قالت مصادر لبنانية لـ "الشرق"، مساء الاثنين، إن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، تسلم من وفد من السفارة الفرنسية في لبنان "الورقة الفرنسية"، التي تتضمن نقاطاً عدة تتناول كيفية التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" على الحدود في جنوب لبنان.
وأبلغ نبيه بري وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، الذي أجرى، الأحد، محادثات في بيروت تناولت احتواء التصعيد على الحدود اللبنانية السورية، أنه سيتواصل مع "حزب الله" للرد على مضمون الورقة الفرنسية، خلال 3 أيام من تسلمه لها.
وكانت مصادر فرنسية، أشارت إلى أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي اجتمع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس في 19 أبريل، تعهّد لماكرون بتقديم ردّ حول النقاط الواردة في الخطّة الفرنسية.
يأتي ذلك، فيما تدور اشتباكات بين "حزب الله" اللبناني، وإسرائيل منذ أشهر بالتوازي مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ تمثل الأعمال القتالية أسوأ صراع بين الجانبين منذ حرب 2006، ما يؤجج المخاوف من خوض مواجهة أكبر.
وعلى مرّ الأسابيع، تصاعد القصف المتبادل بين إسرائيل، التي باتت تضرب الأراضي اللبنانية في عمق أكبر، و"حزب الله"، الذي أصبح يشنّ هجمات أكثر تطوّراً على مواقع إسرائيلية عسكرية في الشمال.
ووفقاً لوكالة "فرانس برس"، فإن 385 شخصاً على الأقلّ لقوا مصرعهم من الجانب اللبناني، منذ بدء التصعيد، بينهم 254 شخصاً من "حزب الله" و73 مدنياً، بينما لقي 20 شخصاً من الجانب الإسرائيلي، مصرعهم، بحسب بيانات الجيش الإسرائيلي.
وكانت الحكومة اللبنانية قد سلّمت باريس في مارس الماضي، ردّها على المبادرة الفرنسية التي تقوم، على تطبيق قرار الأمم المتحدة الرقم 1701، الذي ينصّ على نشر عناصر الجيش اللبناني وقوّات "اليونيفيل" وحدهم لا غير في جنوب لبنان.
لكن الورقة تحمل تعديلات طفيفة عن السابقة التي كان لبنان تسلم النسخة الأولى منها في وقت سابق، عبر وفد مشترك من وزارتي الخارجية والجيوش الفرنسيتين، وتلقت باريس الرد عليها. أما الورقة المعدّلة، فقد حمل سيجورنيه بنودها إلى المسؤولين اللبنانيين الأحد.
3 مراحل تدريجية
وقال مصدر دبلوماسي لصحيفة "الشرق الأوسط"، إن المقترحات "تم البحث بها، وناقش سيجورنيه مضمونها مع جميع المسؤولين في لبنان"، في إشارة إلى رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب وقائد الجيش جوزيف عون، لافتاً إلى أن الورقة تتضمن حلاً على ثلاث مراحل.
وأوضح المصدر أن المرحلة الأولى، على المدى القصير، تقضي بـ"وقف العمليات العسكرية للمجموعات المسلحة اللبنانية، مقابل وقف الخروق الإسرائيلية"، وتشمل أيضاً "إعادة تموضع (حزب الله) في مناطق انتشاره في الجنوب".
ولا يحدد مصطلح "إعادة التموضع" مسافة انسحاب الحزب من المنطقة الحدودية، وستكون هذه النقطة خاضعة لمسار تفاوضي وتفصيلي، علماً أن هذه العبارة تعدّ تطويراً عن المبادرات الدولية السابقة التي تحدثت بشكل واضح عن انسحاب الحزب إلى مسافات تتراوح بين 7 و10 كيلومترات من الحدود مع إسرائيل.
وأضاف المصدر الدبلوماسي، أن المرحلة الثانية، التي تُنفذ على المدى المتوسط، "تتضمن عودة النازحين اللبنانيين إلى قراهم، بالتزامن مع عودة النازحين الإسرائيليين من شمال البلاد"، وتتم العودة "بشكل كامل"، في إشارة إلى نحو 100 ألف نازح لبناني من المنطقة الحدودية اللبنانية الجنوبية، ونحو 100 ألف نازح إسرائيلي أيضاً من المنطقة الحدودية بشمال إسرائيل.
وأردف المصدر، أن المرحلة الثالثة التي تُنفذ على المدى الطويل، تتضمن "استنساخاً لاتفاقية (تفاهم نيسان 1996)، وتقوم على تشكيل لجنة رباعية أو خماسية مؤلفة من ممثلين عن الجيشين اللبناني والإسرائيلي، وممثلين عن (يونيفيل)، وممثلين عن الجيشين الفرنسي والأميركي، ومهمتها حل النزاع الحدودي القائم في 13 نقطة حدودية، إضافة إلى الخلافات حول بلدة الغجر، ومشكلة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا"، التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، ويؤكد لبنان أنها أراضي لبنانية وليست سورية.
وتضطلع اللجنة الخماسية المزمع تشكيلها بمناقشة التفاصيل التقنية المتصلة بتثبيت الحدود المرسمة مع فلسطين في عام 1926ومثبتة ضمن اتفاق الهدنة مع إسرائيل في عام 1949، وإجراء محادثات حول الخلافات الحدودية على الخط الأزرق. وقالت المصادر إنها "ستكون فرصة لإرساء استقرار مستدام على الحدود الجنوبية".
وفي حال إيجاد حل كامل للنزاع الحدودي الذي يتضمن 13 نقطة حدودية من ضمنها نقطة الـB1، ومزارع شبعا وكفرشوبا والغجر، سيتخطى الاستقرار ما شهدته المنطقة الحدودية من هدوء بين عامي 2006 و2023 التي لم يطبق فيها القرار 1701 بشكل كامل، حيث بقيت النقاط الحدودية عالقة كما بقيت الخروق الجوية الإسرائيلية قائمة، لكن لم تشهد المنطقة مواجهات وتصعيداً عسكرياً.
القرار 1701
وأكدت المصادر الدبلوماسية، أن إطار الورقة الفرنسية "يقوم على القرار 1701، الذي سيكون كافياً لاستقرار مستدام، ولم يكن هناك ضرورة لإطار جديد أو آلية جديدة مختلفة عن الـ1701".
وشددت المصادر، على أن "الدور الفرنسي فاعل باتجاه تثبيت الاستقرار عبر 700 جندي يشاركون ضمن بعثة (يونيفيل)، وتمتلك باريس دوراً كبيراً تلعبه لإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة الحدودية، لجهة زيادة الدوريات اليومية لـ(يونيفيل) وتثبيتها وإيضاح مهام (يونيفيل) وصلاحياتها بالتعاون مع الجيش اللبناني"، وهي أمور جرت مناقشتها خلال زيارة قائد الجيش اللبناني جوزيف عون إلى باريس أخيراً.
وكان الرئيس الفرنسي جدد تعهده، الجمعة، ببذل كلّ ما في وسعه "لمنع تصاعد أعمال العنف بين لبنان وإسرائيل"، حاضاً القادة اللبنانيّين على حلّ الأزمة المؤسّساتية التي يشهدها بلدهم.
وكثف ماكرون اتصالاته، إذ استقبل في الإليزيه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وكذلك قائد الجيش اللبناني جوزيف عون. وشارك الأخير أيضاً في اجتماع بباريس مع نظيريه الفرنسي والإيطالي اللذين يُعدّ بلداهما من المساهمين الرئيسيّين في قوّة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).
ويؤدّي الجيش دوراً حاسماً في حفظ استقرار لبنان. ويُقيم جوزف عون علاقات جيّدة مع معظم الأحزاب، ويُشار إليه أحياناً على أنه شخصيّة يمكن لها حلّ الأزمة السياسيّة في البلاد، بحسب "فرانس برس".
كذلك، تحدّث ماكرون هاتفياً مع رئيس مجلس النوّاب اللبناني نبيه برّي الذي يؤدّي هو أيضاً دوراً رئيسياً في المشهد السياسي المأزوم، فهو من يمكنه دعوة النوّاب إلى انتخاب رئيس جديد للدولة، وهو أمر لم يتمكّنوا من فعله منذ أن انتهت في 31 من أكتوبر 2022 ولاية الرئيس ميشال عون.
وأكّد ماكرون الجمعة لميقاتي خلال استقباله في باريس، "التزام فرنسا بذل كلّ ما في وسعها لتجنّب تصاعد أعمال العنف بين لبنان وإسرائيل"، حسبما نقل الإليزيه.
وأضافت الرئاسة الفرنسية في بيان، أن ماكرون "أكّد عزمه على مواصلة تقديم الدعم الضروري للقوّات المسلّحة اللبنانيّة".
وتابعت أن "ماكرون يواصل التحرّك من أجل استقرار لبنان بحيث تتمّ حمايته من الأخطار المتصلة بتصعيد التوترات في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، ذكّر بالالتزام الفرنسي في إطار قوّة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) وشدّد على مسؤوليّة الجميع حيالها لتتمكّن من ممارسة مسؤوليّاتها في شكل كامل".
وأورد البيان أيضاً، أنّ "فرنسا ستتحرك في هذا الاتجاه مع جميع من هم مستعدّون للمشاركة في شكل أكبر، خصوصاً شركاءها الأوروبيين، وفق ما توصّل إليه المجلس الأوروبي الطارئ" الذي عقد الأربعاء والخميس في بروكسل.
كذلك، تشاور ماكرون هاتفيا مع برّي، وكرّر دعوته "المسؤولين السياسيّين إلى إيجاد حلّ للأزمة المؤسّساتية التي تضعف لبنان".
3 ملفات رئيسية
بدوره، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، الجمعة، إنه بحث مع ماكرون الوضع في الجنوب وملف النازحين والاستحقاق الرئاسي.
وأضاف ميقاتي، في بيان نشره مكتبه على منصة "إكس"، عقب الاجتماع مع ماكرون، أن المباحثات التي جرت في قصر الإليزيه تطرّقت بشكل خاص إلى ملف النازحين السوريين.
وتابع: "شرحت للرئيس ماكرون المخاطر المترتبة على لبنان بفعل الأعداد الهائلة للنازحين. وجدّدت المطالبة بقيام المجتمع الدولي بواجباته في حلّ هذه المعضلة التي ستنسحب تداعياتها على أوروبا خصوصاً".
وأردف ميقاتي: "تمنيت على الرئيس ماكرون أن يطرح على الاتحاد الأوروبي موضوع الإعلان عن مناطق آمنة في سوريا بما يسهّل عملية إعادة النازحين إلى بلادهم، ودعمهم دوليّاً وأوروبيّاً في سوريا، وليس لبنان".
وذكر البيان أن الجانب الفرنسي وعد بالمساعدة على حل هذه المشكلة على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وبشأن الملف الرئاسي، قال ميقاتي: "جدّدت التأكيد أن مدخل الحل للأزمات في لبنان هو في انتخاب رئيس جديد لاكتمال عقد المؤسسات الدستورية والبدء بتنفيذ الإصلاحات الضرورية".