الغرب يكثف ضغوطه على الهند لفك ارتباطها بروسيا

time reading iconدقائق القراءة - 14
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في نيودلهي - REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في نيودلهي - REUTERS
دبي-الشرق

تقاوم الهند حملة ضغوط غربية متزايدة، تهدف إلى فك التحالف القائم بين نيودلهي وموسكو، ضمن مساعي الغرب لفرض عزلة على روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا.

ومنذ أواخر مارس الماضي، كانت العاصمة الهندية نيودلهي وجهة لدبلوماسيين من اليابان والنمسا والولايات المتحدة واليونان وألمانيا وهولندا، بالإضافة إلى المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، بهدف إقناع حكومة ناريندرا مودي بإدانة الغزو الروسي.

وامتنعت الهند عن التصويت على قرارات في الأمم المتحدة تفرض عقوبات على موسكو، فيما تخشى واشنطن وحلفاؤها من أن تساعد الهند روسيا من خلال تعويض بعض خسائرها الناتجة عن العقوبات الغربية التي شملت إنهاء أو تقليص واردات الغاز والنفط والفحم من روسيا.

ولم تسفر اللقاءات المكثفة مع الحكومة الهندية عن تغير واضح في مواقف الهند التي تحاول الحفاظ على توازن العلاقات مع الغرب وروسيا، ما دفع الولايات المتحدة إلى تصعيد لهجتها بـ"انتقاد نادر" لسجل حقوق الإنسان في الهند.

وعلى خلفية العلاقات الثنائية الوثيقة الموروثة من فترة الحرب الباردة، تصف حكومة ناريندرا مودي موسكو بأنها "ركيزة أساسية" لسياستها الخارجية، بسبب "الشراكة الاستراتيجية" بينهما لضمان أمنها القومي.

في الوقت ذاته، تربط نيودلهي مصالح مشتركة كذلك مع الولايات المتحدة، خصوصاً ما يتعلق بمواجهة الصين التي تشهد خلافات عميقة مع الهند انعكست صداماً حدودياً عنيفاً؛ فالهند عضو في تحالف "كواد " الذي يضم أيضاً الولايات المتحدة وأستراليا واليابان، وينظر له باعتباره قوة في مواجهة الصين.

"ورقة الصين"

منذ بداية الغزو الروسي في فبراير الماضي بذلت الولايات المتحدة، إلى جانب اليابان وأستراليا شريكتيها في تحالف "كواد"، جهوداً لإقناع الهند بأن الرهان على روسيا سيؤدي في النهاية إلى إضعافها ضد الصين التي يثير نفوذها المتزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ قلق واشنطن ونيودلهي.

ومطلع مارس، لم يتمكّن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا والرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون من إقناع رئيس الوزراء الهندي بدعم موقفهم إزاء أوكرانيا.

وفي بيان مشترك آنذاك، اكتفت مجموعة "كواد" بالإشارة إلى أن قادتها "تطرقوا إلى النزاع والأزمة الإنسانية في أوكرانيا، وأجروا تقييماً لتداعياتها الأوسع نطاقاً"، فيما خلا البيان من أي إدانة لموسكو.

وفي بيان منفصل، قالت الهند إن على "كواد أن تواصل تركيزها على هدفها الرئيسي... في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، والمتمثل بـ"إرساء السلام والاستقرار والازدهار".

وفي 19 مارس الماضي، أجرى رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا محادثات مع نظيره الهندي ناريندرا مودي، حضه خلالها على تبني نهج أكثر صرامة إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن بياناً مشتركاً صدر بعد المحادثات في نيودلهي خلا من أي إدانة لأفعال روسيا.

وقال كيشيدا في مؤتمر صحافي مشترك إنه أجرى مع مودي "نقاشاً عميقاً"، وإن "الغزو الروسي... يهز أسس نظام المجتمع الدولي وينبغي التعاطي إزاءه بحزم".

غير أن مودي لم يشر مباشرة إلى أوكرانيا، واكتفى في بيانهما الخطي المشترك الذي صدر بعد اللقاء بالدعوة إلى "وقف فوري لأعمال العنف، والإشارة إلى عدم وجود خيار آخر سوى مسار الحوار والدبلوماسية لتسوية النزاع".

الاتصال الأميركي المباشر الأول مع الهند، عقب بدء الغزو الروسي، كان من خلال وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند التي زارت نيودلهي في 21 مارس الماضي، وأقرّت خلالها بالعلاقات التاريخية بين الهند وروسيا ولكنها أشارت إلى أن "الزمن تغيّر الآن"، وهناك "تطوّر بالتفكير في الهند".

وقالت إن الولايات المتحدة وأوروبا مستعدتان لتكونا "شريكَي دفاع وأمن" قويين للهند، مضيفة أن واشنطن يمكن أن تساعد نيودلهي في وقف اعتمادها على السلاح الروسي.

بعد هذه الزيارة بأيام قليلة، حلّ كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن الأمنيين، داليب سينغ، في العاصمة الهندية يوم 31 مارس لمواصلة محاولات إقناع الهند بالانضمام إلى الغرب في عزل روسيا.

وقال سينغ خلال زيارة نيودلهي إن الهند لا يمكنها الاعتماد على روسيا في حال وقوع اشتباك آخر مع الصين، مضيفاً" "لا أظن أن أحداً سيصدق أنه في حال انتهكت الصين مرة أخرى خط المراقبة، ستهب روسيا للدفاع عن الهند".

ثمة حدود لعلاقات الهند بروسيا، والتي أثبتت أنها مرنة لأنها ليست مشروطة بتعاملات كل منهما مع طرف ثالث. وتخشى نيودلهي مشاركة موسكو في "الخطط الإقليمية الأوسع" لبكين التي تسعى إلى "تضييق المساحة الاستراتيجية للهند، وخصوصاً العلاقات الدفاعية المتنامية لروسيا مع باكستان"، كما أوردت مجلة "ذي ديبلومات". وأضافت أن روسيا تخشى العلاقات المتنامية لنيودلهي مع شركاء غربيين، لا سيما الولايات المتحدة.

وبحسب "فاينانشال تايمز" البريطانية، فإن الهند تراقب عن كثب العلاقات الروسية الصينية، مضيفة أن الهنود "لم يرغبوا في دفع بوتين أكثر نحو الصين". وأشارت إلى تفهّم داخلي لامتناع مودي عن انتقاد بوتين، مرجحة أن "تفعل أي حكومة هندية أخرى الأمر ذاته"، علماً أن زعيم المعارضة، راهول غاندي، امتنع أيضاً عن إدانة موسكو.

أوروبا تدخل على الخط

إلى جانب واشنطن وتحالف "كواد"، حاولت دول أوروبية كذلك التدخل من أجل حض الهند على التخلي عن حيادها بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا.

في 19 مارس، زار وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبرج نيودلهي، ضمن جولة آسوية شملت باكستان كذلك.

وبحسب بيان للخارجية النمساوية، فإن شالنبرج "حاول إقناع الهند بأن هذه الحرب لا تقتصر على أوروبا وسيكون تأثيرها في جميع أنحاء العالم". وشدد وزير الخارجية النمساوي في تصريحات على "مسؤولية" الهند عن وقف الحرب في أوكرانيا.

وبعد أيام قليلة، حل  وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس في نيودلهي يوم 23 مارس. وأشار البيان الختامي إلى أن ديندياس ناقش مع المسؤولين في الهند قضية أوكرانيا، لكنه لم يشر إلى مزيد من التفاصيل.

 وتواصلت الزيارات الأوروبية إلى نيودلهي، فكان الزائر التالي جابرييل فيسينتين مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص إلى منطقة الهادي الهندي، ثم وينس بلوتنر مستشار السياسة الخارجية والأمنية للمستشار الألماني أولاف شولتز، وجيفري فان ليوين مستشار الشؤون الخارجية والدفاع في حكومة رئيس الوزراء الهولندي مارك روت.

وكانت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، أبرز المسؤولين الأوروبيين الذين يزورون الهند، إذ حلت في نيودلهي يوم 31 مارس، وحثت حكومة الهند "على الانضمام إلى الديمقراطيات الأخرى في إدانة تصرف (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين"، بحسب بيان للخارجية البريطانية.

وقالت تراس خلال مباحثات مع نظيرها الهندي إن الاستمرار في اقتناء الغاز من موسكو بالرغم من العقوبات الغربية، يساعد الرئيس بوتين على تمويل الحرب في أوكرانيا، دون الإشارة بالإسم إلى الهند، التي ترفض وقف وارداتها من الطاقة الروسية.

في المقابل، دافع جايشانكار عن "حق" الهند بشراء الغاز الروسي بتخفيضات مغرية، قائلاً إنه "حين ترتفع أسعار الطاقة، فإنه من المنطقي أن تبحث الدول عن الصفقات الجيدة"، بحسب صحيفة "غارديان" البريطانية.

تحذير من "عواقب"

وتركز جهود الولايات المتحدة بشكل أساسي لإقناع الهند بوقف شراء موارد الطاقة والسلاح من روسيا، وصعدت من لهجتها مؤخراً، إذ لمحت إلى احتمال فرض عقوبات على نيودلهي بسبب الالتفاف على القيود الغربية المفروضة على روسيا.

وتدرس الحكومة الهندية اقتراحاً روسياً باستخدام نظام تم تطويره عن طريق البنك المركزي الروسي، لإتمام المدفوعات الثنائية، وسط سعي نيودلهي إلى شراء النفط والأسلحة من الدولة المتضررة من العقوبات.

وخلال زيارته إلى نيودلهي، قال داليب سينغ نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي للاقتصاد الدولي، إن واشنطن لن تضع أي "خط أحمر" للهند بشأن وارداتها من الطاقة من روسيا، لكنها لا تريد أن ترى "تسارعا" في المشتريات.

وأشار سينغ  إن الولايات المتحدة على استعداد لمساعدة الهند، ثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم، على تنويع مصادرها من الطاقة والأسلحة. لكنه أضاف أنه ستكون هناك عواقب للدول التي تسعى للالتفاف على العقوبات.

وقال: "أتيت إلى هنا بروح صداقة لشرح آليات عقوباتنا، وأهمية الانضمام إلينا، وللتعبير عن عزم مشترك وللدفع بمصالح مشتركة. ونعم ستكون هناك تداعيات بالنسبة للدول التي تسعى بنشاط للالتفاف على العقوبات أو التعويض عنها".

وأضاف: "نحرص ألا تقوم الدول كافة، وخصوصاً حلفاؤنا وشركاؤنا، بوضع آلية تعزز الروبل وتسعى لتقويض النظام المالي القائم على الدولار".

واشترت الهند ملايين البراميل من النفط الخام من روسيا بسعر مخفض منذ اندلاع الحرب، وبرّرت هذه المشتريات بأنها مفيدة لمواطنيها، وشيء تفعله حتى الدول الأوروبية.

ورقة "حقوق الإنسان"

فشل المساعي الدبلوماسية لواشنطن في إقناع نيودلهي بالتخلي عن الحياد بشأن الحرب في أوكرانيا، تَواصلَ حتى بعد إجراء قمة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الاثنين، إذ أعقبها انتقاد ناذر من واشنطن لسجل حقوق الإنسان في الهند.

وأشاد بايدن في بداية الاجتماع الافتراضي بـ"العلاقة العميقة" بين البلدين، وأعرب عن رغبته في "مواصلة المشاورات الوثيقة" في ظل الحرب في أوكرانيا.

فيما، وصف رئيس الوزراء الهندي الوضع في أوكرانيا بأنه "مقلق للغاية"، مشيراً إلى أن الهند تدعم المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا، التي تنظر لها واشنطن بكثير من التشاؤم. 

وعقب الاجتماع الوزاري، عقد وزير الخارجية الهندي جايشانكار مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع بلينكن ردّ فيه بانزعاج واضح على صحافية سألته عن سبب عدم إدانة بلاده للغزو الروسي لأوكرانيا، قائلاً: "شكراً لك على نصيحتك واقتراحك، لكنّي أفضّل أن أفعل ذلك على طريقتي".

وبعد أن قال البيت الأبيض إنّ بايدن حذّر مودي من أنّه لن يكون "من مصلحة الهند تسريع" وتيرة مشترياتها من صادرات الطاقة الروسية، وهو أمر من شأنه أن يعوّض جزئياً الانخفاض في المشتريات الغربية من هذه الصادرات، اتّسم ردّ وزير الخارجية الهندي بنبرة حادّة للغاية.

وقال الوزير للصحافيين إنّ "مشترياتنا خلال شهر بأكمله ربّما تكون أقلّ مما تشتريه أوروبا عصر يوم واحد".

وخلال المؤتمر الصحافي، قال بلينكن إن بلاده ترصد ما وصفه بـ"تزايد في انتهاكات من بعض المسؤولين بالهند لحقوق الإنسان"، في انتقاد مباشر نادر من واشنطن لسجل حقوق الإنسان في الدولة الآسيوية.

وفي الإفادة الصحافية المشتركة، أكد بلينكن أن بلاده تتواصل "بانتظام مع شركائنا الهنود بشأن هذه القيم المشتركة (لحقوق الإنسان)، ولهذا، فإننا نرصد بعض التطورات المثيرة للقلق في الهند مؤخراً، ومنها زيادة انتهاكات حقوق الإنسان من جانب بعض مسؤولي الحكومة والشرطة والسجون".
              
ولم يخض بلينكن في تفاصيل. ولم يعلق سينغ وجايشانكار، اللذان تحدثا بعد بلينكن خلال الإفادة الصحافية، على مسألة حقوق الإنسان.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات