مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، تواجه نائبة الرئيس كامالا هاريس، شكوكاً جدية بشأن قدرتها على إدارة البلاد خلفاً للرئيس جو بايدن، حال فوزه بسباق البيت الأبيض في نوفمبر المقبل، ثم خروجه من المنصب لسبب ما.
وتتجه الأنظار نحو هاريس في ظل قلق متزايد بين الناخبين الأميركيين بشأن عُمْر بايدن وتأثيره على فُرص إعادة انتخابه، لكن نتائج استطلاع رأي حديث شككت في قدرة نائبة الرئيس على الفوز بالرئاسة، أو أداء الوظيفة بشكل جيد إذا أصبحت الرئيسة.
وبحسب الاستطلاع، تتقاسم هاريس التصنيفات الضعيفة نفسها مع بايدن، لكنها تتفوق عليه بين الناخبين من أصول إفريقية، كما وسّعت تقدمها على المنافسين المحتملين في مواجهة افتراضية لعام 2028.
ومع ذلك، فإن الاستطلاع الذي أجْرته "بوليتيكو/مورنينج كونسلت"، والذي شمل 3 آلاف و996 ناخباً مسجلاً بين 28 إلى 29 مايو، كشف عن صعوبة الحد من قلق الناخبين بشأن مستقبل قيادة البلاد إذا أصبح بايدن غير قادر على الخدمة.
ومنذ توليها منصب نائبة الرئيس تألقت هاريس في الدفاع عن الحقوق الإنجابية، ووُصِفت بأنها أقوى صوت في فريق بايدن بشأن الإجهاض، منذ قرار المحكمة العليا في قضية "دوبس" الصادر في يونيو 2022، حيث حشدت عدداً أكبر من الناخبين، بما في ذلك النساء في الولايات التي يقودها الجمهوريون.
هاريس.. رئيسة محتملة
وقرار المحكمة العليا في قضية "دوبس ضد منظمة صحة المرأة جاكسون"، ألغى الحماية الدستورية الفيدرالية للحق في الإجهاض بالولايات المتحدة.
ورأت المحكمة أن الدستور لا يمنح الحق في الإجهاض، وأن مسألة الإجهاض يجب أن تُترك للولايات لتقررها، وبالتالي ألغى القرار كلاً من قضية "رو ضد ويد" لعام 1973، وقضية "تنظيم الأسرة ضد كيسي" لعام 1992.
وتعود تسمية قضية "دوبس ضد منظمة صحة المرأة جاكسون" إلى الدعوى القضائية التي رفعتها عيادة الإجهاض الوحيدة في ولاية ميسيسيبي، ومنظمة جاكسون لصحة المرأة، وأحد أطبائها ساشين كار-إليس، ضد مسؤول الصحة في الولاية توماس دوبس، والمدير التنفيذي لمجلس الولاية للتراخيص الطبية كينيث كليفلاند للطعن في دستورية قانون "سن الحمل" Gestational Age Act، الذي يحظر أي عملية إجهاض بعد الأسابيع الـ15 الأولى من الحمل، باستثناء حالات الطوارئ الطبية أو تشوّه الجنين الشديد.
وعلى الرغم من تعرّضها للسخرية والرفض من قِبَل الجمهوريين، واستطلاعات الرأي المشككة في قدراتها، ينظر عدد من السياسيين الأميركيين إلى هاريس باعتبارها رئيسة محتملة للولايات المتحدة، ومن بينهم مرشحة الرئاسة الجمهورية السابقة وحاكمة ولاية ساوث كارولاينا السابقة نيكي هيلي، التي قالت في مقابلة مع شبكة CNN في فبراير الماضي، تعليقاً على سن كل من بايدن والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب: "ستكون هناك رئيسة للولايات المتحدة. إما أن أكون أنا أو كامالا هاريس".
واعتبر خبراء وسياسيون تحدَّثوا لـ"الشرق"، أن أمام هاريس فرصة ذهبية خلال الحملة الرئاسية الحالية 2024، مشيرين إلى أن نائبة الرئيس تتمتع بمقومات قد تمكّنها من التأهل لتكون الرئيسة المستقبلية.
سن بايدن
وفي حال أعُيد انتخاب بايدن، فإنه سيبلغ من العمر 86 عاماً بنهاية ولايته، الأمر الذي يُقلق العديد من الناخبين الأميركيين، حيث أظهر استطلاع للرأي أجْرته شبكة ABC News/Ipsos، أن 86% من الأميركيين يعتقدون أن بايدن أكبر من أن يخدم لفترة ولاية أخرى.
وكشف الاستطلاع الذي ظهرت نتائجه في فبراير الماضي، أن نسبة كبيرة من الديمقراطيين تبلغ 73% وترتفع إلى 91% بين المستقلين، يعتقدون أن بايدن أكبر من أن يتولى منصب الرئيس مرة أخرى.
وإذا فاز بايدن، فإن إدارة هاريس ليست مستبعدة، إذ أظهر استطلاع "بوليتيكو/مورنينج"، أن ثلث الناخبين يعتقدون أن من المحتمل أن تفوز هاريس بالانتخابات إذا أصبحت المرشحة الديمقراطية، بينما يعتقد ثلاثة من خمسة ديمقراطيين أنها ستفوز، فيما يعتقد ربع المستقلين أنها ستفوز.
وتدور الشكوك بشأن دور هاريس المستقبلي المحتمل كرئيسة لحزبها، إذ وافق 42% على وصْفها بـ"الزعيمة القوية"، بما في ذلك ثلاثة أرباع الديمقراطيين وثلث المستقلين.
من جهته، يعتقد أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في "جامعة أوهايو" بول بيك، أن معظم الناخبين لا يعتمدون على دليل مباشر للتشكيك في قدرة هاريس، موضحاً: "يعتمد معظمهم على ما يسمعونه من وسائل الإعلام، أو هجمات الجمهوريين عليها".
لكن الباحث السياسي بمركز الدراسات السياسية في جامعة فيرجينيا جون مايلز كولمان، اعتبر شكوك الناخبين بشأن هاريس "أمراً طبيعياً"، نظراً لأنها تقع في المكان نفسه للعديد من نواب الرؤساء، ولا تملك دوراً عاماً خارج نطاق عملها.
وفي حديثه مع "الشرق"، قال كولمان إن من الصعب على أي نائب رئيس أن يبرز بصمته السياسية، فمن الناحية الجوهرية، ينظر الكثيرون إلى نائب الرئيس على أنه أقل استقلالية وحضوراً، ولكنه أكثر تفاعلية مع الرئيس.
ونوّه كولمان بأن أي صعوبات تواجهها هاريس تتعلق أكثر بدور نائب الرئيس، في حين تتعلق بشكل أقل بالقضايا الخاصة بها أو بقيادتها.
خبرة كبيرة لهاريس
ومع بدء الحملة الانتخابية لبايدن، نشطت هاريس في قضية الصحة الإنجابية، واتجهت في مايو الماضي، في جولة عبر عدد من الولايات لمناقشة حظر الإجهاض، تحت شعار "الكفاح من أجل الحريات الإنجابية".
ومنذ مايو الماضي، تدير هاريس حملة مضادة لجهود ترمب في استقطاب الناخبين من أصول إفريقية، إذ وجد نشاطها صدى في استطلاع "بوليتيكو/ مورنينج"، الذي أظهر تفوقها على بايدن بين هذه الشريحة من الناخبين، وهو تحوّل عما كان عليه الحال عندما تنافس الاثنان على ترشيح الحزب الديمقراطي قبل 4 سنوات.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تنجح هاريس في الحد من قلق الناخبين بشأن ما يمكن أن يحدث إذا أصبح بايدن غير قادر على أداء مهامه، وتولت هي المنصب بالنيابة عنه.
وتدرك حملة بايدن-هاريس، أن العديد من الديمقراطيين والمستقلين أيضاً، غير راضين عن بايدن ومنقسمين حوله، سواء بسبب السن أو التضخم أو حرب إسرائيل على قطاع غزة، حتى أن البعض يفكر في البقاء في المنازل وعدم المشاركة، وهو ما دفع هاريس، بحسب كولمان، إلى الظهور مؤخراً في عدد من الفعاليات، وقيادة عدد من القضايا، والتواصل مع الناخبين الأقل حماساً بشأن البطاقة الديمقراطية.
ولفت كولمان إلى أن هاريس كانت واجهة إدارة بايدن في العديد من القضايا، بما في ذلك "قيادة النضال من أجل حماية حقوق المرأة في الإجهاض"، كما كانت نشطة للغاية في "حماية حق التصويت وتوسيعه".
ووصف كولمان، هاريس بأنها "نشطة" للغاية في العمل مع إدارة بايدن فيما يتعلق بالاهتمامات المحلية والدولية، بما في ذلك التمثيل الخارجي.
لكنه أشار إلى أن وظيفة الرئيس تُعتبر فريدة من نوعها وواسعة النطاق، بحيث لا توجد طريقة للاستعداد الكامل حتى أداء اليمين الدستورية، موضحاً: "إذا خرج بايدن من منصبه لأي ظرف سيتعيّن عليها (هاريس) القيام بمهام الرئيس، ولن يتضح مدى قدرتها على الإدارة إلى أن تصبح الرئيسة الفعلية".
بينما تحدّث بول بيك عن أنه في الآونة الأخيرة، أخذت هاريس زمام المبادرة في الرد على قرار حظر الإجهاض، والهجمات على الحقوق المدنية، قائلاً: "كانت فعالة جداً".
وتابع بيك أنه تم تكليفها بالتعامل مع الوضع على الحدود، حيث بذلت جهداً كبيراً، "لكنها لم تتمكن دون أي خطأ من جانبها، من وقْف تدفق المهاجرين".
وأكمل حديثه قائلاً، إن هاريس ستواجه العديد من التحديات التي تواجهها إدارة بايدن إذا تولت مهام الرئيس، ومن أبرز هذه المهام "الوضع على الحدود".
من جهته، وصف الباحث السياسي ومستطلع الآراء الانتخابية زاك مكيري، هاريس بأنها نائبة رئيس تتمتع بخبرة قوية، إذ تم انتخابها مدعية عامة بإحدى المدن الأميركية الكبرى في سان فرانسيسكو، ثم عملت كمدعية عامة منتخبة لأكبر ولاية في ولاية كاليفورنيا، وشغلت منصب عضوة مجلس الشيوخ لعدة سنوات، كما فازت في جميع الانتخابات التي خاضتها، ما عدا الدور التمهيدي للانتخابات الرئاسية عام 2019 أمام بايدن بعد أن انسحبت من السباق وأيّدته، حتى أصبحت نائبة له في أغسطس 2020، لتصبح أول إمرأة تتولى منصب نائب الرئيس الأميركي.
وقال مكيري في حديثه مع "الشرق"، إنه إذا أصبحت هاريس رئيسة في مرحلة ما، ستتمتع بواحدة من الخلفيات السياسية الأكثر تنوعاً مقارنة بأي شخص آخر يخدم في هذا المنصب.
وذكر أنه في حال تولّت هاريس مهام الرئيس لخلو المنصب، فإن البلاد ستتعامل مع نوع من الأزمة، "لذا فإن التحدي الأكبر الذي يواجهها هو إظهار القيادة والهدوء والقوة خلال فترة مضطربة في البلاد".
رئيس أميركا المستقبلي
وفي استطلاع "بولوتيكو/مورنينج" بشأن مواجهة افتراضية في انتخابات الرئاسة لعام 2028، تمكنت هاريس من توسيع تقدمها بين الديمقراطيين على حساب المنافسين المحتملين، ومن بينهم وزير النقل بيت بوتيجيج، وحاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم، وحاكمة ميشيجان جريتشين ويتمر.
وعلى الرغم من حقيقة أن نائب الرئيس لا يعني بالضرورة أنه سيكون المرشح للرئاسة في الدورة التالية، فإنها لا تزال أفضل نقطة انطلاق رئاسية، حيث لا يفصلها سوى خطوة واحدة عن الرئاسة.
وقد حظى 15 نائباً للرئيس في تاريخ الولايات المتحدة بهذه الفرصة، حيث صعد 9 أشخاص بسبب وفاة الرئيس أو استقالته، في حين تم انتخاب 6 آخرين لاحقاً، بما في ذلك الرئيس الحالي جو بايدن، الذي شغل منصب نائب الرئيس لفترتين في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بين عامي 2009 و2017.
ورغم أن بيك رفض أن يقارن أي سياسي بتجربة بايدن، فإنه ذكر أن هاريس تتمتع بخبرة سياسية وقانونية كبيرة، بسبب دراستها المحاماة ومزاولتها المهنة.
وأضاف بيك أن مصير هاريس الآن مرتبط بمصير بايدن، لكن لديها فرصة كبيرة حتى تمهد الطريق لنفسها لخوض سباق الرئاسة لعام 2028، خاصة أنها تمتلك المؤهلات الأساسية لذلك، "وكل ما تحتاج إليه هو الاستمرار في التحدث والحصول على اهتمام وسائل الإعلام".
فيما توقّع مكيري أنه مع تقدُّم حملة 2024 ستصبح هاريس أكثر نشاطاً في التواصل مع نجاحات إدارة بايدن، وأن تقوم بإبراز إخفاقات رئاسة ترمب.
وألمح إلى أن من المرجح أن تتولى هاريس دوراً أكثر وضوحاً خلال الحملة الانتخابية، وتبني صورتها ومصداقيتها لدى الناخبين الأميركيين، ما يساعد في حظوظها في انتخابات 2028.
ولفت كولمان إلى أن هاريس، ابنة الباحثة الهندية شيامالا جوبالان، والاقتصادي الجامايكي دونالد جيه هاريس، حصلت على تفضيلات بين الناخبين من أصول إفريقية ولاتينية أكثر من بايدن نفسه.
وذكر كولمان أن لدى هاريس الفرصة لإعادة تغيير أي انطباعات عنها، وإعادة صياغة صورتها في الحملة الانتخابية الممتدة من خلال الفعاليات والمناظرات والحوارات الصحافية.
وتابع أنه إذا كانت هاريس تسعى لخوض سباق الرئاسة 2028، فستكون الحملة الانتخابية 2024 فرصتها الذهبية لإقناع الناخبيين أنها الرئيسة المستقبلية، "وعليها أن تنتهز الفرصة".