يعتزم الاتحاد الأوروبي مساندة الولايات المتحدة، في تحذيرها الصين من عواقب وخيمة إذا حاولت مساعدة روسيا في الالتفاف على العقوبات التي فرضها عليها الغرب بعد غزوها أوكرانيا، أو تزويدها بمعدات عسكرية، كما أفادت "بلومبرغ".
وينسّق الاتحاد وواشنطن عن كثب في هذا الصدد، قبل قمة افتراضية يعقدها التكتل الأوروبي مع الصين في مطلع أبريل المقبل، وسيواصلان فعل ذلك في الأيام المقبلة، كما نقلت "بلومبرغ" عن مصادر ومراسلات دبلوماسية.
ورجّحت الوكالة أن يكون التواصل مع بكين أحد الملفات التي سيناقشها الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع قادة الاتحاد عندما يلتقي الجانبان في بروكسل الخميس المقبل، مضيفة أن الرئيس الأميركي سيتطلّع إلى الاتفاق على توجيه رسالة مشتركة في هذا الصدد.
ودفع سفراء دول كبرى في الاتحاد، اجتمعوا الأسبوع الماضي، التكتل للتأكيد على أن الحرب في أوكرانيا قد تشكّل لحظة حاسمة بالنسبة إلى العلاقات بين الاتحاد والصين، وكذلك بالنسبة إلى صورة بكين بوصفها قوة عالمية، كما أفادت وثيقة اطلعت عليها "بلومبرغ".
ويريد التكتل تشجيع الصين على اتخاذ موقف مسؤول، من خلال إبراز دورها في الدفاع عن نظام دولي قائم على القواعد.
رسالة لا تعكس تهديداً
ومع اتفاق الحلفاء الغربيين على حزمة قوية من العقوبات على الاقتصاد الروسي، وسعي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى إيجاد مجال للمناورة، بات موقف بكين من حرب أوكرانيا في دائرة الضوء.
وتحدث بايدن مع الرئيس الصيني، شي جين بينج، لساعتين تقريباً الجمعة الماضي ونبّه إلى تداعيات محتملة إذا قدّمت الصين دعماً مادياً لبوتين.
وأعلنت إدارة بايدن أن روسيا طلبت من الصين دعماً مالياً وعسكرياً، وحذرت بكين علناً وسراً من الموافقة على ذلك، علماً أن الأخيرة نفت الأمر.
وسيكون الغزو الروسي لأوكرانيا البند الرئيس على جدول الأعمال، عندما يجري شي ورئيس الوزراء الصيني لي كيكيانج، محادثات مع رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.
ومن المقرر أن يكون جوهر الرسالة التي سيوجّهها الاتحاد، مشابهاً لرسالة بايدن، لكن غالبية الدول الأعضاء تريد من فون دير لاين وميشال أن يتعاملا مع الأمر بطريقة لا تعكس تهديداً، إذ لا تريد عزل بكين، بحسب "بلومبرغ".
وقال دبلوماسي أوروبي إن الاتحاد يريد الحفاظ على مقاربته الخاصة في التعامل مع الصين، بدلاً من مجرد تكرار نهج واشنطن.
إحباط أميركي من الأوروبيين
وحاولت بكين حتى الآن الإيحاء بـأنها تتخذ موقفاً محايداً إزاء الحرب في أوكرانيا، علماً أنها لا تريد إغضاب موسكو، في وقت دافع فيه مسؤولون صينيون بارزون عن سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها. ويتواصل مسؤولون أميركيون مع شي جين بينج شخصياً أيضاً، إذ يعتبرون أن الموقف يقترب من مرحلة لن تكون فيها فكرة الحياد قابلة للاستمرار.
وأعرب مسؤولون في إدارة بايدن أخيراً، عن إحباط من إحجام الاتحاد الأوروبي عن تنبيه بكين إلى سلوكها في هذا الصدد. ويدرك هؤلاء أن أوروبا، التي يعتمد اقتصادها على الصادرات، قلقة من تداعيات محتملة لانتقاد الصين علناً، كما فعل مسؤولون أميركيون. ومع ذلك، ذكر مسؤولون في إدارة بايدن أن معلومات استخباراتية أطلعت واشنطن الأوروبيين عليها أخيراً، يجب أن تكون كافية لإقناع الاتحاد.
وقال ناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي إن الولايات المتحدة تتوقّع من الاتحاد الأوروبي أن ينقل رسالة مماثلة لتلك التي توجّهها واشنطن، عندما تتحدث فون دير لاين وميشال مع شي في 1 أبريل، مشدداً على أن الولايات المتحدة والاتحاد متحدان في جهودهما لدعم أوكرانيا.
"نظريات مؤامرة" روسية
ثمة عامل آخر في هذا الصدد، يكمن في قلق الاتحاد بشأن تكرار الصين لنظرية مؤامرة روسية تفيد بأن الولايات المتحدة استخدمت مختبرات بيولوجية في أوكرانيا لتطوير أسلحة. وأعلنت الأمم المتحدة أن لا دليل يدعم هذا الزعم، فيما لم تستبعد واشنطن أن تستغلّ موسكو ذلك لاستخدام أسلحة كيماوية أو بيولوجية في أوكرانيا، واتهام آخرين بتنفيذ ذلك.
كذلك تبنّت الصين بشكل متزايد سردية الكرملين المناهضة لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ عارض شي جين بينج "توسيعاً إضافياً" للحلف، في بيان مشترك أصدره مع بوتين بعد لقائهما في بكين في 4 فبراير الماضي. ويحمّل دبلوماسيون صينيون الولايات المتحدة بشكل روتيني مسؤولية الأزمة في أوكرانيا، نتيجة توسّع "الناتو"، بحسب "بلومبرغ".
وأشارت الوكالة إلى أن بكين حاولت ألا يتبنّى الأوروبيون موقف واشنطن في علاقاتها المتوترة مع الصين، جزئياً لمنع الجانبين من تعزيز تعاونهما لمواجهة النفوذ الصيني في العالم. وأضافت أن سفراء دول الاتحاد الأوروبي أُبلغوا الأسبوع الماضي أن بكين لا تتحايل الآن على العقوبات التي فرضها التكتل على موسكو، مشيرة إلى أن شركات صينية كثيرة جمّدت عملياتها مؤقتاً في روسيا، نتيجة مخاوف من انتهاكها العقوبات. ومع ذلك، ثمة مخاوف من أن تملأ شركات صينية فراغاً تركته شركات غربية انسحبت من روسيا.
وأبلغ مسؤولون أميركيون نظراءهم الأوروبيين أنهم سيناقشون أيّ عواقب محتملة على علاقات الصين بأوروبا، قبل اتخاذ أيّ إجراء إذا توصّلوا إلى ذلك.
اتفاق استثمار أوروبي صيني
ويشكّل موقف الاتحاد الأوروبي، قبل القمة الافتراضية مع شي، تحوّلاً ضخماً عن آخر قمة عقدها الجانبان قبل نحو سنتين، وأدت إلى إبرام اتفاق استثمار بين الطرفين، في ديسمبر 2020، في خطوة أحبطت فريق بايدن قبل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة.
ولا يزال هذا الاتفاق مجمّداً، بعدما فرضت بكين عقوبات على نواب أوروبيين، رداً على إجراءات اتخذها الاتحاد، مستهدفاً عدداً ضئيلاً من المسؤولين الصينيين، بشأن انتهاكات لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانج.
منذ ذلك الحين، كثّف الاتحاد الأوروبي إجراءاته ضد دعم حكومي تقدّمه الصين لقطاعات اقتصادية، وقدّم شكوى أمام "منظمة التجارة العالمية" بشأن ممارسات قسرية اتخذتها بكين ضد ليتوانيا، وهي عضو في التكتل.
وحظرت الصين المنتجات الليتوانية، بعدما سمحت فيلنيوس لتايوان بفتح مكتب تمثيلي باسمها، بدلاً من العاصمة تايبه. واعتبرت الصين هذه الخطوة تحدياً لسيادتها، علماً أنها تعتبر تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضيها وتلوّح باستعادتها، ولو بالقوة إذا لزم الأمر.
ورجّحت "بلومبرغ" أن تعرب فون دير لاين وميشال عن دعمهما لليتوانيا، خلال اللقاء الافتراضي مع شي، مضيفة أن دولاً أعضاء طلبت إبلاغ الصين بشكل واضح أن عليها رفع العقوبات المفروضة على ليتوانيا، قبل تنفيذ اتفاق الاستثمار.
وأضافت الوكالة أن ملف حقوق الإنسان سيُطرح أيضاً، مستدركة أن الاتحاد الأوروبي سيسعى إلى التعاون مع بكين، في ملفات مثل الاحتباس الحراري.
اقرأ أيضاً: