الشركات الأميركية تواجه صعوبات في تجنب التعامل مع الصين

أغلب وارادات الولايات المتحدة مصنعة في شركات صينية

time reading iconدقائق القراءة - 10
علما الصين والولايات المتحدة - Getty Images
علما الصين والولايات المتحدة - Getty Images
دبي -الشرق

تتّجه الشركات الأميركية، التي تتعرض لضغوط شديدة للحدّ من التعامل مع الصين، إلى مصانع في دول مثل فيتنام وإندونيسيا والمكسيك بشكل متزايد، ومع ذلك يجد الكثير منها صعوبة في تجنّب بكين في التعاملات، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وتظهر البيانات التجارية وإعلانات الشركات والأبحاث الأكاديمية الجديدة، أن جزءاً كبيراً من المنتجات التي تٌشحن إلى الولايات المتحدة من أماكن مثل جنوب شرق آسيا والمكسيك، تٌصنّع في مصانع مملوكة لشركات صينية، والتي تتوسّع في الخارج، جزئياً لتجنّب الرسوم الجمركية الأميركية، كما أن العديد من السّلع الأخرى تٌصنّع في دول صغيرة باستخدام سلاسل إمدادات صينية، ما يعني أنه لن يتم إنتاجها على الإطلاق دون مشاركة الصين.

واعتبرت الصحيفة الأميركية، أن هذه الحقائق تؤكّد التحدي الذي يواجه صنّاع السياسات والشّركات التي تسعى إلى "فصل" الولايات المتحدة عن آلة التصنيع الهائلة في الصّين، مشددة على أن"بعض سلاسل التوريد التي تربط الولايات المتحدة والصين أضافت فقط رابطاً آخر أو رابطين، ما يزيد من التعقيد والتكلفة".

سلاسل التوريد

وأظهرت دراسة نشرها بنك التسويات الدولية في أكتوبر الماضي، أن سلاسل التّوريد بين الصّين والولايات المتحدة أصبحت أكثر تعقيداً منذ عام 2021، مع إعادة توجيه سلاسل التجارة إلى دول أخرى، ومع ذلك فإنّ العديد من السّلع الموردة إلى الولايات المتحدة لا تزال تأتي من الصين، ما يعني ضمنياً تحقيق تقدم محدود في مجال تنويع سلاسل التوريد.

وقال فريدريك نيومان، كبير الاقتصاديين الآسيويين في بنك HSBC: "علينا أن ندرك أن هناك اعتماداً متبادلاً مستمراً".

ومنذ عام 2018، فرضت واشنطن تعريفات جمركية على سلع صينية بقيمة مئات المليارات من الدولارات، من الأحذية إلى المواد الكيميائية، كجزء من جهد أوسع لتقليل الاعتماد الأميركي على الصين، كما نقلت بعض الشركات الأميركية، من أبل إلى تسلا، بعض سلاسل الإنتاج بعيداً عن الصين، أو شجعت الموردين على أن يحذوا حذوها.

ويعتبر اقتصاديون أن هذه الجهود تساعد على تقليل اعتماد الولايات المتحدة على الصين في بعض المنتجات، مثل الإلكترونيات الاستهلاكية والأثاث، كما أنها حفزت الاستثمارات في الصناعات التحويلية الأميركية التي خلقت فرص عمل جديدة للأميركيين.

ووفقاً لبيانات التجارة الأميركية الرّسمية، شكلت الصين 13.3% فقط من واردات السلع الأميركية خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، وهو أدنى مستوى منذ عام 2003، وأقل بكثير من الذروة السنوية التي بلغت 21.6% عام 2017.

ويشهد الاقتصاد الأميركي والصيني أيضاً، انفصالاً بطرق أخرى، وبلغ الاستثمار الأميركي المباشر في الصين أدنى مستوى له منذ 20 عاماً عند 8.2 مليار دولار، العام الماضي، وفقاً لمجموعة روديوم، وهي شركة أبحاث مقرها نيويورك، وانسحبت بعض الشركات الأميركية من الصين، حتى مع تركيز الصين على بيع المزيد من السلع إلى روسيا والعالم النامي.

وقل اقتصاديون لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إنه في بعض الحالات، تؤدي السياسات الأمريكية إلى إجراء تعديلات على سلسلة التوريد، ما يؤدي في الواقع إلى زيادة الاعتماد على الموردين الصينيين.

ويرجع ذلك جزئياً إلى أن رجال الأعمال الصينيين يضخون الأموال في شركات البلدان الصغيرة، لذلك عندما يشتري الأميركيون من المصانع في أماكن مثل تايلندا، فإنهم في بعض الأحيان يشترون بالفعل من الشركات الصينية.

وشيدت شركة Zhejiang Haers Vacuum Containers، وهي شركة صينية متخصصة في صناعة الأكواب، مصنعاً جديداً في تايلندا، أواخر عام 2021. وقالت إن الاستثمار يهدف جزئياً إلى "منع الاحتكاكات التجارية المحتملة".

وتخضع بعض الأكواب المصدرة إلى الولايات المتحدة من الصين لرسوم جمركية تتراوح بين 6.9 و 7.5%، وهي لا تزال أقل من التعريفة الجمركية البالغة 25% التي فرضتها واشنطن على بعض الواردات.

وافتتحت شركة Jason Furniture (هانجتشو)، وهي شركة تصنيع أثاث صينية تصدر منتجات تحت العلامة التجارية Kuka Home، مصنعها الثاني في مقاطعة Binh Phuoc في فيتنام، العام الماضي، لتصنيع المقاعد المرتفعة والأرائك وغيرها من المنتجات للعملاء في الخارج. وقالت الشركة إنها بدأت الإنتاج لأول مرة في فيتنام عام 2019 لتعويض الرسوم الجمركية على البضائع المنتجة في الصين.

استثمارات صينية

وبلغ الاستثمار المباشر من الصين إلى جنوب شرق آسيا ما يقرب من 19 مليار دولار عام 2022، مقارنة بنحو 7 مليارات دولار عام 2013، ويمثل الاستثمار في التصنيع الحصة الأكبر، وفقاً لحسابات الاقتصاديين بنك DBS في سنغافورة.

وبلغ الاستثمار الصيني المباشر في المكسيك 232 مليون دولار عام 2021، وفقًا لشركة CEIC.

وأظهر البحث الذي أجرته شركة DBS أن الصين زادت بشكل كبير من كمية البضائع "الوسيطة" التي تشحنها إلى البلدان الأصغر، وتضيفها إلى المنتجات النهائية قبل إرسالها إلى الولايات المتحدة.

وقالت مجموعة "روديوم" في تقرير صدر في سبتمبر الماضي، إن ارتفاع الواردات الأميركية من المكسيك وفيتنام على مدى السنوات الخمس إلى السبع الماضية يقابله بشكل وثيق زيادة في الصادرات الصينية إلى هذه الأسواق.

وقال نيومان، الخبير الاقتصادي في بنك HSBC، في تصريحات لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إن الصين تعدل دورها في سلاسل التوريد العالمية فقط، بدلاً من التخلي عنه، مشيراً إلى أن بحثه يظهر أن الصادرات من الصين التي تتطلب مدخلات من أماكن أخرى انخفضت ابتداء من عام 2014، في حين ارتفعت الصادرات من الصين التي تغذي الإنتاج في بلدان أخرى بشكل حاد.

توبيخ أميركي

وأثارت بعض تحركات الصين توبيخاً من واشنطن، إذ أعلنت الحكومة الأميركية في أغسطس، تعريفات جديدة تصل إلى 254% على صانعي الألواح الشمسية بعد أن حكمت بأن المصنعين في 4 دول جنوب شرق آسيا تجاوزوا التعريفات بشكل غير قانوني باستخدام مواد من مصادر صينية، ثم شحنوا البضائع النهائية إلى الولايات المتحدة دون دفع الرسوم الجمركية. 

ويتوقع المحللون على نطاق واسع أن تؤدي هذه الخطوة إلى رفع تكاليف مشروعات الطاقة الشمسية الأميركية وإبطاء جهود إزالة الكربون.

ويقول الاقتصاديون إن دخول الصين إلى مجمع الدول الصغيرة ربما يزيد التكاليف في صناعات أخرى، مع إضافة المزيد من الخطوات إلى عملية الإنتاج.

وفي بحث نُشر في أغسطس، وجد الاقتصاديان لورا ألفارو من كلية هارفارد للأعمال، ودافين تشور من كلية توك لإدارة الأعمال في دارتموث، أنه بين عامي 2017 و2022، كان الانخفاض بمقدار 5% في حصة الواردات الأميركية من الصين مرتبطاً بارتفاع أسعار النفط. ما يقرب من 10% زيادة في أسعار الواردات من فيتنام و 3% من المكسيك.

وأشار الاقتصاديان، إلى أنه "من المحتمل نقل جزء من هذه الأسعار المرتفعة من دول ثالثة إلى الشركات الأميركية أو المستهلكين الذين يشترون هذه السلع".

وأشار مسؤولون أميركيون إلى أنهم لا يحاولون توجيه جميع الأعمال بعيداً عن الصين، وأن تركيزهم ينصب على ضمان وجود ضوابط كافية في القطاعات الحساسة مثل رقائق الكمبيوتر.

الاعتماد على الصين

ومع ذلك، فإن استمرار الاعتماد الكبير على الصين، حتى عند تجميع البضائع النهائية في مكان آخر، ربما يترك بعض الشركات الأميركية معرضة لمزيد من المخاطر التجارية إذا استمر التوتر بين واشنطن وبكين في التصاعد.

وبينما تعمل شركة أبل، على توسيع جهودها لزيادة الإنتاج في الهند وفيتنام، فإنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على القدرة التصنيعية داخل الصين.

وتلقت أسعار أسهم الشركة ضربة قوية في سبتمبر، بعد ظهور تقارير تفيد بأن الصين أمرت المسؤولين في وكالات الحكومة المركزية بعدم استخدام أجهزة "أيفون"، ما أثار مخاوف المستثمرين من أن تواجه الشركة الأميركية المزيد من الضغوط في الصين مع تصاعد التوتر.

وأفادت دراسة أجرتها شركة "أليانز" للأبحاث، العام الماضي، بأن الصين تعد "مورداً مهماً" لـ 276 نوعاً من السلع للولايات المتحدة، بدءاً من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية إلى المعدات المنزلية إلى المواد الكيميائية.

وقالت الشركة إن المنتجات تضيف ما يصل إلى 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، موضحة أن الولايات المتحدة تعد مورداً مهماً لـ 22 نوعاً فقط من السلع للصين اليوم، بقيمة 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي للصين.

ومن المحتمل أن تكون هناك بعض القيود على جهود الصين لتوسيع الإنتاج في أماكن مثل جنوب شرق آسيا والمكسيك، حيث يلعب المستثمرون المحليون والشركات الأميركية أيضاً أدواراً مهمة.

وقال تانج شيويهوي، صانع الأحذية الصيني الذي افتتح أول مصنع له في الخارج في العاصمة الكمبودية بنوم بنه عام 2016، إنه وجد صعوبة في تحقيق الربح في كمبوديا مقارنة بالصين.

وألقى باللوم على القوى العاملة المحلية غير المتحمسة، والنقابة التي تمنعه من تكليف العمال بعمل إضافي، ومسؤولي الجمارك المحليين الذين يفرضون عليه رسوماً زائدة يقول إنه لا يستطيع الاعتراض عليها بسهولة كأجنبي.

تصنيفات

قصص قد تهمك