قانون "الأمن الغذائي" في العراق.. توافق برلماني رغم الخلاف السياسي

time reading iconدقائق القراءة - 11
جانب من جلسة التصويت على مشروع قانون الأمن الغذائي في البرلمان العراقي - 08 يونيو 2022 -  وكالة الأنباء العراقية "واع"
جانب من جلسة التصويت على مشروع قانون الأمن الغذائي في البرلمان العراقي - 08 يونيو 2022 - وكالة الأنباء العراقية "واع"
دبي - عزيز عليلو

رغم الخلاف السياسي الحاد الذي يعيشه العراق، إلا أن الأوضاع الإقليمية وفي مقدمها ارتفاع الأسعار والأوضاع المعيشية، دفعت الفرقاء في مجلس النواب من مختلف الانتماءات السياسية إلى تقديم بعض التنازلات لتمرير قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية.

ووافق البرلمان العراقي على التشريع الجديد الذي يعتبر بمثابة بديل طارئ لقانون المالية، خلال جلسة تصويت، الأربعاء، بحضور 273 نائباً، بعدما توافقت الكتل السياسية الكبرى على تعديل بنوده داخل اللجنة المالية.

ولم يتمكّن العراق الذي يعيش وسط أزمة سياسية متواصلة منذ الانتخابات التشريعية المبكرة في أكتوبر الماضي، من إقرار موازنة لعام 2022 بعد، إذ تعجز الأطراف السياسية الكبرى عن التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية.

وهذه الأطراف هي "الإطار التنسيقي" الذي يضمّ كتلاً شيعية وازنة، أبرزها "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، و"كتلة الفتح" الممثلة لفصائل "الحشد الشعبي"من جهة، و"التيار الصدري" الذي يرأس تحالف "إنقاذ وطن" ويضمّ كتلاً سنيةً وكردية، من جهة ثانية.

فصل خلافات جديد

ومباشرة بعد إقرار القانون، طالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بتشكيل لجنة برلمانية رقابية لمنع التلاعب في تطبيق التشريع، ما ينذر باستمرار الصراع السياسي بشأن القانون، حتى بعد إقراره.

وقال زعيم التيار الصدري، الذي يدعم التشريع الجديد، إن "القلق كل القلق من تسلط الفاسدين على هذا القانون وتطبيقه، فلا ينبغي التغافل عن أن تواجد الكتلة الصدرية حالياً لا يتعدى البرلمان، ولا وجود لها في التشكيلة الوزارية الحالية".

وأشار الصدر إلى الحاجة إلى "تشكيل لجنة برلمانية رقابية ومن اللجان المتخصصة وذات الصلة لمنع التلاعب والفساد في تطبيق بنود قانون الأمن الغذائي".  

وكان الإطار التنسيقي، الذي عارض التشريع في السابق ثم أيده في جلسة، الأربعاء، عقب التوافق على تعديل مضامينه، يتهم التيار الصدري بمحاولة الانتفاع من القانون.

المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي، الدكتور حيدر البرزنجي اعتبر في حديث لـ"الشرق"، أن كلام الصدر "لا قيمة له". وأضاف أن "الكتلة التي يقودها، لها مواقع في الدولة العراقية، وشبهات استفادته من الأموال التي جاء بها التشريع، ما تزال قائمة وموجودة".

وقال البرزنجي إن "البيان الذي أصدره يعتبر مزايدة سياسية ومحاولة من أجل إحراج الإطار التنسيقي" في أعقاب موافقته على إقرار التشريع، مضيفاً: "نتوقع أن تظهر فضائح كبيرة عند تطبيق القانون".

في المقابل، اعتبر الكاتب والباحث السياسي عصام الفيلي، أن "الصدر حاول من خلال بيانه إغلاق باب الاتهامات أمام الأطراف السياسية التي حاولت عرقلة القانون، وزعمت أن التيار الصدري يحاول تحقيق منافع من خلال إقرار القانون".

وأوضح الفيلي لـ"الشرق" أن "الأطراف التي عارضت القانون في الأول كانت تحاول وضع العراقيل أمام التيار الصدري، لكنها أثبتت أن الصراع السياسي ووضع العراقيل لن يخدمها، لأنها غير قادرة على إيجاد الحلول البديلة للأزمة الحالية. لذلك وافقت على إقرار القانون".

من يمارس الرقابة؟

في ظل استمرار تعثر مسار تشكيل حكومة جديدة في العراق، من المقرر أن تشرف حكومة تصريف الأعمال غير مكتملة الصلاحيات على إنفاق الأموال التي جاء بها التشريع الجديد، وفق الشروط التي يحددها، وهذا ما جعل أطرافاً سياسية في العراق تعبر عن قلقها من الفساد وإهدار الأموال التي يخصصها مشروع القانون.

الباحث السياسي المقرب من التيار الصدري مجاشع التميمي قال لـ"الشرق"، إن "الفساد مستشرٍ في كل القطاعات العراقية"، مشيراً إلى عدم وجود "ضمانات تشير إلى أن بنود القانون ستطبق بنزاهة".

وتابع التميمي: "لكن هذه المرة، المحكمة الاتحادية هي المسؤولة عن حكومة تصريف الأعمال التي ستطبق بنود هذا القانون. وبالتالي، فالرقابة القضائية ربما ستلعب دوراً كبيراً في حماية الأموال".

من جهته، اعتبر عصام الفيلي أنه من الناحية العملية، فإن "أداء حكومة تصريف الأعمال مراقب من قبل المحكمة الدستورية، التي يمكن دائماً تقديم شكاوى أمامها في حال وجود ممارسات غير قانونية. لكن من الناحية العملية، فإن مجلس النواب أيضاً يمكنه القيام بالرقابة".

وأوضح الفيلي أن "اللجان البرلمانية تراقب صرف الأموال حسب تخصصاتها ومن حقها استدعاء أي مسؤول ومساءلته"، مشيراً إلى أن "هذه اللجان ممثلة من كل الأحزاب والقوى السياسية".

لماذا وافق الإطار التنسيقي؟

قبل ساعات من جلسة التصويت على التشريع، أعلنت "كتلة الفتح" النيابية أن الإطار التنسيقي سيصوِّت على قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية، بعدما كان من أشد المعارضين لمشروع القانون في السابق.

مجاشع التميمي وصف موافقة الإطار التنسيقي على إقرار القانون بـ" البراجماتية السياسية"، موضحاً أن الإطار التنسيقي "يعلم بأن المشاكل الحالية التي يواجهها العراق كبيرة".

وقال الباحث المقرب من التيار إن "الوضع شبه كارثي في البلاد، في ظل عدم إمكانية إقرار موازنة للبلاد. هناك مشاكل متعلقة بنقص الموارد الغذائية وإمدادات الطاقة ونقص في الأموال اللازمة لدفع الرواتب".

وأضاف: "أعتقد أن القوى السياسية، التي كانت تعارض مشروع القانون، أدركت جدية الوضع، وأقرت القانون ولو على مضض".

في المقابل، قال الخبير السياسي عدنان السراج وعضو ائتلاف "دولة القانون" المشارك في الإطار التنسيقي، إن الإطار عارض القانون في السابق نظراً لحاجته إلى تعديلات.

وأضاف السراج لـ"الشرق": "كانت هناك حاجة ملحة لتعديل فقرات في القانون، تعارض الدستور، فتم حذف بعض المواد وإضافة مواد أخرى، فيما تم أيضاً تعديل بعض المواد، خصوصاً في ما يتعلق بالجهات المسؤولة عن صرف المخصصات المالية في القانون".

في السياق، شدد حيدر البرزنجي على أن "الإطار التنسيقي كان واضحاً بشأن موقفه من القانون، وأشرنا دائماً إلى وجود شواغل بشأن احتمال أن يطال الفساد الأموال المنصوص عليها في القانون".

وأضاف الخبير السياسي المقرب من الإطار التنسيقي أنه "بعد مناقشة القانون في مجلس النواب وتعديل بعض بنوده، هناك بعض الأعضاء الذين وافقوا على إقراره خصوصاً في ظل الوضع الذي تعيشه البلاد".

مخاوف من طعون

في مايو الماضي، أجهضت المحاولة الأولى لتمرير قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي، حين قضت المحكمة الاتحادية بعدم دستورية التشريع بحجة أنه قدم من قبل حكومة تصريف أعمال ليس لديها كامل صلاحيات الحكومة المنتخبة.

ونتيجة لقرار المحكمة، تمت إعادة طرح مشروع القانون من قبل مجلس النواب، ومناقشته داخل لجنة المالية لأسابيع قبل طرحه للتصويت الأربعاء.

وليصبح نافذاً، يحتاج القانون لمصادقة رئيس الجمهورية. غير أن هناك مخاوف من محاولة الطعن في القانون مرة أخرى أمام المحكمة الاتحادية.

عدنان السراج أكد لـ"الشرق" أن الإطار التنسيقي "لن يطعن في القانون عقب التوافق مع القوى السياسية بشأن مضامين النص المعدل"، لكنه أشار إلى أن "هناك نواباً مستقلين في البرلمان صرحوا علانية بأنهم يريدون الطعن في القانون أمام المحكمة الاتحادية".

في السياق، يرى البرزنجي كذلك أن "القانون مُرّر عكس إرادة المحكمة الاتحادية وعكس مضامين الدستور"، مرجحاً أن يواجه طعوناً محتملة أمام المحكمة. كما أشار إلى أن رئيس الجمهورية يمكن أن يرفض المصادقة عليه.

في المقابل، يستبعد مجاشع التميمي هذا الأمر، قائلاً إن "القوى السياسية لن تجرؤ على الطعن في القانون أمام المحكمة الاتحادية، نظراً للمخاطر السياسية المحدقة بهذه الخطوة". وتابع: "من يقوم بذلك، سيجد نفسه في صدام مع الشعب، الذي لا يمكنه تحمل تفاقم الأزمة".

أما عصام الفيلي فيعتبر أن  الطعن في القانون "أمر طبيعي. لكن على المحكمة أن تراعي الوضع الاقتصادي. كما أن أي جهة تحاول الطعن فيه بذريعة شبهات الفساد، عليها تقديم دلائل. زد على ذلك أن الجزء الكبير من الراغبين في الطعن متورطون بشكل أو بآخر في الفساد. وبالتالي، أعتقد أن المحكمة لن ترجع القانون هذه المرة، بل ستحمي حقوق الشعب".

هل يشكل القانون بداية التوافق؟

ورغم أن الإطار التنسيقي وافق على إقرار التشريع الجديد، الذي يدعمه التيار الصدري، فإن الخبراء الذين تحدثت إليهم "الشرق" استبعدوا أن يمهد ذلك لتوافق أكبر بين الكتلتين في مسار انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة جديدة.

وقال السراج: "لا أعتقد أن عدم اعتراض الإطار التنسيقي خلال جلسة التصويت قد يؤثر إيجاباً على مسار تشكيل حكومة جديدة في البلاد، لأن الخلافات السياسية ما زالت كبيرة وقائمة، فيما كان يحتاج هذا القانون إلى تنازلات وتوافق اضطراري نظراً لأن الوضع متعلق بطوارئ".

من جانبه، أوضح الفيلي أن "الكتل المعارضة حاولت عرقلة القانون كوسيلة ضغط على مقتدى الصدر من أجل دفعه للقبول بتشكيل الحكومة، وأرادوا منع حكومة تسيير الأعمال من الوصول إلى الأموال، ما يجعل الدولة عاجزة عن الاستمرار، وبالتالي قبول الصدر بحكومة توافقية".

ولفت الفيلي إلى أن إقرار القانون "يجعل الأغلبية والصدر يمضيان في إدارة الحكومة حتى وإن كانت عن طريق تصريف الأعمال".

ودخل العراق في "فراغ دستوري" بعد أن انتهت المهلة التي حددتها المحكمة الاتحادية في مارس الماضي، إذ فتحت المحكمة باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، وأمام رئاسة مجلس النواب مدة 30 يوماً من تاريخ 6 مارس الماضي، لغاية 6 أبريل يتم خلالها انتخاب رئيس الجمهورية، بحسب وكالة الأنباء العراقية "واع".

وعجز البرلمان منذ أول جلسة له في 9 فبراير الماضي، على انتخاب رئيس للجمهورية من بين 40 مرشحاً، في مقدمتهم مرشح "الاتحاد الوطني الكردستاني" الرئيس الحالي برهم صالح، ومرشح "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ريبر أحمد.

وفشل التحالف الثلاثي "إنقاذ وطن" (التيار الصدري، الديمقراطي الكردستاني، التحالف السني) الذي يطالب بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، بحشد أكبر عدد من الأصوات لعبور العتبة المطلوبة.

وفي المقابل، دعا الإطار التنسيقي الذي قاطع الجلسات، وهو تحالف يطالب بحكومة توافقية، ويضم قوى شيعية أبرزها "ائتلاف دولة القانون" و"الفتح"، لعدم تأييد التحالف الثلاثي، والالتحاق بما أسماه "الثلث المعطل" لمنع تمرير قرار تنصيب الرئيس.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات