فاز بيتر بيليجريني حليف الحكومة الشعبوية المؤيدة لروسيا في سلوفاكيا، في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت، السبت، وهزم فيها بفارق كبير المرشّح المؤيد لأوروبا إيفان كورتشوك الذي أقرّ بخسارته، وهنّأ خصمه.
وبليجريني، الخبير الاقتصادي البالغ من العمر 48 عاماً، الذي يشغل حالياً منصب رئيس البرلمان بعدما كان في السابق رئيساً للوزراء، حصل على 53.20% من الأصوات مقابل 46.80% حصل عليها الدبلوماسي المؤيد لأوروبا، والداعم لأوكرانيا إيفان كورتشوك، بحسب نتيجة نشرها مكتب الإحصاء السلوفاكي استناداً إلى فرز 99.8% من الأصوات.
وشكّلت هذه الأرقام مفاجأة للخبراء، الذين كانوا يتوقعون نتيجة متقاربة بين المرشحين. وبلغت نسبة الإقبال على التصويت في الدورة الثانية 61.12%.
وقال كورتشوك لأنصاره وهو يقر بالهزيمة: "اتضح أنك تستطيع أن تصبح رئيساً، ليس فقط من خلال نشر الكراهية وإثارة المشاعر، بل يمكنك أيضاً الفوز بجعل الطرف الآخر مرشحاً للحرب".
ورد بيليجريني بالتعهد قائلاً: "سأبذل قصارى جهدي لضمان بقاء سلوفاكيا إلى جانب السلام وليس الحرب، وأسمح لأي شخص أن ينتقدني إذا أراد ذلك".
وفي خطاب النصر، قال بيليجريني لأنصاره، إنّ فوزه "مبعث ارتياح كبير"، مضيفاً "أريد أن أكون رئيساً يدافع عن المصالح الوطنية لسلوفاكيا".
"إلى جانب السلام"
وأكّد الرئيس المنتخب، الذي يتبنّى موقفاً متحفظاً إزاء أوكرانيا، أنّه يريد أن يفعل كلّ شيء "حتى تظلّ سلوفاكيا إلى جانب السلام وليس إلى جانب الحرب".
وشكّل الغزو الروسي لأوكرانيا عنصراً أساسياً في الحملة الانتخابية في سلوفاكيا، البلد البالغ عدد سكّانها 5.4 مليون نسمة، خاصة منذ أن شكّك رئيس الوزراء الشعبوي روبرت فيكو، حليف بيليجريني منذ أمد بعيد، في سيادة كييف، ودعاها إلى إبرام اتفاق سلام مع موسكو.
وسبق لبيليجريني أن كان وزيراً في حكومات فيكو، بل إنّه حلّ محلّه في منصب رئيس الوزراء بعد أن اضطر الأخير للاستقالة في 2018 في أعقاب اغتيال الصحافي الاستقصائي يان كوتشياك، وخطيبته بالرصاص في منزلهما.
وأثارت جريمة الاغتيال تلك موجة احتجاجات في سائر أنحاء البلاد أجبرت فيكو على الاستقالة.
ويتزعّم بيليجريني حزب "هلاس-إس دي" (الصوت-اجتماعي ديمقراطي)، الذي يشارك في الحكومة الحالية إلى جانب كل من حزب فيكو "سمير-إس دي" (الاتجاه-اجتماعي ديمقراطي) وحزب صغير يميني متطرف هو "الحزب الوطني السلوفاكي".
وقطعت هذه الحكومة أخيراً المساعدات العسكرية عن جارتها أوكرانيا.
"مسار أوربان"
وقال المحلّل السياسي توماس كوزياكا، إنّه "إذا فاز بيليجريني، فإنّ سلوفاكيا يمكن أن تتبع مسار أوربان"، في إشارة إلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان المؤيد للكرملين.
من جهته، اعترف كوركوك بالهزيمة وهنّأ خصمه.
وقال وزير الخارجية السابق للصحافة وأنصاره: "أودّ أن أهنّئ الفائز في الانتخابات، بيتر بيليجريني".
كما أعرب عن أمله في أن "يكون بيتر بيليجريني مستقلاً، وأن يتصرّف وفق قناعاته الخاصة، ومن دون أوامر"، في إشارة واضحة إلى التحالف بين الرئيس المقبل ورئيس الحكومة روبرت فيكو.
وانتقد أيضاً خصمه بسبب "حملته غير الشفّافة"، مضيفاً: "اتّضح أنه من الممكن أن تصبح رئيسا لجمهورية سلوفاكيا من خلال نشر الكراهية".
وترشّح كورتشوك بدعم من المعارضة، وهو يؤيّد أوكرانيا في حربها ضدّ روسيا، التي يقول إنها "داست القانون الدولي" بغزوها جارتها.
وكان كورتشوك قال في مقابلة مع وكالة "فرانس برس": "لا أظنّ أنّه ينبغي على أوكرانيا أن تتخلّى عن جزء من أراضيها للتوصّل إلى سلام".
ورغم أنّ صلاحياته محدودة، إلا أنّ الرئيس يصادق على المعاهدات الدولية، ويعيّن القضاة الرئيسيين، وهو القائد الأعلى للقوات المسلّحة، ويمكنه أيضاً الاعتراض على القوانين التي يقرّها البرلمان.
العازب "الأكثر جاذبية"
وسيخلف بيليجريني، المنحدر من أصول إيطالية، الرئيسة الليبرالية زوزانا كابوتوفا.
ومن المقرّر أن يتولّى الرئيس المنتخب مهام منصبه في 15 يونيو المقبل.
وسبق لمجلات نسائية عديدة في سلوفاكيا، أن أطلقت على هذا العازب لقب "السياسي الأكثر جاذبية في سلوفاكيا".
وعندما أعلن ترشّحه للرئاسة قال بيليجريني إنّه يعيش وحيداً، مضيفاً "إذا انتُخبت رئيساً، فلن ترافقني سيّدة أولى أو أيّ أحد".
وبالإضافة إلى السلوفاكية، يتقن بيليجريني اللغات الروسية والألمانية والإنجليزية.
وانتخاب بيليجريني رئيساً للبلاد، يعزز قبضة الائتلاف الحاكم بقيادة روبرت فيكو، وميل البلاد أكثر نحو روسيا، وفق صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن فوزه جاء بفارق ضئيل في أعقاب حملة لاذعة اتهم خلالها بيليجريني، كورتشوك، الموالي للاتحاد الأوروبي، والمؤيد لحلف شمال الأطلسي "الناتو" بالرغبة في جر سلوفاكيا إلى الحرب الروسية الأوكرانية.
وزعم ائتلاف فيكو، أنه يدافع عن السيادة السلوفاكية ضد الجهود الغربية لزيادة المساعدات العسكرية لكييف. كما عارض فيكو المتشكك في الاتحاد الأوروبي فرض المزيد من العقوبات على موسكو، والتقى وزير خارجيته الشهر الماضي بنظيره الروسي في تركيا.
"حملة تشهير"
وقال المحلل في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، ميلان نيتش، إن بيليجريني فاز بـ"إعادة تشكيل جولة الإعادة، بسبب الخوف من الحرب في أوكرانيا، والاستياء من النخب الموالية للغرب".
واتهم بيليجريني بأنه أدار "حملة تشهير غير عادية" من خلال تصوير منافسه على أنه "مرشح داعية حرب" يريد أن تتدخل سلوفاكيا في الصراع الأوكراني.
واكتسبت الانتخابات الرئاسية أهمية بعد أن تولى ائتلاف فيكو المكون من ثلاثة أحزاب منصبه في أكتوبر الماضي، وتعهد بوقف الهجرة ووقف المساعدة لأوكرانيا. وبدأ فيكو ولايته الرابعة كرئيس للوزراء، بينما أصبح بيليجريني رئيساً للبرلمان.
ويتمتع رئيس سلوفاكيا بدور شرفي إلى حد كبير، لكن يمكنه تأخير التشريع من خلال إجراء مراجعات دستورية، وله أيضاً الحق في تعيين وعزل القضاة في المحكمة العليا.
وفي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية قبل أسبوعين، هزم كورتشوك بيليجريني بحصوله على 42.5% من الأصوات مقابل 37%، ولكن هذه النتيجة كانت أقل من الأغلبية المطلقة المطلوبة لتجنب إجراء جولة إعادة.