شهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكبر عملية لتبادل الأسرى في 23 نوفمبر 1983، بين حركة "فتح" وإسرائيل، عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في ميناء طرابلس شمال لبنان.
وسلّمت حركة "فتح" بموجب هذه الصفقة، 6 جنود إسرائيليين كانت تحتجزهم، فيما أفرجت إسرائيل عن جميع أسرى "معسكر أنصار" الذي شيدته في الجنوب اللبناني، من فلسطينيين ولبنانيين، إضافة إلى أسرى آخرين في النبطية وصيدا وصور، و65 أسيراً من السجون الإسرائيلية، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
ووصل مجموع الأسرى الذين أطلق سراحهم 4700 شخص، اختار 3500 منهم البقاء في لبنان، ونُقل الباقون بطائرات فرنسية إلى الجزائر عبر مطار اللد.
وبموجب الصفقة أعيد أرشيف منظمة التحرير الفلسطينية، الذي استولت عليه إسرائيل أثناء اجتياح بيروت عام 1982.
جاء تبادل الأسرى بعد توقيع الوثيقة التي نصت على أن تبدأ العملية بإطلاق إسرائيل سراح ركاب الطائرة الأولى من مطار اللد باتجاه الجزائر، وبعد ذلك يتسلم الصليب الأحمر الأسرى الإسرائيليين مقابل سماح تل أبيب بانطلاق الطائرة الثانية إلى الجزائر.
أما المرحلة التالية، فكانت لحظة تسلم فرنسا الجنود الإسرائيليين، عندها سمحت تل أبيب للطائرة الثالثة الإقلاع باتجاه الجزائر، على أن يتم إطلاق سراح أسرى "معسكر أنصار"، الذين اختاروا البقاء في لبنان.
ووصفت "وفا" الصفقة بأنها "عملية التبادل الأكبر"، إذ ضمت أسرى من "معسكر أنصار" ومن السجون الإسرائيلية وقيادات الحركة الوطنية الفلسطينية، منهم صلاح التعمري، قائد أسرى "أنصار"، وموسى طلالقة، بطل عملية "سافوي"، وحسين فياض، وخالد أبو إصبع من مجموعة دلال المغربي.
تحرير الأسرى "قرار فلسطيني"
أشار رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، قدورة فارس، إلى "أهمية هذه الصفقة؛ لأنها تمثل رسالة إلى الأسرى بأن بقاءهم في السجن ليس قراراً إسرائيلياً، وإنما قرار فلسطيني أيضاً".
وقال فارس لـ"الشرق"، إن "التاريخ يعيد نفسه بعد 40 عاماً"، في إشارة إلى الصفقة الجديدة لتبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل، لافتاً إلى أن "له دلالاته بأنه طالما استمر الاحتلال ستستمر المقاومة، وبذلك سيكون هناك أسرى جدد، لكن الثابت الوحيد بعد كل هذه السنوات هو أن الشعب الفلسطيني متمسك بحقوقه الوطنية وبأهدافه وبقضية الأسرى".
وبشأن إمكانية إعادة اعتقال إسرائيل للأسرى بعد تحريرهم كما حدث مع صفقة شاليط عام 2011، قال فارس: "حدث خطأ خلال مفاوضات صفقة شاليط هو أن المفاوض الفلسطيني لم ينتبه لأهمية أن يصدر أمر من القائد العسكري للمنطقة بالعفو عن كل من يتم إطلاق سراحهم، والذين حوكموا أمام محاكم عسكرية إسرائيلية، وصدور عفو من رئيس الدولة عن الذين حوكموا أمام محاكم مدنية".
وأضاف: "في هذه الصفقة انتبه المفاوضون لهذه الجزئية، لذلك لن يكون بوسع إسرائيل إعادة اعتقال من أفرجت عنهم"، لافتاً إلى إمكانية أن تعتقل إسرائيل أي فلسطيني ومن بينهم من سيفرج عنهم اعتقالاً إدارياً، لكنها لن تعتقلهم لإعادة قضاء العقوبة المحكوم بها عليهم.
كانت إسرائيل أعادت اعتقال 70 أسيراً فلسطينياً عام 2014، من مجموع الأسرى الذين أطلقت سراحهم في صفقة تبادل الأسرى المعروفة بـ"صفقة شاليط"، بحجة أنهم استأنفوا نشاطهم العسكري.
تحرير وإعادة خطف
المختص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور يرى أن صفقة عام 1983 كانت "الأكبر من حيث العدد"، لكن "من حيث الأسرى الذين أفرج عنهم ممن صدرت ضدهم أحكام بالسجن لفترات طويلة، فإن صفقة أحمد جبريل وشاليط من أكبر الصفقات، لكن هذا لا ينفي أن صفقة 1983 كانت مهمة".
وقال منصور لـ"الشرق"، إن "إسرائيل لم تلتزم حينها ببنود الصفقة وأَخلّت بالاتفاق، فاختطفت نحو 100 من أسرى معسكر (أنصار) أثناء نقلهم من المعتقل إلى مطار اللد، واحتفظت بهم، كما أبقت على بعض المعتقلين في السجون الأخرى".
وأضاف أن "منظمة التحرير في حينها كانت خارجة من بيروت، ولم يكن وضعها السياسي في أفضل حالاته، فلم تدر الصفقة كما يجب"، معتبراً أن "إسرائيل تحكمت حينها في دفة إدارة الصفقة، فكان الإنجاز السياسي أكبر مقارنة بمن تم الإفراج عنهم، ولم تكن هناك بنود تضبط إسرائيل، وهذا يفسر عدم التزامها، ما فتح لها المجال للإخلال ببنود الاتفاق".
وبشأن مدى التزام إسرائيل على مر التاريخ بصفقات تبادل الأسرى، قال منصور: "إسرائيل تلتزم طالما هي ملزمة، وطالما هناك ضوابط، وإذا استطاعت أن تتملص ستفعل ذلك، ومثال على ذلك أسرى صفقة شاليط في الضفة الذين أعادت اعتقالهم".
وتابع: "لا يوجد ضامن لإسرائيل حتى الولايات المتحدة، لذلك يجب أن تكون هناك ضمانات في جميع الصفقات مع إسرائيل، لكن هذه الضمانات يجب ألا تكون مجرد تعهدات، لأنها لن تلتزم".