لا تملك الولايات المتحدة وحلفاؤها الكثير من السبل المتاحة لكبح أنشطة إيران النووية، فقد توارت منذ فترة طويلة احتمالات نجاح المحادثات في إحراز تقدم كما يحمل تشديد الإجراءات بحق إيران في طيّاته خطر تأجيج التوتر في منطقة مشتعلة بالفعل بسبب حرب غزة.
ومع انتخابات أميركية مقررة العام المقبل بما يحد من المساحة المتاحة لدى واشنطن للمناورة، رسم 4 دبلوماسيين حاليين و3 سابقين، طلبوا عدم ذكر أسمائهم، صورة قاتمة لمساعي كبح البرنامج النّووي الإيراني الذي تقول تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إن تطوره مستمر.
ووفقاً لواحد من تقريرين سريين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، واطلعت عليهما "رويترز"، خصبت إيران الآن كميات من اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 60%، وهو مستوى يقترب من درجة نقاء لازمة لتصنيع أسلحة، وتقول القوى الغربية إن ليس له استخدام مدني، بما يكفي لتصنيع 3 قنابل نووية.
وجاء في التقريرين أن المخزون مستمر في الزيادة، رغم أن إيران تنفي باستمرار رغبتها في امتلاك أسلحة نووية.
وبعد فشله في إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في عام 2018، لا مجال الآن أمام الرئيس جو بايدن حتى لدراسة الوصول إلى "تفاهم" غير رسمي للحد من أنشطة إيران النووية في ظل احتدام الصراع وتصاعد التوتر في المنطقة.
وقال دبلوماسي أوروبي كبير: "هناك نوع من الشلل خاصة بين الأميركيين.. لأنهم لا يريدون صب الزيت على النار".
وأي مفاوضات بهدف الوصول إلى "تفاهم" مع إيران ستتطلب تقديم واشنطن تنازلات، مثل تخفيف نظام العقوبات الصارمة المفروضة على طهران مقابل الحد من أنشطتها النووية.
ويبدو أن مثل هذه الخطوة غير واردة الآن بعد أن شنت حركة "حماس" المدعومة من إيران هجوماً في 7 أكتوبر على إسرائيل حليفة الولايات المتحدة.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) إن جماعات مسلحة مدعومة من إيران في المنطقة شنت منذ ذلك الحين عشرات الهجمات على القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق وسوريا.
وعلى الصعيد الداخلي، تقيد الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي لم يبق عليها سوى عام واحد، إدارة بايدن، وقد يستغل ترمب، الذي يبدو في الوقت الحالي أنه سيكون المنافس الأرجح لبايدن، أي تعامل مع طهران، ويصوره على أنه ضعف.
وقال المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية روبرت أينهورن: "في الأجواء الحالية من غير الممكن سياسياً السعي إلى تسوية مع إيران بشأن المسألة النووية".
وأضاف: "الجدل السياسي لن يدور حقاً حول التفاوض مع إيران، بل سيكون بشأن مواجهة إيران".
عمل وكالة الطاقة الذرية
نشرت الولايات المتحدة حاملتي طائرات في المنطقة وطائرات حربية في شرق البحر المتوسط لأسباب منها تحذير إيران، لكن مسؤولين أميركيين أوضحوا أيضاً أنهم لا يريدون التصعيد، وطالبوا الجماعات المسلحة المدعومة من إيران بالتوقف عما تفعل.
وستركز الولايات المتحدة وحلفاؤها في فرنسا وبريطانيا وألمانيا من أطراف الاتفاق النووي المبرم عام 2015 على اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المقبل.
وأظهر تقريران من الوكالة هذا الأسبوع أن إيران تحرز تقدماً نووياً مطرداً، وأشارت إلى أن طهران تواصل عرقلة مراقبة الوكالة لعملها.
ولم يحظ اتفاق، تم التوصل إليه في مارس، لإعادة تركيب معدات مراقبة تشمل كاميرات أزيلت العام الماضي بطلب من إيران إلا بتنفيذ جزئي.
كما أغضبت طهران الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيضاً في سبتمبر بسحب تصاريح العمل من بعض أكثر مفتشي الوكالة خبرة بما منعهم عملياً من العمل داخل إيران.
وهددت قوى غربية في سبتمبر بإصدار قرار ملزم يأمر طهران بالتراجع عن مسارها، ويعد ذلك أحد أقوى العقوبات في جعبة مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال 4 دبلوماسيين إن من المستبعد التوصل إلى قرار الآن، لأن من الضروري تجنب التصعيد الدبلوماسي والنووي مع إيران في الوقت الذي ينصب فيه الاهتمام على الصراع بين إسرائيل وحماس.
وذكر الدبلوماسيون أن من المرجح أكثر في الوقت الحالي التحرك بشكل أقل صدامية، مثل إصدار بيان شديد اللهجة، لكنه غير ملزم بما يهدد باتخاذ إجراءات أكثر صرامة في الاجتماع القادم لمجلس محافظي الوكالة في مارس الماضي.
وقال الدبلوماسي الأوروبي البارز: "لا يمكننا أن نستصدر قراراً... إذا مررنا قراراً... سيخاطر ذلك بدفعهم (الإيرانيين) صوب الحافة... للتخصيب إلى 90%".
وتبلغ درجة النقاء المطلوب تخصيب اليورانيوم إليها لتصنيع الأسلحة النووية نحو 90%.
وذكر دبلوماسيان أن كل ما يمكن القيام به في الأشهر المقبلة هو دعم جهود رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي لتعزيز الرقابة على برنامج إيران النووي. ويسعى رئيس الوكالة إلى إعادة إمكانية عمل المفتشين في إيران قبل نهاية العام.
وقال أحد الدبلوماسيين: "من السابق لأوانه القول ما إذا كانت إيران ستصبح دولة نووية أم أنها ستبقى دولة على أعتاب ذلك كما هو الحال الآن... لكنها ستستمر في الوقت الحالي في التخصيب".