مساعدات غزة والتعسف الإسرائيلي.. أقدام مبتورة وممنوعات غير مسبوقة

قائمة المحظورات تشمل التمر والأدوية وأجهزة التنفس وأدوات التخدير وأكياس النوم

time reading iconدقائق القراءة - 8
فلسطينيون يحملون أكياس الدقيق القادمة من المساعدات قرب نقطة تفتيش إسرائيلية في مدينة غزة. 27 يناير 2024 - Reuters
فلسطينيون يحملون أكياس الدقيق القادمة من المساعدات قرب نقطة تفتيش إسرائيلية في مدينة غزة. 27 يناير 2024 - Reuters
دبي-الشرق

رصدت شبكة "CNN" الأميركية قائمة المواد المحظورة التي تمنع إسرائيل دخولها إلى قطاع غزة، مشيرة إلى أنها تشمل أدوية، وأدوات التخدير، وإسطوانات الأكسجين، وأجهزة التنفس الصناعي، وأنظمة تنقية المياه، فضلاً عن التمور، وأكياس النوم، وأدوية علاج السرطان، ومستلزمات الأمومة، ونقلت عن مشاركين في العملية الإنسانية لتوصيل المساعدات قولهم إن ما يجري "فوضى مصممة بشكل مثالي".

وقالت الشبكة الأميركية إن التضييق الذي تُمارسه إسرائيل على المساعدات بات أكثر وضوحاً الخميس الماضي، عندما فتح جيشها النار على تجمع من الفلسطينيين كانوا يتواجدون حول شاحنات المساعدات الغذائية غرب مدينة غزة، وفقاً لشهود عيان.

وأجمع أكثر من 20 مسؤولاً حكومياً وعاملاً في المجال الإنساني للشبكة الأميركية على أن "هناك نمط واضح من العرقلة الإسرائيلية لدخول المساعدات"، وذلك في وقت ينتشر الجوع والمرض في أجزاء من القطاع المُحاصَر، إذ تفرض إسرائيل، التي تتحكم في وصول إمدادت الإغاثة إلى غزة، معايير تعسفية ومتناقضة على جهود المساعدات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.

مواد محظورة

التحقيق الذي أجرته "CNN"، واستمر لأسابيع، وثَّق أمثلة متعددة لإعاقة عملية دخول المساعدات. على سبيل المثال، في 14 فبراير، رفض مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية دخول حمولة شاحنة من أكياس النوم بدعوى أنها "كانت باللون الأخضر، وهو لون عسكري، ويمكن استخدامها بشكل مزدوج".

وذكرت 4 مصادر للشبكة حالة أخرى رفضت فيها إسرائيل دخول شحنة من التمور، وهي مصدر غني بالمواد المغذية التي يحتاجها السكان الجياع بشدة في القطاع، وبررت الرفض بأن "تصوير الفحص بالأشعة السينية التقط نوايا التمر (جمع "نواة") باعتبارها جسماً مشبوهاً".

وحصلت "CNN" على وثائق من 3 مشاركين رئيسيين في العملية الإنسانية في غزة تتضمن ما أسموه بـ"العناصر التي عادةً ما يتم رفض دخولها"، ومن بينها الإمدادات الطبية الأساسية، كالأدوية، وأدوات التخدير، والعكازات، والمولدات الكهربائية، وأجهزة التنفس الصناعي، وأجهزة الأشعة السينية، وأسطوانات الأكسجين.

أما بالنسبة للأطباء والمرضى داخل غزة، فإن عواقب ذلك تكون مؤلمة، فهناك تقارير عديدة عن وفيات كان يُمكن تجنبها بسبب نقص الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي، وقد خضع أكثر من ألف طفل لعمليات بتر أقدام في غزة، وفقاً لـ"اليونيسيف"، بعضهم بدون تخدير، وهو الرقم الذي جمعته المنظمة في نهاية نوفمبر، ولم يتم تحديثه منذ ذلك الحين.

وقالت رئيسة هيئة إنقاذ الطفولة الأميركية  جانتي سويريبتو: "لم أر قط سلسلة توريد معقدة إلى هذا الحد، فلم نشهد مثل هذا المستوى من العوائق التي يتم وضعها لعرقلة دخول مساعدات إنسانية من قبل".

وأضافت سويريبتو، التي زارت الجانب المصري من معبر رفح مع قافلة تابعة للأمم المتحدة في يناير لـ "CNN"، أنها شاهدت العديد من العناصر التي أعادها المفتشون الإسرائيليون. وتابعت: "تم رفض دخول ألعاب الأطفال لأنها كانت في صندوق خشبي وليس في صندوق من الورق المقوى، كما تم رفض أكياس النوم لأنها تحتوي على سحّابات (سوستة)، وأُعيدت الفوط الصحية لأن مقص للأظافر كان ضمن مجموعة أدوات النظافة الموجودة في نفس الشاحنة".

"قصة مأساوية"

وسلّطت CNN الضوء على "قصة مأساوية" حين اضطر طبيب إلى بتر ساق ابنة أخيه البالغة من العمر 17 عاماً باستخدام سكين مطبخ على طاولة في منزله، مستعيناً بالملابس فقط لوقف النزيف، وصابون الأطباق لتنظيف جروحها.

وقال الطبيب هاني بسيسو: "أصاب صاروخ دبابة إسرائيلية ابنة أخي، عندما كانت في الطابق السادس من المنزل، ولم أكن أعرف ماذا أفعل، فلم يكن لدي أي أدوية تخدير أو أي نوع من الأدوية".

بدورها، ذكرت الشابة الصغيرة أنه "لم يكن هناك تخدير، فكان تخديري هو القرآن الذي كنت أقوم بتلاوته أثناء العملية، فقد أحضر سكين المطبخ وقطع ساقي به، وفي تلك اللحظة قلت الحمد لله لأنه قدرني على تحمل الألم".

من جانبه، أشار الجراح البريطاني - الفلسطيني الدكتور غسان أبو ستة من عيادته في لندن، بعد شهرين على عودته من غزة، إلى أنه "في نهاية الأيام الـ 43 يوماً التي قضيتها في القطاع نفدت أدوية التخدير، وكنا نقوم بإجراء العمليات بدونها على الإطلاق، ولذا كان علينا القيام بإجراءات تعقيم مؤلمة للغاية لوقف التهابات الجروح عند الأطفال دون مخدر أو مسكن".

وفي ظل غياب الإمدادات الطبية المناسبة، ابتكر أبو ستة حلاً لمكافحة العدوى وهو صابون الأطباق الممزوج بالخل والمحلول الملحي، قائلاً: "كنت أسكب هذا الخليط على الجرح وأفركه، وكانت تلك أحلك لحظة في حياتي، إذ كان الأطفال يصرخون فيما يبكي الأهل، وأنا أقوم بذلك في أسرع وقت ممكن، لكن في حال لم نفعل ذلك، فإن هؤلاء الأطفال كانوا سيموتون بحلول نهاية اليوم".

وقال مصدر آخر في مجال العمل الإنساني داخل غزة إنه في مطلع فبراير رأى طفلة تبلغ من العمر 6 سنوات مصابة بحروق تغطي 40% من جسدها وكانت في مستشفى بمدينة رفح، والتي تُعد المكان الأفضل في القطاع الآن، إلا أن المسعفين لم يتمكنوا من إعطائها سوى الأسبرين لتخفيف آلامها.

"حرب إدخال المساعدات"

وتظل طوابير الشاحنات المتجهة إلى القطاع ممتدة منذ عدة أشهر على طول الطريق السريع المؤدي من مدينة العريش في مصر، وهي مركز لوجستي رئيسي للمساعدات، إلى معبر رفح على الحدود مع غزة، وتُظهر صور الأقمار الاصطناعية بتاريخ 21 فبراير طابوراً من الشاحنات يمتد لمسافة نحو 7 كيلومترات من المعبر.

ويقول أحد العاملين في المجال الإنساني عند معبر رفح المصري: "في الوقت الذي تدور الحرب في غزة، فإننا نخوض حرباً مختلفة هنا، وهي حرب إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع".

وأكد أحد مصادر الشبكة، التي قالت إنه يُشرف على التبرعات من 4 منظمات إغاثة مختلفة في أحد المعابر، أن "ما يجري يُمثل فوضى مصممة بشكل مثالي، فأكثر من 15 ألف طن من إمدادات الإغاثة تنتظر موافقة إسرائيل على دخول غزة، وأكثر من نصفها يتكون من مواد غذائية".

وقال مسؤول كبير آخر في المجال الإنساني "الأمر يبدو غامضاً بشكل متعمد، إذ أنه بعد الحصول على تصريح بالدخول من مكتب تنسيق أعمال الحكومة في الأراضي الفلسطينية، نجد مسؤولي الشرطة أو المالية والجمارك يعيدون الشاحنات مرة أخرى".

ولطالما منعت إسرائيل دخول بعض المواد إلى غزة، ففي عام 2007، فرضت حصاراً على القطاع بعد سيطرة حركة "حماس" عليه، وبعد مرور عام، أصدر مكتب تنسيق أعمال الحكومة في الأراضي الفلسطينية قائمة بالمواد المحظورة التي وصفها بأنها "ذات استخدام مزدوج" مع إجراء تعديلات طفيفة على القائمة في السنوات التالية.

تصنيفات

قصص قد تهمك