خطف قطاع غزة الأنظار عقب الهجوم الذي شنته حركة "حماس" داخل إسرائيل، التي ردت بقصف وحشي أودى بحياة المئات وخلف دماراً هائلاً في أحد أكثر المناطق فقراً واكتظاظاً بالسكان في العالم.
وتزايدت التساؤلات بشأن طبيعة القطاع مع إعلان السلطات الإسرائيلية، الاثنين، فرض حصار شامل على غزة، حين قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت إنه سيتم منع الكهرباء والطعام والوقود" عن أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع.
فما هو قطاع غزة وطبيعته الجغرافية وواقعه السياسي وسكانه؟
ما هو قطاع غزة؟
منطقة صغيرة في فلسطين التاريخية، متاخمة لمصر وباتت متاخمة لإسرائيل على البحر الأبيض المتوسط بعد قيام الدولة العبرية عام 1948.
كانت غزة جزءاً من الإمبراطورية العثمانية قبل احتلالها من المملكة المتحدة في الفترة من 1918 إلى 1948، ثم أصبحت تابعة لمصر في الفترة من 1948 إلى 1967.
وبعد نحو 20 سنة من إعلان قيام دولتها في عام 1948، استولت إسرائيل على قطاع غزة من مصر والضفة الغربية من الأردن وهضبة الجولان من سوريا في أعقاب حرب 1967. ويطالب الفلسطينيون بهذه الأراضي ويعتبرونها جزءاً من دولتهم المستقبلية.
وفرضت إسرائيل سيطرتها على غزة لمدة 38 عاماً، بنت خلالها 21 مستوطنة يهودية، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
وما بين نهاية 1987 وحتى 1993، تفجرت الانتفاضة الأولى، حيث استمرت الاحتجاجات ضد الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية. ودفعت أنهار الدماء برئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين إلى أن يقول في عام 1992 "وددت لو أن غزة غرقت في البحر، لكن ذلك لن يحدث، ومن ثم يتعين إيجاد حل".
واستهدفت الاتفاقيات المعروفة باسم اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1993 إنفاذ "حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره". وفي عام 1994 أمسك الفلسطينيون بزمام السلطة الحكومية في غزة.
وفي عام 2005، تخلت إسرائيل عن سيطرتها على قطاع غزة نتيجة ضغوط داخلية وعالمية، حيث نقلت 9000 مستوطن إسرائيلي إلى جانب سحب قواتها العسكرية من غزة.
من يحكم؟
اشتبكت حركة "حماس" مع قادة فتح والسلطة الفلسطينية أثناء فترة الوساطة لإتمام اتفاقيات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي. وتولت السلطة في غزة بعد فوزها في انتخابات عام 2006. ولم يتم إجراء أي انتخابات هناك منذ ذلك الحين.
وواجه الحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة انتقادات حادة من قبل جماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، التي اعتبرت أن قطاع غزة لا يزال يرزح تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الحصار كلف اقتصاد الأراضي الفلسطينية نحو 17 مليار دولار على مدى قرابة عقد من الزمان. كما قطعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر خطوة أبعد في السنوات الأخيرة حيث أكدت أن الحصار يمثل انتهاكاً لاتفاقيات جنيف، وهو ما رفضه المسؤولون الإسرائيليون.
كم عدد سكان غزة؟ وما تركيبتهم؟
يُشكل القطاع ما مساحته 1.33% من مساحة فلسطين التاريخية، وهو مكون من مساحة ضيقة من الأرض تبلغ مساحة قطاع غزة حوالي 365 كيلومتراً مربعاً.
ويعيش في القطاع نحو 2.23 مليون نسمة، ولا يتجاوز طوله 41 كيلو متراً، ويتقلص العرض في بعض المناطق لخمسة كيلو مترات فقط، ولا يتسع في أحسن الأحوال إلا إلى 15 كيلو متراً.
وينتمي سكان غزة إلى فئة صغار السن إلى حد غير عادي، حيث تشير تقديرات "يونيسيف" إلى أن عدد أطفال غزة يقرب من مليون طفل يعيشون في القطاع، ما يعني أن نصف سكان غزة تقريباً من الأطفال.
كما تبلغ نسبة السكان دون 15 عاماً 40%، وفقاً لبيانات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "CIA".
وتشير بيانات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (أونروا) إلى أن أكثر من 1.4 مليون من سكان قطاع غزة من اللاجئين الفلسطينيين.
وتظهر إحصائيات البنك الدولي أن قطاع غزة يعاني أحد أعلى معدلات البطالة في العالم، فيما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن حوالي 80% من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة والحصول على الخدمات الأساسية.
وأشار موقع "أونروا" إلى أنه "على مدى العقد ونصف العقد الماضيين على الأقل، كابد الوضع الاجتماعي والاقتصادي في غزة حالة تدهور مطرد".
وأضاف الموقع أنه "لم يتبق الآن سوى خيارات محدودة للغاية أمام سكان غزة الذين يعيشون تحت وطأة عقاب جماعي نتيجة الحصار الذي لا يزال يؤثر بشكل مدمر على حركة السكان من وإلى غزة، كما لا تزال عملية الوصول إلى الأسواق مقيدة بشدة".
وتفوق الكثافة السكانية في مدينة غزة نظيرتها في تل أبيب والمدن الكبرى الأخرى في جميع أنحاء العالم مثل لندن وشنغهاي، ما يزيد احتمالات إصابة المدنيين بشكل حاد جراء الهجمات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة.
ماذا عن المياه والكهرباء في قطاع غزة؟
وتصطبغ الظروف المعيشية في غزة بالقسوة المفرطة، إذ إن 95% من سكان القطاع لا يستطيعون الوصول إلى المياه النظيفة، وفقاً لـ "أونروا"، كما يؤدي نقص الكهرباء إلى توقف الحياة بشكل دوري.
ويعتمد قطاع غزة بدرجة كبيرة على إسرائيل في الحصول على المياه والكهرباء والغذاء. وتتمثل الواردات الأساسية لغزة في المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية ومواد البناء من إسرائيل ومصر، الشريكين التجاريين الرئيسيين لها، فيما تمثل المزارع الممتدة على حدود غزة مع إسرائيل مصدر معظم الفواكه والخضروات الطازجة للقطاع.
وتحصل غزة على معظم ما تستهلكه من كهرباء من إسرائيل نظراً لأن القطاع لا يمتلك سوى محطة كهرباء قديمة واحدة.
ورغم توافر مصادر المياه الجوفية في القطاع، إلا أن كثيراً من الآبار تم تدميرها بسبب التلوث وملوحة المياه. ولم تعد أكثر من 90% من المياه في الطبقة الجوفية الوحيدة في غزة صالحة للشرب.
ما مخاطر الاجتياح البري على قطاع غزة؟
وكان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي قال إن "إسرائيل تأخذ في الاعتبار جميع الاحتمالات والخيارات، بما في ذلك تنفيذ عملية برية واجتياح قطاع غزة"، لكن هذا السيناريو تحيطه الكثير من المخاطر.
منذ عملية "الرصاص المصبوب" التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي عام 2008 لاجتياح عمق القطاع، لم تقدم القوات الإسرائيلية على اجتياح مدن غزة باستثناء تقدم طفيف على الحدود الشرقية من عدة محاور أبرزها: خان يونس والشجاعية والشمال ورفح.
وتخشى إسرائيل من تنفيذ اجتياح بري للقطاع خوفاً من خطف جنودها من قبل الفصائل الفلسطينية المسلحة، الأمر الذي قد يُكلفها في وقت لاحق مفاوضات غير مباشرة لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين.
وعادة ما تجتاح إسرائيل قطاع غزة باستخدام دبابات وآليات محصنة لضمان عدم أسر أي من جنودها، ويكون ذلك عبر الحدود الشرقية للقطاع، إذ لم تُسجل أي اجتياحات برية إسرائيلية من الحدود الشمالية للقطاع إلا نادراً.
في هذا السياق، رأى الخبير في الشأن العسكري اللواء واصف عريقات، أن "إسرائيل لديها رغبة في هجوم بري ضد قطاع غزة، لكن هناك فرقاً بين الرغبة والقدرة"، مبيناً أن هناك عوائق ومخاطر كثيرة تحسبها إسرائيل حال إقدامها على عملية برية.
وفي حديثه لـ"الشرق"، أشار عريقات إلى "عدم توفر معلومات حقيقية لدى إسرائيل حول إمكانيات وقدرات المقاومة الفلسطينية، ما يشكل عائقاً أمام إقدامها على مثل هكذا عملية".
وأشار إلى أن اتخاذ قرار الشروع في حرب برية تحكمه مجموعة من الدوافع التي تقررها القيادة السياسية، مثل "هل التدخل البري يكون اقتحام وانسحاب في عملية ثأرية أم احتلال دائم".
ماذا حدث للجيش الإسرائيلي في آخر محاولة لاجتياح غزة؟
لفت عريقات إلى "جملة من التعقيدات تواجه الجيش الإسرائيلي أمام تنفيذ عملية برية، من بينها وجود أنفاق تحت الأرض تجعل القتال أمراً صعباً".
واعتبر أن ما جرى في حرب عام 2014 "يدور في ذهن إسرائيل"، موضحاً أن الجيش الإسرائيلي حاول تنفيذ عملية برية لكنها فشلت مع أسر عدد من الجنود والضباط.
وأشار إلى وجود تهديد من جبهة لبنان حال أقدمت إسرائيل على عملية برية في غزة، وتساءل: "هل إسرائيل قادرة على الدخول في حرب على جبهتين؟".
وشدد عريقات على أن "هناك فاتورة عالية الثمن ستدفعها إسرائيل حال دخولها قطاع غزة"، منبهاً أن "كم التدمير الهائل التي أحدثته في غزة خلال أيام الحرب الجارية سيزيد من إصرار الفصائل الفلسطينية على الانتقام من الجيش الإسرائيلي إذا ما أقدم على عملية برية".