تستعد المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية كامالا هاريس إلى خوض السباق الانتخابي في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط اضطرابات "متصاعدة وحرجة"، في خضم الحرب الإسرائيلية على غزة، والعلاقة "المجمدة" مع إيران، واستمرار تهديدات جماعة "الحوثي" في اليمن بمنطقة البحر الأحمر.
ولم تُختبر، بعد، سياسة هاريس، نحو منطقة الشرق الأوسط، على عكس منافسها الجمهوري دونالد ترمب، لكن بصفتها نائب الرئيس جو بايدن، تُحيطها تساؤلات بشأن مدى استمرارها على نهجه في المنطقة، حال فازت في نوفمبر المقبل.
والعامل الرئيسي لفهم سياسة هاريس في الشرق الأوسط، كما يقول خبراء، هو النظر في آراء مستشارها الرئيسي للسياسة الخارجية، فيليب جوردون، الذي يعتبر واحداً من أبرز الخبراء الأميركيين في المنطقة.
جوردون خدم في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في الفترة من عام 2009 إلى عام 2015، أولاً كمساعد لوزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية، ثم منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الخليج في مجلس الأمن القومي، إلى جانه أنه يؤمن بالانخراط الدبلوماسي والاقتصادي وأن تغيير الأنظمة في المنطقة "لعبة فاشلة".
وبينما رجّح الخبراء والمراقبون أن هاريس، إذا فازت، فإن معظم مواقف السياسة الخارجية ستكون امتداداً لإدارة بايدن، مؤكدين أن إسرائيل ستكون بوابة كامالا نحو الشرق الأوسط، وهي الملف الذي يحظى بأهمية كبرى لديها منذ سنوات طويلة.
بدورها، أكدت هاريس، سلفاً، أن دعمها لإسرائيل "راسخ"، في الوقت نفسه دفعت باتجاه وقف إطلاق النار في غزة. وبعد غيابها عن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونجرس في يوليو الماضي، لصالح حدث مُجدّول مسبقاً بولاية إنديانا، التقته، عقب ذلك بأيام (26 يوليو)، لبحث الحرب الإسرائيلية على غزة وما يتبعها من مآس إنسانية وسبل الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين.
وخرجت هاريس بعد الاجتماع، وتحدثت إلى الصحافيين، إذ بدأت خطابها بتأكيد دعمها القوي والثابت لإسرائيل، ككيان ارتبطت به طفولتها عندما كانت تجمع المال لزراعة الأشجار هناك، ووصفت حركة "حماس" الفلسطينية، بأنها "منظمة وحشية إرهابية"، وفق تعبيرها.
وقالت نائبة الرئيس أمام الصحافيين: "صور الأطفال المتوفين، والناس الجائعين الذين يفرون بحثاً عن الأمان.. ما حدث في غزة خلال الأشهر التسع الماضية، أمر مريع.. لا يمكننا أن نغض النظر في وجه تلك المآسي.. لا يمكننا السماح لأنفسنا بأن نصبح خاملين إزاء المعاناة، وأنا لن أصمت".
وبنبرة حادة، أعلنت هاريس، أنها لن تتبع خطوات بايدن في منح رئيس الوزراء الإسرائيلي "عناقاً دافئاً". فمنذ اللحظة الأولى، للحرب على غزة، والتي أودت بحياة أكثر من 39 ألف فلسطيني، بينهم نحو 16 ألفاً و500 طفل، على الأقل، أعلن بايدن دعمه الثابت والقوي لإسرائيل في حربها، وهو ما ساهم في انقسامات حادة وكبيرة في إدارته، وفي الائتلاف الوطني الديمقراطي، وكان عاملاً بارزاً في انسحابه من انتخابات الرئاسة في نوفمبر، لكن هاريس استخدمت نهجاً آخراً.
قليل من العنف كثير من الدبلوماسية
النهج الآخر الذي تسلكه هاريس يعتمد بشكل أساسي على الدبلوماسية وتجنب التصعيد في المنطقة. وبينما تحظى إسرائيل بدعم خاص من نائبة الرئيس، فإن سياستها تجاه إيران ستكون أكثر إحتواءً وتفاهماً.
المؤرخ في جامعة ميشيجان، ديريك إيدي، انتقد الرأي القائل بأن هاريس "قد تمثل تحولاً طفيفاً إلى يسار بايدن" عندما يتعلق الأمر بفلسطين، واصفاً إياه بـ"كثير من الثرثرة".
وقال ديريك، إن هناك بعض الانقسام داخل الحزب الديمقراطي عندما يتعلق الأمر بفلسطين، خاصة مع النفوذ القوي لـ"لوبي إسرائيل" داخل المستويات العليا بشكل خاص في أروقة الحزب الديمقراطي، و"هاريس ليست استثناءً من ذلك".
فعندما كانت عضوة داخل مجلس الشيوخ، دعمت هاريس مسار الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران في 2015، من أجل السيطرة على تحركات الأخيرة في هذا الشأن.
وبعد 3 سنوات أدانت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني بشكل أحادي. واعتبرت أن هذا الانسحاب، الذي قام به الرئيس السابق دونالد ترمب، يضع واشنطن وحلفاءها في موقف ضعيف ويزيد من احتمالات نشوب صراع في المنطقة.
وقالت هاريس، حينها، إن "قرار انتهاك الاتفاق النووي الإيراني يعرض أمننا القومي للخطر ويعزلنا عن أقرب حلفائنا. هذا الاتفاق النووي ليس مثالياً، لكنه بالتأكيد أفضل أداة موجودة لدينا لمنع طهران من تطوير الأسلحة النووية، وتجنب صراع عسكري كارثي في الشرق الأوسط".
كما أدانت، الضربة العسكرية في يناير عام 2020، والتي اغتالت قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وأبدت مخاوفها مما قد ينتج عنه من تصعيد التوترات في المنطقة. وشاركت في رعاية تشريع "فاشل" لمنع المزيد من الأعمال العسكرية ضد القادة والأهداف الإيرانية.
وحال فوز هاريس بالانتخابات، رجح نائب وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط، وضابط وكالة الاستخبارات المركزية CIA المتقاعد، مايك مولوري، أنها ستحاول إعادة إحياء الاتفاق النووي، ولكن بشروط جديدة أو مراجعات قد تشمل قيوداً إضافية على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ونشاطاتها الإقليمية.
كما توقع مولوري، في حديث لـ"الشرق"، أن تسعى هاريس إلى اتباع سياسة تجمع بين الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية لتحقيق أهداف الأمن القومي الأميركي، وأن تنظر إلى إدارتها كفرصة لإعادة ضبط العلاقات مع إيران. والعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) أو نسخة جديدة منها.
بدوره، اتفق الخبير السياسي بيتر كوزنيك، مدير معهد الدراسات النووية بالجامعة الأميركية في واشنطن، مع مولوري، في أنه إذا فازت هاريس، فإن احتمالات تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران "قد تتحسن".
وقال كوزنيك في حديثه مع "الشرق"، إن هاريس دعمت خطة العمل الشاملة المشتركة في الماضي، وعلى عكس بايدن، ستكون أكثر ميلاً إلى استعادتها، خاصة مع انتخاب رئيس جديد أكثر اعتدالاً في إيران.
وأضاف كوزنيك أن مستشارها للأمن القومي، فيليب جوردون، ساعد في التفاوض على الاتفاق في المقام الأول: "أتوقع أن تحاول هاريس إعادة ضبط العلاقات مع إيران والتفاوض على صفقة جديدة مع طهران.. والمشكلة بالطبع هي أن إيران قد لا تكون على استعداد للمخاطرة بالثقة في واشنطن، بعد تهديدات ترمب في عام 2018. وفي كل الأحوال، ستحاول هاريس تهدئة التوترات بينما يعمل ترمب على تأجيجها".
سياسة هاريس في العراق وسوريا
في عام 2007، وباعتباره عضواً في مجلس الشيوخ ورئيساً للجنة العلاقات الدولية في المجلس، دعا بايدن إلى تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق جغرافية أقاليم للحكم الذاتي، هي كردستان وسنستان وشيعستان، وهي السياسة التي جعلته لا يتمتع بشعبية كبيرة بين الشعب العراقي.
وفي خضم التوتر العسكري في الشرق الأوسط على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة، استقبل بايدن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في أبريل الماضي. وخلال الزيارة، برزت تساؤلات بشأن جدوى الوجود العسكري الأميركي في العراق منذ عقدين من الزمان، خاصة مع إطلاق الصواريخ في المجال الجوي العراقي لاستهداف القواعد الأميركية الموجودة هناك.
وكانت الولايات المتحدة بدأت مع العراق محادثات رسمية في يناير الماضي، بشأن إنهاء التحالف الذي تم إنشاؤه لمساعدة الحكومة العراقية في محاربة تنظيم "داعش"، مع بقاء نحو 2000 جندي أميركي بموجب اتفاق مع بغداد. ودعا المسؤولون العراقيون بشكل دوري إلى انسحاب تلك القوات، لكن بايدن أصر على الاحتفاظ بها.
نائب وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط، مايك مولوري، يرى أنه مع تمتع الدولتين بعلاقة حساسة بسبب النفوذ الإيراني الكبير في العراق، فإن موقف هاريس تجاه العراق، إذا فازت، سيكون، غالباً، "استمراراً لسياسة الإدارة الحالية مع بعض التعديلات التي تعكس رؤيتها وأولوياتها السياسية".
وبينما يرجح الخبير السياسي بيتر كوزنيك، أنه من الممكن أن تعيد هاريس تقييم وجود القوات الأميركية في العراق باستمرار، مع التركيز على ضمان عدم حدوث فراغ أمني يمكن أن تستغله الجماعات المتشددة، وإمكانية سحب بعض القوات الموجودة هناك إذا سمح الأمر، فإن مولوري أكد أن كامالا ستسعى إلى الحفاظ على الوجود العسكري في العراق وسوريا بشكل قاطع، قائلاً: "أعتقد أنها تفهم جيداً أهمية المنطقة والحاجة إلى الحفاظ على وجود عسكري كبير هناك، ولن تسحب القوات من البلدين".
لكن كوزنيك، يرى أن وجود شخص مثل فيليب جوردون، كمستشار سياسي لهاريس، قد يغير التعامل الأميركي في العراق وسوريا. وأضاف أن جوردون كان واضحاً في معارضته لمحاولات واشنطن الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، قائلاً إنه "انضم إلى فريق أوباما بعد اتخاذ قرار الولايات المتحدة المتأخر بدعم معارضة الأسد بالأسلحة وأشكال أخرى من المساعدة"، مشيراً إلى أن جوردون كان معارضاً بشدة، في الوقت الذي كان فيه أوباما متشككاً بشأن دعم تغيير النظام في المنطقة.
وقال كوزنيك: "أعتقد أن الدبلوماسية والتعاون ستكون هي سياسة هاريس في العراق وسوريا. أما سحب القوات لا يمكن التنبؤ بها تماماً في ظل التوترات التي تحدث في الفترة الحالية".
هل تفوز هاريس بتركيا؟
وبالاتجاه إلى الدولة الحليفة في حلف شمال الأطلسي، اتسمت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا بـ"التوتر"، وأهملت إدارة بايدن في السنوات الأربع الأخيرة الحوار مع أنقرة.
ورغم التحسن الطفيف في العلاقات، مؤخراً، بعد مصادقة أنقرة على طلب السويد الانضمام إلى حلف "الناتو"، الذي كانت الولايات المتحدة تدعمه، فإن التوترات لا تزال قائمة بين البلدين، بما في ذلك بشأن شمال سوريا.
وتتحالف القوات الأميركية مع وحدات حماية الشعب، الفرع السوري لجماعة حزب العمال الكردستاني الذين تعتبرهم أنقرة "إرهابيين"، وتنفذ ضدهم عمليات عسكرية عبر الحدود.
ويرى أستاذ السياسات الدولية في جامعة حسن كالينكو التركية، مراد أصلان، أن رئاسة هاريس ستكون على نفس النهج الديمقراطي الذي يذكر بإدارة أوباما وبايدن، وعلى عكس ترمب الأكثر قرباً وميلاً للتعاون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال أصلان في حديثه مع "الشرق"، إن نهج هاريس يمكن قراءته من توجهات نخبتها، مثل منسق البيت الأبيض الحالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكجورك، الذي يدعم تماماً حزب العمال الكردستاني "وبالتالي، سيستمر في معارضة استعادة العلاقات مع تركيا تحت إدارة هاريس".
وفي هذا السياق، يظهر مرة أخرى اسم مستشار هاريس، فيليب جوردون، إذ يُرى أصلاً وجوده بين نخبة هاريس سبباً للتفاؤل، استناداً إلى كتابه الصادر عام 2008 تحت عنوان "الفوز بتركيا"، الذي يقترح أن الولايات المتحدة يجب أن تجعل أنقرة إلى جانبها في جهود التعافي لتخفيف التوترات في المنطقة.