أزمة لبنان تهدد أبرز مؤسساته المتماسكة.. الجيش

time reading iconدقائق القراءة - 10
جنود من الجيش اللبناني خلال عرض عسكري وسط بيروت بمناسبة الذكرى 74 لاستقلال البلاد- 22 نوفمبر 2017 - REUTERS
جنود من الجيش اللبناني خلال عرض عسكري وسط بيروت بمناسبة الذكرى 74 لاستقلال البلاد- 22 نوفمبر 2017 - REUTERS
دبي- الشرق

بالتزامن مع إعلان فرنسا عزمها تنظيم مؤتمر الخميس، يجمع 20 دولة، لتأمين مساعدات طارئة للجيش اللبناني، كشف تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، أن المؤسسة العسكرية في لبنان "مُهددة بانهيار مدمر"، جراء تداعيات الأزمة الاقتصادية على قدراته وأوضاع جنوده.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يقول "البنك الدولي"، إن الأزمة التي تعصف بلبنان من المرجح أن تُصنف كأحد أسوأ الانهيارات التي شهدها العالم في الـ150 عاماً الماضية.

وكان قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، زار باريس الشهر الماضي، طالباً المساعدة، بينما حذرت باريس من أن الجيش اللبناني "ربما لم يعد قادراً على التنفيذ الكامل لمهامه الضرورية لاستقرار البلاد". وبدورها، تعهدت الولايات المتحدة، الداعم الأكبر لجيش لبنان، بزيادة المساعدات خلال 2021.

وقال عون الثلاثاء، خلال لقائه بدورة ضباط سيتخرجون قريباً، إن الجميع يعاني من الوضع الاقتصادي في لبنان، مؤكداً أنه "يعمل المستحيل لتخفيف الأعباء عن العسكريين"، وأضاف "حتى نحافظ على الجيش نضطر إلى اللجوء لدول صديقة للحصول على مساعدات".

مساعدات أميركية ودولية

في وقت سابق هذا الشهر، أكد الجنرال فرانك ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأميركية، أن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم الجيش اللبناني، قائلاً إن هذه المؤسسة "يجب أن تبقى التعبير الوحيد عن القوة العسكرية للدولة في لبنان".

ويشارك في المؤتمر الذي ستعقده باريس افتراضياً، 17 يونيو، كلاً من الولايات المتحدة ودول خليجية وأوروبية، ونقلت وكالة "فرانس برس"، عن مصادر في وزارة الجيوش الفرنسية قولها "منذ أشهر عدة يواجه الجيش اللبناني صعوبات في تأمين حاجاته الأساسية" المتعلقة بالغذاء وصيانة العتاد."

وأشارت المصادر إلى أن "ما يزيد من خطورة المشكلة هو أن الجيش اللبناني يحول دون تدهور الوضع الأمني في البلاد بشكل كبير"، مضيفة أن هناك حاجة لتقديم مساعدات بأقرب فرصة، تشمل "الوقود والزيوت والإطارات والبطاريات"، وذلك في ضوء "خطورة الوضع وطابعه الملح".

وذكر تقرير "أسوشيتد برس"، أن الانهيار الاقتصادي يضع ضغوطاً غير مسبوقة على قدرات الجيش اللبناني، ما يمكن أن يؤدي إلى القضاء على رواتب الجنود وتدمير الروح المعنوية"، إضافة إلى تعريض واحدة من القوى القليلة التي توحد لبنان لخطر التدهور، في ظل تصاعد التوترات وازدياد فقر السكان.

ويعتقد آرام نركيزيان، كبير مستشاري برنامج الشؤون المدنية والعسكرية (العربية)، في "مركز كارنيغي للدراسات"، أن هذا التراجع "قد يكون مؤشراً لنوع من عدم الاستقرار لم يشهده لبنان منذ أن أطاحت النخب السياسية بالقوات المسلحة في السنوات الخمس التي سبقت الحرب الأهلية 1975-1990".

وحذر نركيزيان من أن تدهور الجيش اللبناني سيسمح لـ"حزب الله" بأن يسيطر على المشهد بشكل أكبر، وهي نتيجة لا تريد الكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة، أن تسير البلاد نحوها، وفق قوله.

قائد الجيش يدق ناقوس الخطر

قائد الجيش اللبناني، جوزيف عون، دقّ ناقوس الخطر خلال خطاب ألقاه أمام عدد من الضباط في مارس الماضي، وفي وصف غير مسبوق بالنسبة لمؤسسة عسكرية تكاد تكون الوحيدة خارج السياسة في لبنان، قال عون إن "الجنود يعانون وجوعى مثل باقي الناس".

وبحسب الوكالة الأميركية، "رغم أنه غير مسموح لضباط الجيش الإدلاء بتصريحات سياسية، غير أن عون انتقد صراحة القيادة السياسية التي أُصيبت بالشلل بسبب الصراعات الداخلية ولم تفعل شيئاً جدياً لمعالجة الأزمة"، وأضاف "ماذا تنتظر (القيادة)؟ ما الذي تخطط أن تفعله؟ لقد حذرنا أكثر من مرة من مخاطر الوضع".

ونقلت "أسوشيتد برس" عن مسؤول عسكري كبير في لبنان، أن الوضع الاقتصادي أثر بشكل كبير على الروح المعنوية للجيش. وقال "ليس هناك شك في وجود استياء كبير بين صفوف العسكريين".

وأشار المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى أن "لدى الجيش واجبات كثيرة، بما في ذلك الحفاظ على الاستقرار الداخلي"، موضحاً أن "القيادة قلقة بشأن تطورات الوضع الأمني ​​على الأرض والقدرة على التعامل مع ذلك"، واعتبر أن "دعم الجيش أمر حاسم لتجنب وقوع لبنان في الفوضى".

تراجع رواتب الجنود

بعد عقود من الفساد وسوء الإدارة من قبل النخبة السياسية، بدأ الاقتصاد اللبناني بالتفكك في أكتوبر 2019، حيث انهار القطاع المصرفي وفقدت العملة حوالي 90% من قيمتها مقابل الدولار في السوق السوداء، وكانت النتيجة أن أكثر من نصف سكان البلاد سقطوا في براثن الفقر.

وعلى نفس القدر من الضرر، تُضيف الوكالة الأميركية، طالت التداعيات المالية أفراد الجيش اللبناني البالغين 80 ألفاً، إذ كان الجندي يتقاضى قبل الأزمة ما يعادل 800 دولار شهرياً، لكن انخفض الرقم الآن إلى ما دون الـ 100 دولار أميركي (بالليرة اللبنانية). وهذا ينطبق أيضاً على حال الضباط، فرغم أن رواتبهم أعلى، لكن قيمتها تراجعت إلى حوالي 400 دولار شهرياً.

وفي محاولة لتخفيض نفقاته، أعلن الجيش اللبناني العام الماضي أنه سيتوقف عن تقديم اللحوم في وجبات الجنود أثناء الخدمة، ورغم أنه لا يزال يُقدم علاجاً طبياً مجانياً لعناصره، لكنهم يقولون إن جودتها تدهورت بشكل حاد.

وتحدث لـ"أسوشيتد برس"، جندي لبناني يبلغ 24 عاماً، استقال من الجيش في مارس الفائت بعد 5 سنوات من الخدمة، قائلاً إن "الروح المعنوية تحت الأرض".

وأوضح الجندي الذي اشترط عدم كشف هويته "خشية الانتقام"، أن راتبه آنذاك (1.2 مليون ليرة لبنانية)، بالكاد كان يكفي للطعام والسجائر والمواصلات.

"رحيل ضباط رفيعي المستوى"

في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية 1975، والتي امتدت 15 عاماً، انقسم الجيش على أسس طائفية، قبل أن يتم إعادة لم شمله أوائل التسعينيات تحت قيادة الجنرال إميل لحود، الذي أصبح في ما بعد رئيساً للبلاد.

وأصبح الجيش اللبناني إثر استقرار البلاد واحداً من أفضل الجيوش احترافاً في الشرق الأوسط، بحسب "أسوشيتد برس"، حيث منحته الولايات المتحدة أكثر من ملياري دولار منذ عام 2007، على أمل بناء قوة مضادة لـ"حزب الله".

وقال آرام نركيزيان، الباحث في "كارنيغي": "في حين أن حالات الفرار الإجمالية من الجيش اللبناني لا تزال منخفضة نسبياً، لكن هناك حالات متزايدة من التقصير في أداء الخدمة"، لافتاً إلى أن "السنوات الثلاث الماضية شهدت بعضاً من أكبر معدلات التناقص في أعداد الجنود، حيث يختار البعض ترك الجيش نتيجة الضغوط الاقتصادية".

ويرى نركيزيان أن "الأمر الأكثر إثارة للقلق هو فقدان ضباط وضباط صف رفيعي المستوى".

الحفاظ على المؤسسة العسكرية

على عكس السياسيين الذين لا يزالون عاجزين عن الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، يُعد الجيش اللبناني إحدى مؤسسات الدولة القليلة التي تحظى باحترام وتقدير على المستوى الشعبي.

وخلال المظاهرات التي اجتاحت البلاد أواخر 2019 ضد النخبة السياسية الفاسدة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لجنود لبنانيين تغلب عليهم العاطفة وهم يواجهون المتظاهرين.

ويعتقد إلياس فرحات، وهو لواء متقاعد بالجيش اللبناني يعمل حالياً باحثاً في الشؤون العسكرية، أن "سيناريو الانهيار غير ممكن الآن"، معتبراً أن ما يحدث "ليست أزمة جيش بل أزمة بلد". وقال "في الماضي كانت هناك مشاكل أمنية كبيرة أثرت على الجيش، وأدت إلى تفككه (في إشارة إلى الحرب الأهلية) لكن اليوم ليس هذا هو الحال".

وخلال لقائه ضباط الدورة 35، في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان في الريحانية، قال العماد جوزيف عون إن "الجيش اللبناني هو المؤسسة الوحيدة التي لا تزال واقفة على قدميها في البلاد. الشعب يحبنا ومعنا وكذلك المجتمع الدولي. لا يجب أن نُفرط بهذا، وعلينا أن نكون على قدر المسؤولية".

تصنيفات