسنيم الإيرانية.
بدورها، أبلغت الولايات المتحدة، إيران، بأن واشنطن "ليس لها أي علاقة" أو "معرفة متقدمة" بالضربة الإسرائيلية على مجمع دبلوماسي في سوريا، وفق ما أورده موقع "أكسيوس" الأميركي.
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي للموقع، إن الولايات المتحدة "لم يكن لها أي دور في الضربة الإسرائيلية، ولم نكن على علم بها في وقت مبكر. أبلغنا طهران بهذا مباشرة".
ووقع الهجوم قبل وقت قصير من اجتماع عبر تقنية الفيديو بين مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، مع كبار المسؤولين الإسرائيليين لمناقشة بدائل عملية الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رفح، جنوبي قطاع غزة.
وأضاف مسؤول أميركي أن "الضربة الجوية في سوريا، لم يتم طرحها خلال الاجتماع الذي استمر ساعتين ونصف الساعة"، وأوضح مسؤولون إسرائيليون وأميركيون أن إسرائيل "أخطرت إدارة الرئيس جو بايدن قبل دقائق قليلة من قيام قواتها الجوية بتنفيذ الضربة، لكنها لم تطلب الضوء الأخضر الأميركي".
مخاوف أميركية
وتُظهر الرسالة الأميركية النادرة إلى طهران، أن إدارة بايدن تشعر "بقلق عميق" من أن الضربة الإسرائيلية قد تؤدي إلى تصعيد إقليمي واستئناف هجمات الميليشيات الموالية لإيران ضد القوات الأميركية.
وقال مسؤول أميركي لـ "أكسيوس"، إن "التحذيرات الإسرائيلية لم تكن مفصلة، ووصلت عندما كانت الطائرات العسكرية في الجو بالفعل".
وأفاد الموقع الأميركي، بأنه في الساعات التي تلت القصف الجوي في دمشق، شُنت عدة هجمات بطائرات مسيرة من سوريا على إسرائيل، التي اعترضتها أنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش الإسرائيلي.
وقال مسؤول دفاعي أميركي، إن القوات الأميركية "رصدت مسيرة هجومية أحادية الاتجاه، ودمرتها في قاعدة التنف بسوريا، بعد عدة ساعات من الضربة في دمشق، في حين لم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات أو أضرار في البنية التحتية".
ولفت مسؤول إسرائيلي كبير إلى أن الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب قصوى، تحسباً لهجمات انتقامية من ميليشيات متحالفة مع إيران في سوريا.
وقصفت طائرات حربية يشتبه بأنها إسرائيلية، السفارة الإيرانية في حي المزة بدمشق، الاثنين، في تصعيد للحرب التي تشنها إسرائيل على وكلاء طهران في المنطقة، إذ شوهد عمال طوارئ وهم يصعدون على أنقاض مبنى مدمر داخل المجمع الدبلوماسي بجوار مبنى السفارة الرئيسي، فيما كانت سيارات الطوارئ متوقفة في الخارج، وعلم إيران معلق على عمود أمام الأنقاض.
وقال سفير إيران لدى سوريا، حسين أكبري "أصابت الضربة مبنى قنصلياً في مجمع السفارة"، موضحاً أن مقر إقامته في المبنى ذاته، المكون من طابقين علويين.
وأضاف أكبري أن "العمل الشنيع نفذته طائرات إسرائيلية من طراز F-35 بإطلاق 6 صواريخ"، قائلاً: "لأول مرة، تجرأ النظام الصهيوني على استهداف مبنى رسمي لسفارة تحمل العلم الإيراني. ردنا سيتم في الوقت والمكان المناسبين"، بحسب ما أوردته صحيفة "فاينانشيال تايمز".
بدوره، قال الحرس الثوري الإيراني في بيان، إن "7 مستشارين عسكريين لقوا حتفهم في الهجوم، من بينهم محمد رضا زاهدي القائد الكبير في فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري، إضافة إلى نائب زاهدي محمد هادي حاج رحيمي وحسين أمين الله، وهو قائد كبير آخر للفيلق في سوريا ولبنان".
ونقل تلفزيون العالم الإيراني، عن مجلس الأمن القومي الإيراني قوله، الثلاثاء، إنه اجتمع و"اتخذ القرارات المناسبة بشأن الهجوم على القنصلية"، دون تقديم المزيد من التفاصيل.
وقالت وزارة الدفاع السورية، إن إسرائيل شنت الهجوم، ما أدى إلى سقوط وإصابة كل من كان بداخله وتدمير المبنى بالكامل، إذ انتقل وزيرا الخارجية والداخلية السوريان إلى موقع الهجوم وأدانا ما وصفاه بـ "العمل الشنيع".
مجلس الأمن يبحث الهجوم
في السياق، قال نائب مندوب روسيا الدائم بالأمم المتحدة، ديميتري بوليانسكي، إن مجلس الأمن الدولي سيعقد جلسة مفتوحة، الثلاثاء، بشأن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق.
وأضاف بوليانسكي عبر منصة "إكس"، أن طهران بعثت برسالة إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة القصف، وقال: "طلبنا عقد جلسة مفتوحة لمجلس الأمن عقب رسالتهم". ومن المقرر عقد الجلسة في الثالثة مساءً بتوقيت نيويورك (11 صباحاً بتوقيت جرينتش).
وكانت سفيرة ومساعدة ممثلية إيران لدى الأمم المتحدة، زهراء إرشادي، طلبت في رسالة إلى مجلس الأمن، إدانة الهجوم "بأشد العبارات الممكنة وعقد اجتماع عاجل للتعامل مع الانتهاكات العلنية لقواعد ومبادئ القانون الدولي" من قبل إسرائيل، وفقاً لما ذكرته وكالة "إرنا" الرسمية للأنباء.
وقالت البعثة الإيرانية، إن الضربة "تهديد كبير للسلام والأمن الإقليميين"، وحضت مجلس الأمن على استنكار الهجوم وقالت إن طهران "تحتفظ بالحق في اتخاذ رد حاسم".
ونددت دول منها العراق والأردن وعُمان وباكستان وقطر والسعودية والإمارات، بالهجوم، وقال السفير الإيراني لدى سوريا، والذي لم يصب بمكروه في الهجوم، للتلفزيون الرسمي الإيراني إن "عدداً يتراوح بين خمسة وسبعة أشخاص، بينهم دبلوماسيون، قتلوا في الهجوم وإن رد طهران سيكون قاسياً".
توتر إقليمي
وبحسب "فاينانشيال تايمز"، فإن الهجوم الإسرائيلي يعد الرابع على قوات إيرانية في سوريا خلال العام الجاري 2024، إذ سقط ما لا يقل عن ستة من أفراد الحرس ومستشار عسكري في 3 حوادث منفصلة منذ يناير الماضي.
وقصفت إسرائيل مئات الأهداف المرتبطة بطهران ووكلائها في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك مطارا حلب ودمشق، منذ أن نشرت إيران قوات خلال الحرب الأهلية السورية في عام 2011.
ولطالما شعرت إسرائيل بالقلق من أن وجود القوات الإيرانية، وكذلك مقاتلين من "حزب الله" اللبناني في سوريا، يمكّن خصومها من إنشاء جبهة جديدة ضدها، لكن التوترات بين إسرائيل وإيران ارتفعت منذ حرب غزة قبل 5 أشهر، ما أدى إلى ضربات إسرائيلية أكثر دموية استهدفت المنشآت الإيرانية.
في الإطار، نقلت وسائل إعلام رسمية سورية عن مصدر عسكري قوله، إن "إسرائيل شنت هجوماً من مرتفعات الجولان المحتلة على السفارة الإيرانية، وإن الدفاعات الجوية السورية أسقطت بعض الصواريخ".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، إن الولايات المتحدة "لا تزال قلقة حيال أي شيء من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد الصراع في المنطقة أو تفاقمه".
وأضاف ميلر، أنه "لا يتوقع أن يؤثر الهجوم على المحادثات المتعلقة بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حركة حماس".
تصعيد محتمل
وانقسم المحللون بشأن ما إذا كان الهجوم على مجمع السفارة الإيرانية سيثير أعمال عنف أكبر، إذ قال من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، جون أولترمان، إن الهجوم يعكس على الأرجح اعتقاد إسرائيل بأن مثل هذه الضربات تمثل وسائل ردع وتجعل نشوب صراع أوسع نطاقاً أقل احتمالاً.
وأضاف: "الإسرائيليون مقتنعون بأنهم إذا سعوا إلى التراجع، فإن التهديد سيزداد ولن يتراجع، إنهم مقتنعون بأنهم ما داموا يفعلون شيئاً كهذا بشكل دوري، فسيرتدع خصومهم".
ومع ذلك، يرى المحلل في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن ستيفن كوك، أن "هناك قابلية للتصعيد"، قائلاً لـ"فاينانشيال تايمز"، إن "الحرس الثوري الإيراني قادر على تخفيف القيود المفروضة على وكلائه في العراق وسوريا، ما يعرض القوات الأميركية للخطر مرة أخرى".
وأضاف: "يمكن للإيرانيين أيضاً أن يوجهوا حزب الله إلى تصعيد هجماته على إسرائيل، والتي أصبحت أكثر جرأة وعدداً".
وتستهدف إسرائيل المنشآت العسكرية الإيرانية والمنشآت الأخرى التابعة لوكلاء طهران في سوريا منذ فترة طويلة، غير أن هذه هي المرة الأولى التي تقصف فيها إسرائيل مجمع السفارة نفسه.
حرب الظل
من جهتها، ترى "بلومبرغ"، أن ن حرب الظل بين إسرائيل وإيران شكلت منطقة الشرق الأوسط لعقود من الزمن، إذ هاجم الطرفان بعضهما البعض بهدوء مع تجنب التصعيد إلى حرب مباشرة، لكن تصاعد الأحداث في غزة، أدخل حرب الظل مرحلة جديدة خطيرة.
وهناك جانب آخر من حرب الظل، وهو الهجمات الانتقامية على السفن التجارية في البحر، والتي بدأت في عام 2019. وعلى الرغم من أن إسرائيل وإيران لم تقرا بالمسؤولية عن الهجمات على السفن المتصلة بالأخرى، إلا أنه يعتقد على نطاق واسع أنهما تقفان وراءها.
وكانت الخسائر في الأرواح نادرة، ولكن في يوليو 2021، قُتل أحد أفراد الطاقم البريطاني والروماني، عندما ضربت طائرة مسيرة سفينة تديرها إسرائيل في خليج عمان، وربطها مسؤولون أميركيون بإيران، فيما شملت الأهداف السابقة الناقلات الإيرانية التي تحمل النفط المتجه إلى سوريا، وسفينة إيرانية قبالة سواحل اليمن كانت بمثابة قاعدة عائمة للحرس الثوري.
وفي تصعيد للهجمات في البحر، منذ 7 أكتوبر الماضي، حاول الحوثيون المدعومين من إيران، ضرب إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة، فيما هاجموا بشكل متكرر السفن في البحر الأحمر.
ويقول الحوثيون إنهم يستهدفون السفن المرتبطة بإسرائيل أو بالولايات المتحدة أو بريطانيا، والتي شنت غارات على أهداف حوثية في اليمن، رداً على الهجمات.
هجمات داخل البلدين
ورغم أن إيران استوعبت في الغالب، الضربات الإسرائيلية على مصالحها في سوريا، إلا أن قواتها هناك أطلقت في عام 2018 وابلاً من الصواريخ باتجاه المواقع الإسرائيلية في مرتفعات الجولان.
ويُعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تقف وراء اغتيال 5 علماء نوويين إيرانيين في طهران منذ عام 2010، وعدة هجمات على مواقع نووية داخل إيران.
وفي أبريل 2021، ألقت إيران باللوم على إسرائيل، وتعهدت بالانتقام من انفجار في أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم في نطنز، والذي قالت إنه "تسبب في أضرار كبيرة لأجهزة الطرد المركزي"، وهذه المرة الثانية خلال أقل من عام التي يتعرض فيها الموقع لانفجار مشبوه، لكن لم تؤكد إسرائيل أو تنف مسؤوليتها عن أي من الهجومين.
وفي منتصف فبراير من العام ذاته، قالت إيران إن إسرائيل كانت وراء هجوم على شبكتها لنقل الغاز أدى إلى انقطاع الإمدادات، وقبل عام، بعد تعرض مستودع ذخيرة إيراني بالقرب من مدينة أصفهان بوسط البلاد لهجوم بمسيرة، ذكرت صحيفتان أميركيتان أن إسرائيل هي المسؤولة.
وفي عام 2021، قال جنرال إيراني، إن إسرائيل كانت على الأرجح وراء هجوم إلكتروني أدى إلى شل محطات الوقود في جميع أنحاء إيران.