مع اقتراب حصول أوكرانيا على F-16.. شكوك بشأن قدرتها على تغيير المعادلة أمام روسيا

الصعوبات الفنية واللوجيستية والتطورات الميدانية تعقد حسابات كييف بشأن المقاتلات الأميركية

time reading iconدقائق القراءة - 13
مقاتلات من طراز F-16 أميركية الصنع تابعة للقوات الجوية البولندية خلال تدريبات عسكرية في منطقة خميلنيتسكي غربي أوكرانيا. 12 أكتوبر 2018 - Reuters
مقاتلات من طراز F-16 أميركية الصنع تابعة للقوات الجوية البولندية خلال تدريبات عسكرية في منطقة خميلنيتسكي غربي أوكرانيا. 12 أكتوبر 2018 - Reuters
دبي -الشرق

من المقرر أن تُحلق مقاتلة أميركية من طراز F-16، طال انتظارها في أوكرانيا خلال أسابيع، لكن المسؤولين الأوكرانيين والغربيين يحذرون من أن تلك الطائرات التي كانت كييف تطالب بها في السابق لتغيير قواعد اللعبة خلال المواجهات مع روسيا، من غير المرجح أن يكون لها تأثير فوري على ساحة المعركة، وذلك وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، في ضوء التقدم الروسي البطيء.

وبحسب تقرير نشرته الصحيفة، الأحد، هناك عدد قليل جداً من تلك المقاتلات والكثير من الدفاعات الجوية الروسية التي باستطاعتها إسقاطها، ما يعني أن مقاتلات F-16 الأولى ستعمل غالباً على تعزيز الدفاعات الأوكرانية، لإسقاط أهداف جوية مثل الصواريخ والطائرات المسيرة وغيرها، بدلاً من ضرب القوات البرية الروسية والأصول العسكرية الأخرى بالقرب من الجبهة.

وقال مسؤولون إنه من غير المرجح أن تحلق الطائرات، على الأقل في البداية، قرب خط المواجهة للقتال، ما يجعل من غير الواضح أن تكون قادرة حتى على ردع مقاتلات روسيا المهاجمة من العبور إلى أوكرانيا من المجال الجوي الروسي.

أعداد غير كافية

وتعهدت بلجيكا والدنمارك وهولندا والنرويج بتزويد أوكرانيا بـ80 مقاتلة من طراز F-16، لكن معظمها لن يصل قبل سنوات.

وبعد عرقلة طويلة لطلب كييف، لم تقدم الولايات المتحدة، التي وافقت سابقاً على نقل طائرات إلى أوكرانيا عبر حلفاء الناتو الصيف الماضي، أي مقاتلات أو تتعهد بتزويد كييف بها.

ورفض المسؤولون تحديد عدد المقاتلات التي ستتلقاها أوكرانيا هذا العام، لكنه لن يكون أكثر من سرب واحد  (حوالي 20 طائرة)، ومن المتوقع أن يكمل 6 طيارين فقط التدريب بحلول هذا الصيف، لأن البرنامج لديه أماكن محدودة وقد واجه تأخيرات.

ويُسلط الدور المحدود المتوقع للطائرات أميركية الصنع الضوء على تعميق خط الصدع بين كييف ومؤيديها الغربيين.

وقال مسؤولون أميركيون منذ فترة طويلة، إنه من غير المرجح أن تمنح طائرات F-16 المقاتلة، أوكرانيا ميزة حاسمة، بسبب الدفاعات الجوية الروسية القوية. 

ومع ذلك، يرد المسؤولون الأوكرانيون بتعبير مألوف، إذ يقولون إنه مع عدم توفير عدد كاف من طائرات F-16، كما هو الحال مع غيرها من العتاد، فإن الغرب يقدم القليل جداً، وفي وقت متأخر جداً.

وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده تحتاج إلى أكثر من 100 طائرة F-16 لمواجهة القوات الجوية الروسية الضخمة، معتبراً أن عدد الطائرات التي تتلقاها "غير كافي".

وفي وقت سابق هذا الشهر، أشار زيلينسكي، إلى أن "القرار بشأن هذه المقاتلات استراتيجي، لكن العدد ليس استراتيجياً بعد".

قيود على الاستخدام

وهناك بعض المحللين أكثر تشككاً من الرئيس الأوكراني، إذ قالت بيكا واسر، المحللة في Center for a New American Security، إن طائرات F-16 قد تكون الأكثر قوة كدفعة نفسية ومعنوية للأوكرانيين، ومصدر تخويف للمجندين الروس، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن ظروف ساحة المعركة تغيرت منذ العام الماضي عندما تم الإعلان عن قرار إرسال الطائرات.

وأضافت واسر: "لقد رأينا هذا النمط الروتيني جداً عندما يتعلق الأمر بالمعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا. هناك حاجة فورية لها. في كثير من الأحيان بحلول الوقت الذي يتم فيه تسليمها، تكون الحاجة التشغيلية الفورية لاغية وباطلة، بناءً على معدل التكيف مع ساحة المعركة".

لكن هذه المقاتلات، قد تلبي أيضاً الاحتياجات الملحة، وفق المحللة نفسها، وذلك لدورها المزدوج، المتمثل في إسقاط الطائرات المعادية، وضرب الأهداف الأرضية.

وحتى الآن، لم تكشف الدول الغربية التي تبرعت بالطائرات المقاتلة لأوكرانيا عن أي قيود على كيفية استخدامها. وفي حالات أخرى، يقتصر استخدام أوكرانيا للأسلحة الغربية لضرب أهداف في الأراضي الروسية.

وقال مسؤولون إن واشنطن اشترطت على كييف، أن تجعل إطلاق النار قاصراً على مسافة تقل عن 100 كيلومتر، أي حوالي 62 ميلاً، داخل الحدود، لافتين إلى مسألة القيود قد تكون موضع نقاش لأنه من المتوقع في البداية أن تحلق طائرات F-16 بحذر على مسافة من الجبهة.

وأوضح مسؤول دفاعي أوكراني، تحدث مثل آخرين شرط عدم كشف هويته لمناقشة مسألة أمنية حساسة، أنه تم اختيار "عشرات" الطيارين للتدريب على طائرات F-16، لكنه أشار إلى أن محدودية المدربين ومرافق التدريب أجبرت أوكرانيا على إرسال مجموعة من الطيارين والمهندسين في كل مرة.

ويسبق التدريب على العمل على هذه الطائرة، 4 أشهر من دروس اللغة الإنجليزية في بريطانيا، لتعلم المصطلحات الرئيسية، ما يجعلها عملية تستغرق عاماً على الأقل حتى بالنسبة للطيارين ذوي الخبرة.

وأضاف المسؤول الدفاعي، أن أوكرانيا لا تستطيع أيضاً التخلي عن عدد كبير جداً من الطيارين أصحاب الخبرة لمثل هذه الفترة الطويلة، لأنها بحاجة إليهم في الخدمة القتالية، بينما اعتبر مسؤول أوكراني ثان أن "القيد الرئيسي هو عدد الطائرات ووقت التدريب"، مضيفاً: "إذا كان لدى روسيا 300 (مقاتلة) ولديك أقل من ذلك بكثير، فلن تتمكن من العمل بشكل صحيح".

وتابع المسؤول نفسه "لن نستخدمها بالقرب من الروس بسبب تهديد الدفاعات الجوية. كما تفتقر أوكرانيا أيضاً إلى بعض المعدات التقنية والتدريب الإضافي لمهندسي الصيانة.

الحماية من الصواريخ الروسية

الصحيفة الأميركية ذكرت أنه في الظروف الروتينية، تحمل طائرات F-16 مجموعة متنوعة من الأسلحة التي تسمح لها باستهداف الطائرات المعادية وضرب مواقع العدو على الأرض.

لكن أولكسندر سيرسكي، القائد العام لأوكرانيا قال في مقابلة حديثة مع صحيفة "الجارديان" البريطانية، إن هذه المقاتلات ستطير على بعد 25 ميلاً على الأقل من خط المواجهة. ومن غير المرجح أن تستخدمها كييف لضرب مواقع في روسيا نتيجة لذلك.

وقال المسؤول الدفاعي الأوكراني، إن طائرات F-16 ستحمل صواريخ "جو-جو" متقدمة متوسطة المدى من طراز AIM-120K، وهي مقذوفات في فئة أوسع من الذخائر التي تطلقها أنظمة الدفاع الجوي الأرضي NASAMS التي قدمتها الدول الغربية، مشيراً إلى أن أحد أنواع الصواريخ يبلغ مداه حوالي 100 ميل، أي أطول مدى من العديد من الذخائر الأخرى، والتي تم توفيرها لأوكرانيا.

لكن المسؤول لفت إلى أن أوكرانيا لديها بالفعل عدد قليل جداً من صواريخ AIM-120، وسيتعين عليها تقسيمها بين طائرات F-16، وأنظمة الدفاع الجوي  NASAMS.

كما ستشكل حماية طائرات F-16 على الأرض تحدياً لأوكرانيا، نظراً لأن مطاراتها تقع جميعها ضمن نطاق الصواريخ الروسية التي طالت ضرباتها مؤخرا عدة طائرات تُركت مكشوفة على مدارج المطارات.

وقال المسؤول الأوكراني، إنه "من غير الممكن" أن تبني كييف حظائر خرسانية مغطاة لحماية الطائرات بشكل كامل خلال وقت الحرب. وبدلاً من ذلك، تستخدم أوكرانيا تقنيات التمويه وحتى الطائرات النموذجية في المطارات كأفخاخ خداعية.

استعداد روسيا

نقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول عسكري أوكراني كبير، قوله إن روسيا تستعد لاستلام أوكرانيا لطائرات F-16، موضحاً أنه في أواخر العام الماضي، أطلقت القوات الروسية عدة صواريخ برؤوس حربية وهمية من نظام الدفاع الجوي S-400 في دجانكوي، وهي بلدة في شبه جزيرة القرم التي تُسيطر عليها روسيا منذ عام 2014.

وأضاف المسؤول، أن القذائف وصلت إلى مدينة كريمنشوك الأوكرانية، التي تبعد أكثر من 200 ميل، مشيراً إلى أنه يشتبه في أن موسكو كانت تختبر مدى نظام S-400 لإسقاط الطائرات.

ولطالما اشتكى المسؤولون والطيارون الأوكرانيون من أسطولهم الحالي القديم من طائرات MiG-29، وSu-27، وSu-24، التي تمتلك نطاق رادار أضعف للكشف عن الأهداف (حوالي 25 ميلاً)، مقارنة بالنماذج الأحدث لنفس الطائرات الروسية.

ويمكن لرادار طائرة F-16 اكتشاف الأهداف على بعد حوالي 125ميلاً، مما يجعلها أكثر أماناً، لأن الطيارين لا يضطرون للاقتراب من الطائرات المعادية لإطلاق النار عليها.

وبينما توفر هذه المقاتلات تحسيناً، مقارنة بالطائرات الأوكرانية الحالية، إلا أنها لا تزال مقاتلة من جيل أقدم مقارنة بالقوة الجوية الروسية الأحدث والأكثر تطوراً. 

وأفادت مديرية الاستخبارات العسكرية الأوكرانية سابقاً، بأن موسكو تمتلك أكثر من 200 مقاتلة، ما يجعل أسطول أوكرانيا ضئيلاً مقارنة بذلك، ومع ضعف الدفاعات الجوية الأوكرانية في الأشهر الأخيرة، خاصة بالقرب من الجبهة، استعرض الروس قوتهم الجوية في مهام قتالية أكثر خطورة.

وقال المسؤولون، إن واحدة من أكثر الأسلحة تدميراً التي تستخدمها روسيا هي القنابل الانزلاقية الموجهة، ويكاد يكون من المستحيل على القوات الأوكرانية إسقاطها بمجرد إطلاقها.

والحل الوحيد هو استهداف الطائرات أو قواعدها، لكن المسؤولين قالوا إن تهديد طائرات F-16، يُمكن أن يخيف بعض الطائرات الروسية من الاقتراب أكثر وإسقاط القنابل.

ومنذ بداية الغزو الروسي في عام 2022، طالبت أوكرانيا بالحصول على مقاتلات من هذا الطراز، لكن الولايات المتحدة عارضت الفكرة في البداية، وفي مايو 2023، غيرت إدارة بايدن موقفها تحت ضغط كبير.

في ذلك الوقت، كان المسؤولون الأوكرانيون يأملون في الحصول عليها بسرعة، ربما في الوقت المناسب لهجومهم المضاد عام 2023، لكن سرعان ما اتضح أن الجدول الزمني كان بعيداً عن التوقعات.

وتدخلت الدول الأوروبية لتنسيق التدريب، بقيادة هولندا والدنمارك. وفي قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" الأخيرة، أصدرت الولايات المتحدة وهولندا والدنمارك، بياناً يؤكد أن "أوكرانيا ستشغل طائرات (F-16) العملياتية هذا الصيف".

ويقول المدافعون عن الخطة إنها ستساعد في موازنة القوى مع روسيا، التي استخدمت الدعم الجوي القريب للتقدم في أوكرانيا.

شكوك بشأن تأثير المقاتلات

وقال مسؤول في الناتو، لـ"واشنطن بوست"، مشترطاً عدم كشف عن هويته لمناقشة تقييمات ساحة المعركة: "عندما يمكنك فعلياً طلب الدعم القريب من الجو، فإن ذلك يمنحك ميزة كبيرة، وقدرة على تحريك خط المعركة إلى الأمام.. لذلك، فإن وصول الطائرات المقاتلة يمنح أوكرانيا بالتأكيد قدرة أكبر".

لكن هناك شكوك طويلة الأمد حول التأثير العام. ولم تبدُ الولايات المتحدة متحمسة أبداً، إذ جادلت أولاً بأن هناك أولويات أخرى، وفي الآونة الأخيرة قالت إن عدد الطيارين والدعم لن يكون كافياً لاستخدام الطائرات بفعالية.

وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الشهر الماضي، مشترطاً عدم الكشف عن هويته: "قناة التدريب ضئيلة جداً".

وذكرت ميشيل كيران، وهي قائدة سابقة لـ F-16، إن الطائرة تمثل ترقية مقارنة بالنماذج السوفيتية التي تمتلكها أوكرانيا. ويمكن لأجهزة الاستشعار والصواريخ فيها تتبع الأهداف وإطلاق النار عليها من دون أن يتمكن الطيارون من رؤيتها بأعينهم، مما يسمح لهم بالبقاء بعيداً لتجنب النيران المعادية.

وأوضحت كيران، أن أحد التحديات التي تواجه أوكرانيا هو تعقيد الطائرة F-16، والذي يتطلب نظام صيانة عميق يشمل متخصصين يركزون على المحركات والوقود والإلكترونيات، وأضافت "أعتقد أن الناس ينتظرون هذه اللحظة الحاسمة التي تصل فيها الطائرات ويتغير كل شيء، لكن الأمور لا تسير بهذه الطريقة. إنها معقدة. إنها صعبة الدعم والتشغيل. إنه أمر مثير، لكن يجب علينا التحلي بالصبر قليلاً لرؤية النتائج".

وقالت المحللة في مجال الدفاع بيكا واسر، إن هناك احتمالاً بأن تتبع طائرات F-16 مسار دبابات "أبرامز" التي قدمتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا، والتي وصل عدد محدود منها بعد تغير الظروف وكان لها تأثير قابل للنقاش على الهجوم المضاد في العام الماضي. ومع ذلك، من الممكن أن تلبي طائرات F-16 حاجة أوكرانيا لتحسين الدفاعات الجوية.

ورأت واسر أنه من المنطقي استخدام الطائرات بشكل متحفظ، مضيفة: "إذا كانت لديك هذه القدرة الفائقة، هل ستستخدمها على الفور؟ مع العلم أن هناك خطرا أكبر بفقدانها أم ستحتفظ بها وتستخدمها بحيث يكون لها قيمة استراتيجية أوسع؟".

تصنيفات

قصص قد تهمك