إصلاح الاقتصاد و"أميركا ترمب" أبرز تحديات رئيس إيران الجديد

time reading iconدقائق القراءة - 13
الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بيزكشان خلال مناظرة تلفزيونية مع منافسه بالانتخابات سعيد جليلي. 2 يوليو 2024 - Reuters
الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بيزكشان خلال مناظرة تلفزيونية مع منافسه بالانتخابات سعيد جليلي. 2 يوليو 2024 - Reuters
دبي -عبد السلام الشامخ

يواجه الرئيس الإيراني الجديد الإصلاحي مسعود بيزشكيان، الذي يريد إحياء الاتفاق النووي مع الغرب، تحديات صعبة خلال ولايته الرئاسية التي تدوم 4 سنوات، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، والعقوبات الخانقة المفروضة على صادرات البلاد من النفط، في خضم الظروف الاقليمية والدولية المتوترة، كما يواجه بيزشكيان وضعاً داخلياً مضطرباً مع تزايد القلق الاجتماعي وارتفاع البطالة.

وأعلنت وزارة الداخلية الإيرانية، صباح السبت، فوز الإصلاحي مسعود بيزشكيان، بانتخابات الرئاسة، على منافسه العضو السابق في الحرس الثوري الإيراني، المحافظ المتشدد سعيد جليلي.

وأفادت لجنة الانتخابات في وزارة الداخلية، بأن إجمالي الأصوات التي تم فرزها بلغ 30 مليوناً و530 ألفاً و157 صوتاً، حصد منها بيزشكيان على 16 مليوناً و384 ألفاً و403 أصوات، فيما حصل جليلي على 13 مليوناً و538 ألفاً و179 صوتاً، وفق ما أفادت وكالة "إرنا" للأنباء الرسمية.

ويمثل فوز بيزشكيان هزيمة كبيرة للتيار المحافظ المتشدد في إيران في وقت حرج بالنسبة للبلاد، إذ تواجه توترات إقليمية متزايدة ومواجهة مع الغرب بشأن برنامجها النووي.

وتأتي الانتخابات في الوقت الذي تهيمن فيه الاضطرابات والصراع على منطقة الشرق الأوسط، بدءاً بـ"الحرب الإسرائيلية على غزة وتطورات الوضع في لبنان"، مروراً بـ"الهجمات التي تخوضها جماعة الحوثي اليمنية في البحر الأحمر".

ومن بين التحديات الأكثر إلحاحاً لبيزشكيان خلال فترة ولايته، تحسين الاقتصاد الإيراني الخاضع لعقوبات شديدة، ومعالجة المعارضة العامة للقوانين الاجتماعية الصارمة في البلاد، والتي أثارت انتفاضة ضد السلطة في عام 2022. 

كما يواجه بيزشكيان احتمال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر. وهو الذي دعم فرض عقوبات صارمة على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، في إطار "استراتيجية الضغط الأقصى"، والتي هزت أسواق النفط وكادت أن تؤدي إلى حرب مباشرة مع إيران.

ويعتقد الخبراء أن السياسة الخارجية العامة لإيران، من المرجح أن تظل دون تغيير في ظل سيطرة مؤسسة المرشد الأعلى على القرارات الاستراتيجية للدولة، فيما تظل التحديات الكبرى مرتبطة أساساً بالأمن الاقليمي والوضع الاجتماعي المتردي.

"أميركا ترمب" والغرب

سعى العديد من القادة الإيرانيين، بما في ذلك الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، إلى اتباع نهج مختلف أثناء فترة ولايتهم، لكن ركائز السياسة الخارجية للجمهورية، المبنية على معاداة الغرب وإسرائيل، ظلت على حالها بثبات.

وهيمنت علاقات إيران مع الولايات المتحدة والغرب على الحملة الانتخابية الرئاسية، إذ كشفت الجولتان الأخيرتان من المناظرات، اللتين بثهما التلفزيون الحكومي يومي الاثنين والثلاثاء، مراهنة بيزشكيان على الحوار مع الخارج لتحسين العلاقات مع الغرب، ورفع العقوبات وجذب الاستثمار وتطوير السياحة.

وأثناء حملته الانتخابية للرئاسة، دعا بيزشكيان إلى إصلاحات اجتماعية واقتصادية محدودة والتواصل مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني لرفع العقوبات التي أصابت الاقتصاد بالشلل. ويستشهد أنصار بيزشكيان بتراثه باعتباره أذربيجانياً، وهي إحدى الأقليات العرقية في إيران، كأحد الأسباب التي تجعلهم يقولون إنه يستطيع العمل كقوة موحدة في البلاد.

الخوف من الأسوأ

وتعهد بيزشكيان بإحياء الاقتصاد المتعثر، الذي يعاني من سوء الإدارة والفساد الحكومي والعقوبات الأميركية، وتعزيز سياسة خارجية عملية وتخفيف التوترات بشأن المفاوضات المتوقفة حالياً مع القوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.

ويشير الخبير الإيراني علي فاعاز في تصريحات لـ"الشرق"، أن بيزشكيان يواجه تحديات لا تعد ولا تحصى في الداخل والخارج، من الاقتصاد الذي أضعفته العقوبات والفساد وسوء الإدارة إلى التوترات في المنطقة التي يمكن أن تجر إيران وحلفائها إلى حرب واسعة النطاق.

وشدد فاعاز على أن بيزشكيان كان فريداً من نوعه في "عدم التعهد بأي التزامات ملموسة"، وركز بدلاً من ذلك على نهجه في الحكم مع الاعتراف بالقيود التي قد يواجهها كرئيس، معتبراً أن نجاحه في تلك الانتخابات "لم يعتمد بالضرورة على الأمل في الأفضل، بل الخوف من الأسوأ".

وتابع: "بالمقارنة مع إدارة الرئيس رئيسي، يمكننا أن نرى بعض الجهود لتخفيف بعض سياسات النظام، ولكن مع ضوابط حقيقية للغاية ضد إمكانية حدوث تصحيح كبير للمسار في الداخل أو تحولات في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية".

الدولة العميقة

ويرى جاسون برودسكي مدير السياسات في منظمة "متحدون ضد إيران النووية" (UANI) في حديث مع "الشرق"، أن الدولة العميقة في إيران، التي يرأسها المرشد الأعلى علي خامنئي، "ستستخدم بيزشكيان كرجل واجهة مبتسم لصرف الانتباه عن نظام قمعي وإرهابي عميق، مثلما فعل خامنئي مع محمد خاتمي وحسن روحاني عندما كانا رئيسين".

وشدد على أن جوهر الاستراتيجية الكبرى للجمهورية الإيرانية الرامية إلى إخراج الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط، والقضاء على إسرائيل لن يتغير، مضيفاً أن "هذا هو الوضع الحالي والمستقبلي لأي إدارة في إيران".

وأجرت إيران محادثات غير مباشرة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، على الرغم من عدم وجود تحرك واضح نحو تقييد برنامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.

وكان ترمب قال الشهر الماضي، إنه كان مستعد "لعقد اتفاق" مع إيران بشأن "كل شيء" خلال نهاية فترة ولايته، مضيفاً أن طهران "أرادت" أيضاً التوصل إلى اتفاق، لأن البلاد كانت في حالة يرثى لها نتيجة لسياساته الصارمة والعقوبات المفروضة عليها.

وشدد في برنامج All In podcast على أن "إيران دولة مفلسة، ولم يكن لديها المال، وفرضتُ عقوبات على الدول التي أرادت شراء النفط من إيران. وكنت سأعقد صفقة عادلة مع إيران، وكنت سأنسجم معهم"، وفق تعبيره.

وكانت سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران تعتمد على "أقصى قدر من الضغط الاقتصادي" في ظل إدارة ترمب. وكانت الفكرة تتلخص في إعادة فرض العقوبات السابقة بهدف التوصل إلى اتفاق جديد وشامل وطويل الأمد مع إيران، والذي لن يشمل برامجها النووية فحسب، بل وأيضاً مشاريع عسكرية أخرى مثل تطوير الصواريخ الباليستية.

وتقوم إيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات تقترب من مستوى تصنيع الأسلحة، وتحتفظ بمخزون كبير بالقدر الكافي لصنع العديد من الأسلحة النووية، إذا اختارت أن تفعل ذلك.

ويُقيّم مشروع "2025" هو عبارة عن مجموعة من مقترحات قدمها مستشارون في حالة فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية، أن إيران تشكل تهديداً مزدوجاً لاستقرار الشرق الأوسط، أولاً، من خلال شبكتها من العملاء الإقليميين المسلحين، وثانياً، من خلال برنامجها النووي الموسع للغاية. 

وبشأن احتمال عودة ترمب إلى البيت الأبيض وتأثير ذلك على العلاقة مع إيران، أقر المحلل الأميركي جاسون برودسكي، بأن القرارات الاستراتيجية في إيران يصنعها المرشد الأعلى بمعية مستشاريه، قد يتغير الأسلوب والنبرة ولكن "جوهر العلاقات لن يتغير".

وتوقع برودسكي، أن تستمر الإدارة الأميركية في فرض عقوبات اقتصادية على إيران، في ظل التوترات الاقليمية المتصاعدة، مشيراً إلى أن طبيعة الرد الإيراني ستحدد مدى تأثير ذلك على حالة الاقتصاد.

إصلاح الاقتصاد

واجه الاقتصاد الإيراني تحديات متعددة على مدى العقود الماضية، إذ أثر التضخم المستمر والنمو المنخفض على معيشة الإيرانيين العاديين. وقد أطلق المرشد الأعلى للبلاد، علي خامنئي، على السنة التقويمية الإيرانية الحالية اسم "عام السيطرة على التضخم"، وهذا يعكس الأهمية السياسية للتضخم في إيران. 

وفي مارس 2023، وصل التضخم السنوي لمتوسط ​​أسعار المستهلك إلى ما يقرب من 64%، ووصل التضخم في بعض المواد الغذائية إلى أكثر من 90%. منذ بداية الحرب الاسرائيلية على غزة، شهد الريال الإيراني حلقة أخرى من انخفاض قيمة العملة.

وأقر بيزشكيان خلال حملته الانتخابية، بأن الأولوية القصوى هي إنعاش الاقتصاد الذي تضرر بشدة من العقوبات منذ انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي الإيراني، وهو الضرر الذي تفاقم لاحقاً بسبب جائحة فيروس كورونا، والعقوبات المفروضة من قبل الغرب.

وكانت هناك آمال كبيرة في البداية في تدفق الاستثمارات الأجنبية بعد الاتفاق الذي أبرمته إيران مع القوى العالمية في عام 2015، والذي تعهدت فيه بعدم بناء أو امتلاك أسلحة نووية، وهو الهدف الذي نفت إيران دائماً السعي إليه. لكن هذه الآمال تبددت عندما انسحب ترمب في عام 2018 من الاتفاق، وأطلق أو أعاد فرض عقوبات كجزء من حملة "الضغط الأقصى" الشاملة.

ونتيجة هذه العقوبات، خسرت إيران المليارات من عائدات النفط الحيوية وتم إقصاؤها عن النظام المالي الدولي. ويقول صندوق النقد الدولي إن الناتج المحلي الإجمالي انخفض بأكثر من 6% في عامي 2018 و2019، ولم يعد إلى نمو متواضع إلا في العام الماضي.

كما ارتفعت معدلات البطالة، وانهارت عملة الريال الإيراني، وارتفعت الأسعار وسط التضخم الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ 39% لهذا العام.

كما يشكل السخط الاجتماعي، الذي غذى الاحتجاجات المتكررة، والاقتصاد الهزيل، المخاوف الداخلية الرئيسية، وهو ما أثاره المرشح الاصلاحي طوال حملته الانتخابية.

العلاقات مع دول الجوار

في العاشر من مارس 2023، اتفقت السعودية وإيران على تجديد العلاقات الدبلوماسية بعد انقطاع دام 7 سنوات، وتعهدتا بفتح حقبة جديدة من التعاون، وتبادل السفراء وعقد العديد من الاجتماعات رفيعة المستوى، توجت بزيارة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي إلى الرياض في نوفمبر الماضي، وهو أول رئيس إيراني يزور الرياض منذ 11 عاماً.

تضمن الاتفاق بين السعودية وإيران، تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما اتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في أبريل 2001 والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في مايو 1998.

وكانت السعودية قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، نتيجة الاعتداء على مقارها الدبلوماسية في العاصمة طهران والقنصلية في مشهد (يناير 2016)، في ثاني قرار من نوعه بعد قطع العلاقات الدبلوماسية أول مرة (عام 1987) بسبب مسيرة لعدد من الإيرانيين بالأسلحة البيضاء في أحد الطرق الرئيسة المؤدية إلى المسجد الحرام في مكة المكرمة، لتستأنف العلاقات بين البلدين بعد ذلك (عام 1991).

واستضافت الصين وقامت برعاية المباحثات بين السعودية وإيران في الفترة من 6 مارس إلى 10 مارس من العام الماضي في بكين، كما استضاف العراق وسلطنة عُمان جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال عامي 2021 و2022، وفق الوكالة.

وسيكون بيزشكيان أمام تحدي مواصلة هذا الزخم الدبلوماسي، خاصة بعد الإشارات الايجابية التي بعثتها الرياض خلال موسم الحج باستضافتها آلاف الحجاج الإيرانيين.

وتظل النقطة الساخنة الرئيسية التي تهدد بقلب العلاقة السعودية الإيرانية الجديدة رأساً على عقب، في المقام الأول، اليمن ولبنان، وفق مركز "ويلسون" الأميركي.

وتواصل جماعة الحوثي في اليمن، إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار على السفن التجارية التي تبحر في البحر الأحمر لإظهار دعمها لغزة.

ولا يوجد ما يشير حتى الآن إلى أن إيران فعلت أي شيء للضغط على الحوثيين لوقف هجماتهم على الشحن الدولي في البحر الأحمر. ونفت جماعة الحوثي أي تدخل إيراني وقدمت تأكيدات بأنها لا تنوي توسيع الصراع إلى ما هو أبعد من دعمها لحماس ضد إسرائيل.

وفي لبنان، تواصل جماعة "حزب الله"، تبادل الاشتباكات مع إسرائيل عبر الحدود، فيما يهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل شبه يومي بشن غزو واسع النطاق لإبعاد "حزب الله" عن الحدود وإنشاء منطقة عازلة هناك.

ويهدد "حزب الله" بدوره بإطلاق وابل واسع النطاق من الصواريخ، والقادرة على الوصول إلى جميع أنحاء إسرائيل تقريباً. فيما تشير تسريبات إلى أن إيران تنصح "حزب الله" بتجنب التصعيد خوفاً من أن تؤدي حرب إقليمية إلى قيام إسرائيل والولايات المتحدة بمهاجمتها مباشرة.

تصنيفات

قصص قد تهمك