بعد 100 يوم من حرب إسرائيل المستمرة على قطاع غزة، بدأت الكثير من التفاصيل تتكشف بشأن أهداف هجوم "حماس" ودوافع الحركة في 7 أكتوبر الماضي، حين تمكن مقاتلو "حماس" من اجتياز الحدود الجنوبية لإسرائيل، والاستيلاء على معسكرات للجيش وتجمعات سكنية، والبقاء في بعضها لأيام، في عملية أودت بحياة 1200 إسرائيلي، وشهدت احتجاز نحو 250، ونقلهم إلى غزة، وفق البيانات الإسرائيلية.
عدد من قادة حركة "حماس"، تحدثوا في تصريحات لـ"الشرق"، عن أهداف أساسية لهجوم 7 أكتوبر، أبرزها الرد على الاعتداءات التي تطال المسجد الأقصى، إذ حمل الهجوم اسم "طوفان الأقصى"، بالإضافة إلى منع إسرائيل من ضم الضفة الغربية، وإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأجندة الدولية، وتحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية وغيرها.
"اجتياح بري"
وتشير بعض المصادر في "حماس"، إلى اتفاق بين الحركة، و"حزب الله" اللبناني، على القيام بـ"اجتياح بري شامل" لإسرائيل، وتعطيل عمل الجيش ومؤسسات الدولة، وإجبارها على الانسحاب من الضفة الغربية حتى حدود عام 1967، بما فيها القدس الشرقية.
ونصت تلك التفاهمات، وفق المصادر، على دخول مقاتلي "حماس" من الجنوب، وعناصر "حزب الله" من الشمال، وانضمام قوات رديفة من سوريا، مترافقة مع قيام "حزب الله" بقصف صاروخي للمواقع الحساسة في إسرائيل، مثل محطات الكهرباء والمياه والمطارات مستخدماً الصواريخ الموجهة الدقيقة.
وذكرت المصادر، أن العسكريين من "حماس" و"حزب الله"، بدأوا في التحضير لخطة الاجتياح الشامل هذه، بعد حرب عام 2021 بين "حماس" وإسرائيل، بعدما كشفت تلك الحرب عن ثغرات في الأمن الإسرائيلي، تُمكن مقاتلي الحركة والجماعة من القيام باجتياح بري شامل من الشمال والجنوب، مترافقاً مع قصف صاروخي.
رجحت مصادر، أن "حزب الله" فوجئ بتوقيت هجوم "حماس"، وبينما أشار البعض الآخر، إلى أن الجماعة اللبنانية، فضلت التأني لمعرفة ردود الفعل الغربية على هجوم من هذا النوع.
وبحسب المصادر، فإن "حزب الله"، عندما وجد أن الولايات المتحدة حركت بوارجها إلى المنطقة، "فضل التراجع لتجنب الدمار، وقرر المشاركة في الحرب بصورة رمزية"، من خلال ما أطلق عليه "مشاغلة" القوات الإسرائيلية عبر اشتباكات محدودة معها في الجنوب اللبناني.
تحضيرات حرب شاملة
نائب رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، صالح العاروري، والذي اغتالته إسرائيل في الأسبوع الأول من يناير الجاري ببيروت، قال في مقابلة تلفزيونية في أغسطس الماضي، إن "المقاومة جاهزة للحرب الشاملة، وإسرائيل ستُمنى بهزيمة غير مسبوقة"، وهو ما اعتبره الكثيرون تلميحاً صريحاً للهجوم قبل أقل من شهر ونصف على حدوثه في أكتوبر.
وأضاف العاروري حينها: "نحن نتجهز للحرب الشاملة، ونناقش ذلك في الغرف المغلقة مع كل المكونات التي لها علاقة بهذه الحرب".
ويعتبر العاروري من مؤسسي كتائب عز الدين القسّام، وساهم في تأسيس النواة الأولى للجهاز العسكري للحركة في الضفة الغربية، وشكل حلقة وصل أساسية بين "القسّام"، وجماعة "حزب الله" اللبنانية، وإيران.
ومع دخول الحرب في غزة يومها الـ100، تُظهر مجريات القتال أن "حماس"، استعدت جيداً لهذه الحرب عبر شبكة كبيرة وواسعة ومتشعبة من الأنفاق، التي أقامتها على طول القطاع وعرضه، ما حال دون تمكن إسرائيل من السيطرة التامة على هذا الشريط الساحلي الصغير المكتظ الذي لا تزيد مساحته عن 365 كيلومتراً مربعاً.
وشكل قتال الأنفاق، تحدياً كبيراً للجيش الإسرائيلي، الذي تشير تقديرات الخبراء في إسرائيل إلى أنه لم يعرف الكثير عن هذه الأنفاق، ولم يتدرب على أسلوب القتال فيها. لكن عمليات القصف الجوي والمدفعي المستمر منذ بدء الهجوم، أدى إلى تدمير أجزاء واسعة من القطاع، وقتل وإصابة عشرات الآلاف من سكانه الذين نزحوا في كل اتجاه.
عضو المكتب السياسي للحركة الفلسطينية، حسام بدران، قال لـ"الشرق"، إن هدف كتائب "القسّام"، الجناح العسكري لـ"حماس"، من وراء العملية هو "لجم الجيش الإسرائيلي، ووقف تدنيس المسجد الأقصى، ووقف استهداف المدنيين، وإنهاء الحصار المستمر على قطاع غزة منذ حوالي 17 عاماً".
في المقابل، بدأت إسرائيل، حرباً شاملة على القطاع بهدف تدمير البنية العسكرية لـ"حماس"، وإسقاط حكم الحركة، وإعادة المحتجزين في غزة، وفق ما أعلنته إسرائيل.
طروحات "حماس" للحل
حركة "حماس" بدأت في البحث عن مخرج سياسي منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب على غزة، إذ قال مسؤولون في الحركة لـ"الشرق"، إن "حماس قدمت عروضاً للحل، عبر وسطاء من الدول الصديقة، مثل مصر، وتركيا، وقطر، تتضمن التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، يمتد إلى 10 سنوات في غزة، والشروع في عملية تبادل أسرى بين الجانبين، وتنحي الحركة عن حكم القطاع لصالح حكومة تكنوقراط أو وفاق فلسطينية تتولى إعادة الإعمار وتوفير الخدمات للسكان".
وفي الشق السياسي، تضمنت العروض قبول "حماس" لحل سياسي على أساس القرارات الدولية التي تنص على قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967. لكن إسرائيل رفضت هذه العروض مُعلنة مواصلة الحرب، "حتى تحقق أهدافها المزعومة".
عضو المكتب السياسي لـ"حماس"، غازي حمد، قال لـ"الشرق"، إن "الحركة عرضت وقفاً تاماً شاملاً لإطلاق النار، والشروع في عملية تبادل أسرى بين الجانبين، لكن إسرائيل رفضت ذلك".
وأضاف: "لقد خاطبنا كل الأطراف، وعرضنا حلاً سياسياً شاملاً، لكن إسرائيل هي من يرفض الحل، وتصر على استمرار الحرب، ونحن من جانبنا مستعدون للقتال حتى اللحظة الأخيرة".
مبررات إسرائيلية لاستمرار الحرب
خلال الساعات الأولى من إعلان إسرائيل الهجوم، أطلق عدد من المسؤولين الإسرائيليين، تصريحات تكشف عن أهداف أخرى غير معلنة للحرب، مثل تدمير قطاع غزة، وتهجير أهله قسرياً أو طوعياً، وتحويله إلى مكان غير صالح للعيش، وتحويل غزة إلى مدينة خيام وأرضها إلى مقبرة مفتوحة، وتحقيق الردع المتراكم من خلال الصدمات الشديدة وغيرها.
ودمرت الحرب الإسرائيلية على القطاع، 70% من مبانيه وبنيته التحتية، ودفعت بأكثر من 85% من السكان للنزوح والإقامة في الخيام والمدارس والمشافي، وزادت من معاناة سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون شخص.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، في وقت سابق، الأحد، ارتفاع عدد ضحايا حرب إسرائيل على القطاع، إلى 23 ألفاً و968 فلسطينياً، وإصابة 60 ألفاً و582 آخرين، جراء الغارات والقصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع، بينما لا تزال جثامين عشرات الضحايا بين الأنقاض، مع تذر وصول الفرق المختصة إليها.
وتثير الحرب الدائرة التي لم يشهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مثيلاً لها منذ النكبة في عام 1948، تساؤلات بشأن ما كان في ذهن قادة "حماس" عندما قرروا القيام بهذا الهجوم؟ وهل تطابقت توقعاتهم مع ردود الفعل الإسرائيلية؟ خاصة في ظل تحركات حلفاء تل أبيب، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، التي حركت بوارج وحاملات طائرات عملاقة لمساندة إسرائيل في هذه الحرب؟ ماذا كانت أهدافهم؟ وما الذي تحقق منها؟
وعلى مدار الأسابيع الماضية، تتعرض إسرائيل إلى ضغوط أميركية لتغيير شكل الحرب في القطاع، عبر التوقف عن قصف المدنيين، وانتقاء أهداف التي يتم قصفها للحركة، وهو من المتوقع أن تلجأ إليه تل أبيب في الأسابيع المقبلة.
خبراء في الشؤون الإسرائيلية، قالوا إن "هناك دوافع شخصية وسياسية لدى قادة الحكومة الإسرائيلية بأن تستمر الحرب لشهور، وربما لسنوات.. فمن جهة، تضمن لهم البقاء في الحكم وعدم التعرض للمساءلة والمحاسبة على القصور الذي ظهر في 7 أكتوبر، ومكن حماس من اجتياح جنوب إسرائيل".
وأضافوا أنه "من جهة ثانية، فإن استمرار الحرب سيتيح لهم، إقامة منظومات أمنية وعسكرية حول القطاع من خلال محاصرته، ومواصلة قصف أي هدف تابع لحماس، وتحقيق ما يسمى ترميم الردع، ومنع تكرار الهجوم من أي منطقة في محيط إسرائيل، وتوفير الأمان لسكان المناطق الحدودية للعودة إلى المدن والقرى".
جمال زحالقة، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، قال لـ"الشرق"، إنه "يتوقع أن تستمر الحرب على غزة لفترة طويلة قادمة، خاصة وأن هناك أغلبية ساحقة في إسرائيل تدعم استمرار الحرب، وهناك مصالح شخصية لدى جميع قادة الحكومة والأجهزة الأمنية والجيش على مواصلاتها".
وأضاف زحالقة، أن "الحكومات الإسرائيلية المقبلة لن تعود إلى القواعد القديمة في العلاقة مع حركة حماس".
مكانة "حماس" وتحديات ما بعد الحرب
وعلى الرغم من الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع، ودمرت أجزاء كبيرة من غزة، وأسقطت آلاف الضحايا، إلا أنها لم تؤد إلى القضاء على حركة "حماس"، بل عززت مكانتها بين الجمهور الفلسطيني.
وبينت استطلاعات رأي، أن "حماس" تحظى بشعبية متزايدة في الشارع تؤهلها للفوز في أي انتخابات مقبلة. ويعزو المراقبون ذلك إلى "التضحيات الكبيرة التي قدمتها الحركة في هذه الحرب، وتحديها وصمودها في وجه واحد من أقوى الاجتياحات العسكرية في التاريخ".
حركة "حماس" قد تواجه بعد الحرب تحديات تفوق الحرب نفسها، إذ ستخلف هذه الحرب دماراً واسعاً في القطاع، في وقت تنأى فيه دول العالم عن تقديم تمويل لإعادة إعمار منطقة، قد تتعرض للحرب والدمار مرة أخرى لغياب الحل السياسي والاستقرار، ويقتصر الأمر على المساعدات الإنسانية.
والسؤال الأبرز الذي تواجهه الحركة بعدما تضع الحرب أوزارها، هو: ماذا تحقق من أهداف هجوم 7 أكتوبر، وهل كانت الإنجازات بحجم التضحيات الهائلة التي قدمها أهل القطاع؟