
تحل ذكرى كارثة تشيرنوبل النووية، الثلاثاء، حين أدت أعطال في مفاعل تشيرنوبل السوفييتي، شمال أوكرانيا، في 26 أبريل 1986، إلى حدوث انفجارات وصل صداها مئات الكيلومترات، مُشكلة سحابة إشعاع تم رصدها في دول أوروبية عدة.
ومع انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا، سيطرت القوات الروسية على المحطة في اليوم الأول من العملية العسكرية التي أطلقتها في 24 فبراير، واحتلت المنطقة التي تشهد نشاطاً إشعاعياً كبيراً، إلى أن خرجت منها في 31 مارس.
ولكن مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، تتداعي أحداث الكارثة التي مر عليها 36 عاماً، أكثر من أى وقت مضى. وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في بيان، الاثنين، إن مديرها العام رفائيل جروسي سيقود بعثة إلى محطة تشيرنوبل الثلاثاء، لتسليم معدات وإجراء تقييمات إشعاعية واستعادة أنظمة مراقبة الضمانات.
مفاعل "تشيرنوبل"
على بعد نحو 130 كيلومتراً شمال العاصمة الأوكرانية كييف، وقرابة 20 كيلومتراً جنوب الحدود البيلاروسية، تم إنشاء مجمع "تشيرنوبل" للطاقة بين عامي 1970 و1983، خلال الحقبة السوفيتية، وتألف من 4 مفاعلات نووية من تصميم (RBMK-1000)، وقبل وقوع الحادث بوقت قصير كان هناك مفاعلان آخران قيد الإنشاء.
تُعرف المنطقة الأوكرانية التي بُني على أرضها المفاعل بأنها ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث لم يتجاوز عدد سكان بلدة تشيرنوبل آنذاك 13 ألف نسمة، بينما على بعد نحو 3 كيلومترات فقط كان يقطن قرابة 50 ألف نسمة، وقُدر إجمالي عدد سكان ذلك الإقليم خلال الكارثة بـ135 ألفاً.
وقوع الكارثة
في 25 أبريل، قبل الإغلاق الروتيني، بدأ طاقم المفاعل الرابع في تشيرنوبل التحضير لاختبار الهدف منه تحديد المدة التي ستدور فيها التوربينات في حال فقدان إمدادات الطاقة الكهربائية الرئيسية، وبالتالي التأكد من فعالية نظام التبريد في حالات الطوارئ، وقبل عام من ذلك جرت اختبارات مماثلة، لكن تبيّن حينها أن الطاقة تنفد بسرعة كبيرة، ولذا كان من المقرر اختبار تصميمات جديدة.
بالفعل، في صباح يوم 26 أبريل، بدأ التمرين الروتيني الساعة 1:23 صباحاً، وبدا كل شيء طبيعياً وكانت الأمور تجري كما خُطط لها، لكن سرعان ما واجهت الفريق العلمي أعطال غير متوقعة، وأصبح المفاعل في حالة غير مستقرة للغاية، حيث أدى تفاعل الوقود شديد السخونة مع مياه التبريد إلى زيادة الضغط بشكل هائل.
ورغم محاولات إغلاق المفاعل بالكامل واحتواء الوضع، إلا أن حجم الطاقة تسبب في وقوع الكارثة.
وأظهرت التحقيقات لاحقاً انتهاك العمال لبروتوكولات السلامة أثناء الاختبار، ما أحدث اندفاعاً كبيراً في الطاقة، ومن ثم هزّت المفاعل الرابع سلسلة من الانفجارات أدت إلى تحطم السقف الذي يزن ألف طن، قبل أن تنطلق إشعاعات تزيد بمقدار 400 مرة عن القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما.
ما زاد الأمر سوءاً أن أنظمة الأمان الأوتوماتيكية لم تعمل بسبب إغلاقها قبل الاختبار. وتسبّب انفجار آخر بإخراج وقود إضافي، محدثاً حريقاً في سطح المفاعل رقم 3.
وسرعان ما أُعلنت حالة الطوارئ، ووصل رجال الإطفاء إلى مكان الحادث في غضون دقائق، وبدؤوا مكافحة الحريق دون معدات لحمايتهم من الإشعاع، قبل أن يصبح الكثيرون منهم في عداد عشرات الضحايا الذين فقدوا حياتهم جرّاء التعرض الحاد للإشعاع.
تداعيات سياسية
كان لكارثة تشيرنوبل تداعيات أخرى أيضاً، فقد سرّعت الخسائر الاقتصادية والسياسية نهاية الاتحاد السوفيتي، وقُدّرت الخسائر آنذاك بنحو 235 مليار دولار، في وقت دفع حجم الانفجار إلى نشوء حركة عالمية مناهضة للأسلحة النووية.
وبعد عقود من ذلك الحادث، قال الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف الذي كان رئيساً في ذلك الوقت، إنه يعتقد أن انفجار تشيرنوبل "ربما كان السبب الحقيقي وراء انهيار الاتحاد السوفيتي بعد 5 سنوات".
كما فقدت بيلاروسيا التي تلوثت نسبة 23% من مساحتها نتيجة الإشعاعات نحو خُمس أراضيها الزراعية. وفي ذروة جهود الاستجابة للكوارث عام 1991، أنفقت بيلاروسيا 22% من إجمالي ميزانيتها للتعامل مع آثار "تشيرنوبل".