بعد تلميحات بشأن تعديل الدستور.. ما سيناريوهات الحكم في تونس؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال إلقائه محاضرة في "القانون الدستوري" بجامعة لوسيل بالدوحة، قطر. 16 نوفمبر 2020. - AFP
الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال إلقائه محاضرة في "القانون الدستوري" بجامعة لوسيل بالدوحة، قطر. 16 نوفمبر 2020. - AFP
دبي-عزيز عليلو

تتجه تونس نحو تعديل الدستور الحالي، بحسب ما ألمح إليه رئيس الجمهورية قيس سعيد، وذلك في ظل غياب المحكمة الدستورية وتجميد عمل مجلس النواب.

وأكد الرئيس التونسي، السبت، أنه لن يعلق الدستور الحالي، الذي تم اعتماده في 2014، ولكن قد يتجه إلى تعديله "باستخدام الوسائل الدستورية القائمة".

وقال قيس سعيد، متحدثاً على الهواء عبر التلفزيون من شارع في وسط العاصمة تونس، إنه يحترم دستور عام 2014 الديمقراطي "لكنه ليس أبدياً ويمكن تعديله"، مضيفاً: "لا بد من إدخال تعديلات في إطار الدستور".

ويواجه الرئيس التونسي عراقيل قانونية من أجل إدخال أي تعديلات على الدستور الحالي، بسبب عدم تنصيب المحكمة الدستورية، منذ اعتماد الدستور الحالي عام 2014، بسبب خلافات داخل مجلس النواب بشأن أعضائها.

وينص الدستور على ضرورة أخذ رأي المحكمة قبل طرح أي تعديل دستوري للاستفتاء.

كما أن سعيد قرّر في 25 يوليو الماضي تجميد كل اختصاصات مجلس نواب الشعب، ما يشكل عائقاً أكبر أمام تحقيق آماله، إذ يشترط الدستور موافقة غالبية مجلس النواب على مقترح التعديل الدستوري.

الكاتب التونسي والخبير في الشؤون السياسية باسل ترجمان قال لـ"الشرق"، إنه يجب انتظار الآليات التي سيقرر رئيس الجمهورية اعتمادها في التعديل، "لأن دستور عام 2014 ينص على أن الرئيس هو الوحيد الذي له حق تأويل الدستور في ظل غياب المحكمة الدستورية".

وأضاف أن "قيس سعيد مختص في القانون الدستوري، ومن المتوقع أن يتشاور مع مستشاريه المتخصصين في القانون الدستوري، من أجل إيجاد الصيغة المناسبة لتعديل الدستور الحالي".

هل يُرفع تجميد البرلمان؟

وكان وليد الحجام، مستشار الرئيس التونسي، قد أكد لوكالة "رويترز" الخميس، أنه "من الضروري تعليق الدستور"، وأضاف "هناك اتجاه لتغيير النظام السياسي في البلاد، وربما عبر استفتاء".

وأضاف أن "الدستور الحالي أصبح عائقاً أساسياً، ويُفترض تعليقه ووضع نظام للسلطات المؤقتة".

لكن تصريحات الرئيس التونسي السبت جاءت مناقضة لهذا التوجه، إذ أكد أن التعديل سيتم "باستخدام الوسائل الدستورية" التي ينص عليها دستور عام 2014.

عبد الرؤوف عيادي، خبير قانوني ومحامٍ تونسي قال لـ"الشرق" إن الرئيس "وحتى الساعة لم يعلن إلغاء الدستور الحالي"، مضيفاً أنه في هذه الحالة "لا يمكنه اقتراح أي تعديل على الدستور في ظل تجميد عمل البرلمان".

وبحسب عيادي، فإنه "يبقى أمام رئيس الجمهورية خيار رفع قرار تجميد مجلس النواب، أو إجراء انتخابات سابقة لأوانها يتم من خلالها تجديد أعضاء مجلس النواب، يُعرض عليه (المجلس الجديد) مقترح تعديل الدستور".

وتملك الأحزاب المعارضة لقرارات الرئيس سعيد ما يزيد على ثلث المقاعد في مجلس النواب، وهو ما يجعل حصول مبادرة تعديل الدستور على الأصوات اللازمة أمراً صعباً، في حال رفع تجميد عمل البرلمان.

ويملك حزب "حركة النهضة" 52 مقعداً من إجمالي مقاعد البرلمان البالغة 217 مقعداً، فيما يملك "حزب قلب تونس" 38 مقعداً.

وكان حزبا "النهضة" و"قلب تونس" من أوائل الأحزاب التي أدانت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، المتعلقة بتجميد البرلمان، ووصفتها بـ "الانقلاب" و"الخرق الجسيم للدستور".

وأشار عبد الرؤوف عيادي، إلى أن تعديل الدستور يحتاج إلى موافقة ثلثي مجلس النواب، قبل الدعوة إلى تنظيم الاستفتاء الشعبي، مضيفاً أن الدعوة إلى انتخابات تشريعية تبقى هي "الخيار الأرجح" أمام الرئيس سعيد في ظل الظروف الحالية.

مجلس تأسيسي جديد

الكاتب التونسي والمحلل السياسي حكيم مرزوقي قال لـ"الشرق" إن الرئيس التونسي "رجل قانون، وكان يُدرّس القانون الدستوري، وبالتالي لا أظن أنه سيقدم على أي قرارات غير دستورية".

وأوضح أن سعيد قد يدعو إلى "انتخاب مجلس وطني تأسيسي جديد لصياغة الدستور قبل عرضه على الاستفتاء الشعبي"، لافتاً إلى أن الرئيس يحظى بتأييد شعبي كبير "من المرجح أن يبرز خلال عملية الاستفتاء على الدستور".

وكان الشعب التونسي قد انتخب عام 2011 مجلساً وطنياً تأسيسياً من 217 عضواً، كانت مهمته الأساسية صياغة الدستور الحالي. وانتهى عمل المجلس في نهاية 2014 بعد تأسيس مجلس نواب الشعب التونسي اعتماداً على الدستور الجديد.

وأعلن الاتحاد التونسي العام للشغل، الجمعة الماضي، عن مقترح شبيه بانتخاب مجلس وطني تأسيسي جديد، إذ قال إنه يبحث إطلاق خارطة طريق للخروج من الأزمة السياسية في البلاد، تتضمن تشكيل حكومة مصغرة من كفاءات وطنية ومنحها الثقة لمدة محدودة، حسب ما ذكرت صحيفة "الشعب" الناطقة باسم الاتحاد.

ونقلت الصحيفة عن الاتحاد قوله إن الخارطة المقترحة تتضمن وضع "هيئة استشارية وطنية تحدد إطاراً قانونياً ومجتمعياً تشاركياً" للإصلاح السياسي، يشمل النظامين السياسي والانتخابي إضافة إلى الدستور.

ماذا يقول الدستور؟

خصص الدستور التونسي لعام 2014 الباب الثامن لإجراءات تعديل الدستور، ويتضمن الفصلين التاليين :

الفصل 143

  • لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور، ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية النظر.

الفصل 144

  • كلّ مبادرة لتعديل الدستور تُعرض من قبل رئيس مجلس نواب الشعب على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي في كونها لا تتعلق بما لا يجوز تعديله حسبما هو مقرر بهذا الدستور.
  • ينظر مجلس نواب الشعب في مبادرة التعديل للموافقة بالأغلبية المطلقة على مبدأ التعديل.
  • يتم تعديل الدستور بموافقة ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب. ويمكن لرئيس الجمهورية بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس أن يعرض التعديل على الاستفتاء، ويتم قبوله في هذه الحالة بأغلبية المقترعين.

هل تتجه تونس نحو نظام رئاسي؟

أثارت تصريحات الرئيس التونسي بشأن تعديل الدستور جدلاً بشأن التغييرات التي قد يحدثها التعديل، واحتمال العودة إلى نظام حكم رئاسي، بدلاً من النظام شبه البرلماني الحالي.

ودعا اتحاد الشغل التونسي، أقوى نقابة عمالية في البلاد، السبت إلى "تغيير النظام السياسي" الحالي، بينما ردت حركة "النهضة" على الدعوة في بيان، رفضت فيه بشكل قاطع "محاولات بعض الأطراف المعادية للمسار الديمقراطي الدفع نحو خيارات تنتهك قواعد الدستور".

وأشارت الحركة إلى أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى "فقدان الشرعية، والعودة إلى الحكم الفردي، والتراجع عن كل المكتسبات الديمقراطية"، مشددة على ضرورة "التسريع بتشكيل حكومة شرعية، تنال ثقة البرلمان".

اعتبر الخبير في الشؤون السياسية باسل ترجمان أن تعديل الدستور هو مطلب شعبي قديم، ويعتبر أحد أسباب الأزمة الهيكلية التي تمر بها تونس.

واعتبر ترجمان في تصريحاته لـ"الشرق"، أن الحديث عن دستور يقر النظام الرئاسي "أمر غير صحيح"، مرجحاً أن ينص الدستور القادم على "تقاسم السلطة بشكل عقلاني وموضوعي، مع تحديد المسؤوليات".

وتابع: "على الدستور القادم أن يفصل بشكل واضح بين صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية والرئاسة، حتى يمكن للشعب مساءلة كل طرف حسب مسؤولياته، بدلاً من الإبقاء على الأمور في حالة فوضى كما هو الآن بموجب الدستور الحالي".

نظام رئاسي "معدل"

بالمقابل، يرى المحلل السياسي حكيم مرزوقي، أن هناك توجهاً داخل الأطراف السياسية والمجتمع المدني نحو تأييد العودة إلى النظام الرئاسي، "باستثناء حزب حركة النهضة، الذي يعارض الأمر".

وأقر مرزوقي في تصريحات لـ"الشرق" بوجود "بعض التوجسات المشروعة من قبل حقوقيين خشية الانزلاق نحو حكم سلطوي"، لكنه أشار إلى أن الشعب قد يؤيد هذا الخيار، بالنظر إلى الثقة التي لا يزال يحظى بها الرئيس في الشارع.

وقال مرزوقي إن "تونس اعتادت على نظام رئاسي. لكننا اليوم نحتاج إلى نظام رئاسي معدل، يضمن عدم إعطاء رئيس الجمهورية صلاحيات مطلقة، كما كان الحال قبل ثورة 2011".

واعتبر المحلل السياسي أنه في حال عرض دستور جديد للاستفتاء يتضمن التوجه نحو نظام رئاسي، "فإنه من المرجح أن تتم الموافقة عليه بالأغلبية، لأن انتخاب الرئيس قيس سعيد الذي ترشح بشكل مستقل، وحاز على غالبية الأصوات، هو دليل على نهاية الأحزاب السياسية في تونس وانعدام الثقة فيها".

وأضاف: "الشعب التونسي يمكن أن يمنح ثقته للكفاءات، لكن من الصعب أن تحصل عليها الأحزاب"، لكنه حذر من أن ذلك قد يضر بديمقراطية ناشئة مثل تونس، "لأنه لا وجود لديمقراطية دون أحزاب".

اقرأ أيضاً: