بريطانيا وتقليص صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.. أبعاد رمزية وأصداء داخلية

time reading iconدقائق القراءة - 10
جندي إسرائيلي أعلى دبابة بالقرب من الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة. 4 يونيو 2024 - Reuters
جندي إسرائيلي أعلى دبابة بالقرب من الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة. 4 يونيو 2024 - Reuters
لندن -بهاء جهاد

يواجه حزب العمال البريطاني منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر الماضي، مطالب شعبية كبيرة بالضغط على إسرائيل من أجل إنهاء هجومها على القطاع، ولكن الحزب كان حتى الأمس القريب، يجلس على كرسي المعارضة، بينما يقود حزب المحافظين السلطة بأكثرية برلمانية مؤيدة لتل أبيب، ولا تبحث عن خصومتها.

يعد وصول حزب العمال إلى السلطة في 5 يوليو الماضي، محملاً بمطالب التخلي عن إسرائيل من قبل اليساريين والجالية المسلمة وغيرهم من أنصار القضية الفلسطينية بين البريطانيين، أكبر من قدرة الحكومة الجديدة وفق مراقبين، إذ رأى رئيس الوزراء كير ستارمر، الحل في توجيه رسائل مباشرة لإسرائيل تحثها على وقف الحرب.

ومثل تقليص صادرات الأسلحة، أحدث رسائل الحكومة البريطانية الجديدة إلى إسرائيل، لدعوتها إلى وقف الحرب على قطاع غزة، وبينما يرى البعض أن لندن قابلة لتصعيد ضغوطها على تل أبيب من أجل هذه الغاية، يرى آخرون أن خطوات ستارمر ووزرائه "الرمزية"، "مشروطة أولاً بعدم المساس بأمن إسرائيل، وثانياً بعدم إغضاب الحليف الأميركي".

احتواء الضغوط

جريس دويل، رئيس مجلس التفاهم العربي البريطاني المعروف اختصارا باسم "كابو"،  اعتبر أن تعليق العشرات من رخص تصدير السلاح البريطاني إلى إسرائيل "خطوة صغيرة كان يجب أن تؤخذ قبل ستة أشهر على الأقل"، ورغم ذلك هي مهمة من حيث مضمونها أو الرسالة التي تنطوي عليها، بشأن رفض الحكومة الجديدة للحرب.

ويلفت دويل في حديثه مع "الشرق"، إلى أن بريطانيا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، تأخذ هذه المواقف الصادرة عن حكومتها، أبعاداً تزعج حكومة تل أبيب، إذ تؤكد غياب التأييد الدولي لحربها على غزة، ومن هنا تفهم الإدانة السريعة للمسؤولين هناك لقرار تقليص صادرات السلاح البريطانية إلى الجيش الإسرائيلي.

وينوه دويل إلى أن الضغوط الداخلية على حكومة ستارمر، للدفع نحو إنهاء حرب غزة، ازدادت منذ وصول حزب العمال إلى السلطة قبل شهرين، معتبراً أن تقليص صادرات السلاح "يخفف من هذه الضغوط ويظهر أن لندن باتت تقف على الجانب الصحيح من الحرب إنسانياً وسياسياً، إذ أن الأزمة اليوم هي في قطاع غزة وليست إسرائيل.  

ويعتقد دويل في حديثه لـ"الشرق"، أن بريطانيا قادرة على التصعيد في ضغوطها على إسرائيل، "فالحكومة الجديدة لم تفرض بعد عقوبات على المستوطنات والمستوطنين في مناطق الضفة الغربية المحتلة، كما يمكن للندن تعليق التجارة الحرة مع تل أبيب في إطار الضغط عليها اقتصادياً، أما سياسياً فما زال في جعبة (العمال) خيارات أكثر في ذات الإطار". 

وبرأي دويل، فإن ما تسرب إعلامياً بشأن امتعاض الولايات المتحدة من القرار البريطاني، "لا يبدو حقيقياً"، لافتاً إلى أن "لندن لابد أنها أخبرت واشنطن مسبقاً بهذا القرار، ولا يبدو أنها مانعته أو طلبت التروي فيه على الأقل، خاصة وأنه لا يؤثر على قدرات إسرائيل العسكرية ولا يهدد أمن تل أبيب بشكل عملي". 

أبعاد رمزية وامتعاض "مسرحي"

كامل حواش، رئيس حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا، يتفق مع دويل في أن امتعاض واشنطن من قرار لندن الأخير "مسرحي" على حد تعبيره، فلا يمكن لحكومة المملكة المتحدة المضي بقرار يخص إسرائيل والصراع في الشرق الأوسط، دون التنسيق مع الولايات المتحدة، حتى ولو كان القرار يحمل أبعاداً رمزية فقط.

ويعتبر حواش، في حديثه مع "الشرق"، أن تقليص صادرات السلاح إلى إسرائيل "قرار مهم ولكن محتواه ضعيف"، فهو لا يؤثر على مسارات الحرب أو يهدد أمن تل أبيب، ولكنه يعكس تغيراً في سياسة بريطانيا تجاه ما يحدث في غزة، وفحوى هذا التغيير باختصار أن الحكومة الجديدة في لندن لا تؤيد الحرب على القطاع ولا تريد لها أن تستمر أكثر من ذلك".

ويلفت حواش إلى جانب آخر جدير بالاهتمام في قرار الحكومة البريطانية الأخير، وهو خشيتها من المساءلة الدولية إزاء استخدام الأسلحة البريطانية في حرب غزة، إذا ما تكشفت لاحقاً ملفات انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في القطاع خلال الحرب المستمرة عليه منذ نحو عام، "ويبدو أن أطرافاً عدة في المجتمع الدولي مهتمة بكشف تجاوزاتها"، على حد وصفه. 

ويشدد رئيس حملة التضامن مع فلسطين، في تصريحاته لـ"الشرق"، على أن قرار تقليص صادرات السلاح البريطانية هو "سياسي بامتياز" إذ أن التعليق لا يتعلق بأسلحة تحدث فارقاً على الأرض أو تهدد أمن إسرائيل، وأضاف: "الدليل هو عدم شموله المكونات الخاصة بطائرات F-35 التي تعتبر من أهم عناصر تفوق تل أبيب عسكرياً على مستوى المنطقة".

خطوة مكملة 

في توضيح قرار الحكومة أمام البرلمان البريطاني، قال وزير الخارجية ديفيد لامي، إن القرار يشمل 30 قطعة من أصل 350 سلاحاً ترسله بريطانيا إلى إسرائيل، ويتضمن التقليص مكونات في الطائرات العسكرية بما في ذلك المقاتلات والمروحيات والمسيرات، ولكن ليس من بينها تلك الأجزاء المتعلقة بصناعة الطائرة المقاتلة الأميركية المتطورة F-35.

ويشمل القرار أيضاً، أسلحة "تسهل استهداف الأراضي في غزة" لم يحددها وزير الخارجية، ولكن التعليق بحسب لامي، "لا يمس معدات التدريب أو الأسلحة البحرية أو المواد الكيماوية المستخدمة في اختبار الأغذية أو أجهزة الاتصالات وتكنولوجيا البيانات"، وفي المحصلة "لا يهدد أمن إسرائيل، ولا يحد قدراتها العسكرية"، وفق تعبيره.

وزير الدفاع جون هيلي، أكد بدوره أن قرار لندن "لن يؤثر على قدرات الجيش الإسرائيلي"، وبحسب الباحث في شؤون الأمن والدفاع بينجامين تالز، فقد مهد "العمال" للقرار قبل نحو شهر، من خلال الإعلان عن تعليق مؤقت لتراخيص أسلحة بحجة إجراء موظفي الخدمة المدنية مراجعة روتينية لتلك التراخيص الصادرة في ظل الحكومة السابقة.

وأشار تالز في حديثه مع "الشرق"، إلى أن الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الجديد ديفيد لامي إلى تل أبيب، بمجرد تسلمه حقيبة الدبلوماسية قبل نحو شهرين، كشفت عن تغير سياسة الحكومة البريطانية تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة، من تأييدها إلى معارضة استمرارها. وأضاف: "ثم جاء تراجع الحكومة العمالية عن خطط الطعن في مذكرات الاعتقال التي أعدتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس وزراء إسرائيل ووزير دفاعه.  

الباحث في شؤون الأمن والدفاع، لفت أيضاً إلى أن تقليص صادرات السلاح البريطانية، هي "خطوة جديدة في نهج حكومة تعهدت للناخبين قبل بضعة أشهر باحترام القانون الدولي في علاقاتها الخارجية، ولعل حرب غزة من أكثر المحطات التي يمكن أن يختبر فيها التزام حزب العمال ببرنامجه الانتخابي الذي جلب له أكثرية مطلقة في البرلمان".

وحسبما يعتقد تالز، فإن الحكومة الجديدة تسعى إلى التمايز عن سابقتها في جميع الملفات الخارجية، ويبدو أن ستارمر "يريد تأثيراً أكبر من سلفه ريشي سوناك في العلاقات البريطانية مع العالم، وهذا بدا واضحاً في انفتاحه على الأوروبيين واتصاله مع الرئيسين الإيراني والصيني خلال أقل من شهرين على وصوله إلى المنزل رقم 10 في داونينج ستريت". 

أصداء داخلية

رغم وضوح الرسالة في قرار لندن الأخير، إلا أن المعارضين للحرب على غزة وجدوه غير كافياً، ويطالبون الحكومة البريطانية بوقف كامل صادرات السلاح إلى تل أبيب، وهذا بحد ذاته لا يبدو مؤثراً فعلياً، حيث إن المملكة المتحدة تغطي نسبة ضئيلة من الواردات العسكرية لحليفتها في الشرق الأوسط مقارنة بالولايات المتحدة التي تؤمّن لإسرائيل 60% من أسلحتها؛ ومن ثم ألمانيا التي تتكفل بما يصل إلى 30% وفق الأرقام. 

النائب في البرلمان والزعيم السابق لحزب العمال جيرمي كوربين، شكل مع 4 نواب مستقلين آخرين مجموعة ضغط على الحكومة للوصول إلى وقف كامل لصادرات السلاح البريطانية إلى إسرائيل، وفي المقابل تعالت أصوات من حزب المحافظين وأصدقاء إسرائيل في المملكة المتحدة، تطالب ستارمر ووزرائه بإعادة النظر في موقفهم.

رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون قال إن الحكومة العمالية تريد "انتصار حركة حماس على إسرائيل"، فيما غرد وزير الداخلية السابق جيمس كليفرلي بالقول إن "ستارمر ووزرائه يحطمون علاقات المملكة المتحدة مع حلفائها في وقت حرج جداً في العالم"، وكذلك كان رأي النائب ووزير الدولة السابق لشؤون الأمن، توم توجندهانت.

من جهته قال الحاخام الأكبر في بريطانيا، إفرايم ميرفيس، إن قرار لندن "يتجاهل أن إسرائيل تخوض حرب بقاء على جبهات عدة منذ أكتوبر الماضي، وبينما تواجه إسرائيل تهديد إيران ووكلائها لشعبها وللغرب الديمقراطي ككل"، يأتي قرار حكومة ستارمر لـ "يغذي الباطل بأن تل أبيب تنتهك القانون الإنساني، بينما هي تبذل جهوداً لدعمه"، وفق تعبيره.

تصنيفات

قصص قد تهمك