تحركات صينية لتأمين قاعدة بحرية على سواحل إفريقيا تثير قلق واشنطن

رئيس الجابون السابق أبلغ واشنطن أنه سمح لبكين بنشر قوات على سواحل بلاده

time reading iconدقائق القراءة - 9
المدمرة الصينية نانيج راسية في ميناء كيب تاون، جنوب إفريقيا. 26 يوليو 2023 - AFP
المدمرة الصينية نانيج راسية في ميناء كيب تاون، جنوب إفريقيا. 26 يوليو 2023 - AFP
دبي-الشرق

قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إن رئيس الجابون السابق علي بونجو، أبلغ أحد كبار مساعدي البيت الأبيض عن معلومة هامة خلال اجتماع في قصره الرئاسي، في أغسطس الماضي، إذ قال إنه وعد الزعيم الصيني شي جين بينج سراً بأن بكين يمكنها نشر قوات عسكرية على ساحل المحيط الأطلسي في بلاده. 

وقالت الصحيفة، إن نائب مستشار الأمن القومي الأميركي جون فاينر، طلب من بونجو حينها سحب العرض، وفقاً لما نقلته عن مسؤول في الأمن القومي الأميركي، لم تكشف عن هويته.  

وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة تعتبر المحيط الأطلسي بمثابة ساحة استراتيجية أمامية لها، وترى أن الوجود العسكري الصيني الدائم هناك، وخاصةً إنشاء قاعدة بحرية يمكن لبكين من خلالها إعادة إمداد السفن الحربية وصيانتها، "يمثل تهديداً خطيراً للأمن القومي الأميركي". 

كما نقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي كبير آخر، لم تكشف عن هويته، قوله: "نشعر بالقلق في أي وقت يبدأ فيه الصينيون بالالتفاف حول دولة إفريقية ساحلية"، على حد قوله.

وذكرت الصحيفة أن المحادثة التي تمت بين بونجو وفاينر في العاصمة الجابونية ليبرفيل، تعكس واحداً فقط من أوجه الصراع بين الولايات المتحدة والصين في إفريقيا.  

"حملة وراء الكواليس"

وقال مسؤولون أميركيون، رفضوا الكشف عن هويتهم، إن الصين تقوم بحملة وراء الكواليس لتأمين إنشاء قاعدة بحرية على الشواطئ الغربية للقارة، وأن الولايات المتحدة تدير جهوداً موازية، على مدى أكثر من عامين، لإقناع الزعماء الأفارقة بمنع بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني من إنشاء ميناء في مياه المحيط الأطلسي. 

ولم ترد الحكومة الصينية على طلب الصحيفة الحصول على تعليق، فيما قالت وزارة الخارجية الصينية إنه ليس لديها عِلم بالخطط العسكرية للحكومة في الجابون، أو في أي مكان آخر على ساحل المحيط الأطلسي في إفريقيا. 

وتابعت الصحيفة: "بعد أسابيع من لقاء بونجو مع فاينر، أطاح الحرس الرئاسي ببونجو، واضطرت الولايات المتحدة إلى البدء من جديد، في محاولة لإقناع زعيم المجلس العسكري الجابوني برفض المبادرات الصينية". 

سباق أميركي صيني

ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم ينتصرون في هذه المعركة، مشيرين إلى أنه حتى الآن لم توقع أي دولة إفريقية مطلة على المحيط الأطلسي اتفاقاً مع الصين. 

وأضاف مسؤول الأمن القومي الأميركي: "نحن واثقون من أن الجابون لن تسمح بوجود دائم لجيش التحرير الشعبي الصيني، أو ببناء منشأة عسكرية تابعة لبكين هناك". 

وفي غينيا الاستوائية المجاورة، والتي أشار المسؤولون الأميركيون في السابق إلى الجهود الصينية لإنشاء قاعدة فيها، قال مسؤول بمجلس الأمن القومي الأميركي إن واشنطن لم تر أي علامات على عمليات بناء عسكرية في الميناء التجاري الذي بنته الصين في مدينة باتا هناك، والذي يعد المكان الأكثر احتمالاً لمثل هذا الوجود العسكري. 

وتابع المسؤول: "لطالما أكدت لنا السلطات في غينيا الاستوائية أنها لن تسمح للصين ببناء قاعدة هناك". 

وتعبر سفن البحرية الصينية المياه الدولية بحرية، وقامت الشركات الصينية ببناء نحو 100 ميناء تجاري في إفريقيا منذ عام 2000 من موريتانيا في أقصى الغرب إلى كينيا على المحيط الهندي، وفقاً للحكومة الصينية. 

وتابعت الصحيفة: "هناك ميناء إفريقي واحد فقط يعمل كقاعدة دائمة للسفن والقوات الصينية، وهي المنشأة التي تم بناؤها منذ 7 سنوات للجيش الصيني في جيبوتي، وتقع القاعدة الصينية، القادرة على إرساء حاملة طائرات أو غواصات نووية، على مسافة قصيرة من أكبر قاعدة أميركية في إفريقيا (كامب ليمونير) التي تعد مركزاً للحملة الأميركية ضد حركة الشباب، التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال". 

ولفتت "وول ستريت جورنال" إلى أن الانقلاب العسكري الذي جرى في الجابون في أغسطس الماضي، كان سبباً في تفعيل قوانين أميركية تقيد المساعدات الأمنية للأنظمة العسكرية، مما أدى للحد من قدرة الدبلوماسيين الأميركيين على استخدام سياسة العصا والجزرة هناك. 

واشنطن تبحث عن حلول

وأوردت الصحيفة أنه في ذلك الوقت اضطر الدبلوماسيون الأميركيون إلى إعادة ترتيب صفوفهم لإقناع السلطات الجابونية الجديدة برفض التوجهات الصينية، والتقى فاينر مع رئيس المجلس الانتقالي الجابوني الجنرال بريس أوليجي نجويما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، وقام جود ديفيرمونت، وهو كبير مسؤولي شؤون إفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، ونائبة مساعد وزير الخارجية ميلاني هيجنز، بزيارة الجابون في الشهر التالي. 

وفي ذلك الاجتماع، قال رئيس المجلس الانتقالي الجابوني أوليجي نجويما لفاينر إنه يتفهم مخاوف الولايات المتحدة بشأن الوجود العسكري الصيني على المحيط الأطلسي، مشيراً إلى أن بونجو كان لديه اتفاق شفهي مع الرئيس الصيني، ولكن لم يكن هناك اتفاق مكتوب. 

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية: "لقد تحدثا (فاينر وأوليجي) عن مجموعة من الأشياء التي يمكننا القيام بها حتى لا تتعامل الجابون مع الصين". 

ونقلت الصحيفة عن سفير الجابون في واشنطن، نويل نيلسون ميسون، قوله إنه ليس مطلعاً على أي مناقشات بشأن إنشاء قاعدة صينية في البلاد، مضيفاً أن أوليجي لم يعقد محادثات رفيعة المستوى مع بكين. 

وفي زيارته لليبرفيل، شجع ديفيرمونت أوليجي على وضع جدول زمني للعودة السريعة إلى الحكومة المنتخبة. 

وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير، لم تكشف الصحيفة عن هويته: "هناك مشكلة تتمثل في كيفية الجمع بين تمسكنا بقيمنا الديمقراطية ومواصلة علاقتنا الثنائية بشكل عملي". 

وتابع السفير الجابوني في واشنطن: "حكام البلاد الجدد يدركون جيداً التشاؤم الذي عادةً ما يحيط بمعظم العمليات الانتقالية، وخاصة في إفريقيا، ولهذا السبب هم يلتزمون بخريطة طريق انتقالية محددة الوقت". 

ويتفاوض المسؤولون الأميركيون والجابونيون حالياً على اتفاقية للتعاون الدفاعي، كما ناقشوا قيام الولايات المتحدة بتدريبات لمساعدة البلاد في تأمين حدودها، وفي نوفمبر الماضي، قرر البيت الأبيض أن تستضيف الجابون التدريبات البحرية التي تقودها الولايات المتحدة في غرب ووسط إفريقيا هذا العام، والتي تجمع قوات بحرية من عشرات الدول، وتهدف إلى مساعدة الدول الساحلية على مكافحة القرصنة والصيد غير المشروع، بحسب الصحيفة. 

محاولات أميركية لـ"إحباط تطلعات الصين"

ويتوقع مفيمبا ديزوليلي، وهو مدير برنامج إفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث مستقل في واشنطن العاصمة، أن تجد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن طريقة قانونية لتقديم أي حوافز مطلوبة لإحباط التطلعات العسكرية للصين، قائلاً: "هذه مسألة مُلِحة للغاية بالنسبة للأمن القومي الأميركي، ولذا نحن بحاجة إلى مواصلة العمل مع الجابون". 

وأوردت الصحيفة أن الولايات المتحدة قدمت أيضاً عرضاً دبلوماسياً لرئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانج نجويما، كما زار فاينر مالابو (عاصمة البلاد) في عام 2021، والتقى بنجل أوبيانج، وهو نائب الرئيس، في مقر الأمم المتحدة العام الماضي، وطرحت الولايات المتحدة فكرة مساعدة البلاد على مكافحة القرصنة. 

ونقلت الصحيفة عن سفير غينيا الاستوائية في واشنطن، كريسانتوس أوباما أوندو، قوله إن الصين تزود بلاده بالمعدات العسكرية والتدريب، وكذلك الطرق والموانئ والمطارات وغيرها من البنية التحتية، مضيفاً: "لقد فوجئنا بإصرار الحكومة الأميركية لأننا لم نتلق طلباً رسمياً أو غير رسمي من الحكومة الصينية لإنشاء قاعدة بحرية في غينيا الاستوائية". 

ووفقاً لـ "وول ستريت جورنال"، فإنه مع ذلك، يرى المسؤولون الأميركيون أن النظام في غينيا الاستوائية يتصرف بشكل غامض، مشيرين إلى أنهم يشعرون بالقلق من أن الرئيس أوبيانج قد يسمح للصينيين بتثبيت وجود دائم في البلاد، وذلك رغم التطمينات، حسبما نقلت عن مسؤول أميركي كبير. 

وفي الوقت نفسه، يراقب المسؤولون الأميركيون ليروا إلى أين سيتجه الصينيون بعد ذلك، إذ يقول مسؤول الأمن القومي الأميركي الذي تحدث مع الصحيفة: "عندما يُغلق باب ما، فإنهم يبحثون عن فرصة أخرى في مكان جديد". 

تصنيفات

قصص قد تهمك