
قدمت المفوضية الأوروبية، الأربعاء، مشروع "الكتاب الأبيض" للدفاع، الذي تحدد فيه الثغرات الأمنية في أوروبا وأولويات إعادة تسليح القارة، وسط حالة من عدم اليقين بشأن الدعم الأميركي المستقبلي لحلف الشمال الأطلسي "الناتو".
وأشار "الكتاب الأبيض"، الذي أعدّه مفوض الدفاع في الاتحاد الأوروبي، أندريوس كوبيليوس، وكبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إلى أن أوروبا تواجه "تهديداً حاداً ومتزايداً"، بما في ذلك حرب أوكرانيا، التي وصفها بأنها "حاسمة" لمستقبل أوروبا ككل، وتزايد النفوذ الصّيني في القطب الشمالي والمحيطين الهندي والهادئ.
واعتبر الأوروبيون في كتابهم الأبيض أن "تهديدات الصين تشمل التنافس الاستراتيجي في بؤر التوتر من القطب الشمالي إلى بحر البلطيق وشمال إفريقيا"، بالإضافة إلى التحديات العابرة للحدود الوطنية، مثل التغير التكنولوجي السريع والهجرة وتغير المناخ.
خطر الصين على أوروبا
وأضافت الورقة أنه إلى جانب التهديدات العسكرية الروسية، فإن العمليات العسكرية المتزايدة للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تُسهم في "تدهور السياق الاستراتيجي".
وأشار "الكتاب الأبيض" إلى أن التداعيات الأمنية لصعود الصين، كانت "ذات طبيعة استراتيجية مماثلة" مع تحديات متجذرة في نظام الحكم "الاستبدادي وغير الديمقراطي" المختلف تماماً عن الاتحاد الأوروبي، على حد وصف الورقة التي أضافت نهج بكين في التجارة والاستثمار والتكنولوجيا يسعى إلى "تحقيق التفوق، وفي بعض الحالات الهيمنة".
واعتبرت الورقة نفسها، أن "الدول الاستبدادية، مثل الصين، تسعى بشكل متزايد إلى تأكيد سلطتها وسيطرتها على اقتصادنا ومجتمعنا. كما أن الحلفاء والشركاء التقليديين، مثل الولايات المتحدة، يُغيرون تركيزهم بعيداً عن أوروبا إلى مناطق أخرى من العالم. هذا أمر حذّرنا منه مراراً، ولكنه يحدث الآن بوتيرة أسرع مما توقعه الكثيرون".
وفي حين تُعدّ بكين شريكاً تجارياً رئيسياً للاتحاد الأوروبي، فإنّ إنفاقها الدفاعي المتزايد يُسهم في توسيع قدراتها العسكرية بسرعة، بحسب الورقة الأوروبية، والتي ترى أن ذلك "يغيّر التوازن الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بشكل كبير"، و"يُكثّف إجراءاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والسيبرانية والمعرفية لإكراه تايوان".
وشدد "الكتاب الأبيض" على أن الوضع الراهن المتغير في مضيق تايوان، وتصاعد العمليات العسكرية لبكين، يُثيران "خطرَ حدوث اضطرابٍ كبير" ذي عواقب اقتصادية واستراتيجية على أوروبا وشركائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
توسع روسيا
وبشأن روسيا، ذكر "الكتاب الأبيض" أن موسكو ستواصل توسيع نطاق اقتصادها الحربي، بدعم من بيلاروس وكوريا الشمالية وإيران.
وعززت روسيا قدرتها الإنتاجية العسكرية والصناعية بشكل هائل، حيث يُقدر إنفاقها في عام 2024 بنسبة 40% من الميزانية الفيدرالية الروسية، وما يصل إلى 9% من ناتجها المحلي الإجمالي (ارتفاعاً من 6% في عام 2023) على الدفاع.
بالإضافة إلى ذلك، أوضحت روسيا أنها، لا تزال في حالة حرب مع الغرب. وإذا سُمح لروسيا بتحقيق أهدافها في أوكرانيا، فإن طموحها الإقليمي سيمتد إلى ما هو أبعد من ذلك. وستظل روسيا تُشكل تهديداً أساسياً لأمن أوروبا في المستقبل المنظور، بما في ذلك موقفها النووي ونشرها للأسلحة النووية في بيلاروس.
وذكر "الكتاب الأبيض" أن روسيا "تستغل شبكة من عدم الاستقرار المنهجي"، بما في ذلك من خلال التعاون الوثيق مع قوى استبدادية أخرى، معتبراً أنها "تُؤجج باستمرار التوترات وعدم الاستقرار في جوار أوروبا، سواءً في غرب البلقان أو جورجيا أو مولدوفا أو أرمينيا، ولها تأثير متزايد مزعزع للاستقرار في إفريقيا".
تهديدات الحرب الهجينة
وركزت الاستراتيجية الأوروبية للدفاع أيضاًَ على التهديدات الهجينة المتنامية والهجمات الإلكترونية، والتخريب، والتدخل الإلكتروني في أنظمة الملاحة العالمية والأقمار الاصطناعية، وحملات التضليل، والتجسس السياسي والصناعي، بالإضافة إلى "تسليح الهجرة".
وتشهد أنشطة التخريب في بحر البلطيق والبحر الأسود تزايداً. وتتعرض الأنشطة البحرية والملاحية، وحركة المرور المرتبطة بها، والبنية التحتية الحيوية تحت الماء، للتهديد. كما تتعرض حرية أوروبا في العمل الجوي والفضاء لتهديد متزايد، وفق الكتاب الأبيض.
ولم تؤدِّ التنافسات الجيوسياسية إلى سباق تسلح جديد فحسب، بل أثارت أيضاً سباقاً عالمياً في مجال التكنولوجيا. وستكون التكنولوجيا السمة الرئيسية للمنافسة في البيئة الجيوسياسية الجديدة.
وذكر "الكتاب الأبيض" أن مجموعة من التقنيات الأساسية والحيوية، مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، والروبوتات، والتقنيات فائقة السرعة، تعد مدخلات رئيسية للنمو الاقتصادي طويل الأجل والتفوق العسكري. ويُعدّ تعزيز الابتكار أمراً أساسياً لتحقيق ذلك.
حماية الحدود
ذكرت استراتيجية الدفاع الأوروبية، أن الدفاع عن جميع حدود الاتحاد الأوروبي البرية والجوية والبحرية، يعد أمراً بالغ الأهمية، لا سيما فيما يتعلق بالحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي (قريبة من روسيا). ويُعدّ مشروع درع الحدود الشرقية تمريناً مهماً من قِبل عدد من الدول الأعضاء لمواجهة التحديات المتزايدة في تلك المنطقة.
وشدد "الكتاب الأبيض" على أن هذا المشروع سيحدث نظاماً متكاملاً لإدارة الحدود البرية، مُصمماً لتعزيز الحدود البرية الخارجية للاتحاد الأوروبي مع روسيا وبيلاروس ضد التهديدات العسكرية والهجينة. ويشمل ذلك مزيجاً شاملًا من الحواجز المادية، وتطوير البنية التحتية، وأنظمة المراقبة الحديثة. مجموعة الدفاع الشاملة.
وستطلق المفوضية الأوروبية حواراً استراتيجياً مع صناعة الدفاع لمناقشة التدابير الممكنة في هذه المجالات، وتحديد العقبات التنظيمية، ومعالجة تحديات صناعة الدفاع. كما ستدعو المفوضية وكالة الدفاع الأوروبية وهيئة الأركان العسكرية للاتحاد الأوروبي لمشاركة خبراتهما، حسب الحاجة. بناءً على نتائج هذا الحوار، ستقدم المفوضية خطة دفاعية مخصصة.
تعزيز الإنفاق
وفي تقريره "الكتاب الأبيض للدفاع الأوروبي، الجاهزية 2030"، بحث الاتحاد الأوروبي في سبل سدِّ فجوات القدرات الحرجة وبناء قاعدةٍ متينةٍ لإعادة تسليح الدول الأعضاء في مواجهة تهديدات الحرب في أوكرانيا والتحديات العالمية الأخرى.
كما يُشدد على ضرورة زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا وتوسيع سوق الدفاع على مستوى الاتحاد الأوروبي من خلال تبسيط اللوائح لتحسين الكفاءة والتعاون.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، طرحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، خطة بقيمة 800 مليار يورو (874.64 مليار دولار أميركي) لتعزيز الإنفاق الدفاعي بشكل كبير في جميع أنحاء الاتحاد. كما أنشأت الخطة برنامج قروض بقيمة 150 مليار يورو لمساعدة دول الاتحاد الأوروبي على الاستثمار المشترك في الأصول العسكرية الحيوية، مع التزام المفوضية بتخصيص 650 مليار يورو إضافية.
واتفق قادة الاتحاد الأوروبي، على تفعيل بند الإعفاء الوطني بموجب ميثاق الاستقرار والنمو بشكل منسق، مما يسمح بزيادة الإنفاق الدفاعي، ويوفر مرونة مالية فورية لجميع الدول الأعضاء.
وتُحدد الوثيقة 7 مجالات رئيسية للاستثمارات ذات الأولوية: الدفاع الجوي والصاروخي وأنظمة المدفعية، الذخيرة والصواريخ والطائرات المسيرة وأنظمة مكافحة المسيرات، التنقل العسكري، الذكاء الاصطناعي، والحرب الكمومية، والحرب الإلكترونية والسيبرانية، والقدرات القتالية، وحماية البنية التحتية الحيوية".