قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأمة الجزائري محمد عمرون إن استقبال الجزائر لقادة موقعين على اتفاق السلم والمصالحة في مالي لا يخرج عن إطار الوساطة لحل النزاع الجاري هناك، معرباً عن اندهاشه من اعتبار سلطات باماكو الخطوة الجزائرية تصرفاً غير ودي، رغم أن الجزائر ترأس لجنة متابعة اتفاق السلم بمالي.
واعتبر عمرون، في حديث مع "الشرق"، التوترات الدبلوماسية الأخيرة بين الجزائر ومالي بمثابة "سحابة صيف عابرة"، ناتجة عن "سوء تقدير من الجانب المالي للدور الجزائري".
وأوضح المسؤول في الغرفة العليا للبرلمان الجزائري أنها "ليست المرة الأولى التي تستمع فيها الجزائر لكل الأطراف الموقعة على اتفاق السلم في مالي ونتكلم هنا عن الحكومة المركزية ومجموعة لا تقل عن 13 حركة وقعت على الاتفاق".
وتابع عمرون: "من واجب الجزائر أن تفتح نقاشاً لإعادة تفعيل اتفاق السلام الذي مر بلحظات تلكؤ في التنفيذ".
وقال: "أعتقد أنه سيأتي يوم قريب من أجل تصحيح هذا الخطأ الناتج عن سوء في الإدراك، لأن العلاقة بين الشعبين الجزائري والمالي قوية على المستوى الاجتماعي، ولا يمكن لأحد مهما كان، سواء كان من دول تريد أن تؤجج الصراع بيننا وبين السلطات المالية الحالية، وحتى الحاكمين في مالي اليوم، لا يمكن لهم ان يفسدوا العلاقات التاريخية بين الجزائر ومالي".
وأكد عمرون أن بلاده كانت دائماً "حاضرة بدبلوماسيتها وروابطها بعيداً عن أي حسابات سياسية أو مصلحية".
توتر دبلوماسي
وتشهد العلاقات الجزائرية المالية توترات دبلوماسية، ظهرت في استدعاء وزارة الخارجية المالية سفيرها بالجزائر للتشاور، عملاً بمبدأ المعاملة بالمثل، ورداً على استدعاء الجزائر سفيرها بمالي.
واتهمت مالي الجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية، بعد ما وصفته بالأعمال غير الودية الأخيرة التي قامت بها السلطات الجزائرية، بعقد اجتماعات متكررة دون علم أو تدخل من السلطات المالية مع جهات وشخصيات معروفة بعدائها لمالي لتحت غطاء عملية السلام، وحذرت مالي من أن من شأن هذه الأفعال أن تفسد العلاقات الجيدة التي تربط البلدين.
واستقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الثلاثاء، الإمام المالي محمود ديكو رجل الدين ذو النفوذ الكبير في مالي، والمعروف بمواقف انتقد فيها المجلس العسكري في مالي.
في المقابل، ردت الجزائر على الخطوة المالية باستدعاء وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الخميس، سفير مالي بالجزائر ماهامان أمادو مايجا.
وورد في بيان للخارجية الجزائرية أن عطاف أكد للسفير المالي تمسك الجزائر الراسخ بسيادة مالي، ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها.
كما أعرب عن قناعة الجزائر العميقة بأن السبل السلمية، دون سواها، هي وحدها الكفيلة بضمان السلم والأمن والاستقرار في مالي بشكل ثابت ودائم ومستدام.
واعتبر أن المصالحة الوطنية، وليس الانقسامات والشقاقات المتكررة بين الإخوة والأشقاء، تظل الوسيلة المثلى التي من شأنها تمكين دولة مالي من الانخراط في مسار شامل وجامع لكافة أبنائها دون أي تمييز أو تفضيل أو إقصاء، وهو المسار الذي يضمن في نهاية المطاف ترسيخ سيادة مالي ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها.
وأكد وزير الخارجية الجزائري لسفير مالي أن الاجتماعات الأخيرة التي تمت مع قادة الحركات الموقعة على اتفاق السلم والمصالحة في مالي، المنبثق عن مسار الجزائر؛ تتوافق تماماً مع نص وروح هذا البيان، معرباً عن أمله في أن تنضم الحكومة المالية، التي جددت تمسكها بتنفيذ هذا الاتفاق، إلى الجهود التي تبذلها الجزائر حالياً بهدف إضفاء حركية جديدة على هذا المسار.
كما أكد أحمد عطاف أن العلاقات الكثيفة والعريقة التي تربط الجزائر بمالي، تفرض عليها بذل كل ما في وسعها لمساعدتها على درب السلم والمصالحة، الذي يبقى الضامن الوحيد لأمنه وتنميته وازدهاره، مشيراً إلى أنه بهذه الروح وفي ظلها، تواصل الجزائر تصور وتولي دورها كرئيس للجنة متابعة تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر.
اتفاق السلام
وفي بداية ديسمبر، دعت الجزائر جميع الأطراف المالية إلى تجديد التزامها بتنفيذ اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر؛ استجابةً للتطلعات المشروعة لجميع مكونات الشعب المالي في ترسيخ السلم والاستقرار بصفة دائمة ومستدامة، وذلك على خلفية انتهاء ولاية بعثة حفظ السلام الأممية بمالي (مينوسما) رسمياً نهاية هذا الشهر، بطلب من الحكومة الانتقالية المالية.
تأسست "مينوسما" في عام 2013، بهدف المساعدة على إرساء الاستقرار وحماية المدنيين، والمساهمة في جهود السلام والدفاع عن حقوق الإنسان.
وعقب شروع البعثة الأممية في الانسحاب من مالي، اندلعت في نوفمبر معارك عسكرية بين الجيش المالي وحركات أزواد، إذ يسعى الجيش المالي إلى السيطرة على القواعد العسكرية للبعثة الأممية، باعتبار ذلك حقاً سيادياً في المعسكرات التي تراها حركات الأزواد في مناطق نفوذها.
ويهدف اتفاق السلم في مالي الموقع عام 2015، والمنبثق عن مسار الجزائر؛ إلى منع انفصال إقليم أزواد عن مالي، وضمان تكفل باماكو بتنمية الإقليم المهمش، وإدماج مسلحيه في قوات الأمن والجيش، وأيضاً في المناصب المدنية مع إنشاء لجنة لمتابعة اتفاق السلام.
وتعود جذور الأزمة في مالي إلى ستينات القرن الماضي، فمنذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، شهدت المنطقة أربعة تمردات للأزواديين الذين يشكون ضعف التنمية هدفوا من خلالها للانفصال عن باماكو، كما رعت الجزائر ثلاث اتفاقات للسلام آخرها عام 2015.
وتربط الجزائر ومالي حدود برية تمتد نحو 900 كيلومتر، مما يجعل أي انفلات أمني ناتج عن الصراع المسلح بين حركات الأزواد والجيش المالي مصدر تهديد للأمن القومي الجزائري.