"الضمانات الأمنية".. هكذا تحوّلت وثيقتان إلى مفتاح الحرب والسلام في أوكرانيا

time reading iconدقائق القراءة - 9
الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في جنيف بسويسرا - 16 يونيو 2021 - via REUTERS
الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في جنيف بسويسرا - 16 يونيو 2021 - via REUTERS
دبي-الشرق

تصدر الحديث عن الضمانات الأمنية التي طلبتها روسيا من القوى الغربية خلال الأيام الأخيرة مشهد الأزمة مع أوكرانيا، إذ رفضت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) المطلب الروسي بحظر انضمام أوكرانيا للحلف في رد مكتوب الأربعاء، وهو ما اعتبرته موسكو أمراً "غير إيجابي".

ومع استمرار حشد روسيا قواتها على الحدود مع أوكرانيا وتأهب قوات حلف الناتو في دول البلطيق تحسباً لغزو محتمل، باتت احتمالات اندلاع المواجهة العسكرية وخفض التصعيد مرهونة بمصير المفاوضات بشأن الضمانات الأمنية الروسية.

وسلّمت موسكو في 15 ديسمبر الماضي نص اتفاقية حول ضمانات أمنية متبادلة للولايات المتحدة، لخفض التوتر على الحدود أوكرانيا. وفي اليوم التالي، بعثت موسكو نص اتفاقية ثانية إلى حلف الناتو، ودعت الجانب الأميركي إلى بدء مباحثات بأسرع وقت حول الوثيقتين، محذرة من أن البديل عن الاتفاق هو الانزلاق نحو حرب. 

وينص الاقتراحان اللذان أطلق عليهما "معاهدة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الضمانات الأمنية" و"اتفاق حول تدابير لضمان أمن روسيا والدول الأعضاء" في حلف الناتو، على حظر أي توسع إضافي لحلف الناتو شرقاً ولا سيما بضمه أوكرانيا، وكذلك نشر أسلحة هجومية في الجمهوريات السوفيتية السابقة.

ورفضت واشنطن في رد مكتوب سلّمته إلى موسكو الأربعاء فرض أي حظر على انضمام أوكرانيا إلى الحلف، ولكنها عرضت على موسكو "مساراً دبلوماسياً جاداً" للخروج من الأزمة. ووصفت روسيا الرد الأميركي بـ"غير الإيجابي"، وقالت إن الرئيس فلاديمر بوتين يدرس مقترحات الجانب الأميركي وأنه سيرد عليه لاحقاً، في مؤشر على أن مصير الأزمة في أوكرانيا مازال مفتوحاً على كل الاحتمالات.

ما هي المطالب الروسية في الوثيقتين؟

تمحورت المقترحات الروسية المتعلقة بالضمانات الأمنية للخروج من الأزمة حول ثلاث نقاط رئيسيةهي: أولاً وقف توسع الناتو شرقاً، وثانياً عدم إنشاء قواعد عسكرية للناتو في دول الاتحاد السوفييتي السابقة، وإنهاء تعاونها مع الحلف عسكرياً، وثالثاً الحدّ من نشر أسلحة هجومية بالقرب من الحدود الروسية وإزالة الأسلحة النووية الأميركية الموجودة في أوروبا.

وفي ما يلي أبرز مضامين الوثيقة التي اقترحتها روسيا على الولايات المتحدة:

  • "لا يستخدم الطرفان أراضي الدول الأخرى بهدف تحضير أو تنفيذ هجوم مسلح ضد الطرف الآخر أو أي أعمال أخرى تؤثر على المصالح الأمنية الأساسية للطرف الآخر. 
  • تتعهد الولايات المتحدة بمنع المزيد من التوسع باتجاه الشرق لمنظمة حلف شمال الأطلسي ورفض انضمام دول اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابقة إلى الحلف.
  • لن تقوم الولايات المتحدة بإنشاء قواعد عسكرية في أراضي دول اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابقة والتي ليست أعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي، ولن تستخدم بنيتها التحتية لأي أنشطة عسكرية أو تطوير تعاون عسكري ثنائي معها. 
  • يمتنع الطرفان عن نشر قواتهما المسلحة وأسلحتهما، في إطار المنظمات الدولية أو التحالفات أو الائتلافات العسكرية، في المناطق التي يمكن أن ينظر الطرف الآخر إلى هذا الانتشار فيها على أنه تهديد لأمنه القومي، باستثناء حالة الانتشار داخل الأراضي الوطنية للطرفين".

أما الوثيقة الثانية التي بعثتها روسيا إلى الناتو فجاء في أبرز بنودها ما يلي:

  • "ترفض الأطراف التي هي دول أعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي القيام بأي نشاط عسكري على أراضي أوكرانيا وكذلك الدول الأخرى في أوروبا الشرقية وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى.
  • تلتزم جميع الدول الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي بالامتناع عن أي توسيع إضافي للحلف، بما في ذلك انضمام أوكرانيا والدول الأخرى.
  • يمتنع الطرفان عن نشر صواريخ أرضية متوسطة وقصيرة المدى في مناطق تسمح لهما بالوصول إلى أراضي الأطراف الأخرى".

كيف ردّت واشنطن وحلفاؤها؟

أعلنت الولايات المتحدة وحلف الناتو، الأربعاء، تسليم روسيا ردودهما على لائحة المطالب الأمنية التي تقدمت بها، دون أن تنشر تفاصيل عنها، فيما قالت موسكو إن الردود لم تستجب إلى مطالبها بشأن توسع الناتو شرقاً.

وقال السفير الأميركي لدى روسيا جون سوليفان، الجمعة، إن رد واشنطن يشمل وضع معايير شفافة بشأن المناورات العسكرية في أوروبا ونشر أنظمة الأسلحة الهجومية في أوكرانيا، ضمن إجراءات تهدف إلى "تهدئة التوتر".

وفي السياق، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن "الكرة في ملعب الروس الآن"، مضيفاً أن "الرد حدد مساراً دبلوماسياً جاداً للمضي قدماً، إذا اختارت روسيا ذلك، وتقييماً مبدئياً وعملياً للمخاوف التي أثارتها روسيا".

من جانبه، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج: "إننا جاهزون للحوار مع روسيا ومستعدون لأسوأ السيناريوهات"، مضيفاً أن الناتو عزز وجوده العسكري في دول البلطيق، وهو مستعد لزيادة وجوده شرق أوروبا "إذا اقتضت الضرورة". وأشار أيضاً إلى أن فرنسا وبريطانيا "قد تضاعفان نشر القوات في البحر الأسود".

الرد المكتوب الذي سلّمته واشنطن بالتنسيق مع حلف الناتو جاء عقب مباحثات دبلوماسية وعسكرية شاقة في جنيف وبروكسل وفيينا وباريس، أخفقت خلالها روسيا والغرب في تحقيق انفراجة ولو محدودة، أو تقليص هوة الخلاف بشأن الضمانات الأمنية التي طلبتها روسيا.

وكشفت تصريحات المسؤولين من الطرفين، عقب الاجتماعات، عن تمسك كل طرف بمواقفه السابقة و"خطوطه الحمراء".

وفيما حمّلت روسيا الغرب المسؤولية عن عدم تحقيق نتائج، لوّحت الولايات المتحدة بعقوبات قاسية إذا واصلت روسيا سياساتها "العدوانية" تجاه أوكرانيا، لتحذر الأولى مما وصفته بـ"تجاوز خطير يهدد العلاقات بينها وبين واشنطن".  

رد موسكو مجدداً

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مقابلة أذيعت على عدة محطات إذاعية وتلفزيونية روسية الجمعة، في أول تعليق على الرد الأميركي المكتوب، إنه "لا يتضمن أي رد إيجابي بشأن البند الرئيسي وهو مطالبة موسكو حلف الناتو بوقف تمدده شرقاً".

ورفض لافروف كشف المزيد من التفاصيل عن محتوى الرد الأميركي، ولكنه قال:"ليس هناك شك في أن يتم تسريب مضامين الرد الأميركي قريباً".

وفيما أكد أن بلاده تريد المسار الدبلوماسي وليس الحرب، اتهم لافروف الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو بـ"التملص" من أي "التزام قانوني ومكتوب" بشأن توسع الحلف شرقاً.

ورفض وزير الخارجية الروسي تبرير واشنطن قرار رفضها حظر انضمام أوكرانيا للناتو بذريعة حق كييف في اتخاذ قراراتها السيادية باستقلالية دون إملاءات من دول أخرى، قائلاً إن "الحق في اختيار التحالفات مشروط بالحاجة إلى مراعاة المصالح الأمنية لأي دولة أخرى من دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بما في ذلك الاتحاد الروسي".

من جانبه، قال الرئيس الروسي فلاديمر بوتين خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إمانويل ماكرون الجمعة، إن "رد الولايات المتحدة وحلف الناتو لم يأخذ بالاعتبار مخاوف روسيا بشأن منع توسع الناتو، ورفض نشر منظومات صاروخية ضاربة".

ولفت بوتين إلى أن "الجانب الروسي سيدرس بشكل مفصل الردود من قبل واشنطن وحلف الناتو حول مقترحات موسكو للضمانات الأمنية"، مضيفاً أن "موسكو بعد ذلك ستحدد قراراتها المقبلة".

وكان واضحاً من خلال تصريحات المسؤولين الغربيين أن مقترحات موسكو قد قوبلت برفض حازم ومباشر من قبل واشنطن والناتو، وباقي أطراف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، حتى قبل إعلان واشنطن تسليم ردها رسمياً الأربعاء.

وفي أحدث تطور للموقف الأميركي بشأن الأزمة الروسية الأوكرانية، أعلن الرئيس جو بايدن ليل الجمعة أنه سيرسل عدداً صغيراً من الجنود الأميركيين إلى أوروبا الشرقية "قريباً".

وقال بايدن لصحافيين لدى نزوله من الطائرة بعد عودته من جولة في بنسلفانيا (شرقاً)، "سأرسل قوات إلى أوروبا الشرقية ودول حلف شمال الأطلسي في المدى القريب. ليس عدداً كبيراً" من القوات.

تصنيفات