اللاجئون الأفغان في باكستان.. حلم الوطن الثاني يتلاشى

time reading iconدقائق القراءة - 8
لاجئون أفغان في طريق العودة إلى بلادهم بعد أن أعطت باكستان تحذيراً لمن لا يحمل وثائق بمغادرة أراضيها. 30 أكتوبر 2023 - Reuters
لاجئون أفغان في طريق العودة إلى بلادهم بعد أن أعطت باكستان تحذيراً لمن لا يحمل وثائق بمغادرة أراضيها. 30 أكتوبر 2023 - Reuters
تورنتو -سيد صلاح الدين

اعتبرت العديد من الأجيال في أفغانستان، سواء من مواطنيها العاديين وحتى بعض نخبها، باكستان المجاورة "وطنهم الثاني"، حيث فروا إليها بالملايين خلال الحرب الباردة منذ أكثر من 4 عقود. 

ولكن بناء على موعد نهائي مدته شهر واحد وغير متوقع دخل حيز التنفيذ، الأربعاء 1 نوفمبر، يتعين على جميع الرعايا الأجانب "ممن لا يحملون وثائق"، بمن فيهم أكثر من 1.7 مليون أفغاني، المغادرة أو مواجهة الطرد من باكستان.

وتأتي الخطة في أعقاب سلسلة من الاشتباكات بين حكومة طالبان في أفغانستان والقوات الباكستانية في عدة مناطق بالمنطقة الحدودية المتنازع عليها تاريخياً منذ وصول "طالبان" إلى السلطة، بعد خروج القوات التي تقودها الولايات المتحدة في صيف 2021 من أفغانستان.

كما يمثل هذا التطور تدهوراً جديداً في العلاقات بين طالبان وإسلام آباد، بسبب مزاعم الأخيرة بأن الحركة الأفغانية توفر ملاذاً آمناً لمقاتلين ينتمون إلى "طالبان باكستان" المحظورة، والتي تتفق أيديولوجياً مع "طالبان أفغانستان"، حيث شنت مئات الهجمات المميتة في باكستان، بعد استيلاء طالبان على السلطة في كابول.

وتأتي الهجمات التي شنتها حركة طالبان الباكستانية في مناطق أقرب في الغالب إلى المناطق الحدودية مع أفغانستان، ومن قبل حركة "بلوشستان الانفصالية" في أماكن أخرى، في مواجهة الاضطرابات السياسية المتفاقمة والأزمة الاقتصادية، وكذلك احتجاجات القوميين البشتون، مما أضاف ضغوطاً هائلة على حكومة تصريف الأعمال في إسلام آباد.

وفي إشارة إلى ارتفاع عدد الهجمات العنيفة، قال وزير الداخلية الباكستاني سرفراز بكتي في وقت سابق من هذا الشهر، إن "14 من أصل 24" تفجيراً انتحارياً نفذها مواطنون أفغان هذا العام.

ونفت كابول من جانبها هذه المزاعم، قائلة إن الأفغان لا علاقة لهم بالتدهور الأمني الحاد في باكستان، وإن إسلام آباد تتحمل مسؤولية التعامل معها.

ويعتقد بعض المحللين أن إسلام آباد تستخدم طرد اللاجئين كأداة للضغط على طالبان، لأن الحركة لم تقبل مطالب باكستان المتكررة، والتي تقول إن قادة "طالبان باكستان" يعملون في أفغانستان.

وقال سامي يوسفزاي، وهو صحافي مقيم في باكستان عبر الهاتف: "أصبحت باكستان يائسة سياسياً، لأن رغباتها لم تتحقق في أفغانستان مع وصول طالبان إلى السلطة، وتربط قضية زيادة انعدام الأمن كذريعة، لكنها في الواقع جزء من ضغطها على طالبان".

وفي الأسابيع الأخيرة قبل انتهاء المهلة الزمنية البالغة شهر واحد، احتجزت باكستان، وفقاً لتقارير إعلامية، مئات المهاجرين الأفغان، بمن فيهم النساء والأطفال قبل طردهم.

وشكلت السلطات الباكستانية فرقة عمل لبدء تنفيذ الإجراءات الصارمة بعد الموعد النهائي في 1 نوفمبر، لتنفيذ عمليات الترحيل. كما حذرت من اتخاذ إجراءات ضد أي شخص يثبت تورطه في تسهيل أو إخفاء المهاجر أو تأجيره للممتلكات.

وقال محمد بشير، وهو مهاجر أفغاني عبر "واتساب" من إسلام آباد، حيث غادر مع عائلته منذ أكثر من عامين: "هناك جو من الذعر والرعب بين اللاجئين الأفغان هنا بشأن الطرد".

وأضاف بشير: "بعض العائلات التي عاشت هنا منذ أكثر من 40 عاماً، غادرت بالفعل بسبب الخوف العميق من السجن بعد أن دمرت السلطات منازل بعض اللاجئين الآخرين المبنية بالطين في عدد قليل من المخيمات".

وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن باكستان تستضيف حالياً 3.7 مليون لاجئ أفغاني، فر 700 ألف منهم من أفغانستان بعد استيلاء طالبان على السلطة.

وذكرت أن نحو 1.7 مليون شخص يقيمون في باكستان بشكل غير قانوني، مع القليل من الحماية القانونية أو وسائل الحصول على اللجوء.

وتأتي خطة الطرد في الوقت الذي تمر فيه أفغانستان بأزمة إنسانية حادة، وفقر مدقع وكوارث طبيعية. وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الضغط على حكومة طالبان التي لم تعترف بها أي دولة، وتواجه عقوبات اقتصادية تقودها الولايات المتحدة بسبب سياساتها، مثل حظر النساء من العمل في الأماكن المفتوحة، وتقييد تعليم الفتيات.

وعبَّرت الأمم المتحدة ووكالات حقوق الإنسان عن قلقها بشأن الترحيل، وحذّرت باكستان من أن بعض الذين يواجهون الطرد يتعرضون إما لانتهاكات حقوق الإنسان، أو الاعتقال على أيدي طالبان.

وقالت المتحدثة الرسمية باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامداساني، وفي وقت سابق: "نحن قلقون للغاية من أن أولئك الذين يُرحّلون، يواجهون مجموعة كاملة من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاعتقال والاحتجاز التعسفي والتمييز الشديد، وعدم الوصول إلى الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية".

ووعد مسؤولو طالبان بإقامة مخيمات للنزوح الجماعي، وتشكيل لجنة خاصة لتلبية احتياجاتهم بالموارد الشحيحة التي لديهم.

وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد عبر الهاتف: "أجرينا اتصالات متكررة مع الحكومة الباكستانية (لوقف الطرد)، لكنهم ما زالوا يريدون تنفيذ قرارهم بطرد اللاجئين".

وأضاف مجاهد: "بأي حال من الأحوال، نريد أن يكون الأفغان متسامحين، وأن يعودوا إلى ديارهم".

طارق فرهادي، مستشار الحكومة الأفغانية السابقة والذي شغل أيضاً المنصب ذاته في صندوق النقد الدولي، اقترح بأن على العالم تقديم قرض لكل أسرة، حتى تتمكن من إنشاء مشروع تجاري يسمح لها بالاندماج بسهولة في المجتمع، ومنع أي فوضى اقتصادية أخرى في أفغانستان، حيث معدل البطالة مرتفع للغاية.

وقال المحلل المقيم في كابول وحيد الله غازي خيل، إن التدفق المفاجئ لمئات الآلاف من اللاجئين يمكن أن يخلق كارثة إنسانية في أفغانستان، نظراً لأن العالم فقد بالفعل الاهتمام بالبلد الذي مزقته الحرب، حيث كان تركيزه منصباً على أوكرانيا والآن الحرب في غزة.

وأوضح الصحافي يوسفزاي أن باكستان بحاجة إلى وضع آلية وجدول زمني مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان وحكومة طالبان بشأن كيفية تمهيد الطريق تدريجياً لعودة اللاجئين، وإن تحركها يتعارض مع سياسة إسلام آباد الراسخة منذ فترة طويلة، والتي دفعت في الماضي إلى العودة الطوعية والكريمة للمهاجرين.

وأضاف: "ستعاني باكستان نتيجة لهذه السياسة (الطرد) خصوصاً أنها عاملت اللاجئين بشكل جيد إلى حد كبير على مدى العقود الأربعة والنصف الماضية، وفجأة منحتهم مهلة شهر واحد للمغادرة".

وأردف: "هذا يمحو بشكل أساسي أي عمل صالح قامت به في الماضي، وينهي أي نوايا حسنة قد يكون لدى الأفغان لباكستان".

تصنيفات

قصص قد تهمك