توغل كورسك.. خطة كييف لإنهاء "المرحلة الساخنة" من الحرب تهدد محادثات السلام

time reading iconدقائق القراءة - 9
جنود من اللواء الميكانيكي الرابع والعشرين بالجيش الأوكراني يطلقون النار من مركبة قتالية من طراز BRM-1K باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة بالقرب من بلدة تشاسيف يار في منطقة دونيتسك. 17 أغسطس 2024 - Reuters
جنود من اللواء الميكانيكي الرابع والعشرين بالجيش الأوكراني يطلقون النار من مركبة قتالية من طراز BRM-1K باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة بالقرب من بلدة تشاسيف يار في منطقة دونيتسك. 17 أغسطس 2024 - Reuters
دبي -الشرق

في يوليو الماضي، وبينما كان يستعد سراً لغزو روسيا، أرسل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إشارة مختلفة للغاية في العلن، "نريد محادثات لإنهاء الحرب مع بوتين"، فيما يحاول اليوم الاحتفاظ بالأراضي الروسية، التي يسيطر عليها، كوسيلة ضغط في المحادثات المستقبلية. وفي موسكو، يشكك كثيرون في هذه الاستراتيجية.

في حديثه إلى هيئة الإذاعة البريطانية BBC، قال زيلينسكي إن لديه خطة لإنهاء "المرحلة الساخنة" من الحرب هذا العام 2024. فقد أرسل وزير خارجيته في رحلة مفاجئة إلى الصين، في مهمة لتحسين علاقة أوكرانيا بأهم شريك لروسيا. كما دفع باتجاه عقد سلسلة من الاجتماعات الدولية، بما في ذلك اجتماع مخطط له في قطر في أغسطس الجاري، إذ يأمل في حشد الدعم لمواقف أوكرانيا وتمهيد الطريق لتسوية أوسع.

وذكرت "نيويورك تايمز" أن "المبادرات الصيفية" التي أقدم عليها الرئيس الأوكراني، تختلف كلياً عما كان عليه المشهد قبل عامين، إذ كان زيلينسكي يرفض تقديم أي تلميح للتنازلات في مواجهة الغزو الروسي الذي يعتقد العديد من الأوكرانيين أنه "يهدف إلى محو بلادهم من الخريطة"، بينما تشدد موسكو على أن عملياتها العسكرية تستهدف إقليم دونباس فقط في شرق أوكرانيا.

وقد زاد الأمر إثارة للدهشة عندما دخلت القوات الأوكرانية في السادس من أغسطس منطقة كورسك الروسية، مما أدى إلى واحدة من أكثر اللحظات إحراجاً للرئيس فلاديمير بوتين في ثلاثين شهراً من الحرب والتنبؤات المربكة بأن البلدين قد يتجهان نحو وقف إطلاق النار.

وتراهن كييف على مخاطرة كبيرة؛ وهي أن التوغل يمنحها نفوذاً جديداً لإبرام صفقة مواتية مع الكرملين، حتى مع بقاء جيشها في وضع دفاعي عبر معظم خطوط المواجهة في أوكرانيا. ويتوقع الروس، الذين يعرفون بوتين، أن "يرد بقوة"، معتقدين أن جيشه "له اليد العليا في الأفراد والأسلحة".

"الانتقام لا السلام"

وتشير "نيويورك تايمز" إلى دلائل تظهر أن جهود وقف إطلاق النار عانت من "انتكاسة". وقال دبلوماسي مشارك في المحادثات، إن المسؤولين الروس أرجأوا اجتماعاً كان من المقرر عقده في قطر هذا الشهر للتفاوض على اتفاق يوقف فيه الجانبان الهجمات على البنية الأساسية للطاقة لدى كل منهما. وقد أوردت صحيفة "واشنطن بوست" في وقت سابق هذا التأجيل.

وفي تعليقات أوردتها وسائل الإعلام الروسية الرسمية، الاثنين، قال مستشار بوتين للسياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، "في المرحلة الحالية، ونظراً لهذه المغامرة، لن نتحدث". وأضاف أوشاكوف أن أي توقف في المفاوضات "يعتمد على الموقف، بما في ذلك على ساحة المعركة".

وقال جريجوري يافلينسكي، وهو سياسي روسي مخضرم التقى بوتين في أكتوبر الماضي للترويج لفكرة وقف إطلاق النار، في مقابلة أجريت معه من موسكو، إن هناك أملا في العاصمة الروسية بأن "القتال سيتوقف هذا العام".

وقال اثنان من كبار المسؤولين الروس السابقين المقربين من الكرملين، إنهما يعتقدان أن احتمالات محادثات وقف إطلاق النار، أصبحت بعيدة المنال. وتحدثا بشرط عدم كشف هويتهما لأنهما غير مخولين بالتحدث علناً. وقال أحدهما إن تركيز بوتين الآن "ليس السلام، بل الانتقام".

ويرى الأوكرانيون، أن الرئيس الروسي بوتين "لم يكن يركز على السلام قط، بل على الهيمنة الكاملة على بلادهم". ويقول المسؤولون في كييف إن التوغل في كورسك "يمكن أن يساعد في توفير النفوذ الذي يحتاجون إليه للتوصل إلى اتفاق بشروط أوكرانيا". ويقولون: "فقط من خلال جعل المزيد من الروس يشعرون بألم الحرب يمكنهم إجبار الكرملين على التراجع".

وقال ياروسلاف يورتشيشين، عضو البرلمان الأوكراني، في مقابلة مع "نيويورك تايمز": "من الصعب للغاية أن نتخيل السلام في عصرنا ما لم تخسر روسيا. الحل الوحيد لأي شيء مع روسيا هو: جعلهم يدفعون الثمن".

وأضاف أن الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا على روسيا من شأنه أن يعجل بالمحادثات، من خلال رفع تكلفة الحرب على روسيا. ويصر المسؤولون الأوكرانيون على أن التواصل الدبلوماسي العلني الذي قام به زيلينسكي هذا الصيف، إلى جانب تخطيطه السري للهجوم على كورسك، كانا "شقين من نفس الاستراتيجية".

استراتيجية زيلينسكي

وقالت إيفلين فاركاس، مديرة معهد ماكين، عن نهج أوكرانيا: "لقد فكروا في كيفية المزج بين المناورات العسكرية والدبلوماسية معاً"، وأضافت أن النهج الأوكراني ليس ذكياً فقط في سياق إعدادهم لمحادثات السلام، بل إنه يضغط على روسيا ويذكر الروس بأنهم لا يسيطرون على الوضع".

ومن غير الواضح ما إذا كان الجمع بين الضغط العسكري والدبلوماسي سيعمل مع بوتين، الذي واجه حتى الآن الرياح السياسية والاقتصادية المعاكسة في الداخل وأظهر أنه على استعداد لتحمل تكلفة باهظة لهزيمة أوكرانيا.

وفي الأشهر الأخيرة، تغير موقف أوكرانيا. ففي يونيو، قاد زيلينسكي تجمعاً ضم 92 دولة في سويسرا بهدف كسب الدعم العالمي لرؤيته "للسلام العادل والدائم". وكانت الخطة كما هو موضح تعني في نهاية المطاف عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وانسحاب روسيا الكامل وملاحقة الروس بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

لكن الصين تخطت القمة، ورفضت بعض الدول غير الغربية، بما في ذلك الهند وإندونيسيا والسعودية وجنوب إفريقيا، التوقيع على الإعلان المشترك للقمة. وبالنسبة لتلك الدول، كانت المشكلة الرئيسية هي أن روسيا لم تتم دعوتها إلى القمة السويسرية؛ وقالت إن "أي محادثات سلام تحتاج إلى إشراك الجانبين والاستعداد للتسوية".

وفي الأسابيع التي تلت ذلك، أظهر زيلينسكي انفتاحاً متزايداً على التفاوض مع روسيا بشكل مباشر. وقال إن روسيا يمكن أن تُدعى إلى "قمة سلام" ثانية هذا العام 2024، وأن أوكرانيا يمكن أن تستعيد أراضيها من خلال المفاوضات.

واستمر التواصل مع الدول المحايدة. وقالت وزارة الخارجية الهندية، الاثنين، إن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يخطط لزيارة أوكرانيا.

كما سعت أوكرانيا إلى إقامة سلسلة من الاجتماعات المؤقتة التي تركز على قضايا محددة. وقال زيلينسكي في يوليو الماضي، إن أول اجتماع من هذا القبيل كان من المقرر عقده في قطر هذا الصيف بشأن أمن الطاقة؛ وستأتي اجتماعات أخرى في تركيا وكندا بشأن الأمن الغذائي وأسرى الحرب والأطفال الأوكرانيين الذين تم نقلهم إلى روسيا.

وبينما كانت أوكرانيا تشير إلى استعدادها للحديث، كان جيشها يستعد لواحدة من أكثر هجماته جرأة منذ بدء غزو بوتين في فبراير 2022.

لكن المسؤولين الأوكرانيين أصروا أيضاً على أن الدبلوماسية ونقل الحرب إلى الأراضي الروسية "ليسا جهوداً متناقضة". وأشار المحللون الأوكرانيون، إلى أن الضربات الأوكرانية على مصافي النفط التي بدأت في الشتاء الماضي وفرت فرصة مواتية للتفاوض بشأن الهجمات الروسية على محطات الطاقة الكهربائية في أوكرانيا، وهو التكتيك العسكري الذي أدى إلى المحادثات المخطط لها في قطر.

وقال ميخايلو بودولياك، وهو مستشار رئاسي أوكراني كبير، في مقابلة أجريت معه في السادس من أغسطس، وهو اليوم الذي بدأ فيه توغل كورسك: "من أجل إشراك روسيا في عملية تفاوض عادلة، يتعين على الروس مواجهة الهزائم التكتيكية في ساحة المعركة. ومع تراكم هذه الهزائم، ستبدأ الاضطرابات الاجتماعية في التحرك داخل روسيا".

لكن الروس الذين يعرفون بوتين قالوا إنهم يشكون في أن غزو كورسك وأي اضطرابات عامة تلت ذلك قد تجبر الزعيم الروسي على تغيير مساره. وأشاروا إلى أن أساسيات القتال ظلت دون تغيير، حيث اقتنع بوتين بأنه يمتلك الموارد اللازمة للصمود أمام أوكرانيا والغرب. وتستمر روسيا في الهيمنة على معظم الجبهة في أوكرانيا وتحقيق مكاسب في الشرق، وتقترب من مدينة بوكروفسك الأوكرانية ذات الأهمية الاستراتيجية، وفق "نيويورك تايمز".

وقال دبلوماسي مطلع على الأمر، إن روسيا أرجأت مشاركتها في اجتماع قطر بشأن أمن الطاقة بعد توغل كورسك. وقال الدبلوماسي إن روسيا لم تنسحب من المحادثات، لكنها قالت إنها بحاجة إلى مزيد من الوقت، ووصف التوغل بأنه "تصعيد".

تصنيفات

قصص قد تهمك