الحشاشين.. ماذا نعرف عن العالم السري لطائفة حسن الصباح؟

time reading iconدقائق القراءة - 14
الفنان المصري كريم عبد العزيز في لقطة من مسلسل الحشاشين - facebook.com/KarimAAOfficial
الفنان المصري كريم عبد العزيز في لقطة من مسلسل الحشاشين - facebook.com/KarimAAOfficial
دبي-أيمن شعبان

احتلت "طائفة الحشاشين" مساحة جدلية في التاريخ الإسلامي، ودار المؤرخون في فلك روايات مشوشة، إذ يصف بعضهم الطائفة بـ"المدمنين المتعطشين للقتل والدماء"، ويراهم آخرون فرقة دينية قاومت السلطة "العباسيين والسلاجقة والفاطميين" أحياناً، ووقفت ربما في وجه الغزاة "التتار والصليبيين"، لكن الإجماع كان أن دعوة زعيمهم حسن الصباح الرئيسية، كانت نشر الطريقة الإسماعيلية الشيعية.

وعادت طائفة الحشاشين للواجهة، وتصدرت اهتمام كثير من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث، مع بداية شهر رمضان، وبدء عرض مسلسل "الحشاشين" من بطولة الفنان المصري كريم عبد العزيز.

وأثارت طائفة الحشاشين جدلاً كبيراً خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلادي، بعدما أسسها وتزعمها، حسن الصباح، واتخذت من قلعة حصينة وسط الجبال بشمال إيران، مركزاً للدعوة إلى المذهب الإسماعيلي، وكسبت الطائفة أتباعاً في إيران، وبلاد الشام، ومصر، ما جعلها تصطدم بعدد من الحكام، لطريقتها العنيفة، واغتيالها لعدد من الشخصيات السياسية والدينية.

ويرى أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور أيمن فؤاد في حديث لـ"الشرق"، أن طائفة الحشاشين المنبثقة عن المذهب الإسماعيلي هي "أول فرقة نفذت الاغتيالات السياسية المنظمة في الإسلام"، نظراً لنشأتها في ظل توترات كبيرة، ومطاردة أتباعها من قبل عدة جهات أبرزهم السلاجقة الأتراك المنتمين للمذهب السني، ثم الصليبيين الذين تحالفوا معهم في البداية لمواجهة صلاح الدين الأيوبي في مصر، ومحاولة اغتياله، ثم الانقلاب عليهم.

ووصف أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة القاهرة الدكتور محمد عفيفي في حديث لـ"الشرق"، طائفة الحشاشين بـ"جماعة سرية إرهابية تبنت سياسة العنف، والقتل بالفتوى"، مضيفاً أن "تنظيمات الإسلام السياسي أغلبها خرج من رحم الحركة، وتبنت نهجها في استغلال الدعوة للقيام بأعمال عنف، وتغيير المجتمع بالتخريب".

 أخطر فرقة سرية في الإسلام

وفي كتابه "حركة الحشاشين.. تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي"، يقول الدكتور محمد عثمان الخشت، الرئيس الحالي لجامعة القاهرة المصرية: "ثبت لدينا بالدليل القاطع أن الحركة بريئة تماماً من تناول الحشيش المخدر، وأن السبب الواقعي لتسميتها بهذا الاسم كما حققنا يرجع إلى مواقف صمودية كانت تقف في مواجهة ضروب الحصار التي كانت تفرضها عليها الجيوش لمدد طويلة، فكان يصمد الرجال في قلاعهم حتى بعد نفاد المؤن والأطعمة، معتمدين في طعامهم فقط على أكل الحشائش (العشب أو الكلأ)، ومن هنا جاءت تسميتهم بالحشاشين". 

وفي المقابل أورد المؤرخ البريطاني برنارد لويس في كتابه "الحشاشون"، رسالة قس ألماني يدعى برو كاردوس رفعها إلى الملك فيليب السادس ملك فرنسا خلال تخطيطه للحملات الصليبية على المنطقة، قال فيها إن "الحشاشين يبيعون أنفسهم، ويتعطشون للدماء البشرية، ويقتلون الأبرياء مقابل أجر.. هم قتلة مأجورين سريين من نوع خطر وذوي مهارة خاصة".

ونقل برنارد لويس في كتابه "الحشاشون"، رسائل للصليبيين جاء فيها: "هذه السلالة من الرجال يعيش أفرادها بلا قانون، وهم يأكلون لحم الخنزير الذي تحرمه شريعة العرب، ويأتون المحارم من أمهاتهم وأخواتهم، ويعيشون في الجبال في شبه منعة كاملة وراء أسوار قلاعهم الحصينة، ولهم سيد يلقي الرعب في قلوب كل الأمراء العرب".

وعن تسمية "الحشاشين" قال الدكتور أيمن فؤاد لـ"الشرق"، إنه لقب أطلقه عليهم أعدائهم الغربيون، وأوردها الرحالة ماركو بولو، وبعض الكتابات الغربية، ولكن المصادر المرتبطة بالمذهب الشيعي، لا تذكرهم بهذا الاسم.

وأوضح فؤاد لـ"الشرق"، أن بداية ظهور الحشاشين، كطائفة منظمة، في القرن الحادي عشر الميلادي، حيث كان الاضطراب السني الشيعي، سمة العصر في هذه الحقبة التاريخية، ويبرز اسم حسن الصباح، مؤسس الفرقة، الذي ترجح أغلب الروايات مولده في العام 1037 الميلادي، بمدينة قم جنوبي العاصمة الإيرانية طهران، أحد مراكز الشيعة الإثنى عشرية، ثم انتقلت عائلته إلى الري مركز نشاطات طائفة الإسماعيلية، وهناك اعتنق الطريقة، وعمره 17 عاماً تقريباً.

بدوره قال عفيفي: "حسن الصباح، هو المؤسس الحقيقي للفرقة السرية التي أثارت الرعب فى العالم لعقود طويلة، وكانت بداياته عادية لا تبشر بتحوله إلى زعيم إرهابي إذ بدأ مهتماً بالعلم والفلسفة، لكنه تحول لأهم جماعة سرية إرهابية تتحصن بالقلاع الشاهقة، ويهبط أتباعها للقيام بعمليات اغتيال إرهابية تبث الرعب فى قلوب الناس، ووصفها المستشرق الأميركى برنارد لويس، بـ(التنظيم الإرهابي الأول في الإسلام)".

أسطورة الأصدقاء الثلاثة

وتربط الروايات بين ثلاثة أسماء: حسن الصباح زعيم طائفة الحشاشين، ونظام الملك، وزير ألب أرسلان سلطان السلاجقة الذين حكموا معظم إيران، وأجزاء من الشام في القرن الحادي عشر الميلادي، وعمر الخيام، الشاعر والعالم الفلكي، والذي غنت الفنانة المصرية الراحلة أم كلثوم رباعيته في خمسينيات القرن الماضي، عن ترجمة الشاعر المصري أحمد رامي.

وقال "عفيفي" لـ"الشرق"، إن هناك روايات تؤكد أن الصباح كان على صلة بالشاعر الفارسى الشهير عمر الخيام، فيما أورد "الخشت" في كتابه، إحدى المرويات عن علاقة الشخصيات الثلاث، تقول إنهم كانوا أصدقاء طفولة، و"أقسموا وهم صغار يطلبون العلم أن يقتسموا جميعاً ما عسى أن يواتي أي أحد منهم من حظ طيب"، وكان أولهم وصولاً، نظام الملك، وبعدما أصبح وزيراً للدولة السلجوقية، طالبه زميلاه بالوفاء بالعهد، فعرض على كل منهما تولي إحدى الولايات، ولكن كلاهما رفض لسبب مختلف، فعمر الخيام كان يريد الحصول على راتب سنوي يمكنه من حياة الشعر والفكر والتأمل، بعيداً عن مسؤوليات الحكم وهمومه، وأما حسن الصباح فكان يتطلع إلى منصب في بلاط الحكم، أملاً في الوصول لمنصب وزير. 

ويستدرك الخشت، قائلاً إن "هذه الرواية يشوبها البطلان، بسبب أدلة عدة يسوقها التحليل التاريخي، فمن المستبعد أن يكون حسن الصباح صديق دراسة لنظام الملك، فالأخير ولد قبل الأول بحوالي 20 عاماً، فضلاً على أن المصادر التاريخية تنص على أن زعيم الحشاشين تلقى تعليمه بمدينة الري، وليس نيسابور التي تعلم بها وزير الدولة السلجوقية".

وتابع: "لكن عمر الخيام تاريخ مولده مجهول مما يجعل من الصعب استبعاد صداقته بحسن الصباح تحديداً، خاصة وأن تاريخ وفاتهما متقارب (عمر الخيام توفي 515 هجرية، وحسن الصباح 518 هجرية)، كما أن مشربهما العلمي واحد، فكلاهما درس الرياضيات، والفلك، وعلوم الدين، والفلسفة".

ويوضح كتاب "حركة الحشاشين" أن نظام الملك أو أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، أصبح العدو الأول والخصم اللدود لحسن الصباح، وله مؤلف شهير في النثر الفارسي هو "سياسة ناما" أي "كتاب فن الحكم" ويوصي فيه الشعب والملك التمسك بأصول الدين، وحارب حركة الحشاشين حرباً لا هوادة فيها لأنه كان يرى أنها تهدد وحدة الدولة.

سيرة حسن الصباح

وعودة إلى سيرة حسن الصباح، تقول الروايات إنه عقب رحلة من التنقل لطلب العلم وحشد أنصار دعوته، بدأت في 1072 من غرب إيران والعراق، فمدينة أصفهان، ثم مصر التي وصلها في 1079، حيث شمله حاكمها الفاطمي المستنصر، برضاه، وارتبط بعلاقة وثيقة بـ"نزار بن المستنصر"، ولم تدم إقامته أكثر من 18 شهراً، أمام اضطهاد قائد الجيش بدر الجمالي، الذي كان يخشى من نفوذه، فقرر المغادرة.

وركب ابن الصباح سفينة من الإسكندرية في 1080، ووصل في النهاية - بعد رحلة خطرة كاد يغرق فيها أمام شواطئ الشام - إلى مدينة أصفهان، وأخذ يدعو لمذهبه، ولنزار "أكبر أولاد الخليفة المستنصر الفاطمي" في إيران.

وتنقل "الصباح" داخل إيران تقريباً تسع سنوات، ثم قرر نشر الدعوة منطلقاً من إقليم الديلم ومازندران، وكان يتفادى المدن في تنقلاته ودعوته، ويفضل أن ينتقل عبر الصحراء، حتى استقر في منطقة دامغان، وحوّلها إلى قاعدة للدعوة الإسماعيلية، يبعث منها الدعاة إلى المناطق الجبلية لجذب الناس، واستمر حتى أصبح خطراً داهماً على الوجود السلجوقي في إيران، ما دفع الوزير نظام الملك للتخطيط لاعتقاله، لكنه تمكن من الهرب إلى قزوين.

قلعة ألموت

وتقول الروايات، إن حسن الصباح في تنقلاته لم يهدف فقط لنشر دعوته وكسب الأنصار، بل للعثور على مكان مناسب يحميه من مطاردات السلاجقة، ويتمكن من جعله قاعدة مستقرة وآمنة لنشر دعاته في إيران، لذا عزف عن المدن، ثم وجد هدفه في قلعة ألموت.

وقلعة ألموت كما أورد كتابي "حركة الحشاشين" و"الحشاشون"، كانت حصناً قديماً فوق صخرة عالية في منطقة وعرة وسط الجبال على ارتفاع يبلغ حوالي 6 آلاف متر بهضبة الديلم، شمال إيران، وبُنيت بطريقة شديدة الإحكام، فليس لها إلا طريق واحد فقط للوصول إليها، مما يصعّب على الغزاة اقتحامها، ولم يعرف على وجه الدقة أول من بنى هذه القلعة، ويقال إن من بناها هو أحد ملوك الديلم القدماء وأسماها (ألوه أموت) ومعناها "عش النسر"، ثم جددها أحد حكام المنطقة المحليين سنة 860م، واستولى ابن الصباح عليها في 1090.

رواية ماركو بولو

هناك رواية متداولة للمستكشف الإيطالي مارك بولو عن قلعة ألموت كتبها حوالي 1272، يقول فيها إن "شيخ الجبل الذي يطلقون عليه في لغتهم (علاء الدين)، قد عزل وادي بين جبلين ثم حوله إلى حديقة غناء، وزرع فيها كل أنواع الفاكهة، وتوجد بها أنهار من من خمر ولبن وعسل مصفى، فضلاً عن أنهار الماء".

ويضيف: "جعل شيخ الجبل، نساء فاتنات، يقمن بخدمة من بالحديقة والتسرية عنهم، حيث يتقن عزف الموسيقى، ويغنين بأصوات رائعة، ويرقصن رقصات تذهب العقول، وكان يريد من وراء ذلك، بأن يقنع أنصاره بأن هذه هي الفردوس الحقيقة".

وتابع: "يأمر شيخ الجبل بإعطاء نوع من الشراب لعشرة من الشبان، وإذا صرعهم النوم، أمر بحملهم إلى القصر، فإذا استيقظوا صعقوا من البهجة، والمناظر والحياة الرغيدة مع الجميلات، وأنواع الأكل واللحم والخمور، ثم يخرجهم بعد مدة، فيحدثهم شيخ الجبل أنهم كانوا في الفردوس، وإن أرادوا الرجوع إليه، عليهم طاعته طاعة عمياء، فيوافقون".

وعن روايات حسن الصباح وأتباعه، قال الدكتور محمد عفيفي لـ"الشرق": زعيم الحشاشين كان يطلق على أتباعه "الفدائيين"، وهم الذين يقومون بالعمليات الإرهابية؛ إذ يتم اختيارهم فى سن صغيرة، حتى تتم السيطرة عليهم فكرياً ودينياً مع قدرتهم على تحمل التدريبات العسكرية الشاقة، وكانت تتم السيطرة عليهم نفسياً ومعنوياً من خلال جرعات من المخدر، وإدخالهم حدائق الغناء، فيتصورون أنهم فى الجنة، وبعد ذلك يتم دفعهم إلى القيام بالعمليات الإرهابية، مع وعدهم بأنهم إذا قُتِلوا سوف يدخلون الجنة التى عرفوها من قبل، ورجح البعض أن هذا المخدر الذى شاع استخدامه بينهم هو الحشيش، وأنه وراء التسمية التى أُطلقت عليهم.

موت حسن الصباح.. ونهاية الحشاشين

وسجل العام 1092، البداية الحقيقية لمواجهة السلاجقة، لحسن الصباح؛ حيث بعث السلطان ملكشاه حملتين واحدة على قلعة ألموت والثانية على قوهستان القريبة؛ لكن الفرق العسكرية الإسماعيلية المدرّبة تصدت للسلاجقة، وبمساعدة من الأهالي المتعاطفين معهم في رودبار وقزوين اضطر السلاجقة إلى الانسحاب، خاصة بعد وفاة السلطان ملكشاه في العام ذاته، وفق كتاب "الحشاشون".

واستطاع حسن الصباح أن يضرب ضربته الكبرى باغتيال الوزير نظام الملك الطوسي، بعد عدة أسابيع فقط من وفاة السلطان ملكشاه من نفس العام 1092، وقد كان اغتيال نظام الملك من أوائل عمليات الاغتيال الكبرى التي قام بها الحشاشون؛ بل كانت بداية لسلسلة طويلة من الاغتيالات التي قاموا بها ضد ملوك وأمراء وقادة جيوش ورجال دين.

وحسب الروايات، ظل حسن الصباح في قلعة ألموت الحصينة، ولم يخرج منها طوال 35 عاماً حتى وفاته، وكان يقضي معظم وقته في القراءة والمطالعة، والتخطيط لنشر المذهب الباطني الإسماعيلي النزاري، ومراسلة الدعاة وتجهيز الخطط، وكان همه الأول كسب الأنصار والمؤيدين الجدد، والسيطرة على القلاع والبقاع الجديدة التي تسهم، في توسيع النفوذ بتلك النواحي.

وبالرغم من وفاة ابن الصباح، استمرت الصراعات المسلحة بين الإسماعيلية الباطنية، والسلاجقة وتوسعت مناطقهم، وتمكن الحشاشون من الاستيلاء على قلاع جديدة، لكن السلاجقة استطاعوا احتواء خطرهم سنة 1107م عندما استولى السلطان محمد السلجوقي على قلعة شاه دُز بالقرب من أصفهان، وقتل عدداً كبيراً منهم، وفق الروايات التاريخية.

وبقي خطر الحشاشين قائماً بوجود قلعة ألموت الحصينة، وتتابع خلفاء حسن الصباح على نشر دعوته، وصولاً إلى العام 1256 ميلادية، عندما استطاع التتار اقتحامها، وتدمير كل القلاع المحيطة، حسب كتاب "حركة الحشاشين"، لتتخذ الطائفة فصلاً تاريخياً جديداً نحو السرية والتخفي في ثوب الصوفية.

وبشأن تأثير طائفة الحشاشين، يعتقد أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور أيمن فؤاد، أنه لم يكن لهم تأثير قوي في حركة التاريخ الإسلامي، والحديث عنهم أخذ منحى مبالغاً فيه، جراء الغموض الكبير الذي يحيط بهم، وتضارب الروايات حول حقيقتهم، والهالة المرسومة حول زعيمهم حسن الصباح، وطالب بالرجوع للدراسات المتخصصة التي تناولت سيرتهم، وعدم الانسياق وراء السرديات غير الموضوعية.

تصنيفات

قصص قد تهمك