فورين بوليسي: تدخل واشنطن في هايتي سيُسبب كارثة جديدة

time reading iconدقائق القراءة - 10
جنود أميركيون لدى وصولهم إلى مطار بورت أو برنس - 3 أكتوبر 1994 - AFP
جنود أميركيون لدى وصولهم إلى مطار بورت أو برنس - 3 أكتوبر 1994 - AFP
دبي – الشرق

انتقد الكاتب الأميركي جوناثان كاتس دعوات إلى تدخل عسكري للولايات المتحدة في هايتي، بعد أيام على اغتيال الرئيس جوفينيل مويس، محذراً من أن ذلك قد يسفر عن "كارثة" أخرى.

وطلب رئيس الوزراء الهايتي بالوكالة، كلود جوزيف، من الولايات المتحدة ومجلس الأمن، إرسال قوات إلى بلاده، خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي.

ولم يستبعد البيت الأبيض إمكان نشر قوات في هايتي، علماً بأن مسؤولين أميركيين ذكروا أن وزارة الدفاع (البنتاغون) لا ترى ضرورة لذلك. وأرسلت الولايات المتحدة أقلّ من 12 عسكرياً إلى بورت أو برنس، لتعزيز أمن سفارتها، بعد اغتيال مويس، كما أفادت وكالة "رويترز".

كاتس، الذي أعدّ كتاباً بعنوان "الشاحنة الضخمة العابرة: كيف جاء العالم لإنقاذ هايتي وترك وراءه كارثة"، لفت إلى أن تلك الدعوات بدأت قبل أن "يجفّ دم" مويس.

وأشار إلى بيان أصدره مجلس تحرير صحيفة "واشنطن بوست"، يدعو إلى "تدخل دولي سريع وقوي" في هايتي، وإلى تحذير المعلّق السياسي ديفيد فروم، الذي اتهمه بالمساهمة في الترويج لغزو العراق، بوصفه كاتب خطابات الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، من أن "ما يحدث في هايتي، لا يبقى في هايتي".

التدخل الأميركي "فكرة رهيبة"

وكتب كاتس في مجلة "فورين بوليسي"، أن التدخل الأميركي في هايتي سيكون "فكرة رهيبة لعدة أسباب"، مضيفاً: "بينما يتخلّى البيت الأبيض عن مشروع فاشل لبناء دولة في أفغانستان، يبدو كأنه لا يسعى كي يظهر وكأنه يدخل مشروعاً آخر في منطقة البحر الكاريبي".

واعتبر أن معظم الأشخاص الذين يناقشون هذا الأمر، يطرحون "السؤال الخطأ"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة منخرطة بشدة" في تلك الدولة، ومشيراً إلى وجوب التساؤل بشأن "كيفية إسهام التورّط الأميركي، في حدّ أدنى، في التمهيد للأزمة التي تعصف بها الآن".

وذكّر بأن أول غزو أميركي لهايتي حدث في عام 1915، وكان سببه اغتيال رئيس تلك الدولة آنذاك، في وقت كانت الولايات المتحدة تسعى إلى "توسيع نفوذها في العالم، سياسياً وتجارياً".

ولفت كاتس إلى أن هايتي، التي نالت استقلالها عن فرنسا، في عام 1804، هي "أول دولة في العالم تلغي العبودية"، معتبراً أن "أصحاب البشرة البيضاء ارتجفوا من فكرة تأسيس جمهورية، يديرها أشخاص من البشرة السمراء حرّروا أنفسهم".

وأضاف أن الولايات المتحدة تجاهلت "مبدأ مونرو" الذي أقرّته، ويعارض التدخل الأوروبي في نصف الكرة الغربي، عندما فرضت فرنسا، تحت تهديد السلاح، تعويضات على حكومة هايتي، في عام 1825، أدت إلى إفلاس الدولة، وإرغامها على نيل قروض ضخمة من مصارف، فرنسية وألمانية وأميركية.

وبذريعة ضمان سداد تلك القروض، وصلت فرقة من مشاة البحرية الأميركية (مارينز) إلى بورت أو برنس، في ديسمبر 1914، ودهمت المصرف المركزي وأخذت نصف احتياطي الذهب في البلاد، ونقلته إلى وول ستريت.

واستقال رئيس هايتي بسبب الفضيحة، وأثار بديله، فيلبران غيوم سام، غضباً عاماً نتيجة استعداده للتعامل مع الأميركيين، ما أدى إلى اندلاع تمرد في شمال البلاد. وعندما أعدم سام مشبوهين بالتآمر عليه، في بورت أو برنس، طارده أقاربهم الغاضبون إلى مقرّ المفوضية الفرنسية، وقتلوه.

وذكر كاتس أن الرئيس الأميركي آنذاك، وودرو ويلسون، استغلّ مقتل سام كذريعة لغزو شامل، بعدما أكد مساعدوه أن السيطرة العسكرية ضرورية لضمان السلام، والاستقرار، والازدهار لشعب هايتي. واحتلت قوات مشاة البحرية الأميركية هايتي لنحو عقدين، "بمزيج من الأبوية والوحشية".

وأضاف كاتس أن الاحتلال الأميركي "لم يحقق الوعود بتحقيق السلام والازدهار"، بل الأهداف الأميركية الأساسية، المتمثلة في "إبعاد النفوذ الأوروبي، وتأسيس شركات تصدير أميركية مربحة، وملء خزائن (سيتي بنك) ومصارف أميركية أخرى، وإنشاء دولة تابعة لحماية ممرّ بحري حيوي لقناة بنما المشيّدة حديثاً".

وأشار إلى أن قوات "المارينز" أبدلت جيش هايتي بشرطة عسكرية تابعة لها، وأعادت فرض عمالة قسرية، وغير مدفوعة الأجر، وتتم تحت تهديد السلاح، لتشييد نظام طرق يضمن السيطرة العسكرية والتجارية.

اضطرابات سياسية وعسكرية

وتابع أن الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت سحب قوات بلاده من هايتي، في عام 1934، فيما بلغ التدخل الأميركي أدنى مستوياته، بين عامَي 1957 و1971، "خلال ديكتاتورية فرانسوا دوفالييه، الذي صوّر نفسه على أنه حليف ضروري ضد الشيوعية، وخصوصاً في كوبا المجاورة، وأقنع المسؤولين الأميركيين بالامتناع عن انتقاده، وأحياناً دعم وحشيته ضد الشعب الهايتي".

وحظي جان كلود دوفالييه، نجل فرانسوا وخليفته، بدعم أميركي، خصوصاً إدارة الرئيس رونالد ريغان، إلى أن أُطيح به في تمرد شعبي عام 1986، وفرّ إلى المنفى على طائرة لسلاح الجوّ الأميركي.

وبعدما أسفرت أول انتخابات حرة، بعد عهد أسرة دوفالييه، في عام 1990، عن فوز "اليساري" جان برتراند أريستيد، أُطيح به في انقلاب دبّره ضباط هايتيون، بعضهم يتلقى رواتب من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وفق كاتس.

وأُعيد أريستيد إلى الحكم، في عام 1994، بعد غزو أمر به الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، قبل إقصائه مجدداً، في انقلاب ثانٍ عام 2004، كان مدبّروه مدعومين من عناصر في إدارة جورج بوش الابن، ومعهد تابع للسيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين.

وبعد فرار أريستيد على طائرة أميركية، أمر بوش بغزو آخر، نُفذ بمساعدة كندية وفرنسية. وبعد فترة وجيزة، سلّمت القوات الأميركية السيطرة العسكرية لقوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، استمرت في هايتي حتى عام 2017، وغادرت المهمة التي تلتها، البلاد قبل سنتين، كما كتب كاتس.

"القرن الأميركي" في هايتي

واتهم الكاتب الولايات المتحدة وحلفاءها بتعمّد إضعاف حكومات هايتي، لافتاً إلى أن "التاريخ، إضافة إلى سجل الولايات المتحدة في إثارة انقلابات والتخطيط لاغتيال رؤساء أجانب في أماكن أخرى، دفعا بعضهم إلى التساؤل" عن احتمال تورّط مسؤولين حكوميين أميركيين في اغتيال مويس، ومستدركاً أن لا دليل يثبت ذلك، لا سيما أنه كان حليفاً لواشنطن.

ورأى كاتس أن "الخطوط العميقة للأزمة تصبح أكثر وضوحاً"، إذا قيست بمنظور "القرن الأميركي" في هايتي. واعتبر أن حلّ الأزمة "يجب أن يأتي من داخل هايتي"، لا من رجال أعمال تجمعهم علاقات دافئة بزعماء أميركيين، أو ساسة فاسدين "أمضت الولايات المتحدة عقوداً في تعزيز مكانتهم".