هولندا.. كيف نجح فيلدرز في الانتخابات ولماذا يتعثر في تشكيل الحكومة؟

time reading iconدقائق القراءة - 15
السياسي الهولندي خيرت فيلدرز زعيم "حزب الحرية" خلال المناظرة النهائية بين المرشحين الرئيسيين في الانتخابات الهولندية قبل فتح صناديق الاقتراع في لاهاي. 21 نوفمبر 2023 - Reuters
السياسي الهولندي خيرت فيلدرز زعيم "حزب الحرية" خلال المناظرة النهائية بين المرشحين الرئيسيين في الانتخابات الهولندية قبل فتح صناديق الاقتراع في لاهاي. 21 نوفمبر 2023 - Reuters
دبي -عبد السلام الشامخ

وجد "حزب الحرية" اليميني المتطرف الفائز في الانتخابات التشريعية الهولندية، في طريقه لتشكيل الحكومة، صعوبات وعراقيل بعدما عبّرت أحزاب عن رفضها تشكيل ائتلاف معه، بسبب أفكاره وتوجّهاته السياسية، وهو ما أدخل البلاد في "نفق مسدود" لما يقرب ثلاثة أشهر.

وبعد 25 عاماً في البرلمان، استطاع الحزب لأول مرة في تاريخه تصدّر نتائج الانتخابات، إذ حصل على ما يقرب من ربع الأصوات في اقتراع 22 نوفمبر الماضي، وفاز بـ 37 مقعداً في البرلمان المؤلف من 150 مقعداً. ولكن مع فوز 15 حزباً آخر أيضاً بمقاعد، فإنه يحتاج إلى شريكين على الأقل لتشكيل حكومة ائتلافية ذات أغلبية مريحة.

وحلت خلف "حزب الحيرة" كتلة اليسار بفارق كبير بعد حصولها على 25 مقعداً، في مقابل حصول حزب يمين الوسط على 24 مقعداً، وهي نتيجة كارثية لحزب رئيس الوزراء المنتهية ولايته، مارك روته.

وخلال الحملة الانتخابية، تعهّد خيرت فيلدرز، بتعليق سياساته المناهضة للإسلام، إذ قدم صورة أكثر اعتدالاً للناخبين. لكنه لم يتراجع عن تعهده بوقف ما أسماه "تسونامي اللجوء"، وكذلك ترحيل المهاجرين غير الشرعيين والمطالبة بتصاريح عمل لمواطني الاتحاد الأوروبي.

وحتى الآن لم يعلن سوى حزب واحد يتمتع بعدد من المقاعد في البرلمان، وهو حركة المزارعين المواطنين (BBB) الذي حصل على سبعة مقاعد، عن استعداده للدخول في ائتلاف مشترك مع حزب الحرية.

كما يمثل الحزب الليبرالي (24 مقعداً)، وحزب العقد الاجتماعي الجديد (20 مقعداً)، بقيادة النائب السابق عن الحزب الديمقراطي المسيحي، بيتر أومتزيجت، أحد الخيارات المطروحة أمام فيلدرز لتشكيل الحكومة.

وللمرة الرابعة، يجتمع رئيس حزب الحرية مع ممثلي الأحزاب خلال الأسبوع الجاري، وهمّت المفاوضات بالأساس حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية (يمين وسط)، وحزب العقد الاجتماعي الجديد (يمين)، وحركة المزارعين المواطنين الناشئة (يمينية).

وقدم فيلدرز، تنازلاً رئيسياً، لشركاء الائتلاف المحتملين، معلناً سحب التشريع الذي اقترحه في عام 2018، والذي يدعو إلى فرض حظر على المساجد والقرآن.

وقد أعرب أحد زعماء تلك الأحزاب، وهو بيتر أومتزجت، من حزب العقد الاجتماعي الجديد، عن مخاوفه من أن بعض سياسات فيلدرز تنتهك الدستور الهولندي الذي يكرس الحريات، بما في ذلك حرية الدين والمعتقد.

وقال فيلدرز خلال مناقشة برلمانية: "في بعض الأحيان سأضطر إلى سحب المقترحات، وسأفعل ذلك من أجل هولندا".

ومن بين ثلاثة تشريعات ألغاها حزب فيلدرز، كان هناك تشريع يعود تاريخه إلى عام 2018 يقترح حظر "التعبيرات الإسلامية". ويصف نص مشروع القانون الإسلام بأنه "أيديولوجية عنيفة وشمولية" ويقترح حظر المساجد والقرآن والمدارس الإسلامية وارتداء البرقع والنقاب.

ولعل أبرز السيناريوهات المطروحة لتشكيل الحكومة، هو تشكيل ائتلاف يميني، يضم حزب من أجل الحرية، وحزب الحرية من أجل الديمقراطية، وحزب النداء الديمقراطي المسيحي، وتشغل هذه الأحزاب مجتمعة 81 مقعداً من أصل 150 مقعداً. 

لماذا نجح فيلدرز؟

تأسس حزب الحرية PVV في فبراير 2006، وهو معروف في الأوساط الهولندية بأفكاره اليمينية المتطرفة المناهضة للإسلام والهجرة والاتحاد الأوروبي. وفي انتخابات 2010 حقّق الحزب أحد أفضل إنجازاته بحصوله على 25 مقعداً من أصل 150 مقعداً في مجلس النواب، ما جعله ثالث أكبر الأحزاب.

ويوصف حزب الحرية،  بأنه "حزب يميني راديكالي شعبوي نموذجي"، يتميز بالعداء للمهاجرين (شكل من أشكال القومية المعادية للأجانب)، والاستبداد (الدعوة إلى "القانون والنظام") والشعبوية (التمحور حول الناس ومعاداة النخب). تاريخياً، استهدفت معتقداته القومية الإسلام في المقام الأول، وهو ما يعتبره الحزب مناقضاً للقيم العلمانية (الغربية)، حسبما نقله موقع the converstion.

وبفضل آرائه التي يعتبرها البعض "مزعجة"، وقصة شعره وكتاباته على منصة "إكس" التي تذكر بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، سيطر فيلدرز على قدر كبير من التغطية الإخبارية الدولية خلال الحملة الانتخابية الأخيرة.

وقال ماتيس رودوين، الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة أمستردام، لصحيفة "الجارديان": "عندما تنظر إلى ناخبي حزب الحرية بشكل عام، فإنهم يتألفون من أشخاص يواجهون المزيد من الصعوبات في تدبير أمورهم". "إنهم أكثر وحدة. يشعرون بأنهم مهملون. إنهم يعيشون حياة صعبة بشكل أساسي، اقتصادياً وثقافياً أيضاً".

وظل فيلدرز قوة ثابتة في السياسة الهولندية لأكثر من عقد من الزمن، كما شكل سقوط حكومة مارك روته، خلال عام 2021، على إثر فضيحة "إعانات رعاية الأطفال" والتي تفجّرت بعد اتهام الحكومة آلاف العائلات عن طريق الخطأ بإساءة استخدام أموال رعاية الأطفال التي تقدمها الحكومة ومطالبتهم بإعادتها، ضربة موجعة لحزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية (ليبرالي محافظ) الذي كان دوماً يحقّق نتائج متقدمة في الانتخابات.

وشكّل هذا التراجع فرصة مواتية أمام حزب الحرية لمهاجمة خصومه السياسيين، خصوصاً الذين يشكلون التحالف الحكومي مع روته، إذ أظهرت استطلاعات الرأي تحوّل الحزب إلى أحد أهم اللاعبين الرئيسيين داخل المشهد الهولندي.

وفيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، يتبنى حزب الحرية، شوفينية الرعاية الاجتماعية، ولا سيما من خلال التركيز بقوة على خفض تكاليف المعيشة للشعب الهولندي الأصلي في الفئات ذات الدخل المنخفض والمتوسط، إلى جانب الدعوة إلى تحسين الرعاية الصحية لكبار السن الهولنديين.

وساهمت عدة عوامل أساسية في نجاح حزب الحرية، كما يقول سيمون أتجيست وهو أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة لايدن الهولندية، أولها استياء الناخبين الهولنديين من الفضائح الكبرى لحزب الائتلاف المسيحي الديمقراطي، ومفاوضات الائتلاف المضطربة لعام 2021.

مشهد سياسي متفرق

وتقول إيستير بارندرخت، كبيرة المستشارين الاقتصاديين في مركز "رابوبنك" الهولندي في تصريحات لـ"الشرق"، إن هولندا اعتادت على "مشهد سياسي متفرّق، بسبب نظامها الانتخابي، فمنذ الحرب العالمية الثانية، كانت كل حكومة عبارة عن ائتلاف يتكون من حزبين على الأقل. وعلى مدى السنوات الأخيرة، أصبح البرلمان أكثر انقساماً، حيث يضمّ مجلس النواب الآن 15 حزباً".

وتضيف بارندرخت في تفسيرها لأسباب نجاح اليمين المتطرف في هولندا، أن جزء كبير من الناخبين الهولنديين يدعمون القيود المفروضة على الهجرة واللجوء، في حين يميلون اقتصادياً أكثر نحو اليسار، مشيرة إلى أن هذا التقارب بين القضايا أثبت أنه مفيد لحزب الحرية، حيث حقق مكانة جيدة في السوق الانتخابية الهولندية.

وفور الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات، عبّر عدد من الأحزاب بما فيها حزب الشعب من أجل الحرية، وحزب العقد الاجتماعي الجديد، عن رغبتهما في التعاون مع الحزب الفائز لتشكيل حكومة ائتلافية، وهو ما اعتبره تيجس روتين، عضو الحزب العمالي الهولندي "خطأً كلاسيكياً مكلفاً، وهو الاستسلام لخطاب اليمين المتطرف من خلال تصديق سردهم جزئياً، وبالتالي تعميم وجهات نظر اليمين المتطرف في الخطاب السياسي العام في هولندا"، وفق خطاب منشور في الموقع الرسمي الحزب.

وسواء تمكن فيلدرز من تشكيل حكومة أم لا، فمن المرجح أن تستغرق عملية التفاوض وقتاً طويلاً جداً، حيث استغرقت عملية تشكيل الحكومة خلال عام 2021، 299 يوماً، كما من الراجح أنه سيكون ضمن الائتلاف الحاكم خلال الأربع الأعوام المقبلة.

وتشدد بارندرخت في تصريحات لـ"الشرق"، على أنه في انتخابات نوفمبر، كان حزب الحرية هو الفائز وضوحاً، إذ فاز بحوالي ربع الأصوات، لكنه لا يزال بحاجة إلى تشكيل ائتلاف مع حزبين آخرين على الأقل من أجل ضمان الأغلبية في مجلس النواب، وهذا يعني أن صنع السياسات يتطلب تقديم تنازلات.

وبدأت محادثات استكشافية بين أربعة أحزاب يمينية، ثلاثة منها لم تشارك قط في حكومة من قبل. وتركز المحادثات على إيجاد أرضية مشتركة بشأن الضمانات الدستورية والحقوق الديمقراطية الأساسية، مما يوضح عمق الخلافات السياسية بين حزب الحرية اليميني المتطرف وباقي الأحزاب الائتلافية.

وتتوقع المحللة الهولندية في تصريحات لـ"الشرق"، أن يشتد الموقف الهولندي تجاه الاتحاد الأوروبي في ظل الائتلاف الذي يقوده حزب الحرية، مقارنة بالحكومات السابقة، مضيفة أن دعوة حزب الحرية إلى إجراء استفتاء بشأن عضوية هولندا في الاتحاد الأوروبي، غير دستورية، فضلاً عن ذلك فإن الدعم الشعبي للاتحاد الأوروبي مرتفع فعلياً بين الهولنديين.

وأعزت الخبيرة ذاتها، الانتصار الساحق الذي حققه حزب من أجل الحرية إلى تطبيع خطابات اليمين المتطرف، وهو ما يمكن ملاحظته في وسائل الإعلام وداخل أحزاب يمين الوسط على مدى العقود الماضية.

غياب الرؤية الاقتصادية

تعاني هولندا مثل باقي دول الاتحاد الأوروبي من انكماش اقتصادي خانق وهو ما دفع الحكومة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات التقشفية، إذ من المرجح أن يؤدي ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة إلى فترة طويلة من الارتباك الاقتصادي، فيما تشير التوقعات إلى تحقيق هولندا معدل نمو لا يتجاوز 0.8% خلال عام 2024.

ويعاني الاستثمار من ارتفاع أسعار الفائدة، كما يعاني استهلاك الأسر من ارتفاع معدلات التضخم، وتتعرقل الصادرات بسبب انخفاض الإنفاق من جانب الشركاء التجاريين الرئيسيين.

وتتعرض إمكانات النمو على المدى الطويل لضغوط حيث من غير المرجح أن يرتفع إجمالي العمالة في ساعات العمل بشكل أكبر، ويرجع ذلك أساساً إلى "شيخوخة السكان". وبالتالي فإن النمو سيعتمد على مكاسب الإنتاجية، حيث تلعب الحكومة دوراً تحفيزياً وتيسيرياً مهماً، وفق مركز الأبحاث الهولندي "رابوبانك".

وتشير إيستير بارندرخت، كبيرة المستشارين الاقتصاديين في مركز "رابوبنك" الهولندي، إلى أنه من المقرر أن يرتفع عجز الموازنة السنوية إلى أكثر من 3% في السنوات المقبلة، مضيفة أن ذلك يعني "تقليص هامش المناورة للحكومة المقبلة"، كما استبعدت أي إنفاق إضافي بموجب القواعد المالية الأوروبية، وفي نظر أحزاب الائتلاف المحتملة الأكثر تحفظاً مالياً. 

وشددت بارندرخت في تصريحات لـ"الشرق"، على أن الدين العام الهولندي منخفض نسبياً عند أقل من 50% من الناتج المحلي الإجمالي.

ونتيجة لهذا، لا تتوقع المحللة والخبيرة الاقتصادية، أي تحسن في العجز المالي في ظل التحالف المحتمل بقيادة حزب الحرية، في نفس الوقت لا تتوقع حدوث تدهور قوي، مضيفة أنه "لن يكون للسياسة المالية تأثير يذكر على النمو الاقتصادي في الأمد القريب، حيث أن سوق العمل الذي لا يزال متشدداً للغاية يحد من إمكانات الصعود والإقلاع".

وبالنظر إلى ما هو أبعد من المدى القصير، تقول بارندرخت إن الاقتصاد الهولندي يواجه عدداً من التحديات الهيكلية مثل تحول الطاقة، وتباطؤ نمو الإنتاجية، وشيخوخة السكان، والمطالبات المتنافسة على مساحة متفرقة على سبيل المثال.

ويتمثل التحدي المباشر في مفاوضات تشكيل الحكومة في تحديد موقف كل حزب من الميزانية، إذ تقول المحللة الهولندية، إن حزب الحرية لديه قائمة أمنيات "باهظة الثمن" تتضمن زيادة الإنفاق العام على المعاشات التقاعدية وتكاليف المعيشة.

من جانبه، وصف محمد أمزيان، الكاتب والصحافي المقيم في هولندا، خلال تصريحات لـ"الشرق"، فوز حزب الحرية، بـ"زلزال سياسي" في هولندا، مضيفاً أن "فيلدرز سياسي محنك، وقد قضى نصف حياته السياسية في دهاليز السياسة في العاصمة الإدارية لاهاي، ويعرف خبايا التحالفات والمناورات، كما أن مواقفه المعادية للمكون الديني الإسلامي في المجتمع الهولندي لم تتغير، بل زادت تجذراً وعنفاً وعنصرية". 

مخاوف من صعوبات تجاه المسلمين

وقال أمزيان إن زعيم حزب الحرية لا يخجل من استخدام مصطلحات عنصرية يجرمها القانون، و"اللجوء إلى لغة استفزازية حينما يتحدث عن الإسلام كدين يتبعه ما يقارب المليون هولندي (حوالي 6%) من مجموع السكان، ويصف النبي محمد بأقذع الأوصاف، والقرآن بكتاب فاشي، يجب منع تداوله بالقانون، على غرار كتاب كفاحي لأدولف هتلر الذي يمنع تداوله القانون الهولندي".

وعلى الرغم من أن فيلدرز "خفف" من حدة لهجته تجاه الإسلام والمسلمين بعد ظهور نتائج الانتخابات، في محاولة منه لإيجاد "حلفاء" سياسيين يشكل بهم تحالفه الحكومي وأغلبيته البرلمانية، إلا أن المحلل الهولندي، يعتبر أن المسلمين "يخشون من أن يكون هذا الفوز، بداية حقيقية لمتاعبهم، وخشيتهم على مستقبلهم".

ويعارض حزب فيلدرز، المدارس الإسلامية رغم سماح القانون بتأسيسها، ويدعو صراحة إلى إغلاق المساجد واعتبار المتدينين "إرهابيين"، ومنع ارتداء الحجاب في المدارس والإدارات والأماكن العامة.

وقال أمزيان إن "صدمة فوزه في الانتخابات ستظل قوية، لأن أفكاره أضحت "عادية" ومقبولة في المجتمع الهولندي الذي كان يعرف بالتسامح والانفتاح وتقبل الآخر".

وتابع بقوله: "هي ريح مشؤومة تهب على أوروبا. ريح شعبوية تؤجج العواطف. فيلدرز خيّر أتباعه بين الرفاهية والتبعية؛ التبعية لبروكسل أي لمنظومة الاتحاد الأوروبي. خيرهم بين الاستفادة من مواردهم أو صرفها على الحرب بين أوكرانيا وروسيا. فيلدرز كان قد دعا إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي قبل التراجع عن هذه الفكرة، ولو أنه يدافع بشراسة عن (استعادة) هولندا لسلطة اتخاذ قرارها من بروكسل".

تصنيفات

قصص قد تهمك