وحدة أم جمود سياسي.. ماذا بعد فوز القوميين في انتخابات أيرلندا الشمالية؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
ميشيل أونيل نائبة زعيم حزب "شين فين" تتحدث في مركز إحصاء في ماجيرافيلت، أيرلندا الشمالية، 7 مايو 2022. - REUTERS
ميشيل أونيل نائبة زعيم حزب "شين فين" تتحدث في مركز إحصاء في ماجيرافيلت، أيرلندا الشمالية، 7 مايو 2022. - REUTERS
دبي-الشرق

تعيش أيرلندا الشمالية "لحظة حاسمة" في تاريخها، بعدما أسفرت الانتخابات البرلمانية عن فوز حزب "شين فين" القومي، الذي يطالب بوحدة أيرلندا.

ودعت ميشيل أونيل نائبة رئيسة الحزب لمناقشة إنشاء "أيرلندا موحدة"، في إشارة لإمكانية الاستقلال عن بريطانيا والتوحد مع جمهورية أيرلندا. لكن رفض الحزب الوحدوي تشكيل حكومة قبل تعديل اتفاق "بريكست" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) يهدد بدخول المقاطعة حالة من الجمود السياسي قد تدفع لعقد انتخابات جديدة.

وأظهرت النتائج الرسمية حصول حزب شين فين على 29% من الأصوات، مقابل 21.3% للحزب الاتحادي الديمقراطي الموالي لبريطانيا. وقالت أونيل عقب ظهور النتيجة: "يمثل اليوم لحظة تغيير مهمة للغاية. إنها لحظة حاسمة في سياستنا ولشعبنا"، مضيفة أنه يجب أن يكون هناك الآن "نقاش صادق" بشأن هدف الحزب المتمثل في توحيد الإقليم مع جمهورية أيرلندا، بعد قرن على إلحاقه بالتاج البريطاني.

وتعد هذه المرة الأولى خلال 100 عام التي يتصدر فيها حزب "شين فين" الانتخابات؛ وهو يمثل الواجهة السياسية السابقة للمنظمة شبه العسكرية للجيش الجمهوري الأيرلندي.

آمال الوحدة

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تحدثت عن "زلزال انتخابي" في أيرلندا الشمالية، التي "اقتُطعت من جمهورية أيرلندا قبل قرن، من أجل حماية حقوق سكانها الذين يغلب عليهم البروتستانت، ويُؤيّدون بريطانيا".

وأضافت أن "وجود حزب قومي على رأس القيادة في أيرلندا الشمالية سيثير آمالاً جديدة بالوحدة الأيرلندية، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى عودة الاضطرابات بين الكاثوليك والبروتستانت".

ونقلت الصحيفة عن ديارميد فيريتر، أستاذ التاريخ الأيرلندي الحديث في "جامعة كوليدج" دبلن، قوله: "بالنسبة إلى القوميين الذين أقاموا في أيرلندا الشمالية منذ عقود، يشكّل كون الشين فين أكبر حزب، لحظة عاطفية".

وعلى الرغم من الحديث بشأن الانفصال عن بريطانيا، إلا أنه يبدو سيناريو بعيد المنال، باعتبار أن الاستفتاء المطلوب لنيل الاستقلال يخضع لتقدير الحكومة البريطانية، ومن المحتمل ألا يجري قبل عدة سنوات.

الاقتصاد أولاً

لكن مسألة الاستقلال لا يبدو أنها تتخطى في الأهمية الصعوبات الاقتصادية، إذ أكدت نائبة زعيمة حزب "شين فين" في تصريحاتها أن أولى الأولويات يجب أن تكون التصدي لغلاء المعيشة في المملكة المتحدة.

وقالت أستاذة العلوم السياسية في "جامعة كوينز" في بلفاست كايتي هايوارد لوكالة "فرانس برس" إن "نجاح شين فين مردّه ضعف النزعة الاتحادية في توقيت تشهد فيه المملكة المتحدة تغييراً حقيقياً في مرحلة ما بعد بريكست".

وأشارت إلى أن هذا النجاح "لا يعكس تغييراً جذرياً للآراء في أيرلندا الشمالية لصالح إعادة توحيد الجزيرة". كما لمحت إلى تشرذم أصوات الناخبين الوحدويين وإلى تقدم حزب "تحالف" الوسطي.

وعلقت الوزيرة الأولى في اسكتلندا نيكولا ستورجن، المؤيدة للاستقلال عن المملكة المتحدة، على تقدم حزب "شين فين" في أيرلندا الشمالية، وقالت إن ذلك الفوز أظهر أن هناك "شكوكاً كبيرة" بشأن مستقبل بريطانيا "ككيان سياسي"، في ظل الأداء القوي للقوميين في اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية.

الحكومة المرتقبة

وبعد فوز "شين فين"، من المنتظر أن تصبح زعيمته رئيسة للحكومة المحلية، التي ينص اتفاق السلام المبرم في عام 1998 على أن يتقاسم القوميون والوحدويون السلطة فيها.

وفي حين سيكون "شين فين" قادراً على تسمية رئيس للوزراء، سيتعذّر على الحزب تشكيل حكومة تتقاسم السلطة، ما لم يوافق الوحدويون على الانضمام إليها، وقد تتجه الأمور إلى شلل سياسي تام، إذ يرفض الوحدويون المشاركة في أي حكومة من دون تعديل الاتفاق التجاري المبرم بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وقال جيفري دونالدسون زعيم "الحزب الديمقراطي الاتحادي" (داب)، أكبر الأحزاب الموالية لبريطانيا في أيرلندا الشمالية، السبت، إن الحزب سيقرر في الأسبوع المقبل ما إذا كان سيواصل المشاركة في حكومة لتقاسم السلطة في الإقليم، بعد أن تعلن الحكومة البريطانية خططها في ما يتعلق بخلافها التجاري مع الاتحاد الأوروبي، وذلك بعدما أقر دونالدسون بهزيمة حزبه.

وسبق أن قال دونالدسون إن المشاركة في أي حكومة في الإقليم تعتمد على إصلاح بروتوكول أيرلندا الشمالية، الذي يحكم التجارة في فترة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وطالب دونالدسون رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بـ"الوفاء بالتعهدات التي قطعها وباتخاذ الخطوات الضرورية" على صعيد بروتوكول أيرلندا الشمالية، داعياً الحكومة البريطانية لـ "اتخاذ خطوة حاسمة لإزالة الحدود في البحر الأيرلندي، لأننا لا نعتقد أنه من المقبول أو من الضروري إقامة نقاط للتدقيق في السلع المتنقلة ضمن المملكة المتحدة".

انتخابات جديدة

وأكد دونالدسون: "أريد (أن تتشكل) حكومة في أيرلندا الشمالية، لكن يجب أن تكون حكومة ذات أسس ثابتة". وتابع: "طيف بروتوكول أيرلندا الشمالية يلحق الضرر باقتصادنا، إنه يلحق الضرر باستقرارنا السياسي".

وحذّر القيادي البارز في الحزب الوحدوي إدوين بوتس من أن المفاوضات " مع بعض الحظ قد تستغرق أسابيع أو ربما أشهر"، في حين من المرتقب وصول الوزير البريطاني المكلف بشؤون المقاطعة براندون لويس إلى بلفاست، وفق مسؤولين أيرلنديين شماليين.

اعتبرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية أن رفض الحزب الوحدوي الديمقراطي تشكيل حكومة جديدة الأسبوع المقبل، قد يمهّد لشهور من الغموض السياسي في أيرلندا الشمالية، ربما يسفر عن تنظيم انتخابات أخرى في نهاية هذا العام أو مطلع عام 2023.

وكان الاعتراض على وضع أيرلندا الشمالية في مرحلة ما بعد "بريكست" سبباً لاستقالة رئيس الوزراء الوحدوي الديمقراطي بول جيفان في فبراير.

أسباب المطالبة بتعديل الاتفاق

تملك أيرلندا الشمالية حدوداً مباشرة مع الاتحاد الأوروبي، عبر حدودها مع جمهورية أيرلندا، وتفاوضت بريطانيا أثناء خروجها من الاتحاد على بروتوكول يتيح بشكل ما، تفادي نشوء حدود مادية بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية، من خلال إبقاء الأخيرة عملياً، جزءاً من السوق الأوروبية الموحدة.

وتنص الاتفاقية على أن تظل جزيرة أيرلندا بأكملها في السوق الموحدة مع حدود جمركية في البحر الأيرلندي، لتحتفظ أيرلندا الشمالية عملياً بقدم في كلا النظامين، البريطاني والأوروبي.

لكن عدم إقامة حدود بين أيرلندا وجارتها الشمالية، التي هي جزء من المملكة المتحدة، كان يعني أن على الاتحاد الأوروبي حماية سوقه التجارية الموحدة، عبر إقامة حدود جمركية بين أيرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة، للسلع التي تعتبر "معرضة لخطر" الانتقال إلى سوق الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى زيادة التكاليف وارتفاع أسعار المستهلكين، والغضب بين النقابيين "البروتستانت" الذين يشكلون غالبية مؤيدي الوحدويين في المنطقة.

وأدى تعطل تدفق التجارة إلى مطالب في بريطانيا بتفعيل المادة 16 من اتفاق "بريكست" التي تسمح لكلا الطرفين (بريطانيا والاتحاد الأوروبي) باتخاذ خطوات، أو ضمانات، في سياق المعاهدة، في حال أدى البروتوكول إلى خلق صعوبات اقتصادية، أو اجتماعية، أو بيئية خطيرة يمكن أن تستمر، أو أن تؤدي إلى تحويل المسار التجاري.

وقال وزير "بريكست" البريطاني ديفيد فروست، في وقت سابق إن "شروط تفعيل المادة 16 قد تحققت بسبب تعطل تدفق التجارة بين بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية"، مشيراً إلى أنه "في حال عدم التوصل إلى اتفاق في الأسابيع المقبلة، فستكون لندن مستعدة لتفعيل المادة 16 التي تسمح أحادياً بتعليق بعض جوانب البروتوكول في حال حدوث اضطرابات كبيرة".

تصنيفات