"ضربات أربيل" تدفع اتفاق العراق وإيران الأمني نحو "تفاهمات جديدة"

time reading iconدقائق القراءة - 8
عنصر من قوات الأمن العراقية يقف على الجانب العراقي من معبر مندلي الحدودي بين العراق وإيران. 11 يوليو 2020 - REUTERS
عنصر من قوات الأمن العراقية يقف على الجانب العراقي من معبر مندلي الحدودي بين العراق وإيران. 11 يوليو 2020 - REUTERS
بغداد -إدريس جواد

لم تمض سنة كاملة على الاتفاق الأمني بين العراق وإيران، الموقع في مارس 2023، حتى فتحت بغداد باباً لتعديل بنوده بعد قصف نفذه الحرس الثوري الإيراني على القنصلية الأميركية، وقاعدة حرير الجوية، ومواقع أخرى في إقليم كردستان العراق، كان آخرها الثلاثاء الماضي، عندما استهدفت طهران ما وصفته بأنه "مراكز تجسس وتجمعات لجماعات إرهابية مناهضة لإيران" في أربيل.

واعتبر العراق، قصف أربيل بعدد من الصواريخ، "عملاً عدوانياً يقوض العلاقة القوية بين العراق وإيران"، واستدعت الخارجية العراقية سفيرها في طهران، للتشاور، كما استدعت القائم بالأعمال الإيراني في بغداد لتسليمه "مذكرة احتجاج"، وقررت تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ضد طهران.

وقال مسؤول عراقي رفيع المستوى لـ"الشرق"، الثلاثاء الماضي، إن بلاده تطلب "تعديلات جديدة" على الاتفاق الأمني، وأن اللجنة الأمنية العليا بين البلدين تدرس "خيارات جديدة" للاتفاق الذي خرقته طهران بهجومها الأخير على إقليم كردستان.

ولفت المسؤول العراقي، إلى أن أحد بنود الاتفاق الأمني كان ينص على "عدم إطلاق أي نار أو تنفيذ أي عمليات تجاه الأراضي العراقية دون إشعار الحكومة المركزية، أو طلب تنفيذها منها".

وبموجب الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في، أكتوبر الماضي، أخلى العراق المقار التي كانت تشغلها مجموعات معارضة إيرانية قرب الحدود مع إيران، بشكل نهائي ونقلها إلى مكان بعيد عن الحدود، كما نزع الأسلحة من المعارضين تمهيداً لاعتبارهم لاجئين وفق ضوابط مفوضية اللاجئين، وانتشرت القوات الاتحادية العراقية في تلك المناطق بشكل دائم، ورفعت العلم العراقي عليها.

رئيس خلية الإعلام الأمني العراقية، تحسين الخفاجي، أكد أن العراق "أبدى التزاماً كبيراً في تنفيذ الاتفاق الأمني مع طهران منذ اليوم الأول لتوقيعه، ولدينا علاقات متطورة جداً في مجال الحدود، وهو ما انعكس على العمل الذي يجري على الحدود المشتركة".

وأضاف الخفاجي في تصريحات لـ"الشرق"، أن "القوات الأمنية العراقية عملت على إنشاء سدة ترابية على هور الحويزة من أجل ضبط الحدود ومنع التهريب وعمليات التسلل، وكذلك بناء المخافر الحدودية وزيادة قوات حرس الحدود"، مؤكداً أن "تلك الإجراءات في تطور مستمر شهراً بعد آخر للوصول إلى مرحلة تمكن الجيش العراقي من تأمين كافة الحدود".

مواجهة معارضي طهران

أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إياد العنبر،  أشار إلى أن الاتفاق الأمني "لا يمنح إيران الحق في قصف أي مقار على الأراضي العراقية بدعوى أنها تشكل تهديداً للأمن القومي الإيراني"، موضحاً أن "الاتفاق الأمني بين البلدين محصور بمواجهة معارضة طهران التي كانت تشكل تهديداً لها، أو يتهمها النظام الإيراني بتنفيذ عمليات داخل الأراضي الإيرانية أو قرب الحدود مع إقليم كردستان العراق"، مؤكداً أنه عدا ذلك لا يوجد اتفاق يبيح لإيران استخدام صواريخ أو طائرات لاستهداف مقار داخل العراق.

واعتبر العنبر في تصريحات لـ"الشرق"، أن "الإيرانيين يستخدمون الاتفاق لتبرير الضربات الصاروخية التي استهدفت أماكن مدنية في أربيل".

وتابع: "إيران تتمتع بنفوذ سياسي واضح وصريح في العراق، وهي فاعل أساسي في القرار السياسي العراقي، ومن الضروري أن يقتنع صانع القرار العراقي بأهمية فك الارتباط بين رؤية الأمن القومي الإيراني ومشكلات إيران مع جوارها الإقليمي والأطراف الدولية التي تختلف معها في السياسات والتوجهات، بعيداً عن العراق".

وأشار العنبر، إلى أن "الاتفاقية لا يمكن تعديلها أو الإضافة إلى بنودها؛ لأنها في الأساس مرتبطة بوجود المعارضة الإيرانية داخل العراق، وهي نقطة أساسية"، لافتاً إلى أن "ردع هذه العناصر يجب أن يكون في المستوى السياسي والقانوني بعيداً عن الخيار العسكري".

من طهران، قال الباحث في الشؤون السياسية، محمود شاوردي، إن "الاتفاقية ستبقى سارية المفعول بين الطرفين، على الرغم من الضربة الإيرانية، لأنها تشكل الإطار العام والرسمي للتعاون الأمني بين طهران وبغداد في حل القضايا الأمنية، ومن بينها العمل على إجهاض الأنشطة التي تستهدف الأمن القومي الإيراني".

تفاهمات جديدة

وأضاف شاوردي في تصريحاته لـ"الشرق"، أنه "من المحتمل تشكيل لجان بين البلدين في المستقبل، للوصول إلى تفاهمات جديدة لمعالجة بعض الإشكاليات التي لا تزال عالقة في مجال التعاون الأمني بين الجانبين، من بينها أن بغداد لم تستطع تحييد مجموعات تحمل السلاح وتستخدم العنف والقتل داخل الأراضي الإيرانية عبر التغلغل من الحدود العراقية".

وتابع: "هذه المجموعات تتعاون مع إسرائيل الخصم اللدود ضد الأمن والمصالح الإيرانية من خلال استضافة هذه المجموعات عناصر تابعة للموساد الإسرائيلي داخل أربيل والتنسيق معه ضد إيران".

وأشار شاوردي، إلى أن "إيران لم تُبلغ بشكل رسمي برغبة العراق في تعديل الاتفاق، وإذا اتفق الجانبان على التعديل، فإن ذلك يحتاج إلى اجتماعات مشتركة لبحث الأمر".

واعتبر أن "القضية بالنسبة إلى إيران سهلة وبسيطة وغير معقدة، وأنها تريد من بغداد فقط منع الجماعات الكردية الإيرانية الانفصالية من استخدام الأراضي العراقية في تنفيذ أنشطة تخريبه وعدائية ضد إيران، ومن حق إيران أن تطالب جارتها بألا تسمح لأي جماعة بأن تهدد أمنها"، وفق تعبيره. 

ورداً على سؤال بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين بعد القصف الأخير، قال شاوردي، إن "الهجوم الصاروخي الأخير، لن يؤثر سلباً على مستقبل التعاون بين البلدين، على الرغم من أنه أثار حساسيات في العراق".

علاقات طهران بالحشد الشعبي

ونفى شاوردي أن "تكون لطهران علاقات مع فصائل الحشد الشعبي خارج إطار سلطة الحكومة العراقية"، مؤكداً أن "العلاقات مع بغداد رسمية، وتأتي عبر قنوات رسمية في إطار التعاون الرسمي بين البلدين، وليست خارجه".

وأشار إلى أن "حضور إيران في العراق خلال الأعوام الماضية، جاء بعد تلقيها طلباً رسمياً من الحكومة العراقية، وكانت الأنشطة العسكرية الإيرانية تنفذ بتنسيق تام مع الجهات المعنية العراقية".

وأشار شاوردي إلى أن "إيران تعتقد أن السماح للجماعات المعادية لها سواء الكردية أو غيرها، بتنفيذ عمليات في طهران، لا يؤثر على الأمن في إيران فحسب، بل من المحتمل أن يشكل خطراً مستقبلياً على وحدة وسلامة الأراضي العراقية، من خلال دغدغة مشاعر الأكراد الراغبين في الانفصال عن العراق، وتعزيز النزعة الانفصالية داخل إقليم كردستان، وهذا يعتبر خطراً أمنياً على 4 دول، هي إيران وتركيا وسوريا والعراق، ويفتح المجال لمزيد من التغلغل بالنسبة لأميركا وإسرائيل في كردستان، باعتبارها منطقة ذات حدود مشتركة مع الدول الأربع".

تصنيفات

قصص قد تهمك