تصريحات البابا عن أوكرانيا تربك جهود الفاتيكان الدبلوماسية

البابا فرنسيس دعا كييف إلى "رفع الراية البيضاء"

time reading iconدقائق القراءة - 5
البابا فرنسيس يترأس صلاة التبشير من كنيسة سانتا مارتا بالفاتيكان. 26 نوفمبر 2023 - REUTERS
البابا فرنسيس يترأس صلاة التبشير من كنيسة سانتا مارتا بالفاتيكان. 26 نوفمبر 2023 - REUTERS
باريس-أ ف ب

أثار البابا فرانسيس بابا الفاتيكان جدلاً واسعاً بدعوته أوكرانيا إلى رفع "الراية البيضاء" والتفاوض مع روسيا لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، في تصريح طغى على الجهود الدبلوماسية الخفية لحاضرة الفاتيكان.

وفي مقابلة مع قناة التلفزيون السويسري "آر تي إس" بثت السبت، دعا البابا فرانسيس (87 عاماً) أوكرانيا إلى "رفع الراية البيضاء والتفاوض"، من أجل إنهاء الحرب "قبل أن تتفاقم الأمور".

وأثارت هذه الدعوة غضب كييف التي اتهمته بـ"إضفاء الشرعية على حق الأقوى"، وذهبت إلى حد استدعاء مبعوث الفاتيكان.

كما أثارت تصريحات البابا انتقادات واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ ظهرت حسابات مؤيدة لأوكرانيا تمثله بوجه فلاديمير بوتين أو ملوناً بألوان العلم الروسي.

على الرغم من دعواته المتكررة للسلام منذ الغزو الروسي في فبراير 2022، يعرب مراقبون بما في ذلك في روما عن أسفهم لأن خطبه تثير التباساً.

وقال مصدر في الفاتيكان طالباً عدم كشف هويته إن "العبارة المؤسفة هي الراية البيضاء وهي مرادف للاستسلام". وأضاف أن ذلك "شكل مفاجأة لكثير من الناس".

وسعى الفاتيكان إلى تصحيح الوضع عبر الإصرار، على أن عبارة "الراية البيضاء" في دعوة البابا تعني "وقف الأعمال العدائية" وليس الاستسلام. وتدخل بيترو بارولين وزير الخارجية والرجل الثاني في الفاتيكان، بنفسه لمحاولة إخماد الحريق.

وقال الكاردينال الإيطالي في مقابلة مع صحيفة "إل كورييري ديلا سيرا"، الثلاثاء، إن "الشرط الأساسي" للتوصل إلى حل تفاوضي هو "وضع حد للعدوان" وإسكات الأسلحة، "والأمر يعود للمعتدي أولاً للقيام بذلك".

مع ذلك، هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها رأس الكنيسة الكاثوليكية جدلاً بتصريحات علنية عن النزاع. ففي نهاية 2022، اعتذر الفاتيكان لموسكو بعد تعليق على السلوك الذي وصف بالقاسي للأقليات العرقية الروسية.

"يتحدث كثيراً"

هل هي هفوات صغيرة أم خطأ في التقدير؟ خلافاً لأسلافه الذين كانت لديهم "ثقافة الدبلوماسية الغربية"، يمتلك البابا الأرجنتيني "نظرة غير أوروبية، بما لذلك من فوائد وحدود أيضاً"، على قول فرنسوا مابيل، مدير المرصد الجيوسياسي للدين في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس.

وقال الإيطالي ماركو بوليتي المقيم في الفاتيكان إن "فرانسيس معزول دبلوماسياً في منطقة حلف شمال الأطلسي (ناتو)" وإن كان "على الموجة نفسها مع غالبية الدول في العالم".

وهذه التصريحات تصدر غالباً أثناء المقابلات. وقال فرنسوا مابي إن يوحنا بولس الثاني يرتجل قليلاً و"بنديكتوس السادس عشر رجل الكلمة المكتوبة"، لكن فرانسيس "بابا يتحدث كثيراً" بما في ذلك للصحافة، ما يضاعف خطر سوء الفهم.

وأكد الباحث أن فرانسيس "رجل سلام بشكل أساسي"، و"بابا نشيط أكثر من كونه رئيس دولة كما عهدنا من قبل".

ويواجه أسقف روما باستمرار انتقادات بسبب انفراده في ممارسة السلطة، ويدير اتصالاته الخاصة متخلياً عن مؤسسة الفاتيكان.

وقال مابيل إنه نتيجة لذلك "نرى نوعاً من الانفصال بين أقوال البابا وتصريحات الجهاز الدبلوماسي". وأضاف أن "سكرتارية الدولة (الجهاز المركزي لحكومة الكرسي الرسولي) تضطر بشكل منهجي لمحاولة إفهام الناس تصريحاته".

ويعود آخر تصريح من هذا النوع له إلى أغسطس 2023، عندما دعا خورخي بيرجوليو الشباب الكاثوليك الروس إلى المطالبة بإرث "روسيا العظيمة" في عهد بطرس الأكبر وكاترين الثانية.

وقد اتهمته كييف بتبني "الدعاية الإمبريالية" لموسكو، ما أجبر الكرسي الرسولي على التوضيح.

"توازن هش"

يصلي البابا كل أسبوع من أجل "أوكرانيا الشهيدة"، ويحاول في الوقت نفسه الحفاظ على توازن دبلوماسي هش، بينما يقوض النزاع فعلياً الحوار مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ورأسها البطريرك كيريل المقرب من فلاديمير بوتين.

لكن آلية التحكيم التابعة للكرسي الرسولي، والتي برعت في الماضي كما حدث أثناء التقارب بين كوبا والولايات المتحدة في 2014، تبدو عاجزة في القضية الأوكرانية، مثلما حدث مع محاولات الوساطة الأخرى.

وبالإضافة إلى مناشدات البابا التي ذهبت أدراج الرياح، مرت الجولة الدبلوماسية التي قام بها مبعوثه الكاردينال الإيطالي ماتيو زوبي، من دون أن يلاحظها أحد على الرغم من توقفه في واشنطن وكييف وموسكو وبكين.

وفي هذا الإطار، يحاول البابا فرانسيس التكيف مع شكل من أشكال "السياسة الواقعية"، بينما يذكّر ماركو بوليتي بأن "جزءاً كبيراً من الرأي العام الأوروبي وحتى الأميركي لا يريد أن يُنهَك بحرب استنزاف، أو ينهار اقتصادياً".

تصنيفات

قصص قد تهمك