أوسكار 2023.. "كل شيء في كل مكان في وقت واحد" في نفس الفيلم 

time reading iconدقائق القراءة - 8
مشهد من الفيلم الأميركي "Everything Everywhere All At Once" - facebook/everythingeverywheremovie
مشهد من الفيلم الأميركي "Everything Everywhere All At Once" - facebook/everythingeverywheremovie
القاهرة-رامي عبد الرازق*

أكثر من 350 جائزة ترشح لها الفيلم الأميركي "Everything Everywhere All At Once" (كل شيء في كل مكان في وقت واحد)، وأكثر من 330 فوزاً، بالإضافة إلى 7 جوائز أوسكار، من أصل 11 فئة ترشح لها، فما هو سر هذا الفيلم الذي تأرجح الجمهور في تلقيه ما بين قبول واسع حد التحول إلى ظاهرة أو رفض ونفور ودهشة من عدد الترشيحات والجوائز؟.

هو فيلم يحتوي على كل شيء تقريباً في سياق النوع أو في سياق كونه عابر للأنواع، هو فانتازيا، وخيال علمي، وكوميدي، وفلسفي ورومانسي.

إننا أمام تيمة الأكوان المتعددة -المتوازية- التي تحاول قوى شريرة أو شخصية ذات نفوذ خارق السيطرة عليها أو تدميرها، وهي تيمة شاهدناها عشرات المرات، خاصة لو أضفنا إليها أن تلك الأكوان المتوازية تحتوي على نفس شخصيات عالمنا ولكنها تعيش في سياقات حياتية أخرى.

هذه السياقات يُختلق جزءاً منها بسبب قرارت اتخذناها أو لم نتخذها في عالمنا هذا، وبالتالي ما نفعله هنا أو لا نفعله يؤدي إلى توالد عدد لا نهائي من الاحتمالات في العوالم الأخرى وهكذا.

الصوابية المتعمدة

في الحقيقة هناك أشياء أخرى يمكن لأي مهتم بالسينما أن يرصدها ويلاحظها، وقد يصفق لها أو يعتبرها تكرار حد النمطية، قصتنا قائمة على أسرة صينية من 4 أفراد تعيش في أميركا، الأم "إفلين"، ودلالة الاسم واضحة فمعناه "حواء"، وله أيضاً ترجمات مثل السلام والوئام والضوء.

ولما كنا أمام فيلم يعطي القوة للنساء على اعتبار أنهن ميزان العالم الحقيقي والعوالم المتعددة الأخرى، سواء كان هذا اتباعاً للصوابية السياسية أو سخرية منها، فمن الطبيعي أن يأتي الاسم على هذا القدر من المباشرة، خصوصاً مع رسمنا خطاً بينه وبين اسم ابنتها الوحيدة "جوي" ودلالته واضحة -المتعة أو الانبساط- رغم ما تعانيه شخصية الابنة المراهقة من كآبة شديدة سببها الأساسي، كونها مثلية الجنس وبدينة نسبياً وغير جميلة وواقعة في فجوة هوية ثقافية ما بين أصلها الآسيوي وتربيتها الأميركية كمهاجرة، وطموحها اللامنتمي إلى جغرافيا أو تاريخ، الصوابية مرة أخرى في أكثر صورها ابتذالاً عن عمد.

وفي اليوم الذي من المقرر أن تقدم فيه الأسرة كشف حساب عن ضرائبها إلى مأمورة ضرائب سكسونية الشكل والهيئة، وذلك عن مجمل أرباح ومصاريف المغسلة التي تمتلكها الأسرة -ودلالة المغسلة أيضاً واضحة خاصة أننا أمام محاولة لنشر السلام، ليس فقط في محيط الأسرة ولكن في عوالم لا نهائية تعيشها كل الشخصيات التي نراها تقريباً في الفيلم.

وفي هذا اليوم تحديداً الذي يتزامن مع ليلة رأس السنة الصينية تكتشف "إفلين" أنها واحدة من عشرات الشخصيات التي تعيش في الأكوان المتعددة، وذلك عن طريق حلول واحد من هذه الأكوان -كون ألفا- في جسد زوجها.

هذا الزوج نفسه، وهو الفرد الثالث في الأسرة سوف يتحول على مدار الفيلم إلى ما يشبه الدليل أو المرشد لـ"إفلين"، التي تكتشف أنها المختارة أو المخلصة التي يمكن أن تقف أمام قوى الشر، التي تريد تدمير العوالم المتعددة، والتي تتمثل في دائرة ثقب حلوى مستديرة سوداء من صنع ابنتها "جوي" أو "جوبي توباكو" كما يُطلق عليها في الأكوان الموازية.

ألا يذكرنا هذا بتيمة المخلص المُعلنة في عشرات الأفلام، تيمة المختار التي دارت حولها ثلاثية شهيرة مثل "Matrix".

هل هذا هو كل شيء؟

ضمن الإجابة على سؤال هل هذا كل شيء؟، يمكن القول بإن هذا الفيلم نرى فيه تجلي آخر من تجليات الثلاثية الخضراء الشهيرة، فالأم تكتشف أنها الوحيدة القادرة على مواجهة الابنة، والابنة تريد تدمير الأم عبر اصطحابها معها إلى قلب الثقب الأسود، الذي ما هو إلا دائرة عدمية تفقد الحياة معناها وأهميتها ومغزى وجودها -بحكم كون البنت نفسها تعاني من اكتئاب شديد لكل الأسباب التي ذُكرت سلفاً- وهو ما يذكرنا بعلاقة القوى المتعادلة بين "نيو" و"سميث" في "Matrix"، أو ثنائية "المسيح والشيطان" التي بنيت عليها السلسلة أساساً، ويذكرنا الزوج بحاصل ضرب العرافة في مورفيوس اللذان كانا يرشدان "نيو" نحو مفاتيح قهر المصفوفة.

يمكن أن نضيف أيضاً عناصر تذكرنا بعبثية جيم كاري في فيلمه الأشهر "The Mask" كما في أول ظهور للشريرة "جوبو"، ومواجهتها لأفراد الشرطة عن طريق تحويل نفسها وإياهم إلى راقصين سامبا ورومبا، وهو واحد من مشاهد فيلم "The Mask" الشهيرة، وهناك بالطبع استحضار مشهد العظمة من فيلم "A Space Odyssey" ولكن بدلاً من أصابع القرد العلوي، لدينا أيدي من السجق في عالم كل أفراده يملكون نقانق بدلاً من أصابعهم.

وهناك تلك اللمحات من الأيقونة الرومانتيكية "In the Mood for Love" للكوري وونج كار، خاصة في العالم الخاص بتحول "إفلين" لممثلة شهيرة وتحول زوجها -الذي لم تتزوجه في هذا العالم- إلى رجل أعمال.

إما أنها موتيفة فيلم داخل فيلم، كما نرى بالفعل "إفلين" تشاهد ما يحدث لها في عالم آخر على شاشة السينما، أو هي تحية لكل هذه الكلاسيكيات أو محاكاة ساخرة لها، أو كل هذا طالما أن لدينا محاولة لصناعة فيلم به كل شيء.

 في وقت واحد

بينما تتحول عصا رجل الأمن إلى لعبة جنسية مطاطية، أو أن يقفز أحدهم ليجلس على منحوتة تشبه القضيب كي يتمكن من تفعيل الانتقال بين الأكوان المتوازية، وغيرها من العناصر التي تلعب على وتر الكوميديا الجنسية، أو تلك التي تتجلى فيها الإفرازات البشرية وبقايا الطعام والذباب كجزء من الكوميديا المقززة، نرى شخصية "إفلين" وهي تضع عين ثالثة على جبهتها كجزء من انجلاء البصيرة، وهي العين التي كان زوجها يضعها على أكياس الغسيل في محاولة لبث روح مرحة ولطيفة في أجواء العمل مع الأخذ في الاعتبار أن الزوج نفسه يلعب دور المرشد، وبالتالي يصبح من المنطقي أن يكون هو صاحب العين الثالثة التي تضعها "إفلين" وهي تمنع ابنتها من الاستسلام لثقب العدمية الأسود.

ونرى الابنة وهي تتحول من الشكل التقليدي للشرير أو القوى العدمية المتنفذة إلى شكل تقليدي آخر، وهي الضحية التي تحولت إلى جلاد، ومن شدة الألم قررت أن تصنع حلوى تمتص الحياة كي لا يشعر أي شخص بالألم الذي تشعر به، ألم الاختلاف، فإذا كانت الحياة بلا أهمية ولا معنى فلا سبيل لأن ينفذ الألم إلى مسامنا، لأن الألم يأتي فقط من فقدان الأشياء أو الأشخاص ذوي القيمة. 

بل إن "إفلين" نفسها تتحول إلى تأصيل لنمط المخلص الذي لا يصلح أن يكون مخلص، أو اللابطل في لغة الدراما، فهي ليست بارعة في شيء ولديها أحلام لم تتحقق وأهداف لم تصل لها، ولأنها فاشلة في كل شيء، صنع هذا الفشل منها بطلة مخلصة لكل العوالم.

ربما كانت تلك واحدة من رسائل الفيلم، أنه حتى الأشخاص الذين يبدون متواضعي القيمة، أو فاشلون في (كل شيء) يمكن أن يكون فشلهم هذا مفتاح لبطولتهم، حتى ولو على مستوى غير مباشر أو على حد قول الزوج وهو يحاول شرح مغزى التوقف عن القتال في لحظة ما قبل العاصفة الأخيرة (عليك أن تكون رحيماً، خاصة في الأوقات التي لا تفهم فيها ما يحدث حولك). 

وسواء كانت تلك الرسائل جدية أو نمطية أو حتى ساخرة من منطق الرسالة والهدف -خاصة مع كم الحوارات المباشرة في السيناريو- إلا أنه من المحتمل أن اجتماع كل هذا هو ما جعل شرابه سائغاً لعدد كبير من شرائح الجمهور، وعشرات من لجان التحكيم ومانحي الجوائز الذين أعجبتهم فكرة أن يكون هناك محاولة لوضع كل شيء في وقت واحد في نفس الفيلم.   

* ناقد فني

اقرا أيضاً:

تصنيفات