هل يقبل بوتين بقائمة مطالب بايدن المتوقعة خلال قمة جنيف؟

time reading iconدقائق القراءة - 14
لقاء بين فلاديمير بوتين عندما كان رئيساً للوزراء وجو بايدن حين كان نائباً لرئيس الولايات المتحدة في موسكو، 10 مارس 2011  - AFP
لقاء بين فلاديمير بوتين عندما كان رئيساً للوزراء وجو بايدن حين كان نائباً لرئيس الولايات المتحدة في موسكو، 10 مارس 2011 - AFP
دبي- الشرق

مع اقتراب موعد لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن مع نظيره الروسي فلاديمر بوتين المقرر الأربعاء في جنيف، يسود ترقب كبير أوساط صناع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا لطريقة تفاعل بوتين مع مطالب واشنطن بوقف أنشطة بلاده العدوانية.

وأفادت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير بأن بايدن يخطط للضغط على بوتين في اجتماعهما القادم لوقف الهجمات الإلكترونية التي تتم إدارتها من الأراضي الروسية، وأنه سيطالب بانسحاب روسيا من أوكرانيا، ووقف محاولاتها التدخل في الانتخابات الأميركية.

وأوضح التقرير أن هذه المطالب تثير سؤالاً يثير حفيظة صانعي السياسة الأميركيين وحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين: "ماذا سيحدث إذا تجاهل بوتين هذه المطالب؟".

"الخطة باء"

ونقلت الصحيفة عن مايكل ماكفول الذي كان سفيراً للولايات المتحدة لدى روسيا في عهد الرئيس باراك أوباما القول إن مخرجات الاجتماع المباشر المرتقب "يتعين أن تكون أكبر من مجرد عقد مباحثات".

غير أن دبلوماسيين يحذرون من أن بوتين قد لا يوافق على خفض أنشطة بلاده العدوانية، وأنه قد لا يعترف أصلاً بوجودها.

وقال ماكفول: "سيكون من الجيد أن تكون لدينا علاقة مستقرة، ولكن عندما يفشل ذلك، يجب أن تكون لدينا (خطة باء)  احتياطية".

وتابع "تذكروا  أن الرئيس بايدن طلب هذا الاجتماع؛ وليس بوتين من طلب ذلك"، مشيراً إلى أن هذا الأمر بضع ضغوطاً أكبر على الرئيس الأميركي "للخروج بشيء من الاجتماع".

وفرض بايدن عقوبات على روسيا في أبريل الماضي، بعد اختراق إلكتروني ضخم لشركة "سولار ويندز"، ومزاعم بتدخل موسكو في الانتخابات الأميركية.

ولفتت الصحيفة إلى أن خطة بايدن البديلة قد تكمن في فرض مزيد من العقوبات ضد روسيا، وهو ما ألمح إليه بايدن الأسبوع الماضي، حين قال إنه سيتخذ إجراءات أشد عندما تنخرط روسيا في "أنشطة ضارة".

نهج مختلف

وذكرت "واشنطن بوست" أن المخاطر التي يواجهها بايدن في أول لقاء شخصي مع خصمه الجيوسياسي "بالغة"، مشيرةً إلى أن بايدن "يحاول خلال سياسته إثبات أن الديمقراطيات تقوم بعمل أفضل لفائدة شعوبها، مقارنة مع الأنظمة الاستبدادية، وبوتين من بين المعارضين الرئيسيين لهذه الفكرة في العالم".

ويريد بايدن تحديداً أن يُظهر خلال القمة أنه لن يذعن لبوتين كما فعل ترمب خلال القمة التي جمعته بالرئيس الروسي في هلسنكي عام 2018، حين رفض ترمب علناً نتائج تحقيقات الاستخبارات الأميركية في تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية لعام 2016، ودعم بوتين في نفيه التدخل في الانتخابات.

ترمب دافع على بوتين أيضاً خلال مقابلة مع قناة فوكس نيوز عام 2017، حين سأله صحافي إن كان يعتقد أن بوتين "قاتل"، فأجاب ترمب قائلاً: "هناك الكثير من القتلة. هل تعتقد أن بلادنا بريئة؟".

وعكس ترمب، ردّ بايدن بالإيجاب على السؤال نفسه خلال مقابلة مع شبكة "إيه بي سي" في مارس الماضي"، ووصف بوتين بـ"القاتل". وقال بايدن، خلال المقابلة، إنه سيخبر بوتين عندما يلتقيه بأن الولايات المتحدة "لن تقف مكتوفة الأيدي وتتركه ينتهك حقوق الإنسان".

فاعلية العقوبات

وأظهرت السنوات الأخيرة أن فعالية العقوبات الأوروبية والأميركية على روسيا تبقى "محدودة"، ولم تنجح في دفع بوتين إلى تغيير نهجه العدواني، إذ كررت روسيا محاولتها التدخل في الانتخابات الأميركية عام 2020.

وبالتزامن مع وصول بايدن إلى بريطانيا الأربعاء الماضي في جولته الخارجية الأولى منذ توليه الرئاسية، حظرت محكمة روسية المنظمات السياسية التي يرأسها المعارض المسجون أليكسي نافالني، بالرغم من الضغوط الدولية، في إشارة خفية إلى أن بوتين لن يلين مواقفه بسهولة خلال القمة مع بايدن.

ويبدو أن الولايات المتحدة أصبحت تدرك أن هناك حدوداً للعقوبات التي يمكن أن تفرضها على روسيا، إذ رفعت في مايو الماضي العقوبات المفروضة على الشركة الروسية المسؤولة عن خط أنابيب غاز "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا وأوروبا، وخلصت إدارة بايدن إلى أن هذه العقوبات من شأنها زعزعة استقرار العلاقات بين روسيا والدول الأوروبية.

وتأكدت محدودية العقوبات الأميركية خلال تعامل إدارة بايدن مع الهجمات الإلكترونية الأخيرة ضد شركات أميركية انطلقت من روسيا واستخدمت برمجيات خبيثة لطلب فدية.

وفي مايو الماضي، أجبرت إحدى هذه الهجمات شركة "كولونيال بايبلاين"، على إغلاق أكبر خط أنابيب للوقود في الولايات المتحدة لحوالي أسبوع. وفي بداية يونيو الجاري، استهدف هجوم مماثل شركة "جيه بي إس إس إيه"، أكبر شركة تصنيع لحوم في العالم، أجبرها على وقف العمل في مصانعها بالولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم.

واعتبر الرئيس بايدن أن هجمات برامج الفدية "غير مقبولة"، ولكنه لم يعلن عن أي عقوبات ضد روسيا، وسط ضغوط متزايدة على إدارته للرد بقوة على هذه الهجمات.

والجمعة الماضي، قال بايدن  خلال كلمة ألقاها أمام الجنود الأمريكيين في قاعدة ميلدنهال في شرق بريطانيا، إنه يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها "العمل على وضع قواعد خاصة بالتكنولوجيا الجديدة في الفضاء السيبراني تحكمها قيمنا الديمقراطية، وليس قيم الأنظمة المستبدة التي تسمح بحدوث هجمات الفدية". 

هل ينجح بايدن؟

ومن المرجح أن يرفض بوتين كل الاتهامات المرتبطة بوقوف روسيا وراء الهجمات الإلكترونية، وأن يدافع على عدم قيام بلاده باعتقال المتورطين في هذه الهجمات.

خلال مقابلة له مع قناة "إن بي سي" الأميركية عام 2018، شرح بوتين سبب عدم اعتقال روسيا المتسللين الذين يُعتقد أنهم تدخلوا في الانتخابات الأمريكية لعام 2016، قائلاً : "إذا لم يخالفوا القانون الروسي، فلا يوجد شيء لمقاضاتهم في روسيا".

وفي وقت سابق هذا الشهر، دافع المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في خطاب ألقاه أمام منتدى اقتصادي في سانت بطرسبرغ، عن احتضان روسيا مرتكبي الهجمات الإلكترونية، وقال إن روسيا "ليست الدولة الوحيدة التي يوجد بها قراصنة".

ونقلت "واشنطن بوست" عن إيان بريمر ، رئيس مجموعة "أوراسيا" لتحليل المخاطر، القول إن "الهجمات الإلكترونية هي بالتأكيد البطاقة الأساسية في العلاقة (بين البلدين)، التي يمكن أن تجعل كل شيء أسوأ بكثير".

وتابع "سنحتاج إلى ممارسة المزيد من الضغط على روسيا لاتخاذ إجراء بشأنها، وليس من الواضح ما إذا كان بوتين مهتماً، كما ليس من الواضح ما إذا كان بايدن مستعداً لدفعه بقوة كافية لاتخاذ هذا الإجراء".

إشارات غير مطمئنة

ومنذ تولي بايدن الرئاسة في يناير الماضي وشروع إدارته في إرسال إشارات تحذيرية تلمح إلى تغير في سياسة التعامل مع روسيا، أجابت روسيا بدورها  بإشارات "غير مطمئنة" للولايات المتحدة، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست".

وتداولت وسائل الإعلام الرسمية الروسية مقطع فيديو للرئيس الأميركي البالغ 78 عاماً، وهو يتعثر خلال صعوده الطائرة الرئاسية في مارس الماضي، وصوّرته على أنه "ضعيف"، وقارنت تلك المشاهد بمقطع فيديو للرئيس الروسي (68 عاماً) وهو يقود سيارة مخصصة للمناطق الوعرة وسط غابات التايغا بسيبيريا، في محاولة لإظهار قوة بوتين.

وفي مارس الماضي، شكك مشرعون روس في صحة بايدن العقلية، على خلفية وصفه بوتين بـ"القاتل"، فيما اعتبر ديمتري ميدفيديف الذي كان رئيساً لروسيا من عام 2008 إلى عام 2012، أن التقدم في العمر أثّر على بايدن. 

وقال ميدفيديف: "التقيت الرئيس بايدن، في مناسبات دولية مختلفة، وترك انطباعاً جيداً (..) ولكن، على ما يبدو، أن الزمن لم يرحمه". وأضاف أنه "لا يوجد شيء للتعليق عليه (في وصف بوتين بالقاتل). يمكنني فقط أن أذكر اقتباساً لفرويد (عالم النفس النمساوي) يقول فيه: لا شيء يكلف أكثر في الحياة من المرض والغباء".

بالمقابل كان بوتين أكثر تحفظاً في تعليقاته، إذ ردّ على توصيفه بـ"القاتل" من فبل بايدن بالقول: "إن المرء لا يرى إلا خصاله". 

واتهم بوتين إدارة بايدن بـ"النفاق"، على خلفية اتهامها روسيا بانتهاك حقوق الإنسان بسبب سجن المعارض الروسي أليكسي نافالني وقمع المتظاهرين السياسيين. واستشهد بوتين باعتقال ومحاكمة الولايات المتحدة لمثيري الشغب الذين شاركوا في هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول، وقال "إنهم ليسوا لصوصاً أو ناهبين، بل هم مواطنون جاؤوا بمطالب سياسية".

وكانت آخر الإشارات التي بعثتها موسكو الخميس الماضي، حين كشفت تقارير أن روسيا تستعد لتزويد إيران بقمر صناعي متطور، سيمنح طهران قدرة غير مسبوقة على تعقب الأهداف العسكرية، في جميع أنحاء الشرق الأوسط. 

ترمب يُعقد مهمة بايدن

ويبدو أن الرئيس السابق دونالد ترمب ينوي، من جانبه، تعقيد مهمة بايدن في استعراض قوة أميركا خلال لقائه بوتين، إذ أصدر الخميس بياناً سخر فيه من بايدن.

وأشاد بيان ترمب بمخرجات القمة التي جمعته ببوتين في هلسنكي عام 2018، ووصفه بـ"العظيم والمثمر"، مشيراً إلى أن أميركا حققت فوزاً كبيراً خلال القمة.

وأضاف ترمب بسخرية: "حظ سعيد لبايدن في التعامل مع الرئيس بوتين. لا تغف أثناء اللقاء، ورجاءً أبلغه تحياتي الحارة!".

وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن بايدن يحاول أن يظهر خلال اللقاء مع بوتين أن واشنطن تتخذ موقفاً أكثر صرامة من موسكو، مضيفةً أنه من المرجح "أن يروج البيت الأبيض لنجاح الرئيس في استعراض القوة خلال اللقاء، حتى في حال عدم تحقيق أي اختراق في الاجتماع".

ونقلت الصحيفة عن مايكل ماكفول، أن بوتين يتمتع بخبرة كبيرة في إظهار القوة خلال القمم مع الرؤساء الأميركيين، مضيفاً أن ذلك "يعطيه ميزة التفوق على بايدن". وتابع ماكفول: "هذه ليست أول مرة يلعب فيها بوتين مباراة روديو (مسابقة رعاة البقر المحترفين). لقد قام بذلك من قبل، وهذا يخلق أول عدم تكافؤ بينهما".

وبايدن هو أول رئيس منذ سنوات لم يعلن عن نيته إعادة بناء العلاقات الأميركية-الروسية من خلال تأسيس روابط شخصية أقوى مع بوتين. بينما أثبت الرئيس الروسي خلال السنوات السابقة، أنه بارع في إقناع الرؤساء الأميركيين بأنهم يستطيعون العمل معه، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست".

وذكّرت الصحيفة بأن الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، قال بعد لقائه الأول مع بوتين في عام 2001: "نظرت في عيني الرجل. وجدته واضحاً جداً وجديراً بالثقة (..) لقد استطعت الشعور بروحه ".

ويبدو أن تصريحات بوش كانت عالقة بذهن بايدن، حين التقى بوتين عام 2011 وكان حينها بايدن نائباً للرئيس الأميركي باراك أوباما، إذ قال بايدن في مقال سابق نشره على صحيفة نيوزويك: "وقفت على بعد سنتيمترات من الزعيم الروسي. وقلت له: أنا أنظر إلى عينيك ولا أعتقد أن لديك روحاً".

مخاوف من نزاع محتمل

وعلى الرغم من هذا الخطاب، أكد بايدن بعد توليه الرئاسة هذا العام، على انفتاحه للعمل مع بوتين في المجالات ذات الاهتمام المشترك، قائلاً إن الولايات المتحدة "لا تسعى إلى صراع مع روسيا".

ونقلت "واشنطن بوست" عن دبلوماسيين أوروبيين القول إن انعقاد القمة بين بايدن وبوتين مباشرةً بعد مشاركة الرئيس الأميركي في اجتماعات مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، من شأنه أن "يسمح لبايدن بنقل مخاوف الديمقراطيات الغربية".

وقال فيليب إتيان، السفير الفرنسي في الولايات المتحدة للصحيفة، إن "حقيقة لقائه مع بوتين بعد لقائه معنا أفضل بكثير من العكس".

في المقابل، قالت الخبيرة في شؤون روسيا وأوروبا بمركز الأمن الأمريكي الجديد، كيندال تيلور، إن "الأولوية رقم واحد في القمة تكمن في تأسيس قنوات اتصال على جميع المستويات".

وأضافت: "هذه الإدارة (الأميركية) قلقة بشأن خطر نشوب صراع بين الولايات المتحدة وروسيا، لأن البلدان ينشطان تقريباً في المناطق نفسها في أنحاء العالم وهناك دائماً خطر حدوث سوء تفاهم".

ويشكّل ملف التسلّح مجالاً محتملاً لإحراز تقدّم خلال القمة، إذ إن "معاهدة ستارت الجديدة"، التي تفرض قيوداً على أعداد الرؤوس الحربية لدى البلدين، تنتهي في عام 2026.

وتريد الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون تغطية مجموعة كاملة من الأسلحة الاستراتيجية التي لم تشملها المعاهدة، بموجب أي اتفاق مستقبلي، علماً أن هذه المحادثات تستغرق سنوات.

اقرأ أيضاً: