الحفاظ على عجلة الاقتصاد.. معركة أوكرانية جديدة في زمن الحرب

time reading iconدقائق القراءة - 8
أشخاص يسيرون على طول شارع بالقرب من علم أوكراني معلق على سلك أمام مبنى سكني دمر خلال الصراع في مدينة ماريوبل. 14 أبريل 2022 - REUTERS
أشخاص يسيرون على طول شارع بالقرب من علم أوكراني معلق على سلك أمام مبنى سكني دمر خلال الصراع في مدينة ماريوبل. 14 أبريل 2022 - REUTERS
دبي -الشرق

تعاني أوكرانيا التي ترزح تحت وطأة الغزو الروسي للعام الثاني على التوالي من صعوبة استمرار الأعمال التجارية في ظل الحرب، إذ لا تقل هذه القضية شأناً عن الجهود الغربية لتزويد كييف بالأسلحة، وفق تقرير أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال".

وقالت الصحيفة، الخميس، إنه بعد مرور عامين على الغزو، أصبحت البلاد تعاني نقصاً بمصانع الزجاج التي خرجت من الخدمة بسبب القصف الروسي المستمر، وبات على كييف استيراد الألواح الزجاجية من بيلاروس، حليفة روسيا

وعلى الرغم من أن هذه المشكلة تبدو أقل وضوحاً من مسألة الجهود الغربية لتزويد كييف بالأسلحة، فإنها لا تقل أهمية، إذ يولد النشاط التجاري فرص عمل وإيرادات ضريبية وموارد لإبقاء البلاد في الحرب. 

ونقلت الصحيفة عن، ليسكي، وهو مستثمر أوكراني يملك حصصاً في عدة شركات، قوله إنه يرغب في بناء مصنع للزجاج بكلفة تبلغ نحو 240 مليون دولار، مضيفاً أنه مستعد لاستثمار 80 مليون دولار في المشروع، لكنه يواجه رياحاً معاكسة لتمويل الجزء المتبقي من كلفة المشروع، لأن البنوك تشعر بالقلق من فكرة الإقراض خلال الحرب. 

ويتردد المستثمرون والبنوك في تمويل الشركات التي قد تتعرض للتدمير، أو قد تواجه صعوبة العمل بسبب غياب الموظفين إما لمشاركتهم في القتال أو لوقوعهم ضحايا في الحرب. 

وأشارت الصحيفة إلى أن مشكلة ليسكي تتكرر، إلى جانب هجوم القوات الأوكرانية لطرد القوات الروسية من أراضيها، تدور معركة أكثر هدوءاً من أجل البقاء الوطني والتي تتمثل في كفاح البلاد من أجل استمرار الأعمال التجارية. 

ومن بين أكبر الأهداف التي استهدفتها الهجمات الروسية كانت قطاعات الإسكان والبنية التحتية، وبخاصة الطاقة، التي سارع الأوكرانيون إلى إصلاحها بكلفة هائلة.

صعوبة رأس المال

في الإطار، نقلت الصحيفة عن مسؤولي شركة DTEK، للطاقة في أوكرانيا قولهم، إن الشركة أنفقت في الشتاء الماضي ما يقرب من 120 مليون دولار على عمليات إعادة البناء، ولكن روسيا ركزت بشكل أقل على البنية التحتية للطاقة خلال هذا الشتاء، ما جعل تكاليف إعادة البناء أقل، وتتطلع الشركة الآن إلى التوسع، وخاصةً في مجال الطاقة الخضراء. 

وقال الرئيس التنفيذي للشركة مكسيم تيمشينكو إن DTEK يمكنها التعامل مع المسائل اللوجستية والمخاطر المرتبطة ببناء مزارع الرياح أثناء الحرب، لكن جمع المال يمثل تحدياً أكبر، فالعنصر الوحيد الذي يحد من قدرتنا على الاستمرار بشكل خطير، هو كيفية الوصول إلى رأس المال". 

وتحتاج أوكرانيا حالياً إلى ما يقرب من 100 مليار دولار من الدعم سنوياً، بما في ذلك حوالي 40 مليار دولار لدعم الميزانية و60 مليار دولار كمساعدات عسكرية، وفقاً لتقديرات الخبير الاقتصادي في RBC BlueBay Asset Management بلندن، تيموثي آش.  

وأضاف آش، أنه في حال انتهت الحرب وانتصرت أوكرانيا، فقد تحتاج إلى 50 مليار دولار سنوياً لإعادة الإعمار على مدى عقد من الزمن، وهو ما رأى أنه "التزام هائل على فترة 10 سنوات". 

عقبات الاقتصاد الأوكراني

وقالت "وول ستريت جورنال" إن العقبات التي تعترض دعم الاقتصاد الأوكراني باتت متعددة، مشيرة إلى أن اقتصاد كييف كان ضعيفاً ويعاني من عدم الكفاءة وضعف البنية التحتية، والفساد قبل بدء الحرب.

وأوضحت أنه منذ الغزو الروسي قبل عامين، استهدفت موسكو المناطق المدنية، ما جعل كييف تفقد أجزاءً كبيرة من قاعدتها الصناعية والزراعية بسبب القتال والاحتلال الروسي. 

ولفتت الصحيفة، إلى أن الحقول الزراعية التي كانت ذات يوم تساعد في إطعام العالم أصبحت الآن ساحة معارك، كما أن الموانئ التي كانت تصدر الحبوب الأوكرانية باتت مدمرة، والمصانع والمناجم التي كانت توفر فرص عمل والسلع الحيوية أصبحت الآن في حالة خراب أو تقع في أيدي الروس. 

وتوسعت شركة "كارباتيان" الأوكرانية للمياه المعدنية، التي تملكها عائلة سيرجي أوستنكو، وتبيع المشروبات الغازية والوجبات الخفيفة في جميع أنحاء أوكرانيا، خلال الحرب وذلك حتى مع انكماش السوق بشكل عام، إذ تطمع العائلة لبناء مصنع جديد بكلفة تقارب 20 مليون دولار، وهو ما سيخلق حوالي 100 فرصة عمل. 

وأضاف أوستينكو، أن البنوك الأوكرانية ستقرضه حوالي ربع هذا المبلغ على الأكثر، بسعر فائدة يبلغ حوالي 20%، ولكنها تطلب ضمانات قيمة، مشيراً إلى أنه يتفهم مخاوف البنوك، ولكنها تضع عبئاً ثقيلاً على رجال الأعمال، وتابع: "نتحمل كل المخاطر بمفردنا". 

ورأى أوستينكو أن الحل البديل هو المنح والقروض التي تقدمها المؤسسات المالية الدولية الغربية مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

ووفقاً للصحيفة، فإن اتفاق الاتحاد الأوروبي في بداية فبراير، على دعم كييف بما يقرب من 54 مليار دولار في هيئة منح وقروض على مدى أربع سنوات يسد جزءاً من العجز، ولكن حتى تستمر أوكرانيا في القتال ويكون لديها أمل في إعادة إعمار البلاد فلا ينبغي لها أن تنتصر في ساحة المعركة فحسب، بل أيضاً الانتصار في المعارك الخاصة بمصانعها ومدنها ومزارعها. 

صندوق التعافي

ومن أجل توفير رأس المال للشركات الصغيرة، تقوم الحكومة الأوكرانية بإنشاء ما تأمل أن يكون صندوقاً للتعافي بقيمة مليار دولار، وبمشورة مؤسسات مثل "بلاك روك" و"جي بي مورجان تشيس"، تأمل كييف في استخدام الصندوق، كمحفز لحشد حجم أكبر من الاستثمارات الخاصة. 

وقال نائب رئيس مكتب الرئيس فولوديمير زيلينسكي، روستيسلاف شورما، إن قادة المشروع يسعون جاهدين للتوصل إلى قائمة المشاريع المحتملة، عندما يبدأ عمل الصندوق، ربما في وقت لاحق من هذا العام، ولكن مسألة العثور على رواد أعمال أوكرانيين يمكنهم التحدث بنفس اللغة التي يستخدمها المستثمرون الدوليون تمثل تحدياً. 

وعلى الرغم من كونه هدفاً لروسيا، يجتذب قطاع الطاقة بعض التمويل الدولي، وذلك في جزء منه لتشجيع التحول عن استخدام الوقود الأحفوري، ولكن إحدى العقبات التي تواجه هذا القطاع هي أن مزارع الرياح والتوربينات عادةً ما تكون أهداف كبيرة وواضحة، إذ أدت غارة روسية بمسيرة هذا العام إلى تدمير توربين تم بناؤه حديثاً في جنوب أوكرانيا. 

ونقلت الصحيفة عن المبعوث الخاص السابق للولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، كيرت فولكر، قوله: "يجب أن تتمثل استراتيجية فوز أوكرانيا في الحرب في أن يصبح الاقتصاد الأوكراني أقوى من الاقتصاد الروسي". 

وأضاف أن افتقار أوكرانيا إلى رأس المال يذكرنا بوضع أوروبا قبل 75 عاماً، ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، قاومت الدول الأوروبية المعادية في ذلك الوقت التجارة مع بعضها البعض، ولكن سرعان ما أدى الخوف من التعرض للعدوان السوفييتي والتشجيع الأميركي للتغلب على المشكلة، إلا أن القادة الأوروبيين أبلغوا واشنطن حاجتهم للحماية ضد التهديدات من موسكو، وظهرت منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" في عام 1949، باعتبارها المظلة التي تحمي تلك المنطقة التجارية الناشئة التي تطورت اليوم لتصبح الاتحاد الأوروبي. 

ومن أجل إضعاف الاقتصاد الروسي، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما عقوبات غير مسبوقة وضوابط على الصادرات، ولكن تأثيرها كان بطيئاً بسبب قدرة موسكو على التهرب من هذه العقوبات، أما النصف الآخر من المعادلة فهو دعم الاقتصاد الأوكراني وذلك حتى مع استمرار روسيا في محاولة تدميره، بحسب الصحيفة. 

تصنيفات

قصص قد تهمك