تداعيات الزلزال الأفغاني (2).. روسيا: احتواء طالبان وحماية آسيا الوسطى

time reading iconدقائق القراءة - 12
العلمان الروسي والأفغاني - "الشرق"
العلمان الروسي والأفغاني - "الشرق"
دبي -رامي زين الدين

فرضت حركة طالبان في 15 أغسطس واقعاً جديداً في أفغانستان. واقع سيدفع دول الجوار، ومن بينها روسيا طبعاً، إلى إعادة حساباتها وتحالفاتها، في ضوء مخاوف من عودة التوتر الأمني إلى المنطقة. فأين تقف موسكو من الزلزال الأفغاني؟

"روسيا مستعدة للسيناريوهات كافة"، بحسب ما صرّح به المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان زامير كابولوف الذي قال أيضاً إن بلاده "جاهزة لمختلف التطورات، وستراقب عن كثب إلى أي مدى سيكون نهج طالبان لإدارة البلد مسؤولاً".

ليست الولايات المتحدة وحدها من أخفقت في تخمين قدرة الرئيس الأفغاني أشرف غني على الصمود، فروسيا أيضاً استبعدت سقوط الحكومة الأفغانية بسرعة، بل ذهبت أبعد من ذلك قبل 10 أيام فقط من استيلاء طالبان على كابول، عندما اعتبر مسؤول كبير في وزارة الخارجية الروسية أن هجمات الحركة تفقد زخمها تدريجياً، وأن القوات الحكومية قادرة على المقاومة.

المشهد على الأرض كان مختلفاً، فسرعان ما خابت التوقعات كافة وفاجأت طالبان الجميع بدخولها القصر الرئاسي من دون قتال، بعدما غادر غني البلاد تحت جنح الظلام. 

صعود الحركات المتطرفة

وإذا كان من المرجح أن تكون روسيا سعيدة بالهزيمة الأميركية في أفغانستان، إلا أن ذلك لا يخفي مخاوفها من تداعيات عدم الاستقرار في محيطها الإقليمي. فعلى الرغم من عدم امتلاكها مصالح اقتصادية كبيرة تُذكر في أفغانستان، تتركز أبرز مخاوف موسكو على "القضايا الأمنية"، وخصوصاً بعد سيطرة حركة طالبان على السلطة.

المحلل السياسي الأفغاني محب الله شريف كشف في حديث لـ"الشرق" أن "لروسيا مصالح استراتيجية في أفغانستان، وتخشى أن يؤدي التدهور الأمني إلى وقوع حرب أهلية شاملة وتصاعد عمليات تهريب المخدرات، إذ إن 90% من الإنتاج العالمي من المخدرات ينطلق من أفغانستان". أضاف: "كذلك، تخشى موسكو حدوث موجات هجرة جماعية، إلى جانب انتشار الأيديولوجيا المتطرفة في الدول المجاورة".

وتابع شريف قائلاً: "من المهم بالنسبة لموسكو أن تتلقى تطمينات من الجهة التي ستحكم أفغانستان، بما يحفظ مصالحها وسياستها. وعلى ما يبدو، أن تلك الجهة هي طالبان في الوقت الحالي".

من جهته، قال الخبير في الشؤون الروسية أندريه أنتيكوف لـ"الشرق" إن مخاوف موسكو "تتعلق بانتقال التوتر من أفغانستان إلى دول الجوار، لاسيما في آسيا الوسطى".

تجدر الإشارة إلى أن السمؤولين الروس عبّروا عن  تلك المخاوف بشكل صريح عندما حذروا من نمو تنظيم "داعش" في أفغانستان، لافتين إلى أنه خلال "توسع التنظيم في سوريا والعراق، انضم إلى صفوفه الكثير من مواطني طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان".

وأضاف أنتيكوف أن "هناك قلقاً من أن تؤدي سيطرة طالبان المطلقة على أفغانستان إلى انضمام المتشددين في المنطقة إلى التنظيمات المتطرفة، على غرار داعش، وحزب التحرير الإسلامي، وحزب تحرير تركستان؛ مستغلين الفوضى في أفغانستان". وأشار إلى أن "روسيا لا تريد بؤرة توتر قرب حدودها أو حتى على حدود آسيا الوسطى التي تعد بمثابة الحديقة الخلفية لموسكو".

استقرار آسيا الوسطى

منذ تصعيد حركة طالبان هجماتها ضد القوات الحكومية الأفغانية في مايو الماضي، استشعرت روسيا ما يمكن وصفه بـ"الخطر القادم"، وسارعت لتكثيف تحركاتها العسكرية في الإقليم، إذ ينصب اهتمام موسكو الأكبر من الناحية الجيوسياسية على آسيا الوسطى، حيث حلفاؤها الذين لديهم حدود مباشرة مع أفغانستان ويفتقدون الإمكانات الكافية لمواجهة أي مخاطر محتملة.

المحلل السياسي الأفغاني، محب الله شريف، أشار إلى أن "لدى روسيا مصالح كبيرة في آسيا الوسطى التي تقع تحت نفوذها منذ عهد الاتحاد السوفييتي، ولا تزال إلى اليوم تحتفظ بقواعد عسكرية في قيرغيزستان".

وقال: "من المهم بالنسبة لروسيا ألا تصل المجموعات التي تصفها بالمتطرفة إلى تلك المنطقة، ومن هناك إلى داخل أراضيها وأراضي القوقاز".

يشار إلى أنه في الفترة التي سبقت سقوط كابول، أجرت روسيا مناورات عسكرية مشتركة في أوزبكستان، وكذلك فعلت لاحقاً في طاجيكستان. وصرّح الجنرال الروسي ألكسندر لابين، آنذاك، بأن نحو 2500 جندي شاركوا في التدريبات على خلفية الوضع المتدهور في أفغانستان، تحسباً لخطر توغل "جماعات إرهابية متطرفة"، على حدود دول آسيا الوسطى.

في تلك المناورات التي تركزت في منطقة خرب-ميدون الحدودية، استخدمت القوات الروسية وحلفاؤها مروحيات وطائرات مقاتلة إلى جانب أرتال من الدبابات. وكشف نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو عن حوار أمني مع تركمانستان الحدودية مع أفغانستان، على خلفية "تهديدات وتحديات مشتركة".

الرسالة التي أرادت روسيا إيصالها من المناورات العسكرية مع أوزبكستان وطاجيكستان، كما يقول أنتيكوف، هي أنها "تقف مع حلفائها في المنطقة ومستعدة لحمايتهم من أي تحديات أو تهديدات تخرج من أفغانستان، أي أن موسكو ملتزمة تجاه واجباتها في المنطقة، بما في ذلك معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) التي تضم كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأرمينيا وبيلاروسيا".

"صفقة روسية أميركية"

يخشى المسؤولون الروس، بحسب تقرير لمجلة "نيوز ويك"، انتقال التواجد العسكري للولايات المتحدة وحلف "الناتو" بعد الانسحاب من أفغانستان إلى آسيا الوسطى، ويرفضون فكرة وجود قواعد عسكرية أميركية في منطقة تحظى روسيا فيها فعلاً بصلات قوية.

وفي مقال نُشر في 28 يوليو الماضي، تحدث رئيس وزراء قيرغيستان السابق، جومارت أوتورباييف، عن "صفقة روسية أميركية" بشأن أفغانستان. وقال: "خلال قمة جنيف بتاريخ 16 يونيو الماضي، عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نظيره الأميركي جو بايدن استخدام القواعد العسكرية الروسية في طاجيكستان وقيرغيزستان من أجل تنسيق التحركات المتعلقة بأفغانستان".

وأضاف: "بالطبع، إن دوافع الكرملين لا تُعبّر عن الإيثار، فروسيا تريد أن تمنع الولايات المتحدة من بناء قواعد خاصة بها في المنطقة".

العلاقة مع طالبان

في الوقت الذي سارعت فيه الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية إلى إجلاء دبلوماسييها ورعاياها من أفغانستان بعد سيطرة طالبان على كابول، أبقت روسيا على سفارتها وأكدت أن لا داعي لإغلاقها.

وتم تفسير هذه الخطوة بوجود "تفاهمات مسبقة". وفي السياق، قال المحلل الروسي أنتيكوف: "على ما يبدو هناك ضمانات قدمتها طالبان، تتعلق بأمن السفارة الروسية في كابول".

ولاحقاً، ذكر السفير الروسي في العاصمة الأفغانية أن مسلحي طالبان "أكدوا أنه لن تُمس شعرة واحدة من رأس أي دبلوماسي روسي".

على الرغم من الإرث القديم من العداوة والحروب بين الروس والأفغان، إلا أن العلاقة بين موسكو وطالبان ليست بجديدة، وهو ما أكدته الحركة نفسها في أكثر من مناسبة، في حين ذهبت الولايات المتحدة إلى اتهام روسيا بإرسال أسلحة إلى طالبان، انتقاماً من الدور الذي لعبته واشنطن عندما موّلت المقاتلين بالسلاح والعتاد خلال الغزو السوفييتي في الثمانينات، إلى جانب رغبة الكرملين بإفشال الحرب الأميركية المتعثرة.

تجدر الإشارة إلى أن طالبان نفت بشكل قاطع أن يكون الدور الروسي يتجاوز "الدعم المعنوي والسياسي"، على الرغم من اعتراف قيادييها في تصريحات لوكالة "رويترز"، عام 2016، بإجراء اتصالات مهمة مع موسكو منذ عام 2007 على الأقل.

خلال الأشهر الأخيرة، فتحت روسيا قنوات اتصال مع طالبان وكثفت مشاوراتها مع قيادييها. وفي 7 يونيو الماضي، استضافت موسكو وفداً من الحركة، وتلقت منه تعهدات بعدم السماح لأي نشاط إرهابي من الأحزاب المتشددة، انطلاقاً من أفغانستان.

ثمة عامل آخر أسهم في تحقيق التقارب بين موسكو وطالبان، بحسب أنتيكوف، يتمثل في "العلاقات غير الودية" بين الكرملين وحكومة أشرف غني المدعومة من واشنطن، الأمر الذي قد يُفسر أن وسائل الإعلام الروسية الرسمية كانت أول من نشرت أن الرئيس الأفغاني غادر بطائرة مليئة بالنقود، محذرة على لسان مسؤولين من أن تكون "الحكومة الفارّة أخذت كل الأموال من موازنة الدولة".

وفي لقاء مع قناة "الشرق" يوم 3 أغسطس، قال المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان، محمد نعيم، إن علاقات الحركة مع روسيا "قديمة وقوية"، وأشار إلى وجود تواصل مستمر مع الكرملين، مؤكداً أن حركة طالبان "لن تُشكل أي تهديد أو خطر على الدول المجاورة لأفغانستان".

وفي تعليقه على موقف "طالبان" من التدريبات التي أجرتها روسيا وطاجيكستان وأوزبكستان على الحدود مع أفغانستان بقوام 10 آلاف جندي، لأسباب تتعلق بــ"مخاوف أمنية متنامية"، قال نعيم: "هذه أقاويل غير صحيحة، فقبل مدة قصيرة قمنا بزيارة روسيا التي تجمعنا بها علاقات واتصالات قديمة. وبحثنا القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، إذ إن كل بلد يعمل لمصالحه. وهم (روسيا) مطمئنون تجاهنا".

الاعتراف بـ"الإمارة"

من الواضح أن روسيا تريد الحصول من طالبان على ضمانات حيال المستقبل، لكن هل تستطيع التأثير على الحركة؟ لا يعتقد أنتيكوف أن ذلك وارد. ويُرجح أن "المسألة تتمحور فقط حول التواصل الدبلوماسي، إذ إن هناك مجالاً لإيجاد تفاهمات من الممكن أن تُفضي إلى نتائج مرضية للطرفين".

أما بشأن احتمال اعتراف موسكو بسلطة طالبان، إذا ما أعلنت الحركة أفغانستان "إمارة إسلامية"، فاعتبر المحلل الروسي أن "من المبكر التحدث عن الموقف حيال هذه المسألة، في حين رحّب مسؤولون روس بتشكيل حكومة مؤقتة في كابول، تضم الأطراف السياسية كافة".

وفي ما يعتلق بما إذا كانت روسيا ستُزيل طالبان من قائمة الإرهاب، بعد تصنيفها في عام 2013، أوضح أنتيكوف أن "هناك مشكلات متعلقة بهوية طالبان". وزاد: "هذه الحركة مصنفة في قوائم الإرهاب لدى الكثير من الدول، بما فيها روسيا. ولذلك ستكون (الحركة) مضطرة لإيجاد حل لهذه المشكلة".

وتابع "الكرة حالياً في ملعب طالبان، وروسيا أبدت استعدادها للتواصل مع الأطراف كافة، وتغيير مواقفها وفقاً لمصالحها".

الجدير بالذكر أن المواقف الروسية الرسمية بعد سقوط كابول، حملت إشادة مبطنة بطالبان، إذ أكد السفير الروسي في كابول، ديمتري جيرنوف، أن الحركة "أعادت فرض النظام في العاصمة، وتتكفّل بأمن السفارة الروسية"، ولكنه يرى أن "الاعتراف أو عدم الاعتراف (بحكم طالبان) يعتمد على تصرفات النظام الجديد". 

ملء الفراغ الأميركي

جُوبهت المحاولة السوفيتية للدفاع عن الحكومة الشيوعية في كابول، خلال ثمانينات القرن الماضي، بمقاومة شرسة من قبل المقاتلين المحليين والأجانب الذين تلقوا دعماً من الولايات المتحدة وباكستان ودول أخرى.

وأدى انهيار الحكومة الحليفة للاتحاد السوفيتي إلى دخول أفغانستان في حرب أهلية، استمرت حتى تأسيس حركة طالبان في عام 1994 على يد الملا عمر، عندما استطاعت الحركة اجتياح البلاد والسيطرة على معظم أراضيها، قبل أن تسقط عام 2001 في أعقاب الحملة العسكرية الضخمة التي قادتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر.

في البداية، أيدت روسيا الحرب الأميركية التي استهدفت كلاً من طالبان وتنظيم "القاعدة"، وعلى الرغم من ذلك، كثيراً ما انتقد مسؤولوها الطريقة التي تعاملت بها واشنطن مع الصراع.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن "الغرب لم يحقق أي نتائج ملموسة في تحقيق استقرار أفغانستان وفشل في مهمته هناك".

واستبعد المحلل السياسي الأفغاني، محب الله شريف، أن تتجه موسكو للعب الدور الأميركي الأمني في أفغانستان، لاسيما أن لديها تجربة سابقة مريرة خلال الحرب السوفييتية في الثمانينات، والتي فقدت روسيا خلالها قرابة 15 ألف جندي.

بدوره، لا يعتقد المحلل أندريه أنتيكوف، وهو صحافي أيضاً في جريدة "إزفيستا" الروسية، أن هناك مجالاً للحديث عن قيام موسكو بملء الفراغ الأميركي في أفغانستان.

"قد يُشكل انسحاب واشنطن خطراً على استقرار المنطقة، لكن مما لا شك فيه أن روسيا أو الصين أو غيرهما من الدول، ليس لديها نيّة أو رغبة للتدخل عسكرياً في أفغانستان"، قال أنتيكوف لافتاً إلى أنه "إضافة إلى الملف الأمني، سينصب اهتمام موسكو  على تطوير التعاون الاقتصادي".

وختم: "يبقى كل ذلك رهناً بالمستقبل البعيد، أما الأولوية فستكون لاحتواء أي حكومة أفغانية مقبلة وضمان أمن آسيا الوسطى".

اقرأ أيضاً: