تحقيقان لـ"رويترز" و"فرانس برس": قذيفة إسرائيلية قتلت الصحافي عصام العبدالله

"رويترز" و"فرانس برس": القذيفة أطلقت من دبابة ميركافا الإسرائيلية

time reading iconدقائق القراءة - 22
إريك كرون من المنظمة الهولندية للبحث العلمي التطبيقي (TNO) أمام خريطة توضح موقع الصحافيين الذين استهدفوا بقذيفة إسرائيلية على الحدود اللبنانية، لاهاي. 6 ديسمبر 2023 - Reuters
إريك كرون من المنظمة الهولندية للبحث العلمي التطبيقي (TNO) أمام خريطة توضح موقع الصحافيين الذين استهدفوا بقذيفة إسرائيلية على الحدود اللبنانية، لاهاي. 6 ديسمبر 2023 - Reuters
بيروت/ لاهاي-رويترزأ ف ب

خلص تحقيقان أجرتهما وكالتا "رويترز" و"فرانس برس" إلى أن دبابة تابعة للجيش الإسرائيلي قتلت صحافياً من رويترز، وأصابت ستة صحافيين آخرين في لبنان في 13 أكتوبر الماضي، بإطلاق قذيفتين في تتابع سريع من داخل إسرائيل، بينما كان الصحافيون يصورون قصفاً عبر الحدود.

وأدت الضربتان إلى قتل الصحافي عصام العبد الله (37 عاماً) من وكالة "رويترز"، وإصابة مصورا وكالة "فرانس برس"، كريستينا عاصي (28 عاماً) التي بترت ساقها اليمنى، ولا تزال تتلقى العلاج في المستشفى، وديلان كولنز.

وتحدثت "رويترز" و"فرانس برس" مع مسؤولين حكوميين وأمنيين وخبراء عسكريين ومحققين في الطب الشرعي إلى جانب محامين ومسعفين وشهود للتوصل إلى رواية مفصلة عن الحادث.

وذكرت "رويترز" أنها راجعت لقطات فيديو مدتها ساعات من 8 وسائل إعلام كانت في المنطقة في ذلك الوقت ومئات الصور التي التقطت قبل الهجوم وبعده، وتشمل صوراً عالية الدقة بالأقمار الاصطناعية.

وفي إطار تحقيقها، جمعت "رويترز" أيضاً أدلة من مكان الحادث وحصلت عليها، بما في ذلك شظايا على الأرض وأخرى في سيارة "رويترز" وثلاث سترات واقية من الرصاص وكاميرا وحامل ثلاثي القوائم وقطعة معدنية كبيرة.

وفحصت المنظمة الهولندية للبحث العلمي التطبيقي (تي.إن.أو)، وهي مؤسسة بحثية مستقلة تختبر وتحلل الذخائر والأسلحة لصالح عملاء مثل وزارة الدفاع الهولندية، تلك المواد لصالح "رويترز" في مختبراتها في لاهاي.

كانت النتائج الرئيسية التي توصلت إليها المنظمة الهولندية هي أن القطعة المعدنية الكبيرة كانت عبارة عن جزء من ذيل قذيفة دبابة عيار 120 مليمتراً، وأطلقها مدفع دبابة متمركزة على بعد 1.34 كيلومتر من المراسلين عبر الحدود اللبنانية.

كما أجرت وكالة "فرانس برس" على مدى سبعة أسابيع، تحقيقاً عبر تحليل صور أقمار اصطناعية وست وسائل إعلام كانت موجودة في المكان في ذلك اليوم، مع شهادات صحافيين، وسكان ومصادر أمنية، وطرح أسئلة على عدد من الخبراء في الأسلحة.

وأظهر التحقيق الذي أجري بالتعاون مع منظمة "إيروورز" (Airwars) البريطانية غير الحكومية المتخصصة في التحقيق في هجمات تطال مدنيين في مواقع النزاع، أن قذيفة دبابة من عيار 120 ملم مزودة بزعانف ويستخدمها الجيش الإسرائيلي حصراً في المنطقة، استخدمت في الضربة القاتلة.

وعرضت "رويترز" على الجيش الإسرائيلي النتائج التي توصلت إليها بأن قذيفتي الدبابة أطلقتا من داخل إسرائيل، وطرحت أسئلة تفصيلية إضافية منها ما إذا كانت القوات الإسرائيلية على علم بأنها تطلق النار على الصحافيين.

وقال اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيخت، المتحدث الدولي باسم الجيش الإسرائيلي: "نحن لا نستهدف الصحافيين". ولم يقدم المزيد من التعليقات.

وفي نفس السياق، خلص تحقيقان منفصلان أجرتهما كلّ من منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، واطلعت عليهما وكالة "فرانس برس" قبل نشرهما، إلى أن "الضربة إسرائيلية".

وندّدت "هيومن رايتس ووتش" "بهجوم متعمّد كما يبدو على مدنيين (...) يمكن أو يجب أن يكون محور ملاحقة في جريمة حرب".

وقالت العفو الدولية إن الحادثة كانت "على الأرجح هجوماً مباشراً على مدنيين، ويجب التحقيق فيه باعتباره جريمة حرب".

ونظر التحقيق في احتمال ما إذا كان الجيش الإسرائيلي ظنّ أن الصحافيين مقاتلون من مجموعات مسلّحة ناشطة في المنطقة.

وكانت المجموعة مؤلفة من سبعة صحافيين من وكالة "فرانس برس" والجزيرة ورويترز، ارتدوا سترات زرقاء واقية من الرصاص وخوذات، وكتب على معظمها كلمة "برس" أو صحافة بأحرف بيضاء. وكان هناك مراسلون من سبع وسائل إعلام أخرى على الأقل في علما الشعب ومحيطها في ذلك اليوم.

وقالت أليساندرا جالوني رئيسة تحرير رويترز "الأدلة التي لدينا الآن، والتي نشرناها اليوم تظهر أن طاقم دبابة إسرائيلية قتل زميلنا عصام العبدالله".

وأضافت "نندد بقتل عصام. ندعو إسرائيل إلى توضيح كيف حدث هذا ومحاسبة المسؤولين عن قتله وإصابة كريستينا عاصي من وكالة "فرانس برس"، وزميلينا ثائر السوداني وماهر نزيه، والصحافيين الثلاثة الآخرين".

وتابعت قائلة "كان عصام صحفياً لامعاً وشغوفاً، ومحبوباً جدا في رويترز".

جريمة حرب

من جانبها، قالت وكالة "فرانس برس" إن الأدلة التي جمعتها "رويترز" تؤكد تحليلها الخاص للحادث.

وقال مدير الأخبار العالمية لوكالة "فرانس برس"، فيل شتويند: "من الضروري للغاية أن تقدم إسرائيل تفسيراً واضحاً لما حدث"، مضيفاً أن استهداف مجموعة من الصحفيين الذين تم تحديدهم بوضوح على أنهم إعلاميون أمر لا يمكن تفسيره وغير مقبول".

وقال مصوّر "فرانس برس"، ديلان كولنز في سرده للأحداث: "أمضينا حوالى ساعة نصوّر عمود دخان بعيداً إلى الجنوب منّا، وقصفاً مدفعياَ إسرائيلياً محصوراً بتلال تقع إلى الجهة الجنوبية الشرقية من مكان تواجدنا".

ويضيف "مباشرة قبل الساعة السادسة مساء، وجّهنا كاميراتنا إلى الغرب، وفجأة ومن حيث لا ندري تعرّضنا لضربة". قتلت الضربة الأولى عصام عبدالله، وأصابت كريستينا عاصي بجروح بالغة. ويسمع صوت عاصي في مقطع فيديو، وهي تصرخ "ماذا حصل؟ ماذا حصل؟ لا أشعر برجلَي".

وتستعيد عاصي تلك اللحظة، وتقول لفرانس برس "كنا في منطقة مفتوحة، نرتدي جميعنا خوذنا وسترات الحماية، نقوم فقط بعملنا، نغطي مواجهات (...) كنا في منطقة آمنة، كنا نشعر أننا آمنون".

وتضيف "لكن فجأة، لم أعد أرى إلا غمامة بيضاء، وفقدت الإحساس برجليّ، وبدأت أصرخ".

هرع كولنز إلى كريستينا عاصي لمساعدتها، لكن بعد 37 ثانية فقط، طالت ضربة ثانية سيارة قناة الجزيرة من الأمام من الجهة الشمالية، وكانت مركونة على بعد أمتار قليلة من الصحافيين.

يقول كولنز "حين تعرضنا للضربة الأولى، رأيت كريستينا على الأرض (...) جلست قربها لأعصب رجليها (لمنع سيلان الدم). بينما كنت أضع العصبة الأولى، تعرضنا للقصف مرة ثانية".

بدوره، قال احتشام هبة الله، رئيس قسم العلاقات الدولية بشبكة الجزيرة: "تحقيق رويترز في هجوم 13 أكتوبر يسلط الضوء على النمط المثير للقلق الذي تتبعه إسرائيل في استهداف الصحافيين عمداً في محاولة لإسكات من ينقلون الحدث".

ويحظر القانون الإنساني الدولي الهجمات على الصحافيين؛ لأن العاملين في وسائل الإعلام يتمتعون بالنطاق الكامل من الحماية الممنوحة للمدنيين، كما لا يمكن اعتبارهم أهدافاً عسكرية.

وفي الأيام التي تلت الهجوم، قال الجيش الإسرائيلي إنه يتحقق مما حدث، لكنه لم يعلن عن أي نتائج.

وقالت خبيرة القانون الجنائي الدولي كارولين إدجيرتون، التي عملت في قضايا جرائم الحرب في البلقان، إن تصوير مواقع الدبابات الإسرائيلية على الحدود ربما كان يعد تهديداً للجيش الإسرائيلي إذا اعتبرت هذه المعلومات "ذات قيمة في عملية الاستهداف للقوات في لبنان".

واستطردت في ردود مكتوبة على أسئلة "رويترز" قائلة إن إطلاق قذيفتين متتاليتين على مجموعة من الصحفيين تم تحديد هويتهم بوضوح "يمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الإنساني الدولي، وقد يرقى أيضاً إلى مستوى جريمة حرب تتمثل في مهاجمة مدنيين".

واستهداف المدنيين أو الأهداف المدنية بشكل مباشر محظور تماماً بموجب قوانين النزاعات المسلحة مثل اتفاقيات جنيف لعام 1949، والتي صدقت عليها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ولم توقع إسرائيل ولا لبنان على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تقبل دولها الأعضاء البالغ عددها 124 اختصاصها في المحاكمة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

إطلاق قذيفتين بفارق 37 ثانية

كان الهجوم هو الأول من اثنين سقط فيهما ضحايا في غضون ستة أسابيع على صحافيين في لبنان يغطون الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلي جماعة حزب الله على طول الحدود في أعقاب هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر.

وقُتل صحفيان من قناة الميادين اللبنانية في ضربة يوم 21 نوفمبر في أثناء قيامهما بالتصوير بالقرب من الحدود مع إسرائيل. وحملت الميادين الجيش الإسرائيلي مسؤولية قتلهما. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنها كانت منطقة خطيرة للوجود فيها؛ بسبب "الأعمال العدائية النشطة".

ومنذ بدء الحرب على غزة، تبادلت القوات الإسرائيلية وحزب الله إطلاق النار بشكل يومي تقريباً عبر الحدود المعروفة باسم الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة لتحديد نقطة انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في عام 2000.

في 13 أكتوبر، أدت التقارير عن تسلل مقاتلين من حزب الله إلى إسرائيل وما تلاه من قصف عبر الحدود إلى توافد مراسلين مما لا يقل عن عشر مؤسسات إخبارية لبنانية ودولية إلى المنطقة داخل علما الشعب وما حولها. وشملت تلك المؤسسات هيئة الإذاعة الإيطالية (راي) وصحيفة دي فيلت الألمانية اليومية ووكالة أسوشيتد برس.

وتوجه فريق من "رويترز" مكون من ثلاثة أفراد مع اثنين من وكالة "فرانس برس" إلى موقع شرقي القرية حيث كانت قناة الجزيرة تنقل بثاً مباشراً للحدود في وقت سابق من ذلك اليوم.

بمجرد الانتهاء من التجهيزات، بدأت "رويترز" في بث لقطات حية للمشتركين في خدمة التلفزيون حول العالم في الساعة 5.15 مساء (15.15 بتوقيت جرينتش)، وكان البث المتواصل يظهر دخاناً متصاعداً من خلف سلسلة أشجار إلى الجنوب، وتخلله قصف بين حين وآخر.

بعد التصوير لمدة 45 دقيقة وسط طنين متواصل لطائرات مسيرة في السماء وطائرة هليكوبتر إسرائيلية تحلق في دورية، وجه فريق "رويترز" الكاميرا للتركيز على موقع عسكري إسرائيلي على بعد ما يزيد قليلاً عن كيلومترين في حانيتا وصوّر دبابة تطلق قذيفة من هناك صوب جنوب لبنان.

وكان فريقا "فرانس برس" والجزيرة ينقلان بثاً حياً ووجها كاميرتيهما في الوقت نفسه أيضا لإظهار الموقع الإسرائيلي في حانيتا أيضاً.

وبعد أقل من 90 ثانية، سقطت القذيفة الأولى من دبابة في موقع آخر على عصام العبدالله وجدار منخفض الارتفاع كان يتكئ عليه؛ مما أدى إلى قتله على الفور وتعطيل البث المباشر لرويترز.

كانت عدستا "فرانس برس" والجزيرة مثبتتين على حاملين على بعد أمتار قليلة، وواصلتا البث والتقطتا سحبا من الغبار تتصاعد خلفهما، وسجلتا صرخات كريستينا عاصي، مراسلة "فرانس برس" التي أصيبت بشظايا في ساقيها.

وبعد 37 ثانية، ضربت قذيفة ثانية سيارة الجزيرة لتشتعل النيران فيها، وأوقفت بث "فرانس برس"، وأطاحت بكاميرا الجزيرة؛ مما جعلها تصور السحب في السماء وتسجل سباب وصرخات الصحافيين الجرحى.

وقال مصور رويترز ثائر السوداني (47 عاماً) والمقيم في بغداد "لماذا أصابونا؟ لماذا لم يطلقوا طلقة تحذيرية؟ إذا كنتم لا تريدوننا أن نلتقط صوراً، أطلقوا طلقة تحذيرية. لماذا ضربونا فجأة دون سابق إنذار، ثم حاولوا القضاء علينا بالضربة القاضية".

ذيل القذيفة

اعتمدت الاستنتاجات التي توصّل إليها علماء المنظمة الهولندية بشكل كبير على ثلاثة أدلة حاسمة وهي؛ ذيل قذيفة الدبابة المصنوع من الألومنيوم الذي حصلت عليه "رويترز"، وفيديو لم يسبق نشره قدمته هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيطالية (راي) أظهر نقطة انطلاق الضربة الثانية والقذيفة في أثناء إطلاقها وصوت القذيفتين المأخوذ من البث المباشر لقناة الجزيرة.

وتظهر مقاطع فيديو وصور التقطها السوداني وماهر نزيه مصور "رويترز" في الدقائق التي أعقبت الهجوم ذيل القذيفة على الأرض بالقرب من جثة عصام في حقل خلف الجدار المنخفض الارتفاع الذي ضربته القذيفة الأولى.

وقالت المنظمة الهولندية إن صورة بالأقمار الاصطناعية التقطت في 12 أكتوبر، وصورة التقطها عصام قبل وقت قصير من الهجوم لا تظهران أي علامات على ضربات سابقة بالذخائر مثل الحُفر أو الحطام أو علامات اشتعال حريق، لذلك خلصت إلى أن ذيل القذيفة على صلة بالهجوم.

وأوضحت المنظمة أن تحليل المختبر كشف أيضاً عن وجود السترونتيوم والمغنيسيوم في جيب صغير في الذيل، وهما عنصران يعدان من المركبات التقليدية للذخيرة الخطاطة. وهي عبارة عن شحنة نارية تحترق خلال انطلاق المقذوف لإظهار مساره.

وقالت المنظمة الهولندية: "بناء على خصائصها، تم تحديد القطعة المعدنية الكبيرة التي انتشلت من مكان الحادث على أنها ذيل ذخيرة دبابة عيار 120 مليمتراً مع ذخيرة خطاطة، وأُطلقت باستخدام مدفع دبابة ذي تجويف أملس عيار 120 مليمتراً".

وقال نيك رينولدز، وهو زميل باحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، إن الألوية المدرعة التي ينشرها الجيش الإسرائيلي في شمال إسرائيل مجهزة بدبابات ميركافا القتالية المزودة بمدافع ذات تجويف أملس عيار 120 مليمترا.

وقال ثلاثة خبراء عسكريين إنه لا يوجد سجل لاستخدام حزب الله لدبابات بذخائر من عيار 120 مليمترا. وقال الجيش اللبناني لـ"رويترز" إن أكبر قذيفة دبابة لديه من عيار 105 مليمترات، وإنه لا توجد لديه دبابات متمركزة على الحدود مع إسرائيل.

دبابات ميركافا

كما عرضت فرانس برس و"إيروورز" صور القطعة، وطولها 23 سنتمتراً، وتّعد أحد أبرز أدلة هذا التحقيق، على ستة خبراء أسلحة. وأجمع الخبراء على أنها جزء من قذيفة دبابة من عيار 120 ملم بزعانف للتثبيت يستخدمها الجيش الإسرائيلي في دبابات من نوع ميركافا.

ولا تستخدم أي جهة أخرى في المنطقة هذا النوع من الذخائر، وفق المحللين، وهم عسكريان سابقان في الجيش البريطاني، وعسكري إيرلندي سابق، وثلاثة خبراء أسلحة في التحقيقات في مناطق النزاع.

ويوضح الضابط السابق في سلاح الدبابات البريطاني كريس كوب سميث الذي درس سابقاً هذا النوع من الذخائر، أن "هذه بقايا قذيفة دبابة، من الواضح أنّها أُطلقت من دبابة ميركافا".

ويضيف في تصريح لـ"فرانس بريس": "عند إطلاقها، تخرج بعض الزعانف من الجزء الخلفي من القذيفة لتثبيتها أثناء الطيران، ما يجعلها أكثر دقة ويزيد مداها".

ويشير إلى أن هذا النوع من القذائف استخدم في حروب سابقة في قطاع غزة في 2008 و2012.

وقال وزير الإعلام اللبناني، زياد مكاري: "أعتقد أن قتل الصحافيين هو جزء من الاستراتيجية العسكرية لإسرائيل حتى يقتلوا الحقيقة".

وأضاف أنه بعد تحقيق "رويترز"، تدرس الحكومة رفع دعوى بشأن الانتهاكات الإسرائيلية، بما في ذلك قتل عصام، أمام محكمة دولية. ولم يحدد المحكمة، لكنه أقر بأن المحكمة الجنائية الدولية ليست خياراً؛ لأن لبنان غير موقع على نظامها.

وأشار مكاري إلى أن قتل الصحافيين في غزة ولبنان دليل على أن إسرائيل تستهدف الإعلاميين عمداً.

وفي اليوم التالي للهجوم، قالت قوات الأمن اللبنانية إنها أجرت تقييماً فنياً في الموقع، والذي يشير إلى تورط إسرائيل. ولم يستجب الجيش اللبناني ولا المخابرات العسكرية لطلبات للاطلاع على التقييم الفني.

دخان مدفع

وحللت المنظمة الهولندية التسجيلات الصوتية لكلتا الضربتين من البث المباشر لقناة الجزيرة إلى جانب الفيديو والصوت من لقطات شبكة "راي" الإيطالية لتحديد الموقع الجغرافي لنقطة إطلاق القذيفتين.

كان صحفيو شبكة "راي" يصورون القصف عبر الحدود في 13 أكتوبر من علما الشعب عندما سمعوا دوي الضربة الأولى، وأداروا الكاميرا نحو صوت الانفجار.

وتُظهر اللقطات سحباً من الغبار تتصاعد من خلف الأشجار حيث سقطت القذيفة الأولى، وتصاعد بعض الدخان إلى اليمين من موقع الإطلاق.

ثم التقطت الكاميرا الضربة الثانية، وأظهرت إطلاق القذيفة من المنطقة نفسها حيث كان الدخان لا يزال موجوداً في السماء، وأجزاء من سيارة الجزيرة تتناثر عاليا فوق الأشجار عند وقوع الضربة.

وباستخدام التسجيلات الصوتية للجزيرة، قامت المنظمة الهولندية بحساب الفاصل الزمني بين صوت الضربتين ودوي الانفجارين من فوهة المدفع لتحديد أن نقطة إطلاق النار كانت على بعد 1343 متراً من المراسلين. وأضافت أن البصمات الصوتية لكلتا الضربتين متطابقة، مما يظهر أن القذيفتين جرى إطلاقهما من نفس الموقع.

ومن خلال جمع بيانات التحليل الصوتي مع لقطات راي وموقع كاميرا راي وموقع المراسلين، حددت المنظمة الهولندية نقطة الإطلاق على الخريطة عند خطي 3.57'05°33 شمالا و3.44'12°35 شرقا، مع هامش خطأ يبلغ 17 متراً.

ووفقا لخرائط جوجل، فإن هذين الخطين موجودان على منحدر أرضي في موقع عسكري في جرديح داخل الأراضي الإسرائيلية بجوار الحدود مع لبنان. ويقول خبراء عسكريون إن الدبابات تصعد على مثل هذه المنحدرات لإطلاق النار، ثم تتراجع إلى أسفل المنحدر للاحتماء.

وقال إريك كرون، كبير المحققين في حادثة 13 أكتوبر من المنظمة الهولندية: "من خلال تحديد الاتجاهات، تمكنا من تحديد نقطة إطلاق النار التي تقع خلف الخط الأزرق للأمم المتحدة مباشرة".

وقالت المنظمة الهولندية إنه بناء على خصائص الذيل ومتوسط سرعة القذيفة المحسوبة البالغة 932 متراً في الثانية، كانت القذيفتان اللتان أصابتا الصحافيين إما طلقتين مضادتين للأفراد/ مضادتين للمواد من طراز إم329 أو طلقتين شديدتي الانفجار من طراز إم339 أو مزيجاً من الطرازين.

وتصنع شركة إلبيت سيستمز لاند، ومقرها حيفا، كلا القذيفتين. ولم تستجب لطلبات التعليق.

وفي السياق ذاته، قالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو آية مجذوب لوكالة فرانس برس: "الأدلة كلها تشير إلى تحليل مفاده أن الجيش الإسرائيلي كان يعلم أو كان يجدر به أن يعلم أن الأشخاص السبعة هم صحافيون"، انطلاقاً من أنهم كانوا قد اتخذوا إجراءات الحماية كافة، وتموضعوا مع معدات التصوير في منطقة مفتوحة أمام المواقع الإسرائيلية، بينما كانت طائرة استطلاع تحلّق فوقهم، عدا عن طائرة أباتشي موثقة في مقاطع فيديو.

كما خلصت مراجعة منفصلة لصور شظايا القذيفة لرويترز أجراها مركز مرونة المعلومات ومقره لندن، وهو منظمة دولية تحقق في الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب، إلى أنها كانت من قذيفة دبابة عيار 120 مليمترا من إنتاج شركة إلبيت سيستمز.

وأشارت المنظمة الهولندية إلى أن تحليلها أجراه سبعة موظفين في قسم المواد النشطة لديها، وراجعه أحد كبار العلماء وعالم رئيسي في المؤسسة.

وزودت المنظمة رويترز بملخص من عشر صفحات للنتائج الرئيسية التي توصلت إليها حتى الآن، وستقدم تقريرا نهائيا في أوائل عام 2024.

على مرأى من الجيش

منحت "رويترز" الضوء الأخضر للصحافيين للذهاب إلى المنطقة خارج علما الشعب؛ لأنه قبل 13 أكتوبر لم تشهد المنطقة أي تصعيد كبير ولم تكن حينها شديدة الخطورة.

وقالت "رويترز" في بيان "لم يكن عصام في منطقة قتال نشط عندما أصيب. كان هو وزملاؤه إلى جانب صحافيين من وسائل إعلام أخرى في منطقة بعيدة عن الصراع النشط".

ولم يخطر فريق "رويترز" الجهات المسلحة في ذلك الجزء من لبنان، وهي الجيش اللبناني وحزب الله وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أو الجيش الإسرائيلي بوجوده. ولم يطلب أي من تلك الأطراف مثل هذا الإخطار.

وقالت وكالة رويترز "ليس من الممارسات المعتادة إبلاغ الأطراف المسلحة بالمواقع الدقيقة لمراسلينا. ومع ذلك، طلب الجيش اللبناني من الصحافيين الحصول على إذن للعمل في جنوب لبنان، ولذلك تم إبلاغهم بأسماء صحافيينا العاملين في المنطقة العامة".

قال نزيه (53 عاماً) مصور رويترز، وهو مقيم في بغداد، إنهم اختاروا الموقع؛ لأنه كان على قمة تل في منطقة مفتوحة لا يوجد بها غطاء من الشجر أو أي مبان أخرى تحجب الصحافيين عن المواقع العسكرية الإسرائيلية القريبة.

وأضاف نزيه أنهم شعروا بالأمان نسبيا؛ لأنه من الواضح أنهم صحافيون، وعلى مرأى من الجيش الإسرائيلي سواء على الأرض أو جوا.

وقال نزيه "في تقديري كنا بأكثر الأماكن أمنا، كنا مرتاحين قاعدين نتصور ونتضحك ومش حاسين بالخطر؛ لأن ما ممكن متوقعين أبدا أنه يضربوا الصحافيين".

يتفق مع ذلك مصور فرانس برس ديلان كولينز (35 عاماً) الذي أصيب بشظية من الضربة الثانية.

وقال كولينز "لم نكن نختبئ بين الأشجار أو أي شيء من هذا القبيل. كان من الواضح جدا أننا كنا سبعة صحفيين بدلائل واضحة، نرتدي سترات صحفيين وخوذات، ومعنا سيارة عليها كلمة "تلفزيون"، ونقف في منطقة مفتوحة في مقابل موقع للجيش الإسرائيلي ربما على بعد كيلومترين أو كيلومتر ونصف الكيلومتر من موقعنا إلى الغرب، وإلى الشرق منا أبراج مراقبة متعددة".

وأضاف "كانوا يعرفون أننا كنا هناك لأكثر من ساعة".

وكان أول من وصل إلى مكان الحادث هو علي أحمد رباح من قناة العربي القطرية، التي كانت تصور في مكان قريب إلى جانب هيئة الإذاعة اللبنانية الدولية.

وصورت قناة العربي ما حدث بعد ذلك مباشرة، بينما حاول المراسلون الذين كانوا في حالة صدمة استيعاب ما حدث، ويدركون الآن تماما أن كريستينا أصيبت بجروح بالغة، وأن عصام العبدالله قد لقي حتفه.

تصنيفات

قصص قد تهمك