بين روسيا والغرب.. كازاخستان تحاول الهروب من "ستار بوتين الحديدي"

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف يحضران جلسة منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي بروسيا - 17 يونيو 2022 - REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف يحضران جلسة منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي بروسيا - 17 يونيو 2022 - REUTERS
دبي -الشرق

بدأت بوادر خلاف نادر بين رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، وحليفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تظهر إلى الواجهة، ما يفتح الباب أمام التساؤلات بشأن مستقبل العلاقات بين موسكو ونور سلطان.

وبعد أشهر من إرسال بوتين قواته إلى كازاخستان في يناير الماضي، لمساعدة توكاييف على سحق انتفاضة عنيفة، واجهت العلاقات بينهما اختباراً صعباً مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي، إذ رفضت كازاخستان دعم روسيا، وقال توكاييف: "لا نريد أنّ نكون خلف أي ستار حديدي جديد قد تسعى روسيا لإقامته".

وسعت كازاخستان منذ بدء الغزو لأوكرانيا، إلى تحقيق توازن بين النأي بنفسها عن الهجوم الروسي على أوكرانيا والحفاظ على علاقاتها الودية مع موسكو، خصوصاً وأن الجمهورية السوفياتية السابقة تقع في آسيا الوسطى، وتتمتع تقليدياً بعلاقات ودية مع الغرب.

ويبدو أن توكاييف، وهو دبلوماسي متمرس تلقى تعليمه في موسكو، يدفع نحو مسافة أكبر بين بلاده وروسيا، إذ أعلن الأسبوع الماضي، أن بلاده لن تعترف باستقلال إقليمي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليين، شرقي أوكرانيا.

ستار حديدي

ورغم أن كازاخستان عبرت عن هذا الموقف منذ أشهر، إلا أن تصريح توكاييف جاء خلال مشاركته في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي بروسيا، وبحضور الرئيس بوتين، ما دفع وسائل إعلام غربية بوصف الخطوة بأنها "التحدي المباشر" من قبل توكاييف للرئيس الروسي.

وقال توكاييف إن كازاخستان "لن تعترف بتايوان، ولا كوسوفو، أو أوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا"، لافتاً إلى أن "من الواضح أن الموقف ذاته سينطبق على أراضي دول مزعومة في لوغانسك ودونيتسك.. هذا هو جوابي الصريح". فيما لم يُعلق بوتين، الذي كان جالساً بجوار توكاييف، على تصريحات رئيس كازاخستان.

وكانت وزارة الخارجية في كازاخستان أعلنت منذ فبراير الماضي، حيادها في النزاع في أوكرانيا كما أكّدت عدم نيتها الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين.

وفي مقابلة مع صحيفة "ذي فيلت" الألمانية، أشار نائب وزير خارجية كازاخستان رومان فاسيلينكو، إلى أنّ بلاده تعمل على تنفيذ إصلاحاتها المقررة، وليس لديها النية في العودة إلى الوضع السياسي أثناء الحرب الباردة.

وقال إن بلاده لا تريد أنّ تكون "خلف أي ستار حديدي جديد قد تسعى روسيا لإقامته"، لكنه في الوقت ذاته، شدد على أن بلاده "لا تتخذ هذه المواقف السياسية لإرضاء أي أحد بما في ذلك الغرب".

روسيا تضغط

ومنذ بدء الغزو الروسي، حاولت روسيا الضغط على كازاخستان من أجل دعمها في الحرب، وهو ما أكده نائب رئيس الأركان في كازاخستان، تيمور سليمانوف، في 29 مارس الماضي، حين قال إن "روسيا أرادت أن نكون في صفّها أكثر، لكن كازاخستان تحترم وحدة أراضي أوكرانيا".

جاء هذا التصريح بعدما طلبت روسيا خلال اجتماع منظمة معاهدة الأمن الجماعي في موسكو في 16 مايو، دعم كازاخستان الاقتصادي والصناعي للتغلب على سياسة الغرب "العدوانية"، في إشارة للعقوبات التي فُرضت على موسكو.

ولم تتردد روسيا ولا حليفتها بيلاروس من تذكير توكاييف بـ "الدعم اللطيف" الذي قدمه في قمع احتجاجات يناير، ولمحا إلى وجود "ديون غير مدفوعة" على توكاييف، بحسب "مركز تحليل السياسات الأوروبية".

جنود روس يطوون العلم الوطني خلال مراسم بدء انسحاب قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) من كازاخستان، في مدينة ألما آتا، 13 يناير 2022 - REUTERS
جنود روس يطوون العلم الوطني خلال مراسم بدء انسحاب قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) من كازاخستان، في مدينة ألما آتا، 13 يناير 2022 - REUTERS

إلى ذلك، تحدثت وسائل إعلام روسية عن ملامح صراع تجاري بين البلدين، مع قرار موسكو بحظر نقل البضائع الكازاخستانية عبر روسيا أو تعليق ضخّ النفط الكازاخستاني عبر خط أنابيب بحر قزوين، بسبب "عمليات إزالة الألغام في حوض البحر من أيام الحرب العالمية الثانية".

في المقابل، تؤكد كازاسختان أنها ستستمر في التعاون الاقتصادي مع روسيا في المجالات التي لا تشملها العقوبات الغربية. في السياق، كشفت "رويترز" في وقت سابق من يونيو الجاري، أن شركة النفط الكازاخستانية "النيوكلوتايد- أكتوبيمونايغاس" غيرت اسم نفطها المباع عبر الموانئ الروسية لاسم تسويقي جديد "كيبكو" بهدف تفادي العقوبات الغربية.

وتصدر كازاخستان إلى الأسواق الخارجية عبر موانئ أوست لوجا ونوفوروسيسك الروسية حوالي 20% من إجمالي حجم صادرات النفط، والتي بلغت 13.3 مليون طن العام الماضي، وفقاً لمركز معلومات وتحليلات النفط والغاز"ريفينيتيف إيكون".

وحذر السفير الأميركي السابق في كازاخستان ويليام كورتني من أن "موقف موسكو أصبح أكثر "عدوانية" تجاه جيرانها، و"من المحتمل أن تؤثر الإحباطات بشأن (الحرب في) أوكرانيا على موقفها أكثر. وهذا يعني أن كازاخستان يمكن أن تتعرض لمزيد من الضغوط في المستقبل".

مخاوف "منطقية"

واعتبر تيموفي بوروداتشيوف في مقال كتبه في صحيفة "فزجلياد" الروسية أن مخاوف كازاخستان من العقوبات الغربية "منطقية للغاية"، وأرجعت ذلك إلى كون "الحياد الاستراتيجي خياراً غير متاح بالنسبة لها"، نظراً للظروف الاقتصادية والسياسية في البلاد.

وبينما كثفت روسيا من استعداداتها لتلافي آثار العقوبات على اقتصادها قبل بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا فبراير الماضي، فإن فرص مقاومة الاقتصاد الكازاخستاني للحرب الاقتصادية مع الغرب، تبقى أقل من نظيره الروسي.

وأضاف: "قد لا يكون من المبالغة القول إن النخبة الكازاخستانية تقلق بشأن سردية الكرملين السائدة، وهي تعتمد على تبرير السياسات الراديكالية من أجل إعادة جمع الأراضي الروسية التاريخية"، معتبراً أن "من العقلاني أن تثير مثل هذه التصريحات حفيظة النخبة الكازاخستانية خاصة وأن الأقلية الروسية في البلاد تُقدّر بحوالي 18%، وهم يقطنون في المناطق الشمالية المجاورة لروسيا".

ولفت إلى أن "التوترات القومية لا تعد مسألة كبيرة في كازاخستان بالمقارنة مع ما شهدته أوكرانيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، لذلك ليس هناك بعد أيديولوجي خصب لنشوب أزمة العلاقات بين البلديْن".

ونبه الكاتب إلى أن "المسائل الاقتصادية التي قد تعقّد الوضع في كازاخستان في حال انضمّت كلياً إلى صف المعسكر الروسي، لا بدّ أن تدفع الرئيس توكاييف إلى مناورات خطابية، ومحاولة الجلوس على الكرسييْن"، مشيراً إلى "بوتين يفهم ذلك ولا يزيد الضغوط على الجار الشمالي".

وتعتبر كازاخستان الدولة الأقوى اقتصادياً في آسيا الوسطى نظراً لثرواتها الطبيعية الهائلة، التي تشمل النفط والغاز والنحاس والفحم واليورانيوم، وفقاً لوكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه"، إذ يبلغ ناتج البلاد المحلي 60% من إجمالي ناتج المنطقة.

وتعد البلاد أكبر منتج للنفط بين الجمهوريات السوفييتية السابقة بعد روسيا، ويبلغ احتياطها من النفط الخام 30 مليار برميل، بحسب وزارة التجارة الأميركية. ومع ذلك، لا يوجد سوى ثلاث مصافٍ للبترول في البلاد.

وتعد كازاخستان أكبر دولة غير ساحلية في العالم، إذ تفوق مساحتها الإجمالية 2.7 مليون كيلومتر مربع. وبسبب عدم توفرها على موانئ لشحن صادرات البترول، تبقى كازاخستان أكثر اعتماداً على البنيات التحتية الروسية.

ومقابل الثروات الطبيعية الهائلة وكثافة السكان القليلة التي لا تتعدى 19.3 مليون نسمة، فإن المصاعب المالية منتشرة على نطاق واسع وسط المجتمع، إذ تشير "أسوشيتد برس" إلى أن متوسط الراتب الشهري في كازاخستان أقل من 600 دولار.

ويشار إلى أن الاحتجاجات الأخيرة في البلاد شهر يناير اندلعت على خلفية ارتفاع أسعار الغاز، ولم يكن لها أي طابع سياسي، بل جاءت نتيجة مشاكل اقتصادية قديمة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات