وثيقة من عام 2022 تكشف شروط بوتين للسلام مع أوكرانيا

بعد 6 أسابيع من اندلاع الحرب.. مفاوضون روس وأوكرانيون يتوصلون لـ"مسودة اتفاق"

time reading iconدقائق القراءة - 10
جنود أوكرانيون خلال مناورات روتينية بشرق البلاد. 29 فبراير 2024 - AFP
جنود أوكرانيون خلال مناورات روتينية بشرق البلاد. 29 فبراير 2024 - AFP
دبي -الشرق

كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسودة "معاهدة سلام"، قالت إن مفاوضين روس وأوكرانيين صاغوها في أبريل 2022، وذلك بعد نحو 6 أسابيع من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

وذكرت الصحيفة الأميركية في تقرير، الجمعة، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ألمح خلال الأسابيع الأخيرة إلى أنه سيكون "منفتحاً" على إجراء مناقشات، لإنهاء الحرب في أوكرانيا بشروط بلاده، مشيرة إلى أنه يمكن رؤية الخطوط العريضة لهذا الاتفاق الذي يريده الرئيس الروسي في مسودة معاهدة السلام التي اطلعت عليها.

ونقلت عن مسؤولون ومحللين غربيين قولهم، إن الأهداف التي تضمنها الاتفاق لم تتغير إلى حد كبير بعد عامين من القتال، وهي تحويل أوكرانيا إلى "دولة محايدة معرضة بشكل دائم للعدوان العسكري الروسي".

وعلى الرغم من الكشف عن الخطوط العريضة لمفاوضات السلام غير الناجحة هذه، فإن الوثيقة الكاملة المؤلفة من 17 صفحة، التي اطلعت عليها صحيفة "وول ستريت جورنال"، ومصادر مطلعة على المفاوضات، لم تنشر بعد.

وتوضح الوثيقة، المؤرخة في 15 أبريل 2022، الكيفية التي سعى بها مفاوضون من الجانبين إلى إنهاء الحرب من خلال الاتفاق على تحويل أوكرانيا إلى "دولة محايدة بشكل دائم لا تشارك في أي تحالفات عسكرية"، ومنعها من إعادة بناء جيشها بدعم غربي، فضلاً عن ترك شبه جزيرة القرم تحت السيطرة الفعلية الروسية، إلا أنه في ختام المفاوضات لم يتفق الجانبان على أي صفقة، وتحسنت حظوظ أوكرانيا العسكرية، وضخ الغرب الأسلحة لدعمها.

والوقت الراهن، تقول كييف إنها لن تبدأ أي محادثات سلام حتى تسحب روسيا قواتها من بلادها، إذ أنه بعد عامين من الصراع بات الرأي العام الأوكراني يصر على رفض أي شكل من أشكال اتفاقات السلام، كما حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن أي وقف للأعمال العدائية سيسمح ببساطة لروسيا بإعادة التسلّح، ومهاجمة بلاده بشكل أفضل في المستقبل، كما يقول محللون إن تحقيق النصر العسكري لأي من الجانبين بات يبدو الآن بعيد المنال بشكل متزايد.

"تنازلات كبيرة"

ووفقاً للصحيفة، فإن الوثيقة تُظهر "تنازلات كبيرة" كان المفاوضون من الجانب الأوكراني يدرسونها، بينما كانت كييف تواجه صعوبات خلال الأسابيع الأولى من الحرب، كما تعد بمثابة تذكير بتنازلات ربما تحاول موسكو إجبار كييف على قبولها في حال تعثر الدعم العسكري الغربي لها، أو إذا حققت روسيا مكاسب كبيرة على الأرض.

وتنص مسودة المعاهدة على أنه في حين يسمح لأوكرانيا بالسعي للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، فلن يسمح لها بالانضمام إلى أي تحالفات عسكرية مثل حلف شمال الأطلسي "الناتو"، أو بوجود أسلحة أجنبية على الأراضي الأوكرانية، فضلاً عن تقليص حجم جيشها إلى عدد محدد، إذ سعت روسيا في المسودة إلى الحد من كل شيء، بدءاً من عدد القوات والدبابات إلى أقصى مدى ممكن لإطلاق الصواريخ الأوكرانية.

ووفقاً لمسودة المعاهدة، فإن شبه جزيرة القرم، التي تحتلها روسيا بالفعل، كانت ستظل تحت نفوذ موسكو، ولن تعتبر محايدة، كما دفع الكرملين أيضاً من أجل استخدام اللغة الروسية مع الأوكرانية في الحكومة، والمحاكم في كييف، وهو البند الذي لم توافق عليه الأخيرة.

ولم تتضمن المسودة، مستقبل منطقة شرق أوكرانيا التي غزتها روسيا واحتلتها في عام 2014، إذ ترك الأمر حتى تجري مناقشته بين بوتين وزيلينسكي في محادثات مباشرة مستقبلية، ولكن وحتى الآن لم يعقد مثل هذا الاجتماع.

وكان من المقرر أن يتم المضي قدماً في المعاهدة بضمان القوى الأجنبية المدرجة في الوثيقة وهي الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا، إذ كان سيتم تكليف تلك الدول بمسؤولية الدفاع عن حياد أوكرانيا في حالة انتهاك المعاهدة، ولكن بينما تظل المعاهدة سارية، سيُطلب من هؤلاء الضامنين "إنهاء المعاهدات والاتفاقيات الدولية، التي تتعارض مع الحياد الدائم لكييف"، بما في ذلك أي وعود بتقديم مساعدات عسكرية ثنائية، ولكن لم تكن هذه الضمانات الأمنية الدولية ستنطبق على شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول.

مخاوف روسية

"وول ستريت جورنال" اعتبرت أن الوثيقة تعكس مخاوف روسية عميقة من أن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، كان يعمل على مدى سنوات على جعل أوكرانيا دولة "معادية لروسيا"، وذلك كوسيلة لتقويض موسكو واحتوائها ومحاولة السيطرة عليها، مرجحة أنه بعد إخفاق محاولة بوتين الأولية للسيطرة على كييف والإطاحة بالحكومة، يبدو أن هذه الوثيقة كانت تسعى لتقديم ثاني أفضل حل، من وجهة نظر موسكو، وهو تبني مسار لقطع الدعم الغربي عن كييف.

وعلى الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عرض في وقت سابق من الأسبوع الجاري، استضافة المحادثات من جديد، استبعدت الصحيفة إمكانية بدء أي محاولات متجددة للسلام في المستقبل القريب، مضيفة أن التشاؤم بشأن التوقعات الخاصة بأوكرانيا بات يتزايد، بعدما حققت روسيا مؤخراً أول تقدم كبير لها منذ أشهر، في حين بدأت قوات كييف في المعاناة بسبب نقص الذخيرة والقوة البشرية.

وكان بوتين أكد في مقابلة مؤخراً أنه مستعد للحوار، ويقول بعض المسؤولين السابقين في الكرملين، إنهم قاموا بجس نبض الطرف الأوكراني في الأشهر الأخيرة للنظر في إمكانية وقف الصراع على طول الخطوط الأمامية الحالية.

واتهم الرئيس الروسي، كييف، برفض أول فرصة للسلام تحت ضغط غربي، وعرض خلال اجتماع في 17 يونيو 2023 مع العديد من الزعماء الأفارقة وثيقة، قال إن رئيس فريق التفاوض الأوكراني وقَع عليها بالأحرف الأولى، مشيراً إلى أنها تحتوي على 18 بنداً مع ملاحق تنص على عدد أفراد الجيش والعربات المدرعة، وقال: "لقد رفضت حكومة كييف المعاهدة وألقت بكل شيء في مزبلة التاريخ".

ونقلت الصحيفة عن صموئيل شاراب، وهو محلل روسي في مؤسسة "راند"، قوله إن رغبة موسكو في التفاوض قد تتضاءل مع توقف المساعدات الغربية وتحقيق المزيد من التقدم في ساحة المعركة.

ويحذّر مسؤولون غربيون، من أنه على الرغم من مرور عامين من القتال المكلف، فإن بوتين ما زال يحافظ على أهدافه القصوى في أوكرانيا، التي تشمل تغيير النظام في كييف لضمان قيام دولة تلبي تطلعات الكرملين.

كما نقلت الصحيفة عن كير جايلز، وهو مدير مركز أبحاث دراسات الصراع، ومقره لندن، قوله إن توصل أوكرانيا لأي اتفاق للسلام من هذا القبيل، سيتركها "تحت رحمة روسيا" في حال تكرار الغزو في المستقبل"، مضيفاً أن "اتفاقات وقف إطلاق النار أو معاهدات السلام السابقة التي انخرطت فيها روسيا في جورجيا وسوريا وأوكرانيا، استغلها الكرملين لاحقاً لتحقيق مكاسبه الخاصة".

شروط بوتين للسلام

وكانت الجولة الأولى من محادثات السلام هذه قد بدأت بعد أيام فقط من الغزو الروسي في فبراير 2022، والتقى المفاوضون الروس والأوكرانيون في البداية في بيلاروس، قبل الانتقال إلى تركيا، واستئناف المحادثات بشكل متقطع حتى أبريل من نفس العام.

وأوردت الصحيفة أن الوثيقة الناتجة عن هذه المحادثات كانت على ما يبدو تستند إلى معاهدة عام 1990، التي أدت إلى إعادة توحيد ألمانيا، حيث انسحبت قوات الاتحاد السوفييتي من ألمانيا الشرقية بشرط تخلي البلاد عن الأسلحة النووية، وتحديد حجم جيشها.

وتابعت: "تضمنت مسودة معاهدة السلام مع أوكرانيا حظر الأسلحة الأجنبية بما في ذلك الأسلحة الصاروخية من أي نوع، أو القوات أو التشكيلات المسلحة، كما أرادت موسكو أن يكون عدد القوات المسلحة الأوكرانية 85 ألف جندي، وأن يكون لدى جيش كييف 342 دبابة و519 قطعة مدفعية، فيما كان المفاوضون الأوكرانيون يريدون 250 ألف جندي و800 دبابة و1900 قطعة مدفعية، وأرادت روسيا أن يكون مدى الصواريخ الأوكرانية محدداً عند 40 كيلومتراً (نحو 25 ميلًا)".

ولكن كانت هناك بعض المسائل التي ظلت معلقة، والتي كان أبرزها ما يمكن أن يحدث في حال تعرضت أوكرانيا لهجوم، إذ أرادت روسيا أن تتفق جميع الدول الضامنة على الرد، مما يعني أنه من غير المرجح أن يكون هناك رد موحد في حال كانت موسكو نفسها هي المعتدية، فيما أراد المفاوضون الأوكرانيون إغلاق مجال كييف الجوي في حالة وقوع هجوم عليها، وهو الأمر الذي كان يتطلب من الدول الضامنة فرض منطقة حظر طيران، وتوفير الأسلحة من قبلهم، وهو بند لم توافق عليه روسيا، بحسب الصحيفة.

وأرادت موسكو إضافة بيلاروس كضامن في المعاهدة، فيما أرادت كييف إضافة تركيا، وجاء في الوثيقة أن المفاوضين الأوكرانيين كتبوا نصاً يشير إلى أنهم رفضوا مناقشة البند الروسي الذي يطلب من كييف سحب مطالبها بخضوعها للولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية، التي تحاكم في جرائم الحرب، كما أنهم لم يرغبوا في التصديق على بند إلغاء جميع العقوبات المتبادلة.

ووفقاً لـ"وول ستريت جورنال"، فالمفاوضات استمرت بين الطرفين، بما في ذلك من خلال تطبيق "زووم"، لكنها توقفت تماماً في يونيو 2022 دون التوصل إلى اتفاق.

تصنيفات

قصص قد تهمك