ما بين إيران والعراق وصولاً إلى سوريا وتركيا والقضية الفلسطينية، شهدت السياسة الخارجية لولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (2016-2020) أحداثاً كثيرة تسببت في منعطفات كبيرة تخص الشرق الأوسط، ما يجعل تسليط الضوء عليها مدخلاً لفهم سياساته الخارجية المنتظرة تجاه المنطقة، حال فوزه في انتخابات نوفمبر المقبل.
وحذر خبراء ومحللون في تصريحات لـ"الشرق"، من أن سياسات المرشح الجمهوري تجاه طهران، تهدد بكارثة حال فوزه، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن مساندة ترمب الكبيرة لإسرائيل تتناقض مع شعاره الانتخابي MAGA "فلنجعل أميركا عظيمة مجدداً"، واستبعدوا تغير موقفه المتشدد تجاه القضية الفلسطينية.
ومع ذلك، قال محللون، إن سياسة "أميركا أولاً" ستظل حاكمة لتعامل ترمب مع الشرق الأوسط، انطلاقاً من بحثه عن "المصلحة"، ورجحوا إبقائه على القوات الأميركية في سوريا من أجل النفط، في مقابل خروجها من العراق، عملاً بمبدأ الابتعاد عن مناطق النزاع لتجنب حرب عالمية ثالثة.
وتأتي احتمالية فوز ترمب بانتخابات نوفمبر 2024، وسط تصاعد في اضطرابات الشرق الأوسط، خاصة بعد اتساع رقعة المواجهات المسلحة إثر اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، وهو الأمر الذي تعامل معه الرئيس السابق بالصمت في البداية قبل أن يغير من استراتيجيته.
واكتفى ترمب في الأشهر الأولى من حرب غزة بتعليقات متناثرة نادرة، متجنباً الاشتباك المباشر مع تطوراتها، قبل أن يعود مؤخراً إلى اتخاذ موقف عدائي بشكل متزايد ضد الفلسطينيين ومؤيديهم في الولايات المتحدة، وهو ما بلغ ذروته حين رد على إعلان منافسته الديمقراطية نائب الرئيس كامالا هاريس، أنها "لن تقف صامتة إزاء الكارثة الإنسانية في القطاع"، وهى التصريحات التي أدلت بها عقب اجتماع في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وهاجم ترمب هاريس، خلال استقباله نتنياهو في فلوريدا، معتبراً أن تصريحاتها "تنم عن عدم احترام". وفي كلمة أمام مجموعة مسيحية محافظة، قال الرئيس السابق إن غياب نائبة الرئيس عن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي في الكونجرس "دليل على أنها لا تحب إسرائيل، لا تحب الشعب اليهودي، هذا هو الأمر، وهذا هو ما سيكون عليه الوضع. لن تتغير". ووصف لقاءها مع نتنياهو بأنه "مهين ومريع".
عداء مبكر مع إيران
عاد ترمب لصمته في واقعة متعلقة بإيران، وهو أمر نادر الحدوث، وذلك بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، رغم أن الحادث أعاد إلى الواجهة اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في ضربة نفذتها مسيّرة أميركية قرب مطار بغداد في 3 يناير 2020.
عداء ترمب وإيران بدأ قبل وصوله إلى البيت الأبيض، إذ أنه في عام 1980 قبيل انتهاء أزمة احتجاز 52 دبلوماسياً أميركياً في السفارة الأميركية في طهران لمدة 444 يوماً على يد طلاب إيرانيين موالين للخميني، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، ظهر ترمب في مقابلة على قناة NBC، ولم يكن عمره حينها يتعد 34 عاماً، تطرق إلى حالة إيران.
وشدد ترمب في المقابلة على ضرورة أن تكون الولايات المتحدة "دولة تحظى حقاً باحترام الدول الأخرى". وأضاف: "الوضع الإيراني هو مثال واضح على ذلك. إن احتجازهم رهائننا أمر مثير للسخرية تماماً. إن صمت هذا البلد والسماح لدولة مثل إيران باحتجاز رهائننا، في رأيي، أمر مروع، ولا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك مع دول أخرى".
بعد 52 عاماً، في 4 يناير 2020، أي بعد يوم واحد من اغتيال سليماني، كتب ترمب، الرئيس حينها، على منصة "إكس": "لقد استهدفت 52 موقعاً إيرانياً، تُمثّل الرهائن الأميركيين الـ52 الذين احتجزتهم إيران منذ سنوات عديدة، بعضها على مستوى عالٍ جداً ومهم لإيران والثقافة الإيرانية، وهذه الأهداف، وإيران نفسها، ستتعرض لضربة سريعة جداً وبقوة شديدة. الولايات المتحدة لا تريد المزيد من التهديدات".
أثار قرار ترمب، آنذاك، بتصعيد الصراع المتصاعد منذ عقود مع إيران، مخاوف كبيرة وانتقادات من سياسيين وقادة عسكريين أميركيين لدفع الولايات المتحدة إلى شفا الحرب مع إيران.
وصفت رئيسة مجلس النواب، حينها، الديمقراطية نانسي بيلوسي، الضربة الجوية بأنها "استفزازية وغير متناسبة" خاصة أنها حدثت دون الحصول على موافقة الكونجرس، واعتبرت أن الضربة "عرَّضت أفراد خدمتنا ودبلوماسيينا وغيرهم للخطر من خلال المخاطرة بتصعيد خطير للتوترات مع إيران". وحاول الكونجرس، وقتها، إقرار تشريع "لم ينجح" لمنع المزيد من الأعمال العسكرية ضد القادة والأهداف الإيرانية.
انفصال عن نمط سائد
يلفت أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في جامعة أوهايو، بول بيك، إلى أن "تلك الضربة شكلت انفصالاً عن النمط الأميركي السائد".
وأوضح بيك، في حديثه مع "الشرق"، أن الإدارات الأميركية المختلفة لم تعلن قط مسؤوليتها علناً عن قتل شخصيات بارزة من النظام الإيراني أو وكلائه، واتجهت إلى فرض عقوبات، مع تجنب الاغتيالات تحسباً للتصعيد وخطر اندلاع صراع مع إيران والمنطقة".
قبل عامين من مقتل سليماني، انسحب ترمب من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018، وشددت إدارته ضغوطها على الاقتصاد الإيراني بالعقوبات الاقتصادية الصارمة، دفع ذلك إيران إلى مهاجمة الأصول العسكرية الأميركية في العراق بشكل متزايد.
كانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أبرمت اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) في أبريل 2015 مع إيران، وفرض الاتفاق قيوداً كبيرة على برنامج طهران النووي، وخاصة تخصيب اليورانيوم، لفترات تتراوح من 10 إلى 15 عاماً، لكن إدارة ترمب انسحبت بشكل أحادي من الاتفاق وفرضت عقوبات على طهران.
كان انسحاب ترمب من الاتفاق في المقام الأول يصب في صالح إسرائيل، إذ قال الرئيس السابق في مقابلة مع مجلة "تايم" في أبريل الماضي، "لم يكن هناك رئيس فعل ما فعلته لإسرائيل. عندما تنظر إلى كل الأشياء التي فعلتها، والتي تبدأ بالاتفاق النووي مع إيران. كما تعلمون، توسّل نتنياهو إلى أوباما ألا يبرم هذا الاتفاق. لقد أنهيت هذا الاتفاق".
تجنب توسيع الصراع
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة وسط أوكلاهوما، حسام محمد، أن هناك فرقاً واضحاً بين خطاب ترمب وإدارة بايدن التي تحاول تجنب توسيع الصراع. وأكد في حديثه مع "الشرق"، أن ذلك لا يعني أن سياسة ترمب المناهضة لإيران ستنتهي بالحرب.
وقال محمد إن ترمب، في الغالب، "مناهض للحرب"، ولكن من المرجح أن يفرض المزيد من العقوبات ويقيد إيران "كل الإدارات الأميركية تحاول السيطرة على الأمر لأن الدخول في حرب مع العدو التقليدي لها في منطقة الشرق الأوسط، إيران، سيؤدي إلى كارثة".
وتابع: "الدبلوماسية كانت وسيلة أوباما وستكون وسيلة كامالا هاريس إذا فازت، أما فرض المزيد من العقوبات هي سياسة ترمب".
من جانبه، وصف الخبير السياسي ومدير معهد الدراسات النووية بالجامعة الأميركية في واشنطن بيتر كوزنيك، قرار إلغاء ترمب لخطة العمل الشاملة المشتركة والاتفاق النووي الإيراني بـ"كارثي وغبي".
وقال كوزنيك في حديثه مع "الشرق"، إنه بموجب الاتفاق، كانت إيران على بعد عام من الحصول على سلاح نووي، أما الآن أصبحت على بعد شهر واحد، "وبصفته رئيساً، هدد مراراً وتكراراً بالحرب مع إيران. سياساته تجاه طهران إذا فاز تهدد بكارثة في المنطقة وقد تجر العالم معها".
بقاء في سوريا وانسحاب من العراق
عملاً بشعاره الانتخابي "أميركا أولاً" تحمّس ترمب لصالح سحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان، معتبراً وجودها دون مبرر يجر واشنطن إلى حرب لا علاقة لها بها، وبموجب ذلك أمر بخفض القوات في العراق من نحو 5 آلاف و200 جندي إلى نحو 3 آلاف، وتخفيضها في أفغانستان إلى 4 آلاف و500 قبل أن يأتي بايدن ويُقدِم على انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، ويحتفظ بالقوات في العراق.
كان الرئيس السابق باراك أوباما قد بدأ سحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط واستمرت الأعداد في الانخفاض على مدى سنوات منذ ذلك الحين، في سياسة تهدف إلى إخراج جميع القوات المتبقية من العراق.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) أن لدى الولايات المتحدة 900 جندي في سوريا، بالإضافة إلى قواتها بالعراق، في مهمة تهدف إلى تقديم المشورة والمساعدة للقوات المحلية التي تحاول منع عودة تنظيم "داعش". لكن ترمب، حاول سحب القوات من العراق وفضّل بقاء القوات الأميركية في سوريا، وقال إن الهدف من بقائها هو حماية حقول النفط.
ما حدث في ولاية ترمب الأولى، اعتبره أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوهايو، بول بيك، سياسة ونهج مستمر ولن يتغير في ولايته الثانية حال فوزه، قائلاً إن سياسة الرئيس السابق الخارجية تهدف بالأساس إلى مصلحته في المقام الأول ورفع شعار "أميركا أولاً" بغض النظر عما يحدث حوله في العالم.
وشدد على أن ترمب "سيُبقي على القوات في سوريا من أجل النفط، في الوقت ذاته ينأى بنفسه ويتجنب حرباً عالمية ثالثة، ما يجعله ينهي البعثات الأميركية في مناطق النزاع ومن بينها العراق "وهو ما يدعمه كثير جداً من الناخبين في كلا الحزبين".
تركيا.. علاقة خارج السياق التاريخي
في ولايته الأولى، أعلن ترمب بعد اجتماع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، "إعجابه الكبير" بالزعيم القوي في تركيا.
إعلان ترمب إعجابه بأردوغان في نوفمبر 2019، جاء في وقت وصلت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، إلى أدنى مستوياتها وسط خلافات بشأن سوريا وشراء أنقرة للنظام الصاروخي الروسي S-400.
البلدان لديهما تاريخ من التوتر أثناء الحرب الأميركية على العراق في عام 2003، وهو ما استمر في عهد أوباما، ولم يتحسن كثيراً في عهد بايدن. لذلك شكلت سياسة ترمب مع أنقرة استثناء عن الرؤساء الأميركيين الآخرين، حتى أنه طوّر علاقة شخصية قوية مع أردوغان.
استجاب ترمب، في كثير من الأحيان، لمخاوف تركيا بشأن "وحدات حماية الشعب"، الفرع السوري لجماعة حزب العمال الكردستاني، الذي تصنّفه أنقرة "إرهابياً"، وتراها واشنطن، حليفة لها في طرد تنظيم "داعش"، وهو ما تعتبره أنقرة دعماً يهدد أمنها القومي.
تعاون مع أردوغان
وأبدى ترمب حينها، استعداده لمعالجة مخاوف تركيا بشأن وحدات حماية الشعب، ووعد بإبعادها عن منطقة الحدود التركية، لكنه فشل في القيام بذلك لاحقاً.
ورغم ذلك الفشل، رجح أستاذ السياسات الدولية في جامعة "حسن كالينكو التركية"، مراد أصلان، أنه بمجرد فوز ترمب، سيكون أكثر ميلاً للتعاون مع أردوغان.
وقال أصلان في حديثه مع "الشرق"، إن نخبة ترمب، "أكثر توجهاً نحو المصالح الإسرائيلية، وقد تدفع تركيا إلى علاقات أفضل مع إسرائيل خلال ولايته الثانية إذا فاز".
ومع ذلك، يعتقد أصلان أن تركيا لا ترى أي فرق بين المرشحين "عادة ما يكون الديمقراطيون والجمهوريون على نفس الصفحة فيما يتعلق بتركيا. وبالتالي، لا يوجد سبب للأمل أكثر أو الإحباط بشأن ذلك".
وأشار أصلان إلى أن العلاقات بين الجانبين، خلال ولاية ترمب، مرّت بفترات صعود وهبوط، قائلاً إنه "في بعض الأحيان خاطب تركيا بطريقة غير لائقة"، مشيراً إلى "رسالة" ترمب لأردوغان في أكتوبر 2019 حينما كتب له "لا تكن متصلباً ولا تكن أحمقاً"، وحذّره حينها من القيام بأي عملية عسكرية ضد ما تُعرف بـ"قوات سوريا الديمقراطية" شمال شرقي سوريا المتحالفة مع واشنطن.
وأضاف أصلان، أن ترمب ألقى باللوم على أوباما في تدهور العلاقات مع تركيا، معتبراً أنه دفع أنقرة إلى شراء صواريخ S400، كما أشاد بأردوغان باعتباره "ملتزماً بمصالح بلاده".
ورغم ذلك، يعتقد أصلان، أن عودة ترمب المحتملة إلى السلطة يمكن أن تجعل تركيا تتطلع إلى العودة للحوار، وإيجاد وسيلة لبعض الأزمات، بما في ذلك سوريا.
تشدد أكثر تجاه فلسطين
يعتبر الخبراء أن سياسة ترمب تجاه الشرق الأوسط بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، أكثر تشدداً من سياسات الرؤساء الآخرين.
في العام الأول لولايته الأولى، تحديداً في ديسمبر 2017، اعترف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها بدلاً من تل أبيب، مما أدى إلى إضعاف قدرة الولايات المتحدة على العمل كوسيط موثوق به في المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بحسب ما أعلنه قادة عرب ومسلمون.
في أكتوبر 1995، أقر الكونجرس قانون "سفارة القدس" الذي يقضي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ويسمح بنقل السفارة الأميركية إليها في مايو 1999، لكن رؤساء الولايات المتحدة على التوالي ماطلوا في تنفيذ القرار. وعارضه الرئيس السابق بيل كلينتون، حتى لا يعيق فرص تحقيق سلام إسرائيلي فلسطيني.
وأشرف ترمب في عام 2020 على اتفاقيات ثنائية بين إسرائيل ودول عربية، ما اصطلح عليه باسم "اتفاقيات أبراهام"، ما أتاح تطبيع العلاقات بين تل أبيب والبحرين والإمارات.
في ذلك العام أيضاً، أعلن ترمب إلى جانب نتنياهو، خطة سلام إسرائيلية فلسطينية، انتقدها قادة فلسطينيون ومرشحو رئاسة ديمقراطيون عام 2020.
وتتضمن الخطة إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وعدد قليل من الأحياء في القدس الشرقية وقطاع غزة، بشرط أن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة يهودية ونزع سلاح حركة "حماس" والفصائل الأخرى في قطاع غزة، مع إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل بضم جميع المستوطنات، ومنحها السيادة على وادي الأردن والسيطرة الأمنية الشاملة المستمرة على غرب نهر الأردن والجولان.
دعم أكبر لإسرائيل
ومع احتمالية عودته إلى البيت الأبيض لم يقدّم الرئيس السابق، خطاً واضحاً لولاية ثانية فيما يتعلق بفلسطين وإسرائيل، لكن مستشاره السابق لشؤون الشرق الأوسط، جاريد كوشنر، قدّم إشارات، في مقابلة أجريت معه في جامعة هارفارد، في فبراير الماضي، مفادها بأن ولاية ترمب الثانية قد تعني دعماً أميركياً أكبر للإسرائيليين الذين يريدون طرد الفلسطينيين من غزة وإعادة توطين المنطقة بأنفسهم.
وصرح مستشار ترمب وصهره، أنه إذا تولى المسؤولية في إسرائيل، فسوف ينشئ "منطقة آمنة" داخل صحراء النقب الإسرائيلية لإيواء الفلسطينيين. وبرر كوشنر الفكرة بأن حدود غزة قابلة للتغيير.
ووصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان فرانسيسكو والمدير المؤسس لبرنامج دراسات الشرق الأوسط، ستيفين زونس، ترمب، بأنه أكثر الرؤساء الأميركيين تشدداً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وقال زونس في تصريحات لـ"الشرق"، إن ترمب كان الرئيس الوحيد منذ توقيع اتفاقيات أوسلو الذي لم يدعم رسمياً قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، على الرغم من عدم استعداد أي من الرؤساء الآخرين لإجبار إسرائيل على جعل ذلك ممكناً.
ولفت زونس، إلى اعتراف ترمب بضم إسرائيل غير القانوني لمنطقة الجولان في سوريا، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإغلاق البعثة الأميركية في القدس الشرقية العربية، واستدرك: "على الرغم من رفض بايدن التراجع عن ذلك. وعلى الرغم من عدم رغبة بايدن في إجبار إسرائيل على قبول وقف إطلاق النار، إلا أن ترمب لا يدعم الفكرة حتى".
سياسة تقليدية
من جانبه، اعتبر المؤرخ في جامعة ميشيجان، ديريك أيدي، موقف ترمب من إسرائيل بمثابة "الاستثناء الكبير" لانحرافه المعتاد عن السياسات الأميركية التقليدية، الذي يتمثل في تهديده بتفكيك حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتراجعه عن دعم أوكرانيا، وتطوير علاقات ودية مع كوريا الشمالية.
وقال أيدي في حديثه مع "الشرق"، إن ترمب "يعتمد بالكامل على اللوبي الإسرائيلي، وموقفه من إسرائيل كان متسقاً مع السياسة الأميركية التقليدية التي تدعم الدولة الصهيونية بلا هوادة"، "هناك خط طويل من الاستمرارية".
ورغم أن هذا الدعم المطلق من ترمب لإسرائيل يتناقض مع شعار "أميركا أولاً" الذي يعتمد عليه في حملاته الانتخابية، فإن أيدي يرى أن ذلك التناقض لن يشكل فارقاً كبيراً بالنسبة للكثيرين في قاعدته الانتخابية.
وأضاف أيدي، أن ترمب عزز التزامه القوي بإسرائيل من خلال اختياره جي دي فانس مرشحاً لنائب الرئيس، مشيراً إلى محاولة نائب الرئيس المحتمل، التوفيق بين شعار "أميركا أولاً" والدعم القوي لإسرائيل عندما ألقى خطابا في معهد كوينسي في مارس الماضي، وجادل بأن الدعم العسكري لإسرائيل كان ميزة لواشنطن، وأنه كان حلاً أكثر فاعلية من حيث تكلفة مراقبة المنطقة بدلاً من التدخل المباشر للولايات المتحدة.
ولفت أيدي إلى أن أوشا زوجة جاي دي فانس، تأتي من خلفية هندوسية محافظة، قائلاً إن سياسة أوشا لم يتم توضيحها بالكامل بعد، إلا أنها بالتأكيد ستجذب التيار المتنامي بقوة من حزب "بهاراتيا جاناتا/هندوتفا" وهو لوبي هندوسي، وجماعات ضغط هندية ظهرت في تسعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة وتحاكي جماعات الضغط الموالية لإسرائيل مثل "آيباك"، موضحاً أنه "تيار يعادي بشكل عميق النشاط المؤيد لفلسطين والإسلام بشكل عام".
تدمير دون ضجة
هاجم دونالد ترمب الاحتجاجات الجامعية التي اجتاحت الشوارع والجامعات تنديداً بالحرب الإسرائيلية على غزة. ووصف المتظاهرين بأنهم جزء من "ثورة جذرية"، ووعد المانحين بأنه سيطرد الطلاب المتظاهرين من الولايات المتحدة إذا عاد إلى البيت الأبيض.
وفي المناظرة الرئاسية، التي أدت إلى انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق، قال ترمب إن إسرائيل بحاجة إلى "إنهاء الأمر". لكن "إنهاء الأمر" من وجهة نظر ترمب لا يعني وقف إطلاق النار، ولكن على الأرجح إكمال الحرب والتدمير دون ضجة إعلامية.
قال ترمب، إنه يعتقد أن إسرائيل ارتكبت خطأً فادحاً في العلاقات العامة "لا أعتقد أن صندوق الدفاع الإسرائيلي أو أي مجموعة أخرى ينبغي لها أن ترسل صوراً كل ليلة لمبانٍ تنهار وتتعرض للقصف مع احتمال وجود أشخاص داخل تلك المباني كل ليلة، وهذا ما تفعله".
كما شكك في إمكانية حل الدولتين بعد الحرب الجارية حالياً، "الآن أعتقد أن حل الدولتين سيكون صعباً للغاية. أعتقد أنه سيكون من الصعب للغاية تحقيقه. كان هناك الكثير من الأشخاص الذين أعجبوا بالفكرة قبل 4 سنوات. واليوم، أصبح عدد الأشخاص الذين أعجبوا بهذه الفكرة أقل بكثير".
وبينما ظهرت حرب غزة كقضية رئيسية في حملة بايدن الرئاسية، أدت إلى انقسام الديمقراطيين، وانخفاض معدلات قبوله بين فئات من الناخبين الديمقراطيين، فإن ترمب والجناح الجمهوري لا يلقون بالاً كثيراً للحرب الإسرائيلية.
واستبعد مدير معهد الدراسات النووية بالجامعة الأميركية في واشنطن، بيتر كوزنيك، أن يغير ترمب رؤيته، سواء إذا وصل إلى البيت الأبيض لولاية ثانية أو ربما خلال الحملة الانتخابية لجذب عدد أكبر من الناخبين، وخاصة الشباب المتعاطفين مع غزة. وقال كوزنيك، إن ترمب "كلب عجوز" لا يتعلم الكثير من الحيل الجديدة.
وبينما نأت كامالا هاريس بنفسها إلى حد ما، عن دعم بايدن غير المشروط لإسرائيل واستمراره في توفير الأسلحة التي تستخدمها تل أبيب لمهاجمة غزة، فإن المؤرخ في جامعة ميشيجان، ديريك أيدي، رجح أن يضمن ذلك مضاعفة ترمب دعمه لنتنياهو لتمييز نفسه عن هاريس، وجزئياً لإرضاء قاعدته المسيحية الإنجيلية، وتابع: "ينبغي لهاريس أن تكون قادرة على سحقه في المناظرة إذا كانت لديها الشجاعة للدفاع عن قناعاتها".
هيمنة اليمين المتطرف
يتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان فرانسيسكو، ستيفين زونس، مع كوزنيك في أن ترمب لن يُظهِر أي تعاطف مع القضية الفلسطينية. وقال إن قطاعاً مهماً من القاعدة السياسية لترمب يتألف من الأصوليين المسيحيين اليمينيين الذين يرون في إسرائيل تحقيقاً للنبوءة التوراتية ويدعمون العناصر الأكثر تطرفاً في السياسة الإسرائيلية "ولذلك فهو يرغب في الحفاظ على دعمهم".
من جانبه، أكد أيدي، أن ترمب لن يغير رؤيته أبداً أو سياساته تجاه إسرائيل حتى من أجل الانتخابات، وقال إنه لن يتراجع عن دعمه التوسع الإسرائيلي، حيث أن قاعدته الانتخابية كبيرة بما يكفي بحيث لا يحتاج إلى استمالة أصوات الفئات المستهدفة بالطريقة التي قد يحتاجها المرشحون الديمقراطيون.
غير أن أستاذ العلوم السياسية في جامعة وسط أوكلاهوما، حسام محمد، يرى أن إمكانية تغيير رأي ترمب "محتملة" إذا واجه صراعاً مع صناع القرار في إسرائيل، مرجعاً السبب إلى أن الرئيس السابق، مدفوع أكثر بالمصلحة الشخصية، وإذا اختلف مع الحكومة الإسرائيلية يمكن أن يغير رؤيته.
ومع ذلك، استبعد محمد أن يحدث ذلك على أرض الواقع، لسببين، أولهما أن "الفلسطينيين لن يجلبوا أي فائدة لترمب، لذا فمن السهل تجاهل قضيتهم.. والسبب الثاني، أن المرشح الجمهوري محاط بجماعات الضغط وصناع القرار والمانحين المؤيدين لإسرائيل، لذا فإن وجوده إلى جانبها مهم بالنسبة لمؤيديه".
وتابع: "أشك في أن ترمب سيحاول استقطاب المجموعات التقدمية الشابة في البلاد، لأنها تكاد لا تتفق مع كل أهدافه في السياسة الداخلية والخارجية، إن لم يكن أغلبها. وسوف تمنعه المؤسسات في البلاد، وجماعات الضغط، والمانحون من التعبير عن تعاطفه أو دعمه لغزة، وخاصة إذا استمرت الحكومة الإسرائيلية في الهيمنة على الساسة اليمينيين المتطرفين".