"حرب بين الحروب".. كيف فشلت استراتيجية إسرائيل تجاه سوريا في إضعاف "حزب الله"؟

جنود إسرائيليون في مرتفعات الجولان المحتلة بالقرب من الحدود مع سوريا. 28 ديسمبر 2023 - Reuters
جنود إسرائيليون في مرتفعات الجولان المحتلة بالقرب من الحدود مع سوريا. 28 ديسمبر 2023 - Reuters
دبي -الشرق

كثفت إسرائيل حملتها الجوية ضد أهداف معادية في سوريا منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، ما أدى إلى مصرع عدد من المسلحين وتدمير مخزونات من الوقود والأسلحة، لكن هذه الهجمات المستمرة لم تمنع في نهاية المطاف تصاعد قوة "حزب الله" ليصبح قوة عسكرية رئيسية على الحدود الإسرائيلية مع لبنان، ما يظهر أن إيران لا تزال قادرة على استخدام "الدول الضعيفة" بينهما كقناة لتعزيز تهديد قوي بات يهدد بإشعال حرب أوسع، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، الجمعة.

وأعلنت إسرائيل هذا الأسبوع، اغتيال قيادي بارز في حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية، ومسلحين آخرين مدعومين من إيران في ضربة قرب الحدود السورية اللبنانية.

وكان هذا الهجوم واحداً من أكثر من 180 هجوماً في سوريا نُسبت إلى إسرائيل منذ أكتوبر 2023، ما يُعد ارتفاعاً مقارنةً بالسنوات الأخيرة، وفقاً لبيانات منظمة "بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها" ACLED غير الربحية ومعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، وفقاً للصحيفة.

وذكرت "وول ستريت جورنال"، أن الضربة الإسرائيلية جاءت ضمن نمط هجمات أكثر عدوانية كانت فيها إسرائيل أكثر استعداداً لقتل العناصر أثناء سعيها لعرقلة خطوط الإمداد.

وقالت لينا خطيب، الزميلة المساعدة بمركز "تشاتام هاوس" في لندن، للصحيفة: "تصعيد إسرائيل لهجماتها على وكلاء إيران في سوريا، مثل (حزب الله) و(الجهاد الإسلامي)، يأتي كرد على تصاعد تهديد هذه الجماعات". وأضافت: "إسرائيل تفقد تدريجياً قدرتها على تحمل النفوذ الإيراني في سوريا".

وكشفت إسرائيل أن القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، كان مسؤولاً عن القدرات العسكرية للجماعة في لبنان وسوريا، وكان يعمل على تنفيذ هجمات ضد إسرائيل بالتعاون مع "حزب الله"، الذي أكد بدوره تنفيذ الضربة، وفق "وول ستريت جورنال".

واتهمت الحكومة السورية أيضاً إسرائيل بشن ضربات على مواقع في شرق البلاد أسفرت عن إصابة 7 مدنيين في 23 أغسطس الجاري.

"حرب بين الحروب"

وأطلقت إسرائيل حملة من الغارات الجوية في سوريا قبل 10 سنوات تقريباً، بعد أن أحدثت الحرب الأهلية في البلاد، فراغاً أمنياً ملأته إيران وميليشياتها المتحالفة التي دعمت الرئيس السوري بشار الأسد.

وعلى مدى نصف عقد، بدءاً من عام 2017، شنت إسرائيل أكثر من 400 غارة جوية للحد من تعمّق وجود إيران وحلفائها في سوريا، وهو تسريع لاستراتيجية طويلة الأمد عُرفت بـ"الحرب بين الحروب".

ولتقليل تداعيات أي غارة جوية، تجنبت إسرائيل الإعلان عن مسؤوليتها علناً، وحاولت تجنب استهداف عناصر "حزب الله"، ووجهت تركيزها بدلاً من ذلك على شحنات الأسلحة، وتطوير البنية التحتية العسكرية، وإنتاج الأسلحة، حسبما قال مسؤولون إسرائيليون سابقون للصحيفة.

وقالت "وول ستريت جورنال"، إن النظام السوري لم يرد عسكرياً بسبب ضعفه نتيجة الحرب الأهلية في البلاد، وأنه ونظيره الإيراني عملا على تقليل فعالية الهجمات الجوية الإسرائيلية.

وأضافت الصحيفة، أن قواعد الاشتباك تغيّرت في 7 أكتوبر الماضي، عندما شنت حركة "حماس" وشريكتها الأصغر حجماً، حركة "الجهاد الإسلامي"، هجوماً على إسرائيل أشعل الحرب على غزة، وبدأ "حزب الله" بإطلاق الصواريخ نحو إسرائيل دعماً لحلفائه الفلسطينيين.

وامتنعت إيران و"حزب الله" عن الانضمام إلى "حماس" في صراع شامل مع إسرائيل، لكنهُما سارعا في التخطيط لذلك باستخدام سوريا كنقطة عبور للأسلحة، وفق "وول ستريت جورنال".

وقال دانييل سوبلمان، وهو باحث مساعد في "مبادرة الشرق الأوسط" في كلية كينيدي بجامعة هارفارد الأميركية، للصحيفة: "على مدى العقد الماضي، كانت القواعد تنص على أن إسرائيل يمكنها استهداف هذه الشحنات في سوريا طالما أنها لا تستهدف عناصر حزب الله". وأضاف: "ما تغير هو أن إسرائيل أصبحت تستهدف تلك الشحنات، وتقتل عناصر حزب الله". 

توجه عدواني جديد

أكد مسؤولون إسرائيليون سابقون، أن التوجه العدواني الجديد هدد في بعض الأحيان بتوسيع نطاق الصراع. وفي أبريل الماضي، أسفرت ضربة شُنت على تجمع لقادة عسكريين إيرانيين في مبنى دبلوماسي في دمشق، نُسبت إلى إسرائيل، عن مصرع القيادي محمد رضا زاهدي، الذي كان، وفقاً لوسائل إعلام إيرانية رسمية ومسؤولين أميركيين، يدير العمليات العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان. 

وردت طهران بعد ما يقرب من أسبوعين بإطلاق وابل من أكثر من 300 صاروخ وطائرة مُسيرة في هجوم مباشر نادر على الأراضي الإسرائيلية، وهو رد أكبر مما توقعه مسؤولون إسرائيليون.

وتصدت إسرائيل للهجوم بمساعدة تحالف تقوده الولايات المتحدة، ثم شنت لاحقاً رداً محدوداً في إيران، لكنها لم تُكرر هجوماً بنفس الحجم، وفق "وول ستريت جورنال". 

وقالت كارميت فالنسي، وهي باحثة مساعدة في معهد دراسات الأمن القومي: "إسرائيل ستفكر مرتين قبل تكرار نفس عمليات الاغتيال المستهدف للقادة العسكريين الكبار، لكن الحرب بين الحروب ما زالت مستمرة".

ويرى مسؤولون إسرائيليون سابقون وخبراء عسكريون، أن فعالية الهجمات العسكرية الإسرائيلية على سوريا "متباينة".

وقال رونين سولومون، وهو محلل استخباراتي إسرائيلي مستقل، للصحيفة، إن الضربات نجحت في ردع سوريا عن الانضمام إلى الهجمات التي شنتها جماعات مرتبطة بإيران، مثل "حزب الله" والحوثيين في اليمن، ضد إسرائيل. 

استهداف كافة أنحاء إسرائيل

وقالت "وول ستريت جورنال"، إن بشار الأسد، الذي لا يزال مشغولًا بمواجهة المعارضة الكردية وتنظيم "داعش"، امتنع عن الانضمام إلى حلفائه في شن هجمات على إسرائيل خلال الحرب الإسرائيلية على غزة. كما التزمت الميليشيات المدعومة من إيران في الأراضي السورية بهذا الموقف إلى حد كبير.

وأضافت أن الحملة الإسرائيلية أبطأت تدفق الأسلحة إلى "حزب الله". ولكن على الرغم من شن مئات الضربات، ما زالت كمية الأسلحة التي وصلت إلى "حزب الله" كافية بحيث يمكن لأي حرب شاملة أن تكون "مدمرة" لإسرائيل.

وفي الوقت الحالي، يُنظر إلى "حزب الله" على نطاق واسع باعتباره أكبر وأفضل تسليحاً من أي جماعة مسلحة في العالم، إذ يقدر محللون أن لديه نحو 150 ألف صاروخ وقذيفة قوية، قادرة على استهداف جميع أنحاء إسرائيل، بحسب "وول ستريت جورنال".

وقال زعيم "حزب الله"، حسن نصر الله، في خطاب في 19 يونيو الماضي: "العدو في السنوات الأخيرة خاض معركة تُسمى الحرب بين الحروب"، إذ استهدف "حزب الله" وحلفاءه في سوريا. "لكن كل ما كان من المفترض أن يصل إلى لبنان، وصل إلى لبنان". 

ويرى مسؤولون إسرائيليون سابقون ومحللون إقليميون، أن الجهود التكتيكية الإسرائيلية "لا تمثل استراتيجية كافية" لإنهاء خطوط إمداد "حزب الله" أو وجود إيران في سوريا، وهي قضايا أصبحت أكثر إلحاحاً في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة والصراع مع "حزب الله"، بحسب "وول ستريت جورنال".

تصنيفات

قصص قد تهمك