هل يكون "التنين الصيني" بديلاً لواشنطن في الشرق الأوسط؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
وزير الخارجية الصيني وانغ ييّ  خلال مؤتمر صحافي في برلين- 13 فبراير 2020 - REUTERS
وزير الخارجية الصيني وانغ ييّ خلال مؤتمر صحافي في برلين- 13 فبراير 2020 - REUTERS
دبي -رامي زين الدين

تسعى الصين إلى تعزيز مكانتها كقوة عظمى، لا من خلال الاقتصاد العملاق فحسب، بل عبر الدور السياسي الذي بات بإمكانها الانخراط به أكثر في ظل الانكفاء الأميركي عن العديد من القضايا، إذ تُشير التحركات الدبلوماسية لبكين، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، إلى اهتمام أكبر بالمسائل السياسية، ومحاولة لعب دور رئيسي في أبرز ملفات المنطقة.

خلال هذا العام، أجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي، العديد من الزيارات الدبلوماسية إلى الشرق الأوسط. آخر محطاته كانت في القاهرة، حيث التقى نظيره المصري سامح شكري، وبحث معه آخر تطورات أزمة سد النهضة الإثيوبي، إضافة إلى مسائل اقتصادية تضمنت توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات متنوعة.

وقبل ذلك زار المسؤول الصيني دمشق، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد، وطرح مقترحاً للحل في سوريا، يعكس موقف بكين الثابت والمؤيد للحكومة السورية، مؤكداً في الوقت ذاته على أهمية بدء إعادة الإعمار، وهو الملف الذي في الغالب سيكون للصين حضور بارز فيه.

ويستعد وانغ إلى زيارة الجزائر ضمن جولته في المنطقة هذا الأسبوع.

وبين الـ24 والـ30 من مارس الماضي، حطت طائرة وانغ ييّ، في أنقرة والرياض وطهران والإمارات والبحرين وعمان، في زيارات مكوكية تعكس مدى اندفاع الصين إلى الانخراط في قضايا الشرق الأوسط وتوطيد علاقاتها بدول المنطقة. وصرح آنذاك، بأن بلاده مستعدة لتقديم مساهمتها في مجالات السلام والأمن والاستقرار والتنمية.

وقال وانغ إن "الصين تدعم دول المنطقة للبقاء بمنأى عن الضغط والتدخل الخارجيين، وأن تستكشف بشكل مستقل مسارات التنمية المناسبة لحقائقها الإقليمية"، مضيفاً أنه يتعين على الدول "التحرر من ظلال التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى، والصراعات والخلافات الإقليمية كسادة للمنطقة".

وخلال الفترة ذاتها أشار وانغ ييّ خلال مقابلة  تلفزيونية، إلى أن الحكومة الصينية تعتزم دعوة شخصيات فلسطينية وإسرائيلية لإجراء محادثات في الصين، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.

وأمام هذه المؤشرات لزيادة الحضور السياسي للصين، لا يبدو أنها تُقدم نفسها كمجرد منافس تجاري للولايات المتحدة، بل، ربما، كبديل في المنطقة، لكن ما حدود الدور الذي ترغب بكين في القيام به؟ وهل تستطيع بالفعل شغل الموقع الأميركي؟ وكيف تبدو العقبات التي تحول دون تحقيق ذلك؟

"مشروع قوة مهيمنة"

الدكتور محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، يرى أن الزيارات المتكررة لوزير الخارجية الصيني إلى الشرق الأوسط تعكس صعود دور بكين في المنطقة.

وقال إن "هناك مؤشرات عديدة على أن الصين تُعيد النظر في سياستها تجاه الشرق الأوسط، وتحديداً في الأدوات التي تستخدمها، حيث في السابق لم يكن ذلك متاحاً في ظل الحضور الأميركي المكثف".

وأشار فرحات إلى أن تراجع الاهتمام الأميركي لدى الإدارات الأميركية، أفقدها احتكار دور الضامن لأمن الشرق الأوسط، مستشهداً بأزمة المضائق المائية عام 2019 مع إيران عندما طالب ترمب صراحة  الدول النفطية، المعنية بالقضية، بالقيام بدور أمني أكبر وعدم الاعتماد على واشنطن لحماية مصالحها.

ثمة شروط أساسية للعب دور الهيمنة في النظام العالمي، ولعلّ أبرزها ضبط الأمن الإقليمي والدولي، وضمان حرية الملاحة والممرات البحرية التجارية، وصياغة السياسات، والحرب على الإرهاب، ومراقبة وضع الحريات وحقوق الإنسان، وهو الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة منذ عقود.

لكن مشروع الصين للتحول إلى قوة مهيمنة، وفقاً لفرحات، "لم يكتمل بعد"، إذ إن هناك أعباء وتحديات عديدة لا تزال تواجهها داخلياً وفي محيطها الجغرافي، على غرار الفجوة الكبيرة بين الأقاليم في الموارد والإنتاج.

وأضاف الباحث السياسي المصري، أن "الصين غير مستعدة للتورط بالتكاليف الباهظة لحروب المنطقة، خاصة أن استراتيجيتها تؤمن بالتحول البطيء والتدريجي. ورغم ازدياد دورها في الفترة القادمة، لكنها بكل تأكيد لن تقدم نفسها كبديل للولايات المتحدة على المستوى الأمني، فضلاً عن أنها استفادت كثيراً من الدور الذي لعبته واشنطن في ضبط الأمن العالمي دون أن تسهم بكين بأية تكاليف".

وأوضح فرحات أن الصين أصدرت قرارات داخلية تسمح لها بلعب دور أكبر في الأمن العالمي، وهذا، وفق رأيه، مؤشر على استعدادها لتحول استراتيجي لم تنضج تفاصيله بعد.

بديل واشنطن

في حديثٍ لـ"الشرق"، قال الصحافي المتخصص بالشؤون الصينية عامر تمام، إن الاستراتيجية الأميركية الجديدة تصب اهتمامها على آسيا والباسيفيك، بهدف احتواء الصين، باعتبارها الخطر الأكبر الذي يهدد مكانة الولايات المتحدة. وأضاف "تريد بكين استثمار التراجع الأميركي لملء هذا الفراغ بما يحقق مصالحها، وقد يدفع ذلك واشنطن لإعادة حساباتها والانسحاب من جنوب شرق آسيا".

وفي ما إذا كانت الصين قادرة على لعب دور كبير فعلاً، أوضح عامر أنها تملك المؤهلات لذلك، لكنه شكّك في قدرتها على ملء الفراغ الأميركي بشكل كامل، حيث لا تفضل الصين التورط في النزاعات العسكرية خارج نطاق أمنها القومي، بما في ذلك إرسال جنود أو إنشاء قواعد عسكرية، ولذا لن تُشكل بديلاً في حال رحيل قوات الولايات المتحدة.

وتابع "تُفضل الصين أن تكون محايدة تجاه خلافات المنطقة. ويمكن ملاحظة ذلك في موقفها من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ووفق ذلك، من الصعب أن تكون وسيطاً قوياً مثل الولايات المتحدة في عملية السلام".

وجه الدبلوماسية الصينية

على عكس أسلافه في وزارة الخارجية، لم يكن وانغ ييّ الذي تولى منصبه عام 2013، متخصصاً في الشؤون الأميركية، رغم أنه قضى 6 أشهر في جامعة جورج تاون أواخر التسعينيات ويتحدث الإنجليزية بطلاقة.

غير أن ذلك لم يكن وليد الصدفة، وفقاً لتقرير نشره موقع "كريستيان ساينس مونيتور" الأميركي، بعد تعيين وانغ مباشرة، إذ قضى الأخير معظم حياته المهنية في آسيا، ويُعد أحد الخبراء الرئيسيين في شؤون المنافس الإقليمي الرئيسي لبلاده، أي اليابان، التي تخوض مع بكين نزاعاً على الأراضي حول مجموعة من الجزر في بحر الصين الشرقي.

كما تولى وانغ خلال مسيرته الدبلوماسية مناصب عديدة، منها: السفير الصيني في طوكيو، ورئيس مكتب شؤون تايوان، ونائب وزير الخارجية.

وتوقع أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا، بول إيفانز، قبل 8 أعوام، أن يحظى وانغ من خلال خبرته وأسلوبه بسلطة أكبر من سابقيه، بحيث ينتقل من دور المنفذ إلى المساهم في تشكيل السياسة الخارجية للصين. وقال "لدى وانغ عقلاً ثاقباً، يتحرى ويخترق.. مع القدرة على رؤية المشكلة من زاويتين أو ثلاث زوايا مختلفة".

وذهب إيفانز الذي عرف وانغ جيداً عن قرب، إلى وصفه بأنه "قومي صيني حازم".

لكن الصحافي عامر تمام قلّل من دور وانغ في صياغة السياسة الخارجية لبلاده، لافتاً في حديثه لـ"الشرق"، إلى أن التسلسل الهرمي الصارم في الصين يفرض آلية غير شخصية في اتخاذ القرارات. وأضاف "من يصنع السياسات في الصين هي مؤسسات الدولة، وعلى وجه التحديد الحزب الشيوعي الحاكم، وبشكل أدق لجنة العلاقات الخارجية، التي يترأسها الدبلوماسي المخضرم يانغ جيه تشي".

على مسافة واحدة من الجميع، في السياسة والاقتصاد، تُقدم الصين نفسها في الشرق الأوسط، دون الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك، في استراتيجية مختلفة، وفق تصورها، عن نهج الولايات المتحدة القائم على المحاور والاصطفافات. لكن هل هذا ما يحدث فعلاً في جوار الصين بشأن اليابان وتايوان وإقليم التبت وهونغ كونغ؟.