بعد اشتراطها ضمانات.. ما دور روسيا في الاتفاق النووي الإيراني؟

time reading iconدقائق القراءة - 13
 وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن في جنيف - 21 يناير 2022 - REUTERS
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن في جنيف - 21 يناير 2022 - REUTERS
دبي- الشرق

تواجه مفاوضات فيينا الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني عراقيل جديدة، بعدما طلبت روسيا، السبت، من الولايات المتحدة تقديم ضمانات تفيد بأن العقوبات التي فُرضت عليها بسبب غزو أوكرانيا "لن تضر بدورها في تنفيذ الاتفاق".

وفرضت الولايات المتحدة ودول غربية سلسلة عقوبات قاسية على موسكو، بعد اجتياح القوات الروسية أراضي أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، أبرزها استبعاد بنوك روسية من النظام المالي العالمي "سويفت" وتقييد وارداتها، ما قد يؤدي إلى عزل روسيا عن الاقتصاد العالمي وتعطيل تجارتها الخارجية لسنوات.

وبينما تشدد واشنطن على أن العقوبات غير مرتبطة بالاتفاق النووي مع إيران، وأن ليس لها أي تأثير عليه عند تنفيذها، تطالب موسكو بالحصول على ضمانات مكتوبة في إطار وزاري أميركي بأن العقوبات الجديدة لن تمس دور روسيا في طهران والذي نص عليه الاتفاق النووي عام 2015.

ما هو الدور الروسي في الاتفاق؟

ينص الاتفاق النووي على أن دور موسكو يتمثل في التعاون مع إيران في تنفيذ العمليات التي لا تتعلق بالانتشار النووي في المواقع النووية الإيرانية كالآتي:

1- شراء فائض اليورانيوم

يُلزم الاتفاق إيران الإبقاء على مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب عند 300 كيلوجرام من سادس فلوريد اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67% أو ما يعادله لمدة 15 عاماً. ويقضي ببيع كميات اليورانيوم المخصب التي تزيد عن ذلك الحد مقابل اليورانيوم الطبيعي.

وفي السنوات الماضية، أرسلت إيران أطناناً من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى روسيا، وتقوم بتخصيبه حتى 20% ثم تحوّله إلى وقود نووي قابل للاستخدام في مفاعل الأبحاث. 

في يناير 2016، باعت إيران 9 أطنان من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5% إلى روسيا، بحسب "أسوشيتد برس"، مقابل حصول إيران على 140 طناً من "الكعكة الصفراء" (مسحوق يحوي 80% من أكسيد اليورانيوم)، التي تُحوّل إلى غاز يسمى "يورانيوم هيكسا فلوريد"، ومن ثم يدخل إلى أجهزة الطرد المركزي التي تدور بسرعة عالية ينتج عنها "اليورانيوم 235" ذو الوزن الخفيف الذي يصلح لإنتاج الطاقة الكهربائية.

2- يورانيوم عالي التخصيب

يُستثنى اليورانيوم عالي التخصيب الذي تستورده إيران من روسيا لتشغيل المفاعلات النووية من سقف مخزون اليورانيوم المحدد عند 300 كيلوجرام، بحسب البند السابع من الاتفاق.

وجاء في البند أن "اليورانيوم عالي التخصيب الوارد من مجمّعات الوقود المصنّع في روسيا أو من مصادر أخرى لأغراض الاستخدام في المفاعلات النووية الإيرانية، لن يتم حسابه ضمن كمية 300 كيلوجرام من مخزون سادس فلوريد اليورانيوم المخصب".

ويشترط الاتفاق في البند الـ59 من المرفق الأول أن يكون اليورانيوم المسموح به، فوق سقف 300 كيلوجرام من سادس فلوريد اليورانيوم، قادماً من "مجمّعات الوقود الروسية التصميم والصنع والترخيص"، على أن يتم استخدامه "في المفاعلات التي تقوم روسيا بتزويد إيران بها".

3 - دعم إنتاج النظائر المستقرة

 بموجب الاتفاق، تتولى روسيا تعديل اثنتين من السلاسل التعاقبية في محطة "فوردو" النووية لم يُستعمل فيهما سادس فلوريد اليورانيوم من قبل، من أجل تمكينهما من الانتقال إلى إنتاج مادة "الإيزوتوب" أو ما يسمّى بالنظائر المستقرة (المشعة).

وينص البند الـ46 من المرفق الأول للاتفاق بأن "يتم الانتقال بهاتين السلسلتين التعاقبيتين إلى إنتاج النظائر المستقرة في محطة فوردو في ظل شراكة بين الاتحاد الروسي وإيران، تقوم على أساس ترتيبات يتفق عليها الطرفان".

ويضيف البند أنه "لتهيئة السلسلتين التعاقبيتين لتركيب بنية تعاقبية جديدة ملائمة لإنتاج النظائر في ظل الشراكة المذكورة، تقوم إيران بنزع الوصلة الرابطة بأنبوب التغذية الرئيسي لغاز سادس فلوريد اليورانيوم، وتنقل أنابيب توصيل الغاز إلى السلاسل التعاقبية لتُخزن في فوردو تحت المراقبة المستمرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية".

4- تعاون علمي

المرفق الثالث للاتفاق ينص في البند السابع على أن الدول الأطراف في الاتفاق، بما في ذلك روسيا، ستسعى إلى إقامة تعاون وتبادل علمي في مجال العلوم والتكنولوجيا النووية.

وحدّد البند دور روسيا الذي يشمل مساعدة إيران في إنتاج النظائر المستقرة، إذ جاء فيه أنه "سيجري الانتقال إلى إنتاج نظائر بسلسلتين تعاقبيتين في شراكة بين الاتحاد الروسي وإيران على أساس ترتيبات يتم الاتفاق عليها على نحو مشترك".

لكن البند يفتح كذلك أمام كل أطراف الاتفاق التعاون مع إيران في مجال علم فيزياء البلازما (يستخدم إنتاج وتسخين وقود البلازما للمساعدة في التفاعلات الحرارية النووية) والاندماج النووي، فضلاً عن التعاون في مجال تطبيقات مفاعلات البحوث.

كما يسمح البند بالتعاون مع إيران في مجالات إضافية تشمل تصميم وتصنيع وتجميع أجهزة القياس في قلب المفاعل، إضافة إلى التعاون المتعلق بتكنولوجيا الاندماج وعلم فيزياء البلازما والهياكل الأساسية ذات الصلة، فضلاً عن التعاون في تصميم مختلف أنواع المُعجلات (جهاز يستخدم لتعجيل جسيمات الشحنات الكهربائية إلى سرعات عالية وتحديدها في أشعة موجهة) وتصنيعها وتوفيرها وتوفير المعدات ذات الصلة.

بِمَ تطالب موسكو؟

بالتزامن مع إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران توصلهما، السبت الماضي، إلى توافق بشأن قضايا عالقة بينهما، ما قد يدفع قُدماً جهود إحياء الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي، ألقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف تصريحات مفاجئة، اعتبر فيها أن "الأطراف غير جاهزة للسير قدماً في الاتفاق".

وقال إن الاتفاق الأصلي لعام 2015 يفرض دوراً أساسياً لروسيا والصين في تنفيذ مشاريع تتعلق بالبرنامج الإيراني السلمي (المستقبلي) للطاقة النووية، وفي مجالات إعادة تأهيل قدرات طهران العسكرية، مشيراً إلى أن بلاده تطالب بـ"ضمانات مكتوبة" من الولايات المتحدة بأن العقوبات الجديدة على روسيا لن تضر تعاونها مع إيران بموجب الاتفاق النووي.

وأضاف لافروف في مؤتمر صحافي مع نظيره القرغيزي رسلان قزقباييف: "نريد ضمان بأن العقوبات لن تمس بأي حال النظام التجاري والاقتصادي وعلاقات الاستثمار، وفقاً لخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)".

ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مطلعة على محادثات فيينا قولها إن الصين تريد أيضاً ضمانات من الولايات المتحدة لتأمين تجارتها مع طهران في حال التوصل إلى اتفاق.

وأبرم اتفاق 2015 بعد أعوام من المفاوضات بمشاركة عدة أطراف. وأدت روسيا دوراً أساسياً في التفاوض والخطوات التطبيقية للاتفاق، خصوصاً نقل كميات من اليورانيوم المخصب من إيران إلى أراضيها، وتوفير دعم لطهران في برنامجها النووي المدني.

وخلال المباحثات الحالية التي يؤدي الاتحاد الأوروبي دور المنسق لها، ساهمت موسكو في التوسط بين طهران وواشنطن اللتين لا تلتقيان مباشرة.

وترافق مع اندلاع أزمة جيوسياسية دولية غير مسبوقة منذ عقود في دخول التفاوض مراحله الدقيقة، خصوصاً بين موسكو وواشنطن، على خلفية غزو روسيا أراضي أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، والذي ردّ عليه الغرب بفرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق.

كيف ردّت واشنطن؟

رد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأحد، عبر شبكة "سي بي إس" الأميركية، على مطالب نظيره الروسي، مؤكداً أن العقوبات المفروضة على روسيا رداً على غزوها لأوكرانيا "لا علاقة لها بالاتفاق النووي الإيراني".

وقال بلينكن إن "العقوبات المفروضة على روسيا لا علاقة لها بالاتفاق النووي الإيراني واحتمالات العودة إليه، فهذه أمور مختلفة تماماً وليست مرتبطة ببعضها بأي شكل من الأشكال".

وأضاف وزير الخارجية الأميركي: "من مصلحة روسيا بغض النظر عن أي شيء آخر، أن تكون إيران غير قادرة على امتلاك سلاح نووي أو ألا تمتلك القدرة على إنتاج سلاح بسرعة كبيرة". وتابع: "يبقى هذا الاهتمام سارياً، بغض النظر عن علاقتنا بروسيا منذ غزوها أوكرانيا".

وأفادت مجلة "بوليتيكو" بأن مسؤولين غربيين ما زالوا يحاولون فهم ما إذا كانت موسكو تريد بالفعل حماية دورها في تنفيذ الاتفاق النووي من العقوبات، أم أن مطالب الضمانات الأمنية مجرد حيلة تستخدمها لتخفيف العقوبات القاسية التي فُرضت عليها مؤخراً.

ونقلت الصحيفة عن مصدر غربي رفيع المستوى قوله: "في حال قامت روسيا بتوسيع نطاق الاستثناءات من العقوبات (لتشمل مجالات غير متعلقة بالاتفاق النووي)، فسنواجه مشكلة سياسية وليست فنية، وقد يكون ذلك ضربة قاضية لآمال إحياء الاتفاق النووي".

ما موقف إيران؟

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، الاثنين، إن المفاوضات الجارية في فيينا بهدف إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية "يجب ألا تتأثر بأي مجموعة أخرى من العقوبات مثل تلك المفروضة على روسيا".

كما قال علي شمخاني، كبير المسؤولين الأمنيين في إيران، الاثنين، إن المفاوضين يقيّمون العناصر الجديدة التي أثرت على المحادثات في فيينا بشأن إحياء اتفاق طهران النووي لعام 2015 مع القوى الغربية.

من جهتها، نقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية شبه الرسمية، الاثنين، عن مسؤولين إيرانيين أنهم قالوا إن "مطالب روسيا في المحادثات النووية في فيينا غير بناءة"، وإن "التدخل الروسي يهدف إلى ضمان مصلحة موسكو في مجالات أخرى".

ونقلت وكالة "رويترز" السبت عن مسؤول إيراني، لم تكشف اسمه، القول إن مطالبة روسيا بضمانات أميركية ربما تضر بمحادثات فيينا.

وأضاف: "طرح الروس هذا الطلب على الطاولة قبل يومين. ندرك أن روسيا بتغيير موقفها في محادثات فيينا تريد تأمين مصالحها في أماكن أخرى. هذه الخطوة غير بناءة لمحادثات فيينا".

من جانبه، كتب الرئيس التنفيذي لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، علي نادري، في تغريدة عبر تويتر: "حقيقة الأمر أن الصين وروسيا طلبتا من الولايات المتحدة ضمانات كتابية موثوقة لمستقبل العلاقات الاقتصادية مع إيران".

الإعلان الروسي الذي ربما "ينسف المحادثات غير المباشرة"، وفقاً لـ"رويترز"، يأتي في وقت قال فيه مسؤولون غربيون وإيرانيون إنهم على وشك التوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي.

كما أتى الاتفاق بعد وقت قصير من قول طهران إنها اتفقت على خارطة طريق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة لحل القضايا العالقة، ما قد يسهم في إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 المبرم بين إيران والدول الكبرى.

وقال المدير العام للوكالة رافاييل جروسي خلال زيارة لطهران: "لدينا بعض المسائل المهمة التي كانت بحاجة إلى الدراسة والحل معاً"، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي.

وأضاف: "اتفقنا على اختبار مقاربة عملية وبراجماتية لهذه المسائل للسماح لخبرائنا التقنيين بالنظر فيها مع نية صريحة لبلوغ نقطة نحقق فيها نتيجة" مُرضية للطرفين.

من جهته، أكد إسلامي اتفاق إيران والوكالة على "تبادل الوثائق في حد أقصاه شهر خرداد (بالتقويم الهجري الشمسي ويبدأ في 22 مايو)، لحل المسائل العالقة" بين الطرفين.

تصنيفات