ماذا يحدث في شرق السودان؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
أنصار  "المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة" في مدينة بورتسودان- 26 سبتمبر 2021. - AFP
أنصار "المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة" في مدينة بورتسودان- 26 سبتمبر 2021. - AFP
دبي-الشرق

تعيش منطقة شرقي السودان على وقع توترات جديدة، بتصاعد الاحتجاجات ضد اتفاق للسلام، وقعته الحكومة الانتقالية مع بعض الحركات المسلحة العام الماضي، في وقت يستمر الانقسام بين المكونات القبلية بشأن الاتفاق.

ويضم شرق السودان ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف، وهي من أفقر مناطق البلاد، بالرغم من أنها تتميز بموقع استراتيجي، وتمر عبرها أبرز سلاسل الإمدادات.

ومنذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، ظل شرق السودان مصدراً للتوترات في البلاد، قبل أن تزداد وتيرتها بعد توقيع الحكومة الانتقالية اتفاق جوبا للسلام مع الجبهة الثورية، التي تنضوي تحت مظلتها حركات مسلحة وتنظيمات سياسية.

وجاء الاتفاق بـ5 مسارات تفاوضية، ضمنها "مسار شرق السودان" الذي يحدد كيفية تقاسم السلطة والثروة في ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف.

وكان شرق السودان ممثلاً في المفاوضات بـ"مؤتمر البجا المعارض" و"الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة"، وكلاهما انضم إلى "الجبهة الثورية"، التي وقعت على اتفاق السلام مع الحكومة الانتقالية.

لكن بعض المكونات القبلية في شرق السودان اعترضت على صيغة الاتفاق، ورفضت تطبيقه، وأعلنت منذ أكتوبر 2020 التصعيد، بالاحتجاجات وإغلاق المنشآت الحيوية، للضغط على الحكومة الانتقالية، من أجل إلغاء "مسار شرق السودان" والتفاوض على اتفاق جديد.

تعقيدات اجتماعية

تحتضن منطقة شرق السودان قبائل متعددة، تنقسم إلى قسمين، الأول يضم قبائل من قومية "البجا"، والثاني من أصول عربية وغيرها خالطت "البجا" في المنطقة.

وتعد "الهدندوة" أكبر قبيلة في قومية "البجا" بالسودان، ولا تتفوق عليها قبيلة أخرى من ناحية وفرة الموارد المادية والحيوانية والأراضي.  

وتنحدر قبيلة "الأمرار" أيضاً من نسل "البجا"، وتسكن المنطقة الجبلية على الضفة الغربية للبحر الأحمر، ويطلق على منطقتهم اسم "عتباي"، فيما يوجد مقرهم الرئيسي في "أرياب".

"الحباب" كذلك قبيلة رئيسية من قبائل "البجا"، تمتعت بالنفوذ لمدة طويلة، وامتدت سيطرتها على سواحل البحر الأحمر، لتغطي مساحات شاسعة من الأراضي الواقعة بين "سواكن" و"مصوع".

أما القبائل التي تنحدر من أصول أجنبية، وتأثرت بقبائل "البجا" في شرق السودان، فتضم قبيلة "البني عامر"، التي تنحدر أصولها من إريتريا، إضافة إلى قبائل "البشاريين" و"العبابدة" و"الرشايدة" التي تعود جذورها إلى دول عربية، أبرزها الأردن.

كما يضم شرق السودان كذلك قبيلة "النوبة"، وهي في واقع الأمر خليط من عشرات القبائل، وتعود أصولها إلى مملكة كوش التي بسطت نفوذها على مناطق شاسعة في السودان خلال القرن الثامن الميلادي.

وكانت "النوبة" تستوطن منطقة كردفان، ولكن نتيجة للهجمات المتتالية من مختلف القبائل العربية، التي غزت السودان منذ بداية القرن السادس، نزحت إلى الجبال التي تقع جنوب الولاية، التي أصبحت تعرف باسم "جبال النوبة".

صراع قبلي 

وترتبط أزمة شرق السودان في جوهرها بصراعات قبلية متعددة، أبرزها الصراع على قيادة الإقليم بين قبيلتي "الهدندوة" الرافضة لاتفاق مسار الشرق، و"البني عامر" المؤيدة لنتائج الاتفاق، فيما تبقى معظم القبائل من أصل عربي بعيدةً عن الصراع.

ويقود التصعيد المناهض للاتفاق "المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة" في شرق السودان، ويترأسه محمد الأمين ترك، الذي هو أيضاً ناظر قبيلة "الهدندوة" منذ عام 1992، وسياسي بارز، إذ كان عضواً فاعلاً في حزب "المؤتمر الوطني"، الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

ويضم المجلس، الذي يوجد مقره في بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر، قبائل "الهدندوة" و"الأمرار" و"البشاريين" و"العبابدة"، إضافة إلى عموديات مستقلة هي "الأرتيقة، الحساب، الشياياب، الكميلاب، الأشراف، النوراب وعمودية سواكن بإقليم البجا".

وبدأ "المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة" في الدعوة إلى الاحتجاجات، بعد يوم واحد من توقيع الاتفاق في 3 أكتوبر الماضي، إذ طالب بإلغاء "مسار الشرق" واستبداله بمنبر جديد، أُطلِق عليه "منبر الشرق".

ويعود الرفض إلى مزاعم بأن الموقّعين على الاتفاق لا يمثلون شرقي السودان، وأن الاتفاق لا يلبي تطلعات سكان المنطقة، في ما يتعلق بتقاسم السلطة والتنمية.

وأعلن "المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة" في شرق السودان، منتصف سبتمبر الجاري، تصعيداً جديداً، بإغلاق خط نقل البترول من مدينة هيا إلى العاصمة الخرطوم، وإغلاق مطار مدينة بورتسودان، إضافة إلى ميناء بورتسودان، وحركة القطارات وطرق رئيسة.

من يؤيد الاتفاق؟

بالمقابل، لا تشارك في التصعيد، قبائل أبرزها "البني عامر"، التي يقودها الناظر على إبراهيم دقلل، وقبيلة "الحباب" التي يقودها الناظر كنتيباي حامد.

وتنضوي معظم القبائل التي تؤيد اتفاق السلام تحت لواء "المجلس الأعلى للإدارة الأهلية بشرق السودان"، الذي يوجد مقره بولاية كسلا. ويضم نحو 17 قبيلة، أبرزهم "البني عامر" و"البشاريين".

ودعا المجلس، السبت، في مؤتمر حاشد، إلى الالتزام بالتنفيذ الفوري لاتفاق مسار شرق السودان، وذلك رداً على الاحتجاجات التي يقودها "المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة".

وقال أسامة سعيد، الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية لـ"الشرق" عقب مؤتمر السبت، إنه على الحكومة الاضطلاع بمهامها في بسط الأمن بشرق السودان، و"إعمال سلطة القانون وفرض هيبة الدولة، لوضع حد للأحداث في بورتسودان، ومنع غلق الطرق وتعطيل المؤسسات الحيوية".

وأشار سعيد إلى أن الاجتماع شهد "حضوراً جماهيرياً غير مسبوق"، بمشاركة نظار وأمراء وسلاطين القبائل والعشائر والعائلات شرق السودان.

وأوضح أن "اللقاء الجماهيري جاء تأكيداً لدور الإدارة الأهلية في ترسيخ مبادئ التعايش السلمي وتعزيز السلم المجتمعي". 

مضامين "مسار الشرق"

في نهاية عام 2019، خرجت تظاهرات كبيرة في شرق السودان، وخصوصاً مدينة كسلا، رفعت مطلب حق تقرير المصير للإقليم، في أول مطالب بالانفصال عن السودان في ظل الحكومة الانتقالية التي تضع على رأس أولوياتها ملف السلام وإنهاء الصراعات المسلحة.

وتُجمع القوى المؤثرة في شرق السودان على وجود تهميش حاد للمنطقة، إلا أنها تختلف بشأن المطالبة بحق تقرير المصير.

وفي 21 فبراير 2020، توصل مجلس السيادة الانتقالي إلى اتفاق مع "مؤتمر البجا المعارض" و"الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة"، باعتبارهما ممثلين لشرق السودان

وتم التوقيع على اتفاق "مسار شرق السودان" في اليوم ذاته، وهو ما مهّد لتضمينه ضمن اتفاق السلام الشامل، الذي تم توقيع عليه بجوبا في 3 أكتوبر 2020.

ونص اتفاق "مسار شرق السودان" على تخصيص 30% من المناصب لكل من "مؤتمر البجا"، و"الجبهة الشعبية"، لتمثيلهما على المستويين التشريعي والتنفيذي في ولايات الشرق الثلاث.

كما نص الاتفاق على إجراء التحقيقات والمحاكمات العادلة، وتشكيل لجان تحقيق مستقلة للبحث في التجاوزات التي جرت في الإقليم منذ عام 1989.

وعلى رأسها ما يعرف بـ"مجزرة بورتسودان" عام 2005 التي ارتكبها نظام الرئيس السابق عمر البشير بحق ناشطين من البجا في المدينة، إلى جانب أحداث الاقتتال الأهلي التي بدأت في يونيو 2019.

 مؤتمر جامع

وأعلن مجلس السيادة السوداني في بيان، الأحد، زيارة وفد حكومي برئاسة عضو المجلس الفريق شمس الدين الكباشي، إلى مدينة بورتسودان في إطار مبادرة لحل الأزمة التي يشهدها شرق السودان هذه الأيام. 

وأفادت وكالة الأنباء السودانية أن الوفد التقى في اجتماع مشترك مع اللجنة الأمنية في ولاية البحر الأحمر ( المسؤولة عن إدارة الملف الأمني في الولاية، ويرأسها الوالي)، و"المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة"، الذي يمثل المحتجين.

وقال المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة" في بيان، إنه تم الاتفاق خلال الاجتماع على استمرار "الاعتصام" في شرق السودان وإغلاق المنشآت، باستثناء السماح بتدفق البترول الخاص بجنوب السودان  عبر ميناء بشاير الواقع بشرق السودان.

وأضاف بيان المجلس أنه طلب مهلة أسبوع واحد من أجل التشاور بشأن المقترحات التي قدمها الوفد الحكومي لحل الأزمة.

وشملت المقترحات التي قدمها الوفد الحكومي عقد "مؤتمر جامع لأهل شرق السودان تكون مخرجاته ملزمة للحكومة وأهل شرق السودان". 

 وأكد رئيس الوفد ضمان الحكومة "أمن الحراك الأهلي للمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، وعدم التعرض له من أي جهة حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن القضايا العالقة"، بحسب وكالة أنباء السودان.

ونقلت الوكالة عن رئيس مجلس نظارات البجا، الناظر محمد الأمين "قبوله المبدئي" بالمقترحات التي قدمها الوفد الحكومي، وطلب إمهالهم مدة أسبوع للتشاور مع التنسيقيات المتحالفة مع المجلس التي لم تحضر الاجتماع.